المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 12] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٨

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثامن]

- ‌سورة الحجر

- ‌تعريف بسورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 49 الى 60]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 61 الى 74]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 75 الى 84]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 85 الى 99]

- ‌تفسير سورة النّحل

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة النحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة النحل (16) : آية 14]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 17 الى 23]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 24 الى 29]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 48 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 55]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 61 الى 64]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 65 الى 67]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 68 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 73 الى 76]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 94 الى 97]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 98 الى 100]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 101 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 109]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 110 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 113]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 114 الى 115]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 118 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 124]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 125 الى 128]

- ‌تفسير سورة الأسراء

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : آية 1]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 8]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الإسراء (17) : آية 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 16 الى 22]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 23 الى 25]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 31 الى 39]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 40 الى 44]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 69]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 73 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 81]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 82 الى 84]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 85 الى 89]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 96]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 97 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 104]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 105 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌تفسير سورة الكهف

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 19 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 21]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 22]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 36]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 37 الى 41]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 42 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 49]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 65]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 74 الى 76]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 77 الى 78]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 79]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 80 الى 81]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 102]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 103 الى 106]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 107 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الحجر»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة النحل»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الإسراء»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الكهف»

الفصل: ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 12]

أى: فعلنا ذلك لنختبر الناس على ألسنة رسلنا، أيهم أحسن عملا، بحيث يكون عمله مطابقا لما جئت به- أيها الرسول الكريم-، وخالصا لوجهنا، ومبنيا على أساس الإيمان والعقيدة الصحيحة.

قال تعالى: بارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.

وفي الحديث الشريف: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، واتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء» .

وقوله- سبحانه-: وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً زيادة في التزهيد في زينتها، حيث إن مصيرها إلى الزوال، وحض على التزود من العمل الصالح الذي يؤدى بالإنسان إلى السعادة الباقية الدائمة.

وبذلك نرى الآيات الكريمة، قد قررت أن الثناء الكامل إنما هو لله- عز وجل، وأن الكتاب الذي أنزله على عبده ونبيه صلى الله عليه وسلم لا عوج فيه ولا ميل، وأن وظيفة هذا الكتاب إنذار الكافرين بالعقاب، وتبشير المؤمنين بالثواب، كما أن من وظيفته تثبيت قلبه صلى الله عليه وسلم وتسليته عما أصابه من أعدائه، ببيان أن الله- تعالى- قد جعل هذه الدنيا بما فيها من زينة، دار اختبار وامتحان ليتبين المحسن من المسيء، وليجازى- سبحانه- الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.

ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك قصة أصحاب الكهف، وبين أن قصتهم ليست عجيبة بالنسبة لقدرته- عز وجل فقد أوجد- سبحانه- ما هو أعجب وأعظم من ذلك، فقال- تعالى-:

[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 12]

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (11) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (12)

ص: 472

قال الإمام الرازي: اعلم أن القوم تعجبوا من قصة أصحاب الكهف، وسألوا عنها الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل الامتحان، فقال- تعالى-: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً؟ لا تحسبن ذلك فإن آياتنا كلها عجب فإن من كان قادرا على خلق السموات والأرض، وعلى تزيين الأرض بما عليها من نبات وحيوان ومعادن، ثم يجعلها بعد ذلك صعيدا جرزا خالية من الكل، كيف يستبعد من قدرته وحفظه ورحمته حفظ طائفة من الناس مدة ثلاثمائة سنة وأكثر في النوم..» «1» .

وعلى ذلك يكون المقصود بهذه الآيات الكريمة، بيان أن قصة أصحاب الكهف ليست شيئا عجبا بالنسبة لقدرة الله- تعالى-.

وقد ذكر المفسرون في سبب نزول قصة أصحاب الكهف روايات ملخصها: أن قريشا بعثت النضر بن الحارث، وعقبة بن أبى معيط، إلى أحبار اليهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول. وعندهم من العلم ما ليس عندنا من علم الأنبياء.

فخرجا حتى قدما المدينة، فسألا أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم أمره صلى الله عليه وسلم فقالوا لهما سلوه عن ثلاث نأمركم بهن. فإن أخبركم بهن، فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل متقول.

سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ماذا كان من خبرهم. فإنهم قد كان لهم حديث عجيب.

وسلوه عن رجل طواف طاف المشارق والمغارب ماذا كان من خبره؟ وسلوه عن الروح، ما هو؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه.

فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش. فقالا: يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل

(1) تفسير الفخر الرازي ج 21 ص 82.

ص: 473

ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور.

ثم جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد أخبرنا، ثم سألوه عما قالته لهم يهود.

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سأجيبكم غدا بما سألتم عنه ولم يستثن-: أى. ولم يقل إن شاء الله- فانصرفوا عنه.

ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة. لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا، ولا يأتيه جبريل- عليه السلام حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدا، واليوم خمسة عشر قد أصبحنا فيها، لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه. وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحى عنه، وشق عليه ما تكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل من عند الله بسورة أصحاب أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف، وقول الله- تعالى- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا «1» .

والخطاب في قوله- تعالى- أَمْ حَسِبْتَ.. للرسول صلى الله عليه وسلم ويدخل فيه غيره من المكلفين.

و «أم» في هذه الآية هي المنقطعة، وتفسر عند الجمهور بمعنى بل والهمزة، أى: بل أحسبت، وعند بعض العلماء تفسر بمعنى بل، فتكون للانتقال من كلام إلى آخر، أى: بل حسبت. ويرى بعضهم أنها هنا بمعنى الهمزة التي للاستفهام الإنكارى أى: أحسبت أن أصحاب الكهف والرقيم.

والكهف: هو النقب المتسع في الجبل، فإن لم يكن فيه سعة فهو غار، وجمعه كهوف.

والمراد به هنا: ذلك الكهف الذي اتخذه هؤلاء الفتية مستقرا لهم.

وأما الرقيم فقد ذكروا في المراد به أقوالا متعددة منها: أنه اسم كلبهم، ومنها أنه اسم الجبل أو الوادي الذي كان فيه الكهف، ومنها أنه اسم القرية التي خرج منها هؤلاء الفتية.

ولعل أقرب الأقوال إلى الصواب أن المراد به اللوح الذي كتبت فيه أسماؤهم وأنسابهم وقصتهم، فيكون الرقيم بمعنى المرقوم- فهو فعيل بمعنى مفعول- ومأخوذ من رقمت الكتاب إذا كتبته.

(1) راجع تفسير ابن كثير ج 5 ص 132. [.....]

ص: 474

ومنه قوله- تعالى- كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ. وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ. كِتابٌ مَرْقُومٌ «1» . أى مكتوب.

قال بعض العلماء: والظاهر أن أصحاب الكهف والرقيم: طائفة واحدة أضيفت إلى شيئين: أحدهما: معطوف على الآخر، خلافا لمن قال أن أصحاب الكهف طائفة، وأصحاب الرقيم طائفة أخرى، وأن الله قص على نبيه في هذه السورة الكريمة قصة أصحاب الكهف، ولم يذكر له شيئا عن أصحاب الرقيم. وخلافا لمن زعم أن أصحاب الكهف هم الثلاثة الذين سقطت عليهم صخرة فسدّت عليهم باب الكهف فدعوا الله بصالح أعمالهم فانفرجت، وهم البار بوالديه، والعفيف، والمستأجر، وقصتهم مشهورة ثابتة في الصحيح، إلا أن تفسير الآية بأنهم هم المراد بعيد كما ترى» «2» .

والمعنى: أظننت- أيها الرسول الكريم- أن ما قصصناه عليك من شأن هؤلاء الفتية، كان من بين آياتنا الدالة على قدرتنا شيئا عجبا؟ لا، لا تظن ذلك فإن قدرتنا لا يعجزها شيء.

ثم حكى- سبحانه- ما قالوه عند ما حطوا رحالهم في الكهف فقال: إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا: رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً. وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً.

و «إذ» هنا ظرف منصوب بفعل تقديره: اذكر.

و «أوى» فعل ماض- من باب ضرب- تقول: أوى فلان إلى مسكنه يأوى، إذا نزله بنفسه. واستقر فيه.

و «الفتية» : جمع قلة لفتى. وهو وصف للإنسان عند ما يكون في مطلع شبابه.

