المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النحل (16) : الآيات 65 الى 67] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٨

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثامن]

- ‌سورة الحجر

- ‌تعريف بسورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 49 الى 60]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 61 الى 74]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 75 الى 84]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 85 الى 99]

- ‌تفسير سورة النّحل

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة النحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة النحل (16) : آية 14]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 17 الى 23]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 24 الى 29]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 48 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 55]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 61 الى 64]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 65 الى 67]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 68 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 73 الى 76]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 94 الى 97]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 98 الى 100]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 101 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 109]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 110 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 113]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 114 الى 115]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 118 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 124]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 125 الى 128]

- ‌تفسير سورة الأسراء

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : آية 1]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 8]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الإسراء (17) : آية 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 16 الى 22]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 23 الى 25]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 31 الى 39]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 40 الى 44]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 69]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 73 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 81]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 82 الى 84]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 85 الى 89]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 96]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 97 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 104]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 105 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌تفسير سورة الكهف

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 19 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 21]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 22]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 36]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 37 الى 41]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 42 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 49]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 65]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 74 الى 76]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 77 الى 78]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 79]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 80 الى 81]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 102]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 103 الى 106]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 107 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الحجر»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة النحل»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الإسراء»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الكهف»

الفصل: ‌[سورة النحل (16) : الآيات 65 الى 67]

ثم بين- سبحانه- أهم الوظائف التي من أجلها أنزل كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال: وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.

أى: وما أنزلنا عليك- أيها الرسول الكريم- هذا القرآن، إلا من أجل أن تبين لمن أرسلت إليهم وجه الصواب فيما اختلفوا فيه من أمور العقائد والعبادات والمعاملات والحلال والحرام

وبذلك يعرفون الحق من الباطل، والخير من الشر.

وسيقت هذه المعاني بأسلوب القصر، لقصد الإحاطة بأهم الغايات التي من أجلها أنزل الله- تعالى- كتابه على نبيه الكريم، ولترغيب السامعين في تقبل إرشادات هذا الكتاب بنفس منشرحة، وقلب متفتح.

وقوله وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ثناء آخر على هذا الكتاب الكريم.

أى: أنزلنا هذا الكتاب يا محمد، لتبين للناس عن طريقه وجه الحق فيما اختلفوا فيه من أمور الدين، وليكون هذا الكتاب هداية إلى الطريق القويم، ورحمة لقوم يؤمنون به، ويسيرون في كل أمورهم على هدى تعاليمه وإرشاداته وتشريعاته.

وقال- سبحانه-: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ للإشارة الى أن الظفر بما اشتمل عليه القرآن من خيرات، إنما هو لقوم قد توجهت نفوسهم إلى الإيمان به، وتفتحت قلوبهم لاستقبال هداياته.

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد بينت لنا جانبا من مظاهر فضل الله- تعالى- على عباده، وردت على المشركين فيما زعموه من أن لهم في الآخرة العاقبة الحسنى، وسلت النبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم من أذى، وبينت أهم الوظائف التي من أجلها أنزل الله- تعالى- كتابه.

ثم ساقت السورة الكريمة ألوانا من نعم الله- تعالى- على خلقه، ومن ذلك: نعمة إنزال الماء من السماء، ونعمة خلق الأنعام، ونعمة إيجاد النخيل والأعناب، فقال- تعالى-:

[سورة النحل (16) : الآيات 65 الى 67]

وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)

ص: 181

والمراد بالسماء في قوله- تعالى-: وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً: جهة العلو أو السحاب المنتشر في طبقات الجو العليا والذي تنزل منه الأمطار.

والمراد بإحياء الأرض: تحرك القوى النامية فيها، وإظهار ما أودعه الله- تعالى- فيها من نبات وأزهار، وثمرات، وغير ذلك مما تنبته الأرض.

والمراد بموتها: خلوها من ذلك، بسبب استيلاء القحط والجدب عليها.

قال- تعالى-: وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ.

أى: وكما أنزل الله- تعالى- كتابه ليكون هداية ورحمة لقوم يؤمنون، أنزل- سبحانه- أيضا الماء من السماء على الأرض، فتحولت بسبب نزول هذا الماء المبارك الكثير عليها، من أرض جدباء خامدة، إلى أرض خضراء رابية.

ثم حرض- سبحانه- عباده على التدبر والشكر فقال- تعالى-: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ.

أى: إن في ذلك الذي فعلناه بقدرتنا وحدها، من انزل الماء من السماء، وإحياء الأرض به من بعد موتها، لآية عظيمة، وعبرة جليلة، ودلالة واضحة تدل على وحدانيتنا وقدرتنا وحكمتنا، «لقوم يسمعون» ما يتلى عليهم من كلام الله- تعالى- سماع تدبر واعتبار، فيعملون بما اشتمل عليه من توجيهات حكيمة وإرشادات سديدة.

فالمراد بالسمع: سمع القلوب والعقول، لا سمع الآذان فقط، إذ سمع الآذان بدون وعى واستجابة للحق، لا قيمة له، ولا فائدة ترجى من ورائه.

