المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 81] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٨

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثامن]

- ‌سورة الحجر

- ‌تعريف بسورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 49 الى 60]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 61 الى 74]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 75 الى 84]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 85 الى 99]

- ‌تفسير سورة النّحل

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة النحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة النحل (16) : آية 14]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 17 الى 23]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 24 الى 29]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 48 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 55]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 61 الى 64]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 65 الى 67]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 68 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 73 الى 76]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 94 الى 97]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 98 الى 100]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 101 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 109]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 110 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 113]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 114 الى 115]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 118 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 124]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 125 الى 128]

- ‌تفسير سورة الأسراء

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : آية 1]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 8]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الإسراء (17) : آية 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 16 الى 22]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 23 الى 25]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 31 الى 39]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 40 الى 44]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 69]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 73 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 81]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 82 الى 84]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 85 الى 89]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 96]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 97 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 104]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 105 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌تفسير سورة الكهف

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 19 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 21]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 22]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 36]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 37 الى 41]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 42 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 49]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 65]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 74 الى 76]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 77 الى 78]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 79]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 80 الى 81]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 102]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 103 الى 106]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 107 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الحجر»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة النحل»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الإسراء»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الكهف»

الفصل: ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 81]

أى: ولو أنهم استفزوك وأجبروك على الخروج إجبارا، لما لبثوا خِلافَكَ أى: بعد خروجك إلا زمنا قليلا، ثم يصيبهم ما يصيبهم من الهلاك والنقم.

ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خرج من مكة مهاجرا بأمر ربه إلا أنه- سبحانه- قد مكن نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مشركي مكة في غزوة بدر، فقتلوا منهم سبعين، وأسروا نحو ذلك، وكانت المدة بين هجرته صلى الله عليه وسلم وبين غزوة بدر تقل عن سنتين.

وهكذا حقق الله- تعالى- وعده لنبيه صلى الله عليه وسلم وأنزل وعيده بأعدائه.

ثم بين- سبحانه- أن نصرة رسله سنة من سننه التي لا تتخلف فقال: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا، وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا.

ولفظ سُنَّةَ منصوب على أنه مصدر مؤكد، أى: سن الله ما قصه عليك سنة، وهذه السنة هي أننا لا نترك بدون عقاب أمة أخرجت رسولها من أرضه، وقد فعلنا ذلك مع الأقوام السابقين الذين أخرجوا أنبياءهم من ديارهم ولا تجد- أيها الرسول الكريم- لسنتنا وطريقتنا تحويلا أو تبديلا، ولولا أننا قد منعنا عن قومك عذاب الاستئصال لوجودك فيهم، لأهلكناهم بسبب إيذائهم لك، وتطاولهم عليك.

قال- تعالى-: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ....

وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت لنا جانبا من المسالك الخبيثة التي اتبعها المشركون مع النبي صلى الله عليه وسلم كما حكت لنا ألوانا من فضل الله- تعالى- على نبيه صلى الله عليه وسلم حيث عصمه من أى ركون إليهم ووعده بالنصر عليهم.

ثم أرشد الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم إلى ما يعينه على التغلب على كيد المشركين، وإلى ما يزيده رفعة في الدرجة، وبشره بأن ما معه من حق، سيزهق ما مع أعدائه من باطل فقال- تعالى-:

[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 81]

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (81)

ص: 407

قال الإمام الرازي ما ملخصه: وفي نظم هذه الآيات مع ما قبلها وجوه، الأول: أنه- تعالى- لما قرر الإلهيات والمعاد والنبوات، أردفها بذكر الأمر بالطاعات. وأشرف الطاعات. بعد الإيمان الصلاة فلهذا أمر بها.

الثاني: أنه- تعالى- لما قال: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها.

أمره- تعالى- بالإقبال على عبادته لكي ينصره عليهم.. كما قال- تعالى-: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ. وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ

«1» .

وقوله- سبحانه- أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ أى: داوم- أيها الرسول الكريم- على إقامة الصلاة، من وقت زوالها وميلها عن وسط السماء لجهة الغرب. يقال:

دلكت الشمس تدلك- بضم اللام- إذا مالت وانتقلت من وسط السماء إلى ما يليه. ومادة دلك تدل على التحول والانتقال.

ولذلك سمى الدلاك بهذا الاسم. لأن يده لا تكاد تستقر على مكان معين من الجسم.

وتفسير دلوك الشمس هذا بمعنى ميلها وزوالها عن كبد السماء، مروى عن جمع من الصحابة والتابعين منهم عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وأنس، وابن عباس، والحسن، ومجاهد.