وقوله: وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا: من التهيئة بمعنى: تيسير الأمر وتقريبه وتسهيله حتى لا يخالطه عسر أو مشقة.

والمراد بالأمر هنا: ما كانوا عليه من تركهم لأهليهم ومساكنهم، ومن مفارقتهم لما كان عليه أعداؤهم من عقائد فاسدة.

(1) سورة المطففين الآيات 18- 20.

(2)

تفسير أضواء البيان ج 4 ص 20.

ص: 475

والرشد: الاهتداء إلى الطريق المستقيم مع البقاء عليه. وهو ضد الغي. يقال: رشد فلان يرشد رشدا ورشادا، إذا أصاب الحق.

أى: واذكر- أيها الرسول الكريم- للناس ليعتبروا، وقت أن خرج هؤلاء الفتية من مساكنهم، تاركين كل شيء خلفهم من أجل سلامة عقيدتهم فالتجأوا إلى الكهف، واتخذوه مأوى لهم، وتضرعوا إلى خالقهم قائلين: يا ربنا آتنا من لدنك رحمة، تهدى بها قلوبنا، وتصلح بها شأننا، وتردّيها الفتن عنا، كما نسألك يا ربنا أن تهيئ لنا من أمرنا الذي نحن عليه- وهو: فرارنا بديننا. وثباتنا على إيماننا- ما يزيدنا سدادا وتوفيقا لطاعتك.

وقال- سبحانه-: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ.. بالإظهار- مع أنه قد سبق الحديث عنهم بأنهم أصحاب الكهف لتحقيق ما كانوا عليه من فتوة، وللتنصيص على وصفهم الدال على قلتهم، وعلى أنهم شباب في مقتبل أعمارهم، ومع ذلك ضحوا بكل شيء في سبيل عقيدتهم.

والتعبير بالفعل أَوَى يشعر بأنهم بمجرد عثورهم على الكهف. ألقوا رحالهم فيه واستقروا به استقرار من عثر على ضالته، وآثروه على مساكنهم المريحة، لأنه واراهم عن أعين القوم الظالمين.

والتعبير بالفاء في قوله- سبحانه- فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً.. يدل على أنهم بمجرد استقرارهم في الكهف ابتهلوا إلى الله- تعالى- بهذا الدعاء الجامع لكل خير.

والتنوين في قوله: رَحْمَةً: للتهويل والتنويع. أى: آتنا يا ربنا من عندك وحدك لا من غيرك. رحمة عظيمة شاملة لجميع أحوالنا وشئوننا. فهي تشمل الأمان في المنزل، والسعة في الرزق والمغفرة للذنب.

قال القرطبي ما ملخصه: هذه الآية صريحة في الفرار بالدين وهجرة الأهل والأوطان..

خوف الفتنة، ورجاء السلامة بالدين والنجاة من فتنة الكافرين.. «1» .

ثم بين- سبحانه- ما حدث لهؤلاء الفتية بعد أن لجئوا إلى الكهف، وبعد أن دعوا الله بهذا الدعاء الشامل لكل خير. فقال: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً.

وأصل الضرب في كلام العرب يرجع إلى معنى التقاء ظاهر جسم، بظاهر جسم آخر بشدة.

(1) راجع تفسير القرطبي ج 10 ص 360.

ص: 476

يقال: ضرب فلان بيده الأرض إذا ألصقها بها بشدة، وتفرعت عن هذا المعنى معان أخرى ترجع إلى شدة اللصوق.

والمراد بالضرب هنا النوم الطويل الذي غشاهم الله- تعالى- به فصاروا لا يحسون شيئا مما حولهم، ومفعول ضربنا محذوف.

والمعنى: بعد أن استقر هؤلاء الفتية في الكهف، وتضرعوا إلينا بهذا الدعاء العظيم، ضربنا على آذانهم وهم في الكهف حجابا ثقيلا مانعا من السماع، فصاروا لا يسمعون شيئا يوقظهم، واستمروا في نومهم العميق هذا سِنِينَ ذات عدد كثير، بينها- سبحانه- بعد ذلك في قوله: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً.

