الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال- تعالى-: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ، وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ.. «1» .
فالمراد بالطريق القصد: الطريق الموصل إلى الإسلام، والمراد بالطريق الجائر: الطريق الموصل إلى غيره من ملل الكفر والضلال.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة، ببيان أن الهداية والإضلال بقدرته ومشيئته، فقال- تعالى-: وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ.
أى: ولو شاء- سبحانه- هدايتكم- أيها الناس- إلى الطريق المستقيم، لهداكم جميعا، ولكنه- عز وجل لم يشأ ذلك، بل اقتضت حكمته أن يخلق الناس، مستعدين للهدى والضلال، وأن يترك لهم اختيار أحد الطريقين فكان منهم من استحب العمى على الهدى، وكان منهم من سلك الطريق المستقيم. وسيجازى- سبحانه- الذين أساءوا بما عملوا، وسيجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
قال تعالى-: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً. إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً «2» .
وقال- سبحانه-: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً.. «3» .
وبعد أن بين- سبحانه- جانبا من مظاهر فضله على عباده عن طريق خلق الأنعام وغيرها من البهائم، التي لهم فيها منافع، أتبع ذلك ببيان نعمه عليهم في إنزال المطر، فقال- تعالى-:
[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 11]
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)
(1) سورة الأنعام الآية 153.
(2)
سورة الإنسان الآيتان 2، 3.
(3)
سورة يونس الآية 99.
والمراد بالسماء: السحاب المرتفع في طبقات الجو، حيث ينزل منه الماء بقدرة الله- تعالى- والشراب: اسم للمشروب الذي يشربه الإنسان والحيوان وغيرهما.
والشجر: يطلق على النبات ذي الساق الصلبة على سبيل الحقيقة، ويطلق على العشب والكلأ على سبيل المجاز، وهو المراد هنا، لأنه هو الذي ترعاه الأنعام.
والضمير في قوله- سبحانه- وَمِنْهُ شَجَرٌ يعود على الماء، باعتباره السبب في وجود الشجر.
قال الآلوسى: قوله- سبحانه- «ومنه شجر» أى: نبات مطلقا سواء أكان له ساق أم لا، كما نقل عن الزجاج، وهو حقيقة في الأول، ومن استعماله في الثاني قول الراجز:
نعلفها اللحم إذا عز الشجر
…
والخيل في إطعامها اللحم ضرر
فإنه قيل: الشجر فيه بمعنى الكلأ، لأنه الذي يعلف..» «1» .
وقوله: «تسيمون» من الإسامة، بمعنى إطلاق الإبل وغيرها للسوم، أى الرعي.
يقال: أسام فلان إبله للرعي أسامة، إذا أخرجها إلى المرعى. وسامت هي تسوم سوما، إذا رعت حيث شاءت وأصل السوم: الإبعاد في المرعى.
والمعنى: هو- سبحانه- وحده وليس غيره: الذي غمركم بنعمه، حيث أنزل لكم من السحاب ماء كثيرا، هذا الماء الكثير المنزل بقدر معلوم، منه تأخذون ما تشربونه وما تنتفعون في حوائجكم الأخرى، وبسببه تخرج المراعى التي ترعون فيها دوابكم.
فالآية الكريمة دليل آخر من الأدلة على وحدانية الله- تعالى- وقدرته، وبديع خلقه، حيث أنزل- سبحانه- المطر من السماء، ولو شاء لأمسكه، أو لأنزله غير صالح للشراب.
قال- تعالى-: أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ. لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ «2» .
وأتى- سبحانه- بلفظ «في» المفيدة للظرفية، في قوله- تعالى- فِيهِ تُسِيمُونَ للإشارة إلى أن الرعي في هذا الشجر، قد يكون عن طريق أكل الدواب منه، وقد يكون عن طريق أكل ما تحته من الأعشاب.
وقوله- سبحانه-: يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ.. تفصيل لأهم منافع الماء.
(1) تفسير الآلوسى ج 14 ص 105.
(2)
سورة الواقعة الآيات 68- 70.
أى: يخرج لكم من الأرض، بسبب الماء الذي أنزله عليها من السماء «الزرع» الذي هو أصل أغذيتكم، وعماد معاشكم، كالقمح والشعير وغيرهما «والزيتون» الذي تستعملونه إداما في أغذيتكم «والنخيل والأعناب» اللذين فيهما الكثير من الفوائد، ومن التلذذ عند أكل ثمارهما.
وأخرج لكم- أيضا- بسبب هذا الماء «من كل الثمرات» التي تشتهونها وتنتفعون بها، والتي تختلف في أنواعها، وفي مذاقها، وفي روائحها، وفي ألوانها، مع أن الماء الذي سقيت به واحد، والأرض التي نبتت فيها متجاورة.
ولا شك أن في هذا الإنبات بتلك الطريقة، أكبر دليل على قدرة الله- تعالى-. لأنه لا يقدر على ذلك سواء- سبحانه-.
وأسند- سبحانه- الإنبات إليه فقال: «ينبت لكم به
…
» لأنه الفاعل الحقيقي لهذا الإنبات والإخراج للزروع من الأرض: أما غيره- سبحانه- فيلقى الحب في الأرض، ويرجو الثمار والإنبات منه- عز وجل.
قال- تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ. لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ. إِنَّا لَمُغْرَمُونَ. بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ «1» .
وقال- سبحانه-: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ، وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ، وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ «2» .
وقال- عز وجل: أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً، فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ، ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ «3» .
وختم- سبحانه- الآية بقوله إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ للحض على التفكر والتأمل في عظيم قدرته- سبحانه- حتى يصل المتأمل إلى إخلاص العبادة له- عز وجل.
أى: إن في ذلك المذكور، من إنزال الماء من السماء، وإنبات الزروع والثمار بسببه، لآية
(1) سورة الواقعة الآيات 63- 70.
(2)
سورة الرعد الآية 4.
(3)
سورة النمل الآية 60.