المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 45 الى 48] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٨

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثامن]

- ‌سورة الحجر

- ‌تعريف بسورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 49 الى 60]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 61 الى 74]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 75 الى 84]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 85 الى 99]

- ‌تفسير سورة النّحل

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة النحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة النحل (16) : آية 14]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 17 الى 23]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 24 الى 29]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 48 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 55]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 61 الى 64]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 65 الى 67]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 68 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 73 الى 76]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 94 الى 97]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 98 الى 100]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 101 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 109]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 110 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 113]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 114 الى 115]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 118 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 124]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 125 الى 128]

- ‌تفسير سورة الأسراء

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : آية 1]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 8]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الإسراء (17) : آية 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 16 الى 22]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 23 الى 25]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 31 الى 39]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 40 الى 44]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 69]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 73 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 81]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 82 الى 84]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 85 الى 89]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 96]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 97 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 104]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 105 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌تفسير سورة الكهف

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 19 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 21]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 22]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 36]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 37 الى 41]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 42 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 49]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 65]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 74 الى 76]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 77 الى 78]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 79]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 80 الى 81]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 102]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 103 الى 106]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 107 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الحجر»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة النحل»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الإسراء»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الكهف»

الفصل: ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 45 الى 48]

[سورة الإسراء (17) : الآيات 45 الى 48]

وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَاّ رَجُلاً مَسْحُوراً (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (48)

والخطاب في قوله- تعالى-: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ

للرسول صلى الله عليه وسلم وقوله حِجاباً من الحجب بمعنى المنع.

قال صاحب المصباح: حجبه حجبا- من باب قتل-: منعه. ومنه قيل للستر:

حجاب لأنه يمنع المشاهدة. وقيل للبواب: حاجب، لأنه يمنع من الدخول. والأصل في الحجاب: جسم حائل بين جسدين، وقد استعمل في المعاني فقيل: العجز حاجب، أى: بين الإنسان ومراده.. «1» .

وقوله مَسْتُوراً ساترا، فهو من إطلاق اسم المفعول وإرادة اسم الفاعل. كميمون بمعنى يامن. ومشئوم بمعنى شائم.

واختار بعضهم أن مستورا على معناه الظاهر، من كونه اسم مفعول، لأن ذلك الحجاب مستور عن أعين الناس فلا يرونه، أو مستورا به القارئ فلا يراه غيره، ويجوز أن يكون مستورا، أى: ذا ستر فهو للنسب كمكان مهول: ذو هول..

وللمفسرين في تفسير هذه الآية أقوال، أشهرها قولان:

أولهما يرى أصحابه، أن المراد بالحجاب المستور: ما حجب الله به قلوب هؤلاء الكافرين

(1) المصباح المنير ج 121 للشيخ الفيومى.

ص: 362

عن الانتفاع بهدى القرآن الكريم، بسبب جحودهم وجهلهم وإصرارهم على كفرهم. فهو حجاب معنوي خفى، حال بينهم وبين الانتفاع بالقرآن.

فهم يستمعون إليه، ولكنهم يجاهدون قلوبهم ألا ترق له، ويمانعون فطرتهم عن التأثر به، فكان استماعهم له كعدمه، وعاقبهم الله على ذلك بأن طمس بصائرهم عن فقهه.

والمعنى: وإذا قرأت- أيها الرسول الكريم- القرآن الهادي إلى الطريق التي هي أقوم، جعلنا- بقدرتنا، ومشيئتنا-، بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة، حجابا يحجبهم ويمنعهم عن إدراك أسراره وهداياته، وساترا بينك وبينهم، بحيث لا يصل القرآن إلى قلوبهم وصول انتفاع وهداية.

ويشهد لهذا المعنى قوله- تعالى-: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ، وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ، فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ «1» .

ومن المفسرين الذين اكتفوا بهذا القول، فلم يذكروا غيره، الإمام البيضاوي، فقد قال- رحمه الله: قوله: وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا يحجبهم عن فهم ما تقرؤه عليهم مَسْتُوراً ذا ستر: كقوله- تعالى-: إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا أى مستورا عن الحس.. «2» .

أما القول الثاني فيرى أصحابه: أن المراد بالحجاب المستور، أن الله- تعالى- يحجب نبيه صلى الله عليه وسلم عن أعين المشركين، بحيث لا يرونه في أوقات معينة، لحكم منها: النجاة من شرورهم.

فيكون المعنى: وإذا قرأت القرآن- أيها الرسول الكريم- جعلنا بينك وبين هؤلاء الكافرين، حجابا ساترا لك عنهم بحيث لا يرونك، عند ما تكون المصلحة في ذلك.

