المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعريف بسورة الإسراء - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٨

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثامن]

- ‌سورة الحجر

- ‌تعريف بسورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 49 الى 60]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 61 الى 74]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 75 الى 84]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 85 الى 99]

- ‌تفسير سورة النّحل

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة النحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة النحل (16) : آية 14]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 17 الى 23]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 24 الى 29]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 48 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 55]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 61 الى 64]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 65 الى 67]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 68 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 73 الى 76]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 94 الى 97]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 98 الى 100]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 101 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 109]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 110 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 113]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 114 الى 115]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 118 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 124]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 125 الى 128]

- ‌تفسير سورة الأسراء

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : آية 1]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 8]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الإسراء (17) : آية 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 16 الى 22]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 23 الى 25]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 31 الى 39]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 40 الى 44]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 69]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 73 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 81]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 82 الى 84]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 85 الى 89]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 96]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 97 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 104]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 105 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌تفسير سورة الكهف

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 19 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 21]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 22]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 36]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 37 الى 41]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 42 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 49]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 65]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 74 الى 76]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 77 الى 78]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 79]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 80 الى 81]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 102]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 103 الى 106]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 107 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الحجر»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة النحل»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الإسراء»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الكهف»

الفصل: ‌تعريف بسورة الإسراء

‌تعريف بسورة الإسراء

1-

سورة الإسراء هي السورة السابعة عشرة في ترتيب المصحف، فقد سبقتها سورة:

الفاتحة، والبقرة، وآل عمران، والنساء.... إلخ.

أما ترتيبها في النزول، فقد ذكر السيوطي في الإتقان أنها السورة التاسعة والأربعون، وأن نزولها كان بعد سورة القصص «1» .

2-

وتسمى- أيضا- بسورة بنى إسرائيل، وبسورة «سبحان» ، وعدد آياتها عند الجمهور إحدى عشرة آية ومائة، وعند الكوفيين عشر آيات ومائة آية.

3-

ومن الأحاديث التي وردت في فضلها، ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن مسعود- رضى الله عنه- أنه قال في بنى إسرائيل، والكهف ومريم: إنهن من العتاق الأول، وهنّ من تلادى «2» .

والعتاق: جمع عتيق وهو القديم، وكذلك التالد بمعنى القديم. ومراده- رضى الله عنه- أن هذه السور من أول ما حفظه من القرآن.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا حماد بن زيد، عن مروان عن أبى لبابة، قال: سمعت عائشة- رضى الله عنها- تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول:

ما يريد أن يفطر، ويفطر حتى نقول: ما يريد أن يصوم، وكان يقرأ كل ليلة:«بنى إسرائيل» و «الزمر» «3» .

4-

ومن وجوه مناسبة هذه السورة لما قبلها، ما ذكره أبو حيان بقوله:«ومناسبة هذه لما قبلها، أنه- تعالى- لما أمره- في آخر النحل- بالصبر، ونهاه عن الحزن عليهم، وعن أن يضيق صدره من مكرهم، وكان من مكرهم نسبته إلى الكذب والسحر والشعر، وغير ذلك مما رموه به، أعقب- تعالى- ذلك بذكر شرفه، وفضله، واحتفائه به، وعلو منزلته عنده» «4» .

(1) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج 1 ص 27 طبعة المشهد الحسيني.

(2، 3) تفسير ابن كثير ج 5 ص 3- طبعة مكتبة الشعب.

(4)

تفسير البحر المحيط لأبى حيان ج 6 ص 3.

ص: 273

5-

وسورة الإسراء من السور المكية، ومن المفسرين الذين صرحوا بذلك دون أن يذكروا خلافا في كونها مكية. الزمخشري، وابن كثير، والبيضاوي، وأبو حيان.

وقال الآلوسى: وكونها كذلك بتمامها قول الجمهور.

وقيل: هي مكية إلا آيتين: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ

وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ.

وقيل: إلا أربعا، هاتان الآيتان، وقوله- تعالى-: وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ....

وقوله- سبحانه-: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ

«1» .

والذي تطمئن إليه النفس أن سورة الإسراء بتمامها مكية- كما قال جمهور المفسرين- لأن الروايات التي ذكرت في كون بعض آياتها مدنية، لا تنهض دليلا على ذلك لضعفها

والذي يغلب على الظن أن نزول هذه السورة الكريمة: أو نزول معظمها، كان في أعقاب حادث الإسراء والمعراج.