وقيل المراد بدلوك الشمس هنا غروبها. وقد روى ذلك عن على، وابن مسعود، وابن زيد.

قال بعض العلماء: والقول الأول عليه الجمهور، وقالوا: الصلاة التي أمر بها ابتداء من هذا الوقت، هي صلاة الظهر، وقد أيدوا هذا القول بوجوه منها: ما روى عن جابر أنه قال: طعم عندي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ثم خرجوا حين زالت الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم هذا حين دلكت الشمس.

(1) تفسير الفخر الرازي ج 5 ص 127.

ص: 408

ومن الوجوه- أيضا- النقل عن أهل اللغة، فقد قالوا: إن الدلوك في كلام العرب:

الزوال، ولذا قيل للشمس إذا زالت. دالكة «1» .

وقوله: إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ أى: إلى شدة ظلمته.

قال القرطبي: يقال: غسق الليل غسوقا. وأصل الكلمة من السيلان. يقال: غسقت العين إذ سالت تغسق. وغسق الجرح غسقانا، أى: سال منه ماء أصفر

وغسق الليل:

اجتماع الليل وظلمته.

وقال: أبو عبيدة: الغسق: سواد الليل

» «2» .

والمراد من الصلاة التي تقام من بعد دلوك الشمس إلى غسق الليل: صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

وقوله- تعالى-: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ معطوف على مفعول أَقِمِ وهو الصلاة.

والمراد بقرآن الفجر: صلاة الفجر. وسميت قرآنا، لأن القراءة ركن من أركانها، من تسمية الشيء باسم جزئه، كتسمية الصلاة ركوعا وسجودا وقنوتا.

وقوله إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً تنويه بشأن صلاة الفجر، وإعلاء من شأنها.

أى: داوم- أيها الرسول الكريم- على أداء صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وداوم على صلاة الفجر- أيضا- فإن صلاتها مشهودة من الملائكة ومن الصالحين من عباد الله- عز وجل.

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: وقد ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواترا من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات على ما عليه أهل الإسلام اليوم، مما تلقوه خلفا عن سلف، وقرنا بعد قرن.

روى البخاري عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد، خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر» .

يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً.... «3» .

(1) تفسير آيات الأحكام ج 3 ص 60 للمرحوم الشيخ محمد على السائس.

(2)

تفسير القرطبي ج 10 ص 304.

(3)

تفسير ابن كثير ج 3 ص 54.

ص: 409

وقال الإمام الفخر الرازي: وفي الآية احتمال، وهو أن يكون المراد من قوله- تعالى-:

إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً الترغيب في أن تؤدى هذه الصلاة بالجماعة. ويكون المعنى: إن صلاة الفجر مشهودة بالجماعة الكثيرة» «1» .

وقوله- سبحانه- وَمِنَ اللَّيْلِ، فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ إرشاد إلى عبادة أخرى من العبادات التي تطهر القلب، وتسمو بالنفس إلى مراقى الفلاح، وتعينها على التغلب على الهموم والآلام.

والجار والمجرور وَمِنَ اللَّيْلِ متعلق بقوله فَتَهَجَّدْ أى. تهجد بالقرآن بعض الليل. أو متعلق بمحذوف تقديره: وقم قومة من الليل فتهجد، ومِنَ للتبعيض.

قال الجمل: والمعروف في كلام العرب أن الهجود عبارة عن النوم بالليل. يقال: هجد فلان، إذا نام بالليل.

ثم لما رأينا في عرف الشرع أنه يقال لمن انتبه بالليل من نومه وقام إلى الصلاة أنه متهجد، وجب أن يقال: سمى ذلك متهجدا من حيث أنه ألقى الهجود. فالتهجد ترك الهجود وهو النوم

» «2» .

والضمير في بِهِ يعود إلى القرآن الكريم، المذكور في قوله- تعالى- وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، إلا أنه ذكر في الآية السابقة بمعنى الصلاة، وذكر هنا بمعناه المشهور، ففي الكلام ما يسمى في البلاغة بالاستخدام.

والنافلة: الزيادة على الفريضة، والجمع نوافل. يقال: تنفل فلان على أصحابه، إذا أخذ زيادة عنهم.

أى: واجعل- أيها الرسول الكريم- جانبا من الليل، تقوم فيه، لتصلي صلاة زائدة على الصلوات الخمس التي فرضها الله- تعالى- عليك وعلى أمتك.

قال- تعالى-: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا.

