الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورزقه، عن طريق التجارات والأسفار على ظهر البحر من مكان إلى آخر. سعيا وراء الربح.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بحض الناس على شكره على نعمه فقال وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
أى: ولعلكم تشكرون الله- تعالى- على آلائه، حيث سخر لكم البحر، وجعله وسيلة من وسائل منفعتكم ومعاشكم.
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن فوائد الجبال والأنهار والسبل والنجوم، فقال- تعالى-:
[سورة النحل (16) : الآيات 15 الى 16]
وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)
ولفظ: «رواسى» جمع راس من الرسو- بفتح الراء وسكون السين- بمعنى الثبات والتمكن في المكان، يقال رسا الشيء يرسو إذا ثبت. وهو صفة لموصوف محذوف. أى:
جبالا رواسى.
و «تميد» أى تضطرب وتميل. يقال: ماد الشيء يميد ميدا، إذا تحرك، ومادت الأغصان إذا تمايلت أى: وألقى- سبحانه- في الأرض جبالا ثوابت لكي تقر وتثبت ولا تضطرب.
فقوله «أن تميد بكم» تعليل لإلقاء الجبال في الأرض.
قال القرطبي: وروى الترمذي بسنده عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما خلق الله الأرض جعلت تميد وتضطرب، فخلق الجبال عليها فاستقرت، فعجبت الملائكة من شدة الجبال. قالوا يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال نعم، الحديد. قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الحديد؟ قال نعم النار. قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال نعم الماء، قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الماء؟ قال نعم الريح.
قالوا يا رب: فهل من خلقك شيء أشد من الريح؟ قال نعم، ابن آدم إذا تصدق بصدقة بيمينه يخفيها عن شماله» «1» .
(1) تفسير القرطبي ج 10 ص 90.
هذا، ومن الآيات التي تشبه هذه الآية قوله- تعالى-: خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها، وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ..» «1» .
وقوله- تعالى-: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً. وَالْجِبالَ أَوْتاداً «2» .
ثم بين- سبحانه- نعما أخرى لما ألقاه في الأرض فقال: وَأَنْهاراً وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. أى: وجعل في الأرض «أنهارا» تجرى من مكان إلى آخر، فهي تنبع في مواضع. وتصب في مواضع أخرى، وفيها نفع عظيم للجميع، إذ منها يشرب الناس والدواب والأنعام والنبات.
وجعل فيها كذلك طرقا ممهدة، يسير فيها السائرون من مكان إلى آخر. «لعلكم تهتدون» بتلك السبل إلى المكان الذي تريدون الوصول إليه. بدون تحير أو ضلال.
وقد كرر القرآن الكريم هذا المعنى في آيات كثيرة، منها قوله تعالى-: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً. لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً «3» .
والمراد بالعلامات في قوله- تعالى-: وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ الأمارات والمعالم التي يضعها الناس على الطرق بإلهام من الله- تعالى- للاهتداء بها عند السفر.
والمراد بالنجم: الجنس، فيشمل كل نجم يهتدى به المسافر.
أى ومن مظاهر نعمه- أيضا-، أنه- سبحانه- جعل في الأرض معالم وأمارات من جبال كبار، وآكام صغار، وغير ذلك، ليهتدى بها المسافرون في سفرهم، وتكون عونا لهم على الوصول إلى غايتهم، وبمواقع النجوم هم يهتدون في ظلمات البر والبحر، إلى الأماكن التي يبغون الوصول إليها.
والضمير «هم» في قوله وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ يشمل كل سالك في ظلمات البر والبحر، ويدخل فيه دخولا أوليا أهل مكة، لأنهم كانوا كثيرى الأسفار للتجارة، كما كانوا معروفين بالاهتداء في سيرهم بمواقع النجوم.
(1) سورة لقمان الآية 10.
(2)
سورة النبأ الآيتان 6، 7.
(3)
سورة نوح الآيتان 19، 20.