المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النحل (16) : الآيات 73 الى 76] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٨

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثامن]

- ‌سورة الحجر

- ‌تعريف بسورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 49 الى 60]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 61 الى 74]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 75 الى 84]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 85 الى 99]

- ‌تفسير سورة النّحل

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة النحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة النحل (16) : آية 14]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 17 الى 23]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 24 الى 29]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 48 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 55]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 61 الى 64]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 65 الى 67]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 68 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 73 الى 76]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 94 الى 97]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 98 الى 100]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 101 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 109]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 110 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 113]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 114 الى 115]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 118 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 124]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 125 الى 128]

- ‌تفسير سورة الأسراء

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : آية 1]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 8]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الإسراء (17) : آية 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 16 الى 22]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 23 الى 25]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 31 الى 39]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 40 الى 44]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 69]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 73 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 81]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 82 الى 84]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 85 الى 89]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 96]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 97 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 104]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 105 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌تفسير سورة الكهف

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 19 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 21]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 22]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 36]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 37 الى 41]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 42 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 49]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 65]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 74 الى 76]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 77 الى 78]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 79]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 80 الى 81]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 102]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 103 الى 106]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 107 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الحجر»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة النحل»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الإسراء»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الكهف»

الفصل: ‌[سورة النحل (16) : الآيات 73 الى 76]

والمراد بنعمة الله عموم النعم التي أنعم الله بها عليهم، والتي لا تعد ولا تحصى.

وفي تقديم النعمة وتوسيط ضمير الفصل، إشعار بأن كفرهم بالنعم مستمر وإنكارهم لها لا ينقطع، لأنهم «استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله» .

وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد ذكرت الناس بعجائب خلقهم وبأطوار حياتهم، ويتفاوت أرزاقهم، وببعض نعم الله- تعالى- عليهم لعلهم عن طريق هذا التذكير يفيئون إلى رشدهم، ويخلصون العبادة لخالقهم- سبحانه-، ويستعملون نعمه فيما خلقت له.

ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك لونا من ألوان العقول المنحرفة عن الطريق الحق، كما ساقت مثلين للرب الخالق العظيم، وللمملوك العاجز الضعيف، لعل في ذلك عبرة لمن يعتبر، وهداية لمن يريد الصراط المستقيم، فقال- تعالى-:

[سورة النحل (16) : الآيات 73 الى 76]

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)

والمراد بقوله سبحانه: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ..... كل معبود سوى الله- تعالى- من صنم أو وثن أو غير ذلك من المعبودات الباطلة.

والجملة الكريمة داخلة تحت مضمون الاستفهام الإنكاري، ومعطوفة عليه: وهو قوله

ص: 197

- تعالى-: أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ.

أى أن هؤلاء الجاحدين لنعم الله- تعالى-، بلغ من جهالتهم وسفاهاتهم أنهم يؤمنون بالباطل، ويكفرون بالحق، ويعبدون من دون الله- تعالى- أصناما وأوثانا لا تملك لعابدها أى شيء من الرزق فهي لا تنزل مطرا من السماء ولا تخرج نباتا من الأرض، ولا تستطيع أن تنفع أو تضر..

و «ما» في قوله- تعالى- ما لا يَمْلِكُ.. كناية عن معبوداتهم الباطلة فهي مفردة لفظا، مجموعة معنى.

والتنكير في قوله- سبحانه- رِزْقاً للاشعار بقلته وتفاهته، وأن معبوداتهم لا تملك لهم أى شيء من الرزق، حتى ولو كان تافها حقيرا.

وقوله: شَيْئاً منصوب على المصدر، أى: ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم ملكا، أى: شيئا من الملك.

والضمير في قوله وَلا يَسْتَطِيعُونَ يعود إلى ما وجمع بصيغة العقلاء بناء على زعمهم الفاسد، من أن هذه الأصنام في إمكانها النفع والضر.