وذلك لأن السورة تحدثت عن هذا الحدث، كما تحدثت عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم حديثا مستفيضا، وحكت إيذاء المشركين له، وتطاولهم عليه، وتعنتهم معه، كمطالبتهم إياه بأن يفجر لهم من الأرض ينبوعا

وقد ردت السورة الكريمة على كل ذلك، بما يسلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويثبته، ويرفع منزلته، ويعلى قدره

في تلك الفترة الحرجة من حياته صلى الله عليه وسلم وهي الفترة التي أعقبت موت زوجه السيدة خديجة- رضى الله عنها- وموت عمه أبى طالب

6-

(أ) وعند ما نقرأ سورة الإسراء نراها في مطلعها تحدثنا عن إسراء الله- تعالى- بنبيه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعن الكتاب الذي آتاه الله- تعالى- لموسى- عليه السلام ليكون هداية لقومه، وعن قضاء الله في بنى إسرائيل

قال- تعالى-: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ، أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا. ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً

(1) تفسير الآلوسى ج 15 ص 2. [.....]

ص: 274

شَكُوراً. وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً..

(ب) ثم يبين- سبحانه- بعد ذلك أن هذا القرآن قد أنزله- سبحانه- على نبيه صلى الله عليه وسلم ليهدى الناس إلى الطريق الأقوم، وليبشر المؤمنين بالأجر الكبير، وأن كل إنسان مسئول عن عمله، وسيحاسب عليه يوم القيامة، دون أن تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى

قال- تعالى-: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ، أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً....

إلى أن يقول- سبحانه-: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ، وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها، وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا.

(ج) ثم تسوق السورة الكريمة سنة من سنن الله في خلقه، وهي أن عاقبة الترف والفسق، الدمار والهلاك، وأن من يريد العاجلة كانت نهايته إلى جهنم، ومن يريد الآخرة ويقدم لها العمل الصالح كانت نهايته إلى الجنة.

استمع إلى القرآن الكريم وهو يصور هذه المعاني بأسلوبه البليغ فيقول: وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها. فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً. وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ. وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً. مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ، ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً.

(د) وبعد أن بين- سبحانه- أن سعادة الآخرة منوطة بإرادتها، وبأن يسعى الإنسان لها وهو مؤمن، عقب ذلك بذكر بضع وعشرين نوعا من أنواع التكاليف، التي متى نفذها المسلم ظفر برضى الله- تعالى- ومثوبته، ومن تلك التكاليف قوله- تعالى-: لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ.

وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً

وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً

وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ....

ص: 275

وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا.

وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ.

وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ.

وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ

وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً

(هـ) وبعد أن ساقت السورة الكريمة تلك التكاليف المحكمة التي لا يتطرق إليها النسخ أو النقض، في ثماني عشرة آية، أتبعت ذلك بالثناء على القرآن الكريم، وبتنزيه الله- تعالى- عن الشريك، وببيان أن كل شيء يسبح بحمده- عز وجل.

قال- تعالى-: وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً. قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ، إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا. سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً. تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً.

(و) ثم تحكى السورة الكريمة جانبا من أقوال المشركين، وترد عليها بما يدحضها، وتأمر المؤمنين بأن يقولوا الكلمة التي هي أحسن.. فتقول:.

وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً. قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً. أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ، فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ، قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً. يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ، وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا. وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً.

(ز) وبعد أن تقرر السورة الكريمة شمول علم الله- تعالى- لكل شيء، وقدرته على كل شيء، بعد أن تقرر ذلك، تحكى لنا جانبا من قصة آدم وإبليس فتقول:.

وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً. قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ، لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا. قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً.

(ح) ثم تسوق السورة بعد ذلك ألوانا من نعم الله على عباده في البر والبحر، وألوانا من

ص: 276

تكريمه لبنى آدم، كما تصور أحوال الناس يوم القيامة، وعدالة الله- تعالى- في حكمه عليهم فتقول:

وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ، فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً. أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ، أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا

ثم يقول- سبحانه-: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ، وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ، وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا. يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ، فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا

(ط) ثم تحكى السورة جانبا من نعم الله- تعالى- على نبيه صلى الله عليه وسلم حيث ثبته- سبحانه- أمام مكر أعدائه، وأمره بالمداومة على الصلاة وعلى قراءة القرآن، لأن ذلك يزيده ثباتا على ثباته، وتكريما على تكريمه.