وقد استشهد أصحاب هذا القول بما أخرجه الحافظ أبو يعلى عن أسماء بنت أبى بكر قالت: لما نزلت سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ جاءت العوراء أم جميل ولها ولولة، وفي يدها فهر- أى حجر- وهي تقول: مذمّما أتينا، وأمره عصينا، ودينه قلينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، وأبو بكر إلى جنبه.

فقال أبو بكر: يا رسول الله، لقد أقبلت هذه وأخاف أن تراك، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنها

(1) سورة فصلت الآية 5.

(2)

تفسير البيضاوي ج 1 ص 587.

ص: 363

لن تراني» وقرأ قرآنا اعتصم به منها، ومما قرأه-: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً.

فجاءت حتى قامت على أبى بكر، فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر، بلغني أن صاحبك هجانى: فقال أبو بكر: لا ورب هذا البيت ما هجاك.

فانصرفت وهي تقول: لقد علمت قريش أنى بنت سيدها «1» .

ومن المفسرين الذين استظهروا هذا القول، الإمام القرطبي، فقد قال بعد أن ذكر ما روى عن أسماء بنت أبى بكر- رضى الله عنهما-: وقال سعيد بن جبير: لما نزلت سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ جاءت امرأة أبى لهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، فقال أبو بكر لو تنحيت عنها لئلا تسمعك ما يؤذيك فإنها امرأة بذيّة.

فقال صلى الله عليه وسلم: «إنه سيحال بيني وبينها» فلم تره. فقالت لأبى بكر: يا أبا بكر هجانا صاحبك.

فقال أبو بكر: والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله. فاندفعت راجعة. فقال أبو بكر:

يا رسول الله، أما رأتك؟.

قال: لا. ما زال ملك بيني وبينها يسترني حتى ذهبت.

ثم قال القرطبي: وقيل: الحجاب المستور، طبع الله على قلوبهم حتى لا يفقهوه:

ولا يدركوا ما فيه من الحكمة. قاله قتادة. وقال الحسن: أى أنهم لإعراضهم عن قراءتك، وتغافلهم عنك كمن بينك وبينه حجاب في عدم رؤيتهم لك، حتى كأن على قلوبهم أغطية

ثم قال: والقول الأول أظهر في الآية «2» .

ويبدو لنا أن كلا القولين صحيح في ذاته، وأن كل واحد منهما يحكى حالات معينة، ويشهد لذلك ما نقله الجمل في حاشيته على الجلالين عن شيخه فقد قال- رحمه الله. قوله:

حِجاباً مَسْتُوراً، أى: ساترا لك عنهم فلا يرونك وهذا بالنسبة لبعضهم، كان يحجب بصره عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراده بمكروه وهو يقرأ القرآن: وبعضهم كان يحجب قلبه عن إدراك معاني القرآن.. وبعضهم كان ينفر عند قراءة القرآن.. «3» .

وقوله- تعالى-: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ

(1) تفسير ابن كثير ج 5 ص 89.

(2)

تفسير القرطبي ج 10 ص 269.

(3)

حاشية الجمل على الجلالين ج 2 ص 268. بتصرف وتلخيص-.

ص: 364

فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً يؤكد أن المشركين كانوا طوائف متعددة بالنسبة لموقفهم من القرآن الكريم، ومن النبي صلى الله عليه وسلم.

أى: وجعلنا على قلوب هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ أى:

أغطية تسترها وتمنعها من فقه القرآن الكريم، وفهمه فهما سليما.

وجعلنا- أيضا-: فِي آذانِهِمْ وَقْراً أى: صمما وثقلا عظيما يمنعهم من سماعه سماعا ينفعهم.

وقوله: - سبحانه-: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً بيان لرذيلة أخرى من رذائلهم المتعددة.

أى: وإذا ذكرت أيها الرسول الكريم- ربك في القرآن وحده، دون أن تذكر معه آلهتهم المزعومة انفضوا من حولك ورجعوا على أعقابهم نافرين شاردين كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ.

وبذلك ترى أن هاتين الآيتين قد صورتا قبائح المشركين المتنوعة أبلغ تصوير، لتزيد في فضيحتهم وجهلهم، ولتجعل المؤمنين يزدادون إيمانا على إيمانهم.

ثم ساق- سبحانه- ما يدل على كمال علمه. وأنه- تعالى- سيجازى هؤلاء الكافرين بما يستحقون من عقاب، فقال- عز وجل: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ. إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى، إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً.

والباء في قوله- سبحانه-: بِما يَسْتَمِعُونَ متعلقة بأعلم، ومفعول يَسْتَمِعُونَ محذوف، تقديره، القرآن.