وجاءت جملة وَلا يَسْتَطِيعُونَ بعد قوله- تعالى- ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.. لتأكيد عجز هذه المعبودات عن فعل أى شيء فهي لا تملك شيئا، وليس في استطاعتها أن تملك لأنها ليست أهلا لذلك.

وقوله- سبحانه- فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ.. نهى منه- سبحانه- عن أن يشبه في ذاته أو صفاته بغيره، وقد جاء هذا النهى في صورة الالتفات من الغائب إلى المخاطب للاهتمام بشأن هذا النهى، والفاء لترتيب النهى على ما عدد من النعم التي وردت في هذه السورة والتي لم ينته الحديث عنها بعد.

والأمثال: جمع مثل، وهو النظير والشبيه لغيره، ثم أطلق على القول السائر المعروف، لمماثلة مضربه- وهو الذي يضرب فيه-، لمورده- وهو الذي ورد فيه أولا.

وتضرب الأمثال: لتوضيح الشيء الغريب، وتقريب المعنى المعقول من المعنى المحسوس، وعرض ما هو غائب في صورة ما هو مشاهد، فيكون المعنى الذي ضرب له المثل أوقع في القلوب، وأثبت في النفوس.

وقوله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ تعليل لهذا النهى عن ضرب الأمثال لله- عز وجل.

ص: 198

أى: فلا تتجاسروا، وتتطاولوا، وتضربوا لله- تعالى- الأمثال، كما يضرب بعضكم لبعض، فإن الله- تعالى- هو الذي يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك.

قال الزجاج: ورد أن المشركين كانوا يقولون: إن إله العالم أجل من أن يعبده الواحد منا، فكانوا يتوسلون إلى الأصنام والكواكب، كما أن أصاغر الناس يخدمون أكابر حضرة الملك، وأولئك الأكابر يخدمون الملك، فنهوا عن ذلك «1» .

ثم وضح لهم- سبحانه- كيف تضرب الأمثال، فساق مثلين حكيمين يدلان على وحدانية الله- تعالى- وقدرته..

أما المثل الأول فيتجلى في قوله- عز وجل: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ

أى: ذكر الله- تعالى- وبين ووضح لكم مثلا تستدلون به على وحدانيته- سبحانه- وهو أن هناك عبدا رقيقا مملوكا لغيره، وهذا العبد لا يقدر على شيء من التصرفات حتى ولو كانت قليلة.

وقوله- سبحانه-: عَبْداً بدل من مَثَلًا و «مملوكا» صفة للعبد. ووصف- سبحانه- العبد بأنه مملوك، ليحصل الامتياز بينه وبين الحر، لأن كليهما يشترك في كونه عبدا لله- تعالى-.

ووصفه أيضا- بأنه لا يقدر على شيء للتمييز بينه وبين المكاتب والعبد المأذون له في التصرف، لأنهما يقدران على بعض التصرفات.

هذا هو الجانب الأول من المثل، أما الجانب الثاني فيتجلى في قوله- تعالى-: وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً....

قال الآلوسى: و «من» في قوله وَمَنْ رَزَقْناهُ نكرة موصوفه، ليطابق عبدا فإنه نكرة موصوفة- أيضا-، وقيل: إنها موصولة، والأول اختيار الأكثرين أى: حرا رزقناه بطريق الملك، والالتفات إلى التكلم- في «رزقناه» - للإشعار باختلاف حال ضرب المثل والرزق

» «2» .

أى: ذكر الله- تعالى- لكم لتتعظوا وتتفكروا، حال رجلين: أحدهما عبد مملوك لا يقدر على شيء. والثاني حر مالك رزقه الله- تعالى- رزقا واسعا حلالا حسنا، «فهو» أى هذا

(1) تفسير فتح القدير للشيخ صديق حسن خان ج 5 ص 273.

(2)

تفسير الآلوسى ج 14 ص 195.