قال- تعالى-: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ، وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا. وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا.

(ى) ثم يقول- سبحانه-: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً. وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً..

(ك) وبعد أن تقرر السورة الكريمة طبيعة الإنسان، وتقرر أن الروح من أمر الله- تعالى- تتبع ذلك بالثناء على القرآن الكريم، وببيان أنه المعجزة الخالدة للرسول صلى الله عليه وسلم، وبإيراد المطالب المتعنتة التي طالب المشركون بها النبي صلى الله عليه وسلم.

استمع إلى القرآن الكريم وهو يقرر كل ذلك بأسلوبه البليغ فيقول: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً. وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً. وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً. أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً، أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ، قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا

.

ص: 277

(ل) ثم تسوق السورة الكريمة في أواخرها الدلائل الدالة على وحدانية الله- تعالى- وقدرته، وتحكى جانبا من قصة موسى- عليه السلام مع فرعون وتؤكد أن هذا القرآن أنزله الله- تعالى- بالحق، وبالحق نزل، وأنه نزله مفرقا ليقرأه الناس على تؤدة وتدبر.

وكما افتتحت السورة الكريمة بالثناء على الله- تعالى-، فقد اختتمت بحمد الله- تعالى- وتكبيره. قال- تعالى-:

وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً.

(م) وبعد فهذا عرض إجمالى لأهم الموضوعات والمقاصد التي اشتملت عليها سورة الإسراء. ومن هذا العرض يتبين لنا ما يلى:.

1-

أن سورة الإسراء- كغيرها من السور المكية- قد اهتمت اهتماما بارزا بتنقية العقيدة من كل ما يشوبها من شرك أو انحراف عن الطريق المستقيم.

وقد ساقت السورة في هذا المجال أنواعا متعددة من البراهين على وحدانية الله- تعالى- وعلمه وقدرته، ووجوب إخلاص العبادة له، وعلى تنزيهه- سبحانه- عن الشريك، ومن ذلك قوله- تعالى-:

أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً. وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً. قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ، إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا. سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً.

2-

كذلك على رأس الموضوعات التي فصلت السورة الحديث عنها، شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ابتدأت بإسراء الله- تعالى- به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، حيث أراه- سبحانه- من آياته ما أراه، ثم تحدثت عن طبيعة رسالته، وعن مزاياها، وعن موقف المشركين منه، وعن المطالب المتعنتة التي طلبوها منه، وعن تثبيت الله- تعالى- له، وعن تبشيره بحسن العاقبة

قال- تعالى-: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.

3-

من الواضح- أيضا- أن سورة الإسراء اعتنت بالحديث عن القرآن الكريم، من حيث هدايته، وإعجازه، ومنع الذين لا يؤمنون به عن فقهه، واشتماله على ما يشفى الصدور، وتكراره للبينات والعبر بأساليب مختلفة، ونزوله مفرقا ليقرأه الناس على مكث..

ص: 278

ومن الآيات التي وردت في ذلك قوله- تعالى-:

إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ....

وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ

وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ، وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ، وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا

4-

اهتمت السورة الكريمة اهتماما بينا، بالحديث عن التكاليف الشرعية، المتضمنة لقواعد السلوك الفردى والجماعى.

وقد ذكرت السورة أكثر من عشرين تكليفا، في آيات متتالية، بدأت بقوله- تعالى-:

لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا الآية 22 وانتهت بقوله- تعالى-:

كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً الآية 38.

وبجانب حديثها المستفيض عن التكاليف الشرعية، تحدثت- أيضا- عن طبيعة الإنسان في حالتي العسر واليسر، وعن بخله الشديد بما يملكه

قال- تعالى-: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ، وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً.

وقال- سبحانه-: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي، إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً.

5-

ومن الجوانب التي حرصت السورة الكريمة على تجليتها والكشف عنها: بيان سنن الله التي لا تتخلف في الهداية والإضلال، وفي الثواب والعقاب، وفي النصر والخذلان، وفي الرحمة والإهلاك، ومن ذلك قوله- تعالى-:

مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها، وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا.

وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها، فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً.

يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا. وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا.

ص: 279

إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها....

هذه بعض المقاصد الإجمالية التي اشتملت عليها سورة الإسراء، وهناك مقاصد أخرى يراها المتأمل فيها، والمتدبر لآياتها، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

د. محمد سيد طنطاوى

ص: 280