المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحجر (15) : الآيات 75 الى 84] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٨

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثامن]

- ‌سورة الحجر

- ‌تعريف بسورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 49 الى 60]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 61 الى 74]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 75 الى 84]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 85 الى 99]

- ‌تفسير سورة النّحل

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة النحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة النحل (16) : آية 14]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 17 الى 23]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 24 الى 29]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 48 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 55]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 61 الى 64]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 65 الى 67]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 68 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 73 الى 76]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 94 الى 97]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 98 الى 100]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 101 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 109]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 110 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 113]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 114 الى 115]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 118 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 124]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 125 الى 128]

- ‌تفسير سورة الأسراء

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : آية 1]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 8]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الإسراء (17) : آية 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 16 الى 22]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 23 الى 25]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 31 الى 39]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 40 الى 44]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 69]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 73 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 81]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 82 الى 84]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 85 الى 89]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 96]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 97 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 104]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 105 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌تفسير سورة الكهف

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 19 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 21]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 22]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 36]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 37 الى 41]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 42 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 49]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 65]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 74 الى 76]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 77 الى 78]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 79]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 80 الى 81]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 102]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 103 الى 106]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 107 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الحجر»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة النحل»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الإسراء»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الكهف»

الفصل: ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 75 الى 84]

وهكذا أخذ الله- تعالى- هؤلاء المجرمين أخذ عزيز مقتدر، حيث أهلكهم بهذه العقوبة التي تتناسب مع جريمتهم، فهم قلبوا الأوضاع، فأتوا بفاحشة لم يسبقوا إليها، فانتقم الله- تعالى- منهم بهذه العقوبة التي جعلت أعلى مساكنهم أسفلها.

ثم ساقت السورة الكريمة بعض العبر والعظات التي يهتدى بها العقلاء من قصتي إبراهيم ولوط- عليهما السلام كما ساقت بعد ذلك جانبا من قصتي شعيب وصالح- عليهما السلام فقال- تعالى-:

[سورة الحجر (15) : الآيات 75 الى 84]

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (79)

وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (81) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (84)

فاسم الإشارة في قوله- سبحانه- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ يعود إلى ما تضمنته القصة السابقة من عبر وعظات.

والآيات جمع آية، والمراد بها هنا الأدلة والعلامات الدالة على ما يوصل إلى الحق والهداية.

والمتوسمون: جمع المتوسم، وهو المتأمل في الأسباب وعواقبها، وفي المقدمات ونتائجها..

قال القرطبي ما ملخصه: التوسم تفعل من الوسم، وهي العلامة التي يستدل بها على مطلوب غيره. يقال: توسمت في فلان الخير، إذا رأيت ميسم ذلك فيه، ومنه قول عبد الله ابن رواحة للنبي صلى الله عليه وسلم.

إنى توسمت فيك الخير أعرفه

والله يعلم أنى ثابت البصر

ص: 68

وأصل التوسم: التثبت والتفكر، مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير وغيره.. وذلك يكون بجودة القريحة، وحدة الخاطر، وصفاء الفكر، وتطهير القلب من أدناس المعاصي.

والمراد بالمتوسمين: المتفرسين، أو المتفكرين، أو المعتبرين، أو المتبصرين.. والمعنى متقارب..» «1» .

والمعنى: إن في ذلك الذي سقناه في قصتي إبراهيم ولوط- عليهما السلام لأدلة واضحة على حسن عاقبة المؤمنين وسوء عاقبة الغاوين، لمن كان ذا فكر سليم، وبصيرة نافذة تتأمل في حقائق الأشياء، وتتعرف على ما يوصلها إلى الهداية والطريق القويم.