ثم أرشد- سبحانه- إلى مظهر آخر من مظاهر وحدانيته، وعظيم قدرته وعجيب صنعه، وسعة رحمته، حيث خلق للناس الأنعام، وسقاهم من ألبانها، فقال- تعالى-: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً....

والأنعام: تطلق على الإبل والبقر والغنم من الحيوان، ويدخل في الغنم المعز.

ص: 182

والعبرة: مصدر بمعنى العبور، أى: التجاوز من محل إلى آخر، والمراد بها هنا: العظة والاعتبار والانتقال من الجهل إلى العلم، ومن الغفلة إلى اليقظة.

أى: وإن لكم- أيها الناس- في خلق الأنعام، وفيما يخرج منها من ألبان لعبرة عظيمة، وعظة بليغة، ومنفعة جليلة توجب عليكم إخلاص العبادة لله- تعالى- وحده، ومداومة الشكر له على نعمه. فالتنكير في قوله لَعِبْرَةً للتفخيم والتهويل.

وقوله- تعالى-: نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ استئناف بيانى، كأنه قيل: وما وجه العبرة في الأنعام؟ فكان الجواب: نسقيكم مما في بطونه.

قال الآلوسى: والضمير في «بطونه» يعود للأنعام، وهو اسم جمع، واسم الجمع يجوز تذكيره وإفراده باعتبار لفظه، ويجوز تأنيثه وجمعه باعتبار معناه

» «1» .

وقوله- سبحانه-: مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ بيان لموطن العبرة ومحل النعمة، ومظهر الدلالة على وحدانية الله- تعالى- وقدرته ورحمته..

والفرث: الطعام المتبقى في أمعاء الحيوان بعد هضمه. وأصل الفرث: التفتيت. يقال فرثت كبده. أى: فتتتها.

قال الجمل ما ملخصه: والفرث: الأشياء المأكولة المنهضمة بعض الانهضام في الكرش- بفتح الكاف وكسر الراء- فإذا خرجت من الكرش لا تسمى فرثا بل تسمى روثا. وقوله لَبَناً مفعول ثان لنسقيكم، والأول هو الكاف» «2» .

والخالص: النقي الصافي الخالي من الشوائب والأكدار. يقال خلص الشيء من التلف خلوصا- من باب قعد- إذا سلم منه.

والسائغ: اللذيذ الطعم، السهل المدخل الى الحلق. يقال: ساغ الشراب يسوغ سوغا.

من باب قال- إذا سهل مدخله في الحلق.

أى: نسقيكم من بين الفرث والدم الذي اشتملت عليه بطون الأنعام، «لبنا» نافعا لأبدانكم «خالصا» من رائحة الفرث، ومن لون الدم، مع أنه موجود بينهما «سائغا للشاربين» بحيث يمر في الحلوق بسهولة ويسر، ويشعر شاربه بلذة وارتياح.

(1) تفسير الآلوسي ج 14 ص 176.

(2)

حاشية الجمل على الجلالين ج 2 ص 580.

ص: 183

وقدم- سبحانه- قوله: مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ على قوله لَبَناً، لأن خروج اللبن من بينهما هو موطن العبرة، وموضع الدليل الأسمى على قدرة الله- تعالى- ووحدانيته.

قال صاحب الكشاف: قوله- تعالى-: مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ أى: يخلق الله اللبن وسيطا بين الفرث والدم يكتنفانه، وبينه وبينهما برزخ من قدرة الله- تعالى-، بحيث لا يبغى أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة، بل هو خالص من ذلك كله

فسبحان الله ما أعظم قدرته، وألطف حكمته، لمن تفكر وتأمل. وسئل «شقيق» عن الإخلاص فقال: تمييز العمل من العيوب كتمييز اللبن من بين فرث ودم.

ثم قال- رحمه الله: فإن قلت: أى فرق بين «من» الأولى والثانية؟.

قلت: الأولى للتبعيض، لأن اللبن بعض ما في بطونها

والثانية لابتداء الغاية، لأن بين الفرث والدم مكان الإسقاء الذي منه يبتدأ

وإنما قدم قوله: مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لأنه موضع العبرة، فهو قمن بالتقديم» «1» .

وقال الآلوسى عند تفسيره لهذه الآية: «ومن تدبر في بدائع صنع الله- تعالى- فيما ذكر من الأخلاط والألبان وإعداد مقارها ومجاريها، والأسباب المولدة لها، وتسخير القوى المتصرفة فيها

اضطر إلى الاعتراف بكمال علمه- سبحانه- وقدرته، وحكمته، وتناهى رأفته ورحمته:

حكم حارت البرية فيها

وحقيق بأنها تحتار «2»

والحق، أن هذه الآية الكريمة من أكبر الأدلة على وحدانية الله تعالى ونفاذ قدرته، وعجيب صنعته، حيث استخرج- سبحانه- من بين فرث ودم في بطون الأنعام، لبنا خالصا سائغا للشاربين.

وهذا الاستخراج قد تكلم العلماء المتخصصون عن كيفيته وعن مراحله.. كلاما يقوى إيمان المؤمنين، ويدفع باطل الملحدين.