ص: 199

الحر ينفق على غيره من هذا الرزق الحسن «سرا وجهرا» واختار- سبحانه- ضمير العظمة في قوله رَزَقْناهُ للإشعار بكثرة هذا الرزق وعظمته، ويزيده كثرة وعظمة قوله- تعالى- بعد ذلك مِنَّا أى من عندنا وحدنا وليس من عند غيرنا.

ووصف- سبحانه- الرزق بالحسن، للإشارة إلى أنه مع كثرته فهو حلال طيب مستحسن في الشرع وفي نظر الناس.

وقال- سبحانه- فَهُوَ يُنْفِقُ بصيغة الجملة الاسمية، للدلالة على ثبوت هذا الإنفاق ودوامه.

وقوله سِرًّا وَجَهْراً منصوبان على المصدر، أى إنفاق سر وجهر، أو على الحالية، أى فهو ينفق منه في حالتي السر والجهر.

والمراد أنه إنسان كريم، لا يبخل بشيء مما رزقه الله، بل ينفق منه في عموم الأحوال، وعلى من تحسن معه النفقة سرا، وعلى من تحسن معه النفقة جهرا.

هذان هما الجانبان المتقابلان في هذا المثل، والفرق بينهما واضح وعظيم عند كل ذي قلب سليم، ولذا جاء بعدهما بالاستفهام الإنكارى التوبيخي فقال:

هَلْ يَسْتَوُونَ؟ أى: هل يستوي في عرفكم أو في عرف أى عاقل، هذا العبد المملوك العاجز الذي لا يقدر على شيء.. مع هذا الإنسان الحر. المالك الذي رزقه الله- سبحانه- رزقا واسعا حلالا، فشكر الله عليه، واستعمله في وجوه الخير.

إن مما لا شك فيه أنهما لا يستويان حتى في نظر من عنده أدنى شيء من عقل.

ومادام الأمر كذلك، فكيف سويتم- أيها المشركون الجهلاء- في العبادة، بين الخالق الرازق الذي يملك كل شيء، وبين غيره من المعبودات الباطلة التي لا تسمع ولا تبصر، ولا تعقل، ولا تملك شيئا.

وقال- سبحانه- هَلْ يَسْتَوُونَ مع أن المتقدم اثنان، لأن المراد جنس العبيد والأحرار، المدلول عليهما بقوله عَبْداً وبقوله وَمَنْ رَزَقْناهُ.

فالمقصود بالمثل كل من اتصف بهذه الأوصاف المذكورة من الجنسين المذكورين لا فردان معينان.

وقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثناء منه- سبحانه- على ذاته، حيث ساق- سبحانه- هذه الأمثال الواضحة للتمييز بين الحق والباطل.

أى: قل- أيها الإنسان المؤمن العاقل- «الحمد» كله «لله» - تعالى- على إرشاده

ص: 200

لعباده المؤمنين، وتعليمهم كيف يقذفون بحقهم على باطل أعدائهم فإذا هو زاهق.

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أى: بل أكثر هؤلاء الكافرين الضالين، لا يعلمون كيف يميزون بين الحق والباطل لانطماس بصائرهم، واستيلاء الجحود والحسد والعناد على قلوبهم.

وقال- سبحانه- بَلْ أَكْثَرُهُمْ.. للإشعار بأن من هؤلاء الكافرين من يعلم الحق ويعرفه كما يعرف أبناءه، ولكن الهوى والغرور والتقليد الباطل.. حال بينه وبين اتباع الحق.

هذا هو المثال الأول الذي ذكره الله- تعالى- للاستدلال على بطلان التسوية بين عبادة الله- تعالى- الخالق لكل شيء والمالك لكل شيء.. وبين عبادة غيره من الأصنام والجمادات التي لا تخلق شيئا، ولا تملك شيئا، ولا تضر ولا تنفع.

أما المثال الثاني فهو أشد وضوحا من سابقه على وحدانية الله- تعالى- ورحمته بعباده، وعلى الفرق الشاسع بين المؤمن والكافر، ويتجلى هذا المثال في قوله- عز وجل:

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ

أى: وذكر الله- تعالى- مثلا آخر لرجلين، أَحَدُهُما أَبْكَمُ أى: لا يستطيع النطق أو الكلام، ضعيف الفهم والتفهيم لغيره.

لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ أى: لا يقدر على فعل شيء من الأشياء المتعلقة بنفسه أو بغيره.

وَهُوَ أى هذا الرجل كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أى: حمل ثقيل، وهم كبير على مولاه الذي يتولى شئونه من طعام وشراب وكساء وغير ذلك. وهذا بيان لعدم قدرته على القيام بمصالح نفسه، بعد بيان عدم قدرته على القيام بفعل أى شيء على الإطلاق.

قال القرطبي: قوله وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أى ثقل على وليه وقرابته، ووبال على صاحبه وابن عمه، وقد يسمى اليتيم كلا لثقله على من يكفله، ومنه قول الشاعر:

أكول لمال الكلّ قبل شبابه

إذا كان عظم الكلّ غير شديد «1»

فالكل هو الإنسان العاجز الضعيف الذي يكون محتاجا إلى من يرعى شئونه.

وقوله أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ أى: أن هذا الرجل حيثما يوجهه مولاه وكافله لقضاء أمر من الأمور يعود خائبا، لعجزه، وضعف حيلته، وقلة إدراكه..

(1) تفسير القرطبي ج 10 ص 149.

ص: 201

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وصف هذا الرجل بأربع صفات، تدل على سوء فهمه، وقلة حيلته، وثقله على ولى أمره، وانسداد طرق الخير في وجهه..

هذا هو الجانب الأول من المثل، أما الجانب الثاني فيتجلى في قوله- تعالى-: هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ..

أى: «هل يستوي هو» أى هذا الرجل الأبكم العاجز.. مع رجل آخر «يأمر» غيره بالعدل «وهو» أى هذا الرجل الآخر في نفسه «على صراط مستقيم» أى: على دين قويم، وخلق كريم فقد جمع بذلك بين فضيلتين جليلتين: نفعه لغيره، وصلاحه في ذاته.

لا شك أن هذين الرجلين لا يستويان في عقل أى عاقل، إذ أن أولهما أبكم عاجز خائب..

وثانيهما منطيق، ناصح لغيره، جامع لخصال الخير في نفسه.

ومادام الأمر كذلك فكيف سويتم- أيها المشركون الضالون المكذبون- في العبادة بين الله- تعالى- وهو الخالق لكل شيء، وبين تلك الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغنى عن عابديها شيئا.

أو كيف سويتم بين المؤمن الجامع لكل مكرمة، وبين الكافر الغبي الأبله الذي آثر الغي على الرشد، فتكون الآية الكريمة مسوقة لبيان الفرق الشاسع بين المؤمن والكافر.

وقد قابل- سبحانه- الأوصاف الأربعة للرجل الأول، بهذين الوصفين للرجل الثاني، لأن حاصل أوصاف الأول أنه غير مستحق لشيء، وحاصل وصفي الثاني أنه مستحق لكل فضل وخير.

وقوله وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ

معطوف على الضمير المستتر في قوله هَلْ يَسْتَوِي....

وجملة «وهو على صراط مستقيم» في محل نصب على الحال.

وبذلك نرى أن الآيتين الكريمتين قد ساقتا مثلين واضحين، لبيان الفرق الشاسع بين ذات الله- تعالى- الخلاق العليم، الرزاق الكريم.. وبين تلك المعبودات الباطلة التي أشركها الضالون في العبادة مع الله- عز وجل.

أو بين المؤمن الذي هو على بصيرة من أمره، وبين الكافر الذي استحب العمى على الهدى.. أو بين الحق في وضوحه وجماله وجلاله، وبين الباطل في ظلامه وقبحه وخسته.

هذا، وما ذكره بعضهم من أن المثلين في الآيتين الكريمتين، قد وردا في أشخاص معينين من

ص: 202