قال الآلوسى: قوله: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ أى: متلبسين به من اللغو والاستخفاف، والاستهزاء بك وبالقرآن. يروى أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم عن يمينه رجلان من بنى عبد الدار، وعن يساره رجلان منهم، فيصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار- إذا قرأ القرآن-.

ويجوز أن تكون الباء للسببية أو بمعنى اللام. أى: نحن أعلم بما يستمعون بسببه أو لأجله من الهزء، وهم متعلقة بيستمعون.. وأفعل التفضيل في العلم والجهل يتعدى بالباء، وفي سوى ذلك يتعدى باللام، فيقال: هو أكسى للفقراء، والمراد من كونه- سبحانه- أعلم بذلك:

الوعيد لهم.. «1» .

(1) تفسير الآلوسى ج 15 ص 89.

ص: 365

وإذ في قوله إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى ظرف لأعلم.

ولفظ نَجْوى مصدر بمعنى التناجي والمسارة في الحديث. وقد جعلوا عين النجوى على سبيل المبالغة، كما في قولهم: قوم عدل.

ويجوز أن يكون جمع نجىّ، كقتلى جمع قتيل أى: وإذ هم متناجون في أمرك.

والمعنى: نحن- أيها الرسول الكريم- على علم تام بأحوال المشركين عند استماعهم للقرآن الكريم. حين تتلوه عليهم، وبالطريقة التي يستمعون بها وبالغرض الذي من أجله يستمعون إليك. وعلى علم تام بأحوالهم حين يستمعون إليك فرادى: وحين يستمعون إليك ثم يتناجون فيما بينهم بالإثم والعدوان، والتواصي بمعصيتك.

فالجملة الكريمة وعيد شديد للمشركين على استماعهم المصحوب بالاستهزاء والسخرية من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن القرآن. وتسلية له صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم، وبيان لشمول علم الله- تعالى- لكل أحوالهم الظاهرة والخفية.

وقوله- تعالى-: إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً بدل من قوله- تعالى-: وَإِذْ هُمْ نَجْوى.

والمسحور. هو الذي سحر فاختلط عقله، وزالت عنه الهيئة السوية.

أى: ونحن أعلم بهؤلاء الأشقياء- أيضا- عند ما يقول بعضهم لبعض: لا تتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم فيما يدعو إليه، فإنكم إن اتبعتموه تكونون قد اتبعتم رجلا مسحورا، أصابه السحر فأخرجه عن وعيه وعقله.

وقال- سبحانه-: إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ بالإظهار دون الإضمار، لتسجيل الظلم عليهم فيما تفوهوا به، وأنهم سيستحقون عقوبة الظالم.

وقوله- تعالى-: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا تسلية عظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم، وتثبيت له وللمؤمنين على الطريق الحق الذي هداهم الله- تعالى- إليه.

أى: انظر وتأمل- أيها الرسول الكريم- كيف أن هؤلاء المشركين. قد بلغ بهم الجحود والفجور، أنهم مثلوا لك الأمثال، فوصفوك تارة بأنك مسحور، وتارة بأنك شاعر.

وهم في وصفهم هذا، قد ضلوا عن الحق ضلالا بعيدا، وصاروا كالحيران الذي التبست عليه الطرق، فأمسى لا يعرف السبيل الذي يسلكه.

هذا، وقد ذكر الإمام ابن كثير رحمة الله- عند تفسيره لهذه الآيات، ما يدل على أن

ص: 366

المشركين كانوا يستمعون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عند قراءته للقرآن.

فقال: قال محمد بن إسحاق في السيرة: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، أنه حدّث أن أبا سفيان بن حرب، وأبا جهل بن هشام، والأخنس بن شريق.. خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى بالليل في بيته، فأخذ كل واحد منهم مجلسا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا.

حتى إذا جمعتهم الطريق، تلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا، ثم انصرفوا.

حتى إذا كانت الليلة التالية، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا. حتى إذا جمعتهم الطريق، قال بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة، ثم انصرفوا.

حتى إذا كانت الليلة الثالثة، أخذ كل رجل منهم مجلسه. فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا.

فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته، فقال: أخبرنى يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو سفيان: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها. ولا ما يراد بها.

فقال الأخنس: وأنا والذي حلفت به، قال: ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل.

فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان قالوا: منّا نبي يأتيه الوحى من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه. قال: فقام عنه الأخنس وتركه «1» .

ثم حكى- سبحانه- أقوالهم الباطلة، في شأن البعث والحساب يوم القيامة ورد عليها بما يزهق باطلهم، فقال- تعالى-:

(1) تفسير ابن كثير ج 5 ص 81 طبعة دار الشعب- القاهرة.

ص: 367