قال بعض العلماء عند تفسيره لهذه الآية: هذه الآية أصل في الفراسة. أخرج الترمذي من حديث أبى سعيد مرفوعا: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» ثم قرأ صلى الله عليه وسلم هذه الآية

وقد أجاد الكلام في الفراسة، الراغب الأصفهاني في كتابه «الذريعة» حيث قال في الباب السابع: وأما الفراسة فالاستدلال بهيئة الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله، على أخلاقه وفضائله ورذائله

وقد نبه- سبحانه- على صدقها بقوله إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وبقوله تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً «2» . وبقوله وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ «3» .

ولفظها مأخوذ من قولهم «فرس السبع الشاه» فكأن الفراسة اختلاس المعارف «4» .

وفي هذه الآية الكريمة تعريض لمن تمر عليهم العبر والعظات. والأدلة الدالة على وحدانية الله- تعالى-، وكمال قدرته

فلا يعتبرون ولا يتعظون ولا يتفكرون فيها، لانطماس بصيرتهم، واستيلاء الأهواء والشهوات على نفوسهم، كما قال- تعالى- وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ

(1) راجع تفسير القرطبي ج 10 ص 42.

(2)

سورة البقرة الآية 273.

(3)

سورة محمد الآية 30.

(4)

راجع تفسير القاسمى ج 14 ص 3764.

ص: 69

فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ. وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ، إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ «1» .

والضمير في قوله- سبحانه- وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ يعود إلى المدينة أو القرى التي كان يسكنها قوم لوط- عليه السلام.

أى: وإن هذه المساكن التي كان يسكنها هؤلاء المجرمون، لبطريق ثابت واضح يسلكه الناس، ويراه كل مجتاز له وهو في سفره من الحجاز إلى الشام، كما قال- تعالى- وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ

«2» .

والمقصود تذكير كفار قريش وغيرهم بعاقبة الظالمين، حتى يقلعوا عن كفرهم وجحودهم، وحتى يعتبروا ويتعظوا، ويدخلوا مع الداخلين في دين الإسلام.

وقوله- سبحانه-: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ تذييل قصد به التعميم بعد التخصيص، لأن اسم الإشارة هنا يعود إلى جميع ما تقدم من قصتي إبراهيم ولوط- عليهما السلام وإلى ما انضم إليهما من التذكير بآثار الأقوام المهلكين.

أى: إن فيما ذكرناه فيما سبق من أدلة واضحة على حسن عاقبة المتقين، وسوء نهاية الظالمين، لعبرة واضحة، وحكمة بالغة، للمؤمنين الصادقين.

وخصهم بالذكر لأنهم هم المنتفعون بالأدلة والعظات، وللتنبيه على أن التفرس في الأمور لمعرفة أسبابها ونتائجها من صفاتهم وحدهم.

وجمع الآيات قبل ذلك في قوله إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وأفردها هنا فقال:

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ للأشعار بأن المؤمنين الصادقين تكفى لهدايتهم، ولزيادة إيمانهم، آية واحدة من الآيات. الدالة على أن دين الإسلام هو الدين الحق، وفي ذلك ما فيه من الثناء عليهم، والمدح لهم، بصدق الإيمان، وسلامة اليقين

ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك جانبا من قصة أصحاب الأيكة لزيادة العظات والعبر، فقال- تعالى-: وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ. فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ وإِنْ هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن المحذوف.

وأصحاب الأيكة، هم قوم شعيب- عليه السلام، والأيك الشجر الكثير الملتف واحدته أيكة- كتمر وتمره-.

(1) سورة يوسف الآيتان 105، 106. [.....]

(2)

سورة الصافات الآيتان 137، 138.

ص: 70

والمراد بها البقعة الكثيرة الأشجار التي كانت فيها مساكنهم، قرب مدين قرية شعيب- عليه السلام.

وجمهور العلماء على أن أهل مدين وأصحاب الأيكة قبيلة واحدة، وأرسل الله- تعالى- إليهم جميعا شعيبا- عليه السلام لأمرهم بإخلاص العبادة لله- تعالى-، ونهيهم عن تطفيف الكبل والميزان، وعن قطع الطريق

وكانوا جميعا يسكنون في المنطقة التي تسمى بمعّان، على حدود الحجاز والشام، أو أن بعضهم كان يسكن الحاضرة وهم أهل مدين، والبعض الآخر كان يسكن في البوادي المجاورة لها والمليئة بالأشجار.