هذا، وفي الآية الكريمة إشارة إلى أن اللبن نعمة جزيلة من نعم الله- تعالى- على خلقه.

قال القرطبي ما ملخصه: «روى أبو داود وغيره عن ابن عباس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن فشرب، ثم قال: «إذا أكل أحدكم طعاما فليقل، اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا

(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 616.

(2)

تفسير الآلوسي ج 14 ص 178. [.....]

ص: 184

خيرا منه، وإذا سقى لبنا فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه، فإنه ليس شيء يجزئ عن الطعام والشراب إلا اللبن» .

ثم قال الإمام القرطبي: قال علماؤنا: فكيف لا يكون كذلك، وهو أول ما يغتذى به الإنسان، وتنمو به الأبدان، فهو قوت به قوام الأجسام، وقد جعله الله- تعالى- علامة لجبريل على هداية هذه الأمة، ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن. فقال لي جبريل: اخترت الفطرة

» «1» .

ثم انتقلت السورة الكريمة الى الحديث عن نعمة أخرى من نعم الله التي لا تحصى، وهي نعمة ثمرات النخيل والأعناب، فقال- تعالى-: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً....

قال الجمل ما ملخصه: قوله- سبحانه-: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ.. خبر مقدم، ومن تبعيضية، والمبتدأ محذوف تقديره ثمر، وقوله تَتَّخِذُونَ نعت لهذا المبتدأ المحذوف، أى: ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا.

ويجوز أن يكون الجار والمجرور متعلقا بمحذوف، والتقدير: ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب، أى: من عصيرهما، وحذف لدلالة نسقيكم قبله عليه، وقوله تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً بيان وكشف عن كيفية الإسقاء.

والضمير في قوله مِنْهُ يعود على المضاف المحذوف الذي هو العصير، أو على المبتدأ المحذوف وهو الثمر «2» .

والسكر- بفتح السين والكاف- اسم من أسماء الخمر، يقال: سكر فلان- بوزن فرح- يسكر سكرا، إذا غاب عقله وإدراكه فهو سكران وسكر- بفتح السين وكسر الكاف-.

وأما الرزق الحسن، فالمراد به ما كان حلالا من ثمرات النخيل والأعناب كالتمر والزبيب وغير ذلك مما أحله الله- تعالى- من ثمارهما.

وعلى هذا المعنى سار جمهور العلماء من السلف والخلف.

قال الآلوسى ما ملخصه: والسكر: الخمر. قال الأخطل:.

(1) تفسير القرطبي ج 10 ص 127.

(2)

حاشية الجمل على الجلالين ج 2 ص 580.

ص: 185

بئس الصّحاة وبئس الشّرب شربهم إذا جرى فيهم المزّاء والسّكر والمزاء: نوع من الأشربة. والسكر ما يسكر وهو الخمر.

وفسروا الرزق الحسن. بالخل والتمر والزبيب وغير ذلك.

ثم قال: وتفسير «السّكر» بالخمر، هو المروي عن ابن مسعود، وابن عمر، وأبى رزين، والحسن، ومجاهد، والشعبي.. والنخعي.. مع خلق آخرين.. «1» .

وعلى هذا التفسير الذي قاله جمهور العلماء يكون السكر غير الرزق الحسن، ويكون العطف للتغاير.

ومن العلماء من فسر السكر بأنه اسم للخل، أو للعصير غير المسكر، أو لما لا يسكر من الأنبذة، وقد بسط الإمام القرطبي القول في هذه المسألة فقال ما ملخصه: قوله- تعالى- سَكَراً السكر ما يسكر، هذا هو المشهور في اللغة. قال ابن عباس: نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر.

والمراد بالسكر: الخمر. وبالرزق الحسن: جميع ما يؤكل ويشرب حلالا من هاتين الشجرتين.

وقد قيل إن السكر: الخل بلغة الحبشة. والرزق الحسن: الطعام. وقيل السكر: العصير الحلو الحلال، وسمى سكرا، لأنه قد يصير مسكرا إذا بقي، فإذا بلغ الإسكار حرم

وقال الحنفيون. المراد بقوله «سكرا» مالا يسكر من الأنبذة. والدليل عليه أن الله- سبحانه- امتن على عباده بما خلق لهم من ذلك، ولا يقع الامتنان إلا بمحلل لا بمحرم، فيكون ذلك دليلا على جواز شرب ما دون المسكر من النبيذ، فإذا انتهى إلى السكر لم يجز.

وعضدوا هذا من السنة بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حرم الله الخمر بعينها والسّكر من غيرها» «2» .

وأصحاب هذا الرأى كأنهم يرون أن عطف الرزق الحسن على السكر من باب عطف الشيء على مرادفه، كما في قوله- تعالى- لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وليس من باب العطف المقتضى للمغايرة، فالسكر عندهم ليس هو الخمر، وإنما هو الخل أو العصير أو النبيذ غير المسكر.

ويبدو لنا أن ما ذهب إليه الجمهور من أن السكر هو الخمر أولى بالقبول، لأن هذا التفسير

(1) تفسير الآلوسى ج 14 ص 180.

(2)

تفسير القرطبي ج 10 ص 128.

ص: 186