قالوا: وقيام الليل كان واجبا في حقه صلى الله عليه وسلم بصفة خاصة، زيادة على الصلاة المفروضة.

(1) تفسير الفخر الرازي ج 5 ص 429.

(2)

حاشية الجمل على الجلالين ج 2 ص 642.

ص: 410

أخرج البيهقي في سننه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث هن على فرائض، وهن لكم سنة: الوتر، والسواك، وقيام الليل» .

ومن العلماء من يرى أن قيام الليل كان مندوبا في حقه صلى الله عليه وسلم كما هو الشأن في أمته، ومعنى نافِلَةً لَكَ أى: زيادة في رفع درجاتك، فإن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، أما غيرك فقد شرعنا له النافلة تكفيرا لخطاياه.

وقوله- عز وجل: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً بيان لما يترتب على أدائه للصلوات بخشوع وخضوع، من سمو في المكانة، ورفعة في الدرجة.

وكلمة عسى في كلام العرب تفيد التوقع، أما في كلام الله- تعالى- فتفيد الوجوب والقطع.

قال الجمل: اتفق المفسرون على أن كلمة عَسى من الله- تعالى- تدخل فيما هو قطعى الوقوع، لأن لفظ عسى يفيد الإطماع، ومن أطمع إنسانا في شيء، ثم حرمه، كان عارا عليه والله- تعالى- أكرم من أن يطمع أحدا ثم لا يعطيه ما أطمعه فيه» .

أى: داوم أيها الرسول الكريم على عبادة الله وطاعته لنبعثك يوم القيامة ونقيمك مقاما محمودا، ومكانا عاليا، يحمدك فيه الخلائق كلهم.

والمراد بالمقام المحمود هنا، هو مقام الشفاعة العظمى يوم القيامة. ليريح الناس من الكرب الشديد، في موقف الحساب.

وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث في هذا منها:

ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا- جمع جثوة كخطوة وخطا- أى جماعات- كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان اشفع، يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا» .

وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبى بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة، كنت إمام الأنبياء وخطيبهم. وصاحب شفاعتهم غير فخر» .

وروى ابن جرير عن أبى هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله- تعالى-:

عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً فقال: «هو المقام الذي أشفع لأمتى فيه» «1» .

وقال الآلوسى: والمراد بذلك المقام، مقام الشفاعة العظمى في فصل القضاء حيث لا أحد

(1) راجع تفسير ابن كثير ج 3 ص 55.

ص: 411

إلا وهو تحت لوائه صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشمس لتدنو حتى يبلع العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك، استغاثوا بآدم، فيقول: لست بصاحب ذلك، ثم موسى فيقول كذلك. ثم محمد فيشفع فيقضى الله- تعالى- بين الخلق، فيمشى صلى الله عليه وسلم حتى يأخذ بحلقة باب الجنة، فيومئذ يبعثه الله- تعالى- مقاما محمودا، يحمده أهل الجمع كلهم» «1» .

ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يكثر من اللجوء إليه عن طريق الدعاء، بعد أن أمره بذلك عن طريق المداومة على الصلاة، فقال- تعالى-: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ، وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً.

والمدخل والمخرج- يضم الميم فيهما- مصدران بمعنى الإدخال والإخراج، فهما كالمجرى والمرسى وإضافتهما إلى الصدق من إضافة الموصوف لصفته.

قال الآلوسى: واختلف في تعيين المراد من ذلك، فأخرج الزبير بن بكار عن زيد بن أسلم، أن المراد: بالإدخال: دخول المدينة، وبالإخراج: الخروج من مكة، ويدل عليه ما أخرجه أحمد، والطبراني، والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، وجماعة، عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم أمر بالهجرة، فأنزل الله- تعالى- عليه هذه الآية. وبدأ بالإدخال لأنه الأهم

ثم قال: والأظهر أن المراد إدخاله- عليه الصلاة والسلام إدخالا مرضيا في كل ما يدخل فيه ويلابسه من مكان أو أمر، وإخراجه- من كل ما يخرج منه خروجا مرضيا- كذلك-، فتكون الآية عامة في جميع الموارد والمصادر

» «2» .

ويبدو لنا أن المعنى الذي أشار إليه الآلوسى- رحمه الله بأنه الأظهر، هو الذي تسكن إليه النفس، ويدخل فيه غيره دخولا أوليا، ويكون المعنى:

وقل- أيها الرسول الكريم- متضرعا إلى ربك: يا رب أدخلنى إدخالا مرضيا صادقا في كل ما أدخل فيه من أمر أو مكان، وأخرجنى كذلك إخراجا طيبا صادقا من كل أمر أو مكان.

