الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
الهجرة وبناء الدولة الإسلامية
التآمر على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم:-
انزعجت قريش من هجرة المسلمين وخافت أن ينضم محمد إلى أتباعه. فيقيم لهم مركزاً حصيناً هناك، فاجتمعت قريش في دار الندوة، وحضرهم إبليس في صورة شيخ من أهل نجد وتشاورت في قتل الرسول صلى الله عليه وسلم. فأشار أبو جهل باختيار شاب من كل قبيلة من قريش ومعه سيف ثم يضربونه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل وتقبل بنو عبد مناف الدية. فقبلوا وهنأه إبليس. فيحكي الله خبر هذه المؤامرة فيقول:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
* * *
مراحل الهجرة إلى المدينة:-
الخروج من مكة:-
جاء جبريل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما اتفق عليه القوم، وأمره بالهجرة تجمع الكفار حول بيته، فخرج إليهم صلى الله عليه وسلم وذر التراب على رؤوسهم فغشيوا. قال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: 9].
ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه وخرجا معاً. ونام عليٌّ رضي الله عنه مكانه صلى الله عليه وسلم فلما استيقظ الكفار دخلوا فوجدوا عليًّا رضي الله عنه. مضى الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى غار ثور، وجدَّت قريش في طلبهما، حتى وصلوا إلى باب الغار. فقال أبو بكر: لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:" ما ظنك باثنين الله ثالثهما. لا تحزن إن الله معنا ". قال تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40].
كان عبد الله بن أبي بكر وعامر بن فهيرة يأتيانهما بالأخبار. وأسماء بنت أبي بكر تأتي بالطعام والشراب، ولبثا في الغار ثلاث أيام ثم سارا إلى المدينة.
* * *
قصة سراقة بن مالك:-
جعلت قريش لمن يأتي بالرسول صلى الله عليه وسلم مائة ناقة، فجد الناس في طلبه، وكان منهم سراقة، وكان قصاص أثر، فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم ولما اقترب منهم، دعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فغاصت قدما فرسه في الأرض. وتكرر ذلك، فقال:" إن الذي أصابني بدعائكما، فادعوا الله لي ولكما أن أرد الناس عنكما "، فدعا له الرسول صلى الله عليه وسلم. ووعده حينها بسواري كسرى، (وتحققت له هذه النبوءة بعد فتح فارس).
* * *
قصة أم معبد:-
مروا بخيمة أم معبد الخزاعية، ولم يكن عندها طعاماً أو شراباً. فمسح الرسول صلى الله عليه وسلم بيده ضرع شاةٍ عازبة مريضة جاهدة، فتدفقت حليباً فسقاهم وشرب، ثم واصلوا السير.
دخول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب (سنة 13 من البعثة، 1 هـ، 622 م):-
كان الأنصار وهم الأوس والخزرج يترقبون وصول الرسول صلى الله عليه وسلم بشوق. ولما وصل خرجوا إليه فرحبوا به فما فرحوا بشيء كفرحهم به. نزل الرسول صلى الله عليه وسلم بقباء خمسة أيام. فأسس مسجد قباء وهو أول مسجد أسس بعد النبوة. ثم ركب نحو يثرب، وواصل، والقبائل تأخذ بخطام راحلته، وهو يقول:" خلوا سبيلها فإنها مأمورة " حتى بركت في موضع بني النجار، فنزل عند أبي أيوب، وأقام عنده.
* * *
التسمية الجديدة ليثرب والتأريخ بالهجرة:-
أصبحت يثرب منذ ذلك اليوم تعرف بالمدينة، وأصبح العام الذي هاجر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بدءاً للتاريخ الإسلامي، أو التاريخ الهجري. وتؤكد أكثر الروايات أن عمر بن الخطاب هو أول من أرخ بالهجرة بشكل رسمي ثابت. وكان ذلك في زمن خلافته.
* * *
وضع أسس المجتمع الإسلامي:-
لم يقم المسلمون مجتمعاً إسلامياً في مكة. لكونهم قلة مغلوبة، وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة بوضع هذه الأسس العظيمة لخير مجتمع يترقبه التاريخ.
وأهم أسس هذا المجتمع الجديد:-
1 -
بناء المسجد النبوي:-
بركت الناقة عند موضع المسجد، فأمرهم ببنائه، وبنى معهم، وكان ينقل اللبن والحجارة بنفسه، وجعل قبلته إلى بيت المقدس، وجعل عُمده الجذوع، وسقفه الجريد، وبنى حُجَر أزواجه صلى الله عليه وسلم إلى جانبي المسجد، فلما انتهي بنى بعائشة رضي الله عنها في شوال، وعرفت
يثرب يومها بمدينة الرسول أو المدينة المنورة. وكان المسلمون يلتقون في هذا المسجد للعبادة والتعلم والقضاء والبيع والشراء والاحتفالات، وكان عاملاً كبيراً في التقريب بينهم.
* * *
2 -
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:-
آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فاقتسموا البيوت والنساء والأموال، وكانت لهذه المؤاخاة قوة أخوة النسب، وبهذه المؤاخاة خلق الرسول صلى الله عليه وسلم وحدة دينية بدل الوحدة القبلية.
* * *
3 -
معاهدة التعاون بين المسلمين وغير المسلمين:-
كان بالمدينة ثلاث طوائف: المسلمون، والعرب الغير مسلمين، واليهود (بنو النضير وبنو قريظة وبنو قينقاع)، فوضع الرسول صلى الله عليه وسلم معاهدة لضمان الأمن والسلام، ولخلق جو من التعاون والتسامح بين هذه الطوائف.
* * *
4 -
وضع الأسس السياسية والإقتصادية والإجتماعية:-
الإسلام دين ودولة. فكان لزاماً وضع هذه الأسس، فاتجهت آيات كثيرة من القرآن في هذه الفترة إلى التشريع في كافة هذه الجوانب، كما شرح الرسول صلى الله عليه وسلم كل ذلك بقوله وعمله (1).
فعاشت المدينة الحياة الفاضلة، السامية، فأخوة صادقة، وتكافل تام بين أفراد المجتمع. تكون بذلك أول مجتمع إسلامي وضع الرسول عليه السلام أسسه الخالدة.
(1) التاريخ الإسلامي/أحمد شلبي.