وقيل: إن شعيبا- عليه السلام أرسل إلى أمتين: أهل مدين، وأصحاب الأيكة، وهذه خصوصية له- عليه السلام.

وعلى أية حال فالعلماء متفقون على أن أصحاب الأيكة هم قوم شعيب- عليه السلام.

والإمام: الطريق الواضح المعالم. وسمى الطريق إماما لأن المسافر يأتم به، ويهتدى بمسالكه، حتى يصل إلى الموضع الذي يريده.

والمعنى: وإن الشأن والحال أن أصحاب الأيكة كانوا ظالمين متجاوزين لكل حد، فاقتضت عدالتنا أن ننتقم منهم، بسبب كفرهم وفجورهم.

وَإِنَّهُما أى مساكن قوم لوط، ومساكن قوم شعيب لَبِإِمامٍ مُبِينٍ أى: لبطريق واضح يأتم به أهل مكة في سفرهم من بلادهم إلى بلاد الشام.

قال ابن كثير: وقد كانوا- أى أصحاب الأيكة- قريبا من قوم لوط، بعدهم في الزمان، ومسامتين لهم في المكان، ولهذا لما أنذر شعيب قومه قال في إنذاره لهم وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ «1» .

ثم ختمت السورة الكريمة حديثها عن قصص الأنبياء مع أقوامهم بجانب من قصة صالح- عليه السلام مع قومه. فقال- تعالى- وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ

وأصحاب الحجر: هم ثمود قوم صالح- عليه السلام.

والحجر: واد بين الشام والمدينة المنورة، كان قوم صالح يسكنونه. والحجر في الأصل:

(1) تفسير ابن كثير ج 4 ص 492.

ص: 71

كل مكان أحاطت به الحجارة، أو كل مكان محجور أى ممنوع من الناس بسبب اختصاص بعضهم به.

وما زال هذا المكان يعرف إلى الآن باسم مدائن صالح على الطريق من خيبر إلى تبوك، كما أشرنا إلى ذلك عند التعريف بالسورة الكريمة.

وقال- سبحانه-: وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ مع أنهم لم يكذبوا إلا رسولهم- عليه السلام، لأن تكذيب رسول واحد، تكذيب لجميع الرسل، حيث إن رسالتهم واحدة، وهي الأمر بإخلاص العبادة لله- تعالى- وحده، والدعوة إلى مكارم الأخلاق، والنهى عن الرذائل والمفاسد.

ثم بين- سبحانه- مظاهر هذا التكذيب لرسولهم- عليه السلام فقال: وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ.

أى: وأعطينا قوم صالح- عليه السلام آياتنا الدالة على صدقه وعلى أنه رسول من عندنا، والتي من بينها الناقة التي أخرجها الله- تعالى- لهم ببركة دعاء نبيهم فَكانُوا عَنْها أى عن هذه الآيات الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا مُعْرِضِينَ لا يلتفتون إليها، ولا يفكرون فيها، ولهذا عقروا الناقة وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.

ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر حضارتهم وتحصنهم في بيوتهم المنحوتة في الجبال فقال- تعالى- وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ.

وينحتون: من النحت وهو برى الحجر من وسطه أو جوانبه، لإعداده للبناء أو للسكن أى: وكانوا لقوتهم وغناهم يتخذون لأنفسهم بيوتا في بطون الجبال وهم آمنون مطمئنون، أو يقطعون الصخر منها ليتخذوه بيوتا لهم.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ «1» ، أى: حاذقين في نحتها. وقوله- تعالى- وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً «2» .

قال ابن كثير: ذكر- تعالى- أنهم كانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ أى: من

(1) سورة الشعراء الآية 149.

(2)

سورة الأعراف الآية 74.

ص: 72