والمراد بالسلطان في قوله- تعالى-: وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً الحجة البينة الواضحة التي تقنع العقول، والقوة الغالبة التي ترهب المبطلين.

(1) راجع تفسير الآلوسى ج 15 ص 140.

(2)

تفسير الآلوسى ج 15 ص 143.

ص: 412

أى: واجعل لي- يا إلهى- من عندك حجة تنصرني بها على من خالفني، وقوة تعينني بها على إقامة دينك، وإزالة الشرك والكفر.

وقد وضح صاحب الكشاف هذا المعنى فقال: قوله: وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً أى: حجة تنصرني على من خالفني، أو ملكا وعزا قويا ناصرا للإسلام على الكفر، مظهرا له عليه، فأجيبت دعوته بقوله:

وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ. ووعده لينزعن ملك فارس والروم فيجعله له.

وعنه صلى الله عليه وسلم أنه استعمل «عتاب بن أسيد» على أهل مكة وقال: انطلق فقد استعملتك على أهل الله، فكان شديدا على المريب. لينا على المؤمن، وقال: لا والله لا أعلم متخلفا يتخلف عن الصلاة في جماعة إلا ضربت عنقه، فإنه لا يتخلف عن الصلاة إلا منافق. فقال أهل مكة: يا رسول الله لقد استعملت على أهل الله «عتاب بن أسيد» أعرابيا جافيا.

فقال صلى الله عليه وسلم: «إنى رأيت فيما يرى النائم كأن عتاب بن أسيد أتى باب الجنة، فأخذ بحلقة الباب فقلقلها قلقالا شديدا، حتى فتح له فدخلها، فأعز الله به الإسلام لنصرته المسلمين على من يريد ظلمهم، فذلك السلطان النصير» «1» .

وقال ابن كثير- بعد أن ساق بعض الأقوال في معنى الآية الكريمة- قوله: وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً قال الحسن البصري في تفسيرها: وعده ربه لينزعن ملك فارس والروم وليجعلنه له.

وقال قتادة فيها: إن نبي الله علم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان. فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله. ولحدود الله، ولفرائض الله، ولإقامة دين الله، فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض فأكل شديدهم ضعيفهم

ثم قال ابن كثير: واختار ابن جرير قول الحسن وقتادة، وهو الأرجح، لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه، ولهذا يقول- تعالى-: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ، وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ....

(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 688.

ص: 413

وفي الحديث «1» : «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» أى: ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام، ما لا يمتنع كثير من الناس عن ارتكابه بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد، والتهديد الشديد، وهذا هو الواقع» «2» .

وفي قوله- تعالى-: وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ تصوير بديع لشدة القرب والاتصال بالله- تعالى- واستمداد العون منه- سبحانه- مباشرة، واللجوء إلى حماه بدون وساطة من أحد.

ثم بشره- سبحانه- بأن النصر له آت لا ريب فيه فقال- تعالى- وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.

والحق في لغة العرب: الشيء الثابت الذي ليس بزائل ولا مضمحل. والباطل على النقيض منه.

والمراد بالحق هنا: حقائق الإسلام وتعاليمه التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم من عند ربه- عز وجل.

والمراد بالباطل: الشرك والمعاصي التي ما أنزل الله بها من سلطان، والمراد بزهوقه: ذهابه وزواله. يقال: فلان زهقت روحه، إذا خرجت من جسده وفارق الحياة.

أى: وقل- أيها الرسول الكريم- على سبيل الشكر لربك، والاعتراف له بالنعمة، والاستبشار بنصره، قل: جاء الحق الذي أرسلنى به الله- تعالى- وظهر على كل ما يخالفه من شرك وكفر، وزهق الباطل، واضمحل وجوده وزالت دولته، إن الباطل كان زهوقا، أى: كان غير مستقر وغير ثابت في كل وقت. كما قال- تعالى-: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ «3» .

وكما قال- سبحانه-: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ

«4» .

وقد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآية أحاديث منها: ما أخرجه الشيخان عن ابن مسعود- رضى الله عنه- قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة- عند فتحها- وحول البيت ستون وثلاثمائة صنم. فجعل يطعنها بعود في يده ويقول جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ.

(1) المشهور أن هذه العبارة من الأثر وليست حديثا.

(2)

تفسير ابن كثير ج 3 ص 59.

(3)

سورة سبأ الآيتان 48، 49.

(4)

سورة الأنبياء الآية 18. [.....]

ص: 414