وخص- سبحانه- الآذان بالضرب، مع أن مشاعرهم كلها كانت محجوبة عن اليقظة، لأن الآذان هي الطريق الأول للتيقظ. ولأنه لا يثقل النوم إلا عند ما تتعطل وظيفة السمع.

وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم عند ما علم أن رجلا لا يستيقظ مبكرا أن قال في شأنه:

«ذلك رجل قد بال الشيطان في أذنه» أى: فمنعها من التبكير واليقظة قبل طلوع الشمس.

والتعبير بالضرب- كما سبق أن أشرنا- للدلالة على قوة المباشرة، وشدة اللصوق واللزوم، ومنه قوله تعالى- وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ أى: التصقتا بهم التصاقا لا فكاك لهم منه، ولا مهرب لهم عنه.

ثم بين- سبحانه- ما حدث لهم بعد هذا النوم الطويل فقال: ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً.

وأصل البعث في اللغة: إثارة الشيء من محله وتحريكه بعد سكون. ومنه قولهم: بعث فلان الناقة- إذا أثارها من مبركها للسير، ويستعمل بمعنى الإيقاظ وهو المقصود هنا من قوله:

بَعَثْناهُمْ أى: أيقظناهم بعد رقادهم الطويل.

وقوله لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ بيان للحكمة التي من أجلها أيقظهم الله من نومهم.

وكثير من المفسرين على أن الحزبين أحدهما: أصحاب الكهف والثاني: أهل المدينة الذين أيقظ الله أهل الكهف من رقادهم في عهدهم، وكان عندهم معرفة بشأنهم.

وقيل: هما حزبان من أهل المدينة الذين بعث هؤلاء الفتية في زمانهم، إلا أن أهل هذه المدينة كان منهم حزب مؤمن وآخر كافر.

وقيل: هما حزبان من المؤمنين كانوا موجودين في زمن بعث هؤلاء الفتية، وهذان الحزبان اختلفوا فيما بينهم في المدة التي مكثها هؤلاء الفتية رقودا.

ص: 477

والذي تطمئن إليه النفس أن الحزبين كليهما من أصحاب الكهف، لأن الله- تعالى- قد قال بعد ذلك- وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ أى الفتية لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ، قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ، قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ

قال الآلوسى: ثُمَّ بَعَثْناهُمْ أى: أيقظناهم وأثرناهم من نومهم لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أى: منهم، وهم القائلون لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ والقائلون رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ.

وقيل: أحد الحزبين الفتية الذين ظنوا قلة زمان لبثهم، والثاني أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم وكان عندهم تاريخ غيبتهم.. والظاهر الأول لأن اللام للعهد، ولا عهد لغير من سمعت «1» .

والمراد بالعلم في قوله لِنَعْلَمَ.. إظهار المعلوم، أى ثم بعثناهم لنعلم ذلك علما يظهر الحقيقة التي لا حقيقة سواها للناس.

ويجوز أن يكون العلم هنا بمعنى التمييز، أى: ثم بعثناهم لنميز أى الحزبين أحصى لما لبثوا أبدا.

فهو من باب ذكر السبب وإرادة المسبب، إذ العلم سبب للتمييز.

ولفظ «أحصى» يرى صاحب الكشاف ومن تابعه أنه فعل ماض، ولفظ «أمدا» مفعوله، و «ما» في قوله لِما لَبِثُوا مصدرية، فيكون المعنى، ثم بعثناهم لنعلم أى الحزبين أضبط أمدا- أى مدة- للبثهم في الكهف.

قال صاحب الكشاف: و «أحصى» فعل ماض، أى: أيهم أضبط «أمدا» لأوقات لبثهم.

فإن قلت: فما تقول فيمن جعله من أفعل التفضيل؟ قلت: ليس بالوجه السديد، وذلك أن بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس.. والقياس على الشاذ في غير القرآن ممتنع فكيف به.. «2» .

وبعضهم يرى أن لفظ «أحصى» صيغة تفضيل، وأن قوله «أمدا» منصوب على أنه تمييز وفي إظهار هذه الحقيقة للناس، وهي أن الله- تعالى- قد ضرب النوم على آذان هؤلاء الفتية

(1) تفسير الآلوسى ج 15 ص 212.

(2)

راجع الكشاف ج 2 ص 474.

ص: 478