الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البدْعة
(1)
هذه الضلالة لعبت بعقول طائفة لم يتبحروا في قواعد الدين، فآلت بهم إلى التوسع في دائرته باختراع أحكام على قالب أغراضهم، يهدجون بها حول أقوام يستمعون القول ولا يتبعون أحسنه، كما أن حقيقتها تشابهت على بعض المتعرضين لضبطها، وإنا إن شاء الله لمهتدون.
البدعة شرعاً: إحداث أمر في الدين يشبه أن يكون منه وليس منه، وإن شئت فقل: هي إحداث أمر على أنه قربة وليس بقربة لا مطلق الإحداث، إذ قد تتناوله الشريعة بأصولها فيكون راجعاً إليها، أو بفروعها فيكون مقيساً عليها، وعلى هذا فلا تشمل البدعة إلا ما كان محرما أو مكروهاً بحسب قوة الشبهة وضعفها، فإن قويت لم يبلغ بها التحريم، وإن ضعفت جداً كانت محرمة، وإنما قسَّمها بعضهم إلى أقسام الشريعة الخمسة نظراً لمعناها من حيث اللغة، ومنه قول عمر رضي الله عنه في شأن التراويح "نعمة البدعة هذه".
وأصح ضابط نعتمده في هذا الباب، ونجعله عروضاً للمحدثات المذمومة بألسنة من يُعتد بهم في الدين، هو أن سكوت الشارع عن الحكم على ضربين، أحدهما: أن يسكت عنه لعدم الحاجة الداعية لبيانه، كالوقائع
(1) العدد الرابع - المصادر في 16 صفر 1322.
التي حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمد المجتهدون إلى استنباط أحكامها من كليات الشريعة، وما أحدثه السلف الصالح كجمع المصحف وتدوين العلوم راجع إلى هذا القسم، ومن جزئياته تضمين الصناع وسائر الفروع المبنية على رعاية المصالح المرسلة، والثاني: أن يسكت عنه وموجبه المقتضي له قائم، بحيث لم يقرر فيه حكم عند نزوله زيادة على ما كان في ذلك الزمان، فهذا الضرب السكوت فيه كالنص، على أن قَصْدَ الشارع أن لا يزاد فيه ولا ينقص، فتكون الزيادة فيه والنقص بدعة مخالفة لما قصده الشارع، وهي المشار إليها بقوله عليه الصلاة والسلام:"إياكم ومحدثات الأمور"، وقوله:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وسنأتي على بعض أمثلته في المستقبل.