الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
تاريخ المماليك (مصر والشام)
مقدمة:
نطلق على مرحلة التاريخ الإسلامي في الفترة (658 - 923 هـ/1259 - 1517 م) مرحلة العهد المملوكي، رغم أن دولة المماليك لم تحكم سوى مصر والشام والحجاز فقط، ويعود ذلك للأسباب التالية:-
- حملت دولة المماليك صفة الخلافة الإسلامية، حيث ضمت خلفاء بني العباس وأعادت إليهم الخلافة (إسميًا فقط) بعد سقوطها.
- انتصر المماليك على المغول والتتار وأوقفوا زحفهم المدمر، وما استطاع أحد غيرهم تحقيق هذا الانجاز العظيم.
- أنهوا الوجود الصليبي من المشرق الإسلامي.
- خضعت لهم الحجاز، وهي مهوى أفئدة المسلمين، ومن يخضعها ينظر له بعين التقدير والتعظيم والطاعة والخضوع.
- تمتعت دولتهم بموقع استراتيجي متوسط بين شرق وغرب العالم الإسلامي.
- تصدوا لبدايات الغزو البرتغالي، ثم أكمل المهمة العثمانيون.
كل هذه الأسباب جعلت هذه الفترة الزمنية تحمل اسم العهد المملوكي.
أحوال العالم الإسلامي في هذه الفترة:-
وضع المسلمين:-
وصل المسلمون إلى درجة كبيرة من الضعف بسبب التشتت والبعد عن الإسلام والغزو الصليبي والمغولي. وتردت الأحوال الاقتصادية وانتشر الفقر في البلاد.
حالة السلاطين والخلفاء العباسيين:-
أكثر سلاطين المماليك كانوا ضعفاء وكان الحسد والتباغض والمؤامرات منتشرة بينهم. وهذا كله زاد من ضعف المسلمين.
لم يكن وضع الخلفاء العباسيين في مصر أفضل من ذلك. فلم يكن لهم أدنى نفوذ أو تدخل في شؤون الدولة. فكيف يتدخل هؤلاء في شؤون من أحضرهم وآواهم.
* * *
الروح الدينية:-
كانت الروح الدينية لدى المماليك والشعب عامة مرتفعة، يتضح ذلك من النشاط الديني الغزير في ذلك الوقت، فهي كانت أغنى فترات التأليف الإسلامي.
وظهر مشاهير العلماء أمثال: النووي، والعز بن عبد السلام، وابن تيميمة، وابن القيم الجوزية، والذهبي، وابن كثير، وغيرهم.
* * *
حركة الجهاد:-
من ناحية الغزو والجهاد فقد كان للمماليك دورًا بارزًا وأثرًا واضحًا. فقد أوقفوا الزحف المغولي الوحشي من خلال معركة عين جالوت العظيمة عام 658 هـ/1259 م.
وطردوا بقايا الصليبيين من بلاد المسلمين عام 690 هـ/1291 م. وفي أواخر عهدهم وقفوا أمام التقدم الصليبي البرتغالي.
* * *
عيوب المماليك:-
- جاءوا من مناطق مختلفة، لذا كثيرًا ما ظهر التنافر بينهم، وطالما نشأ عن هذا التنافر حروب وصراعات.
- كانوا معزولين عن الشعب في معسكرات خاصة، مما جعلهم يحسون بالانعزالية وبالفوقية أحيانًا لارتباطهم المباشر بسلطان البلاد.
- إحساسهم أنهم رقيق اشتروا بالمال، كون عند كثير منهم عقدة النقص وكان لهذا رد فعل عنيف في تطلعاتهم للسيادة.
- كانت القوة مسيطرة على مجتمعهم، ولا يستمر إلا السلطان القوي. لهذا السبب كثر الخلع والقتل بين هؤلاء السلاطين.
* * *
المماليك:-
هذا العصر لا يزال يكتنفه الغموض، وبالتالي يحتاج إلى دراسات جديدة تسلط الأضواء عليه.
* * *
التعريف بالمماليك:-
المماليك جمع مملوك وهو الرقيق، الذي اشتري بالمال، وقد استقدمهم سلاطين الدولة الأيوبية من بلاد مختلفة أهمها: بلاد تركستان والقوقاز وآسيا الصغرى، وبلاد
ما وراء النهر، ثم اشتروهم وهم غلمان صغار، وقاموا بعزلهم عن الناس في أبراج خاصة، وتربيتهم تربية دينية وعسكرية مناسبة، ثم كونوا بهم جيوشًا، وقد وصل عدد كبير منهم إلى مراتب رفيعة جدًا، وكانوا يتميزون بالشجاعة والإقدام، ولا يعرفون لهم ولاء إلا ولاء الإسلام الذي ينتمون إليه.
هل هم حقًا مماليك وعبيد؟
نحب أن نقرر أن هؤلاء ليسوا مماليك أو عبيد، وإنهم أحرار تمامًا وأن بيعهم باطل، لقد كانوا جميعًا صفقات غير مشروعة، كان الأب يبيع ابنه ليدفعه إلى المجد في القصور، وكان الأقوياء والنخاسون يخطفون الأطفال ويبيعونهم، والإسلام يرفض هاتين الوسيلتين، ولا يجيء الرق في الإسلام إلا عن طريق الحرب الدينية التي يقصد بها الجهاد في سبيل الله. لذا فهؤلاء من وجهة نظر الشرع الإسلامي أحرار وليسوا مماليك (1).
وينقسم عصر المماليك إلى فترتين (باتفاق معظم المؤرخين):-
1 -
المماليك البحرية: (648 - 792 هـ/1250 - 1389 م).
2 -
المماليك البرجية: (792 - 923 هـ/1389 - 1517 م).
فدامت دولتهم ما يقارب 275 عامًا.
(1) التاريخ الإسلامي/أحمد شلبي جـ 5/ص 215.
وبدأ نفوذهم على العالم الإسلامي بعد انتصارهم في معركة عين جالوت على المغول سنة 658 هـ/1259 م.
أولًا: عصر المماليك البحرية 648 - 792 هـ/1250 - 1389 م:-
جلبهم الملك الصالح نجم الدين أيوب. فبنى لهم قلعة في جزيرة الروضة سنة 638 هـ/1240 م، فعرفوا بالمماليك البحرية أو الصالحية.
* * *
الوصول إلى السلطة:-
تُوفي الملك الصالح الأيوبي وقواته تقاتل الصليبيين بقيادة لويس التاسع، فأخفت زوجته المملوكة (شجرة الدر) خبر وفاته وأدارت شؤون البلاد باسمه فصارت بذلك أول ملكة في الإسلام، واستدعت ولده توران شاه ليتولى الأمر، فجاء وانتصر على الصليبيين بمساعدة المماليك سنة 648 هـ/1250 م.
بعد ذلك قتلته شجرة الدر، واستأثرت بالسلطة، واعترض الخليفة العباسي.
فتزوجت كبير المماليك (عز الدين أيبك) وتنازلت له عن السلطة. حاول الملك الأيوبي الناصر يوسف (صاحب الشام) استرداد مصر فانهزم أمام المماليك.
قتلت شجرة الدر زوجها فقتلها المماليك انتقامًا منها سنة 655 هـ/1257 م، فتولى الأمر نور الدين بن عز الدين أيبك، وفي هذه الفترة دخل المغول بغداد ودمروها سنة 656 هـ/1258 م. وساروا نحو الشام، فتولى السلطة سيف الدين قطز، وأخذ يجهز للقاء المغول.
معركة عين جالوت:-
في 15 رمضان عام 658 هـ/1259 م حدثت معركة عين جالوت المشهورة (قرب نابلس بفلسطين) بين المماليك بقيادة السلطان قطز وقائده الظاهر بيبرس وبين المغول بقيادة الطاغية كيتوبوقا (نائب هولاكو)، فانتصر المسلمون انتصارًا ساحقًا عظيمًا وطردوا المغول عن بلاد الشام. فأصبحت مصر والشام تابعة للمماليك.
فاستقرت لهم الأمور بعد ذلك.
وتعتبر هذه المعركة حدثًا تاريخيًا إسلاميًا عظيمًا، فهذا أول انتصار يحققه المسلمون على المغول، فحطموا بذلك أسطورتهم المرعبة. ولم ينتصر على المغول أحد قبلهم.
* * *
بعد عين جالوت!!
بعد الانتصار لاحق المماليك المغول شمالًا، فألحقوا بهم هزيمة أخرى منكرة في قيسارية (بآسيا الصغرى) واستردوها منهم.