الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
براءة القرآن مِنَ الشِّعِر
(1)(2)
كان النبى صلى الله عليه وسلم أفصح ولد آدم، ولكنه حجب عنه الشعر لما ادخره الله له في ضمير الغيب من جعل فصاحة القرآن معجزة له ودلالة على صدقه، بشهادة قوله تعالى:{وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} [الحاقة: 41] الآية. وقوله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69].
وقد اعترض جماعة من فصحاء الملحدة في نظم القرآن بآيات يريدون بها التلبيس على الضعفة، منها قوله تعالى: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ
(1) العدد الثالث - الصادر في صفر 1322.
(2)
أورد الإمام في العدد الثالث من مجلة "السعادة العظمى" التعليق التالي:
ورد على ما حررناه في العدد الثاني من المجلة تحت عنوان: " براءة القرآن من الشعر"، أن قوله تعالى:{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر: 49] وكلام تام، وعليه فلا محيص من الرجوع إلى الجواب العام الذي هو مراعاة القصد الأولي، وجوابه أن الآية لا تكون على وزن شيء من الشعر إلا بإشباع الميم من قوله:{الرَّحِيمُ]، وإذا أشبعت لم يكن قرآناً، هذا وقد أورد "الفخر الرازي" في تفسيره قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا} [آل عمران: 92] الآية، ولم يذكر إلا ذلك الجواب العام مع أنه لا يوافق وزن مجزوء الرمل الذي ادعوه إلا بحذف النون من قوله:{تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] أما قوله تعالى: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} [سبأ: 14] الآية، فجوابه أنه غير تام لتوقفه على ما قبله من جهة عطفه عليه.
عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117] قالوا: "إن هذا من بحر المتقارب"، قلنا:"إنما يقول هذا من لا خلاق له في هاته الصناعة، لأن الذي ينطبق على وزن هذا البحر من الآية قوله: {فَلَمَّا} إلى قوله {كُلِّ]، وإذا وقفنا عليه لم يستقم الكلام، وإذا أتممناه بقوله: {كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} خروج عن وزن الشعر".
ومنها قوله تعالى: {وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14] ادعوا أنه من بحر الوافر، قلنا:"هذه الدعوى على جانب عظيم من الفساد، لأنها إنما تكون على وزن هذا البحر، إذا زيدت فيها ألف بإشباع حركة النون، وأشبعت حركة الميم في قوله {وَيُخْزِهِمْ} وإذا غُيِّر لم يكن قرآناً، وإذا قرأ على الأصل لم يكن شعراً".
ومنها قوله: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: 13] زعموا أنه من جزوء الرمل، وهذا باطل أيضاً، لأنه إنما يكون من هذا الوزن إذا زيدت فيه ياء بعد الباء في قوله {كَالْجَوَابِ]، وإذا حذفت فليس بكلام تام على وزن شيء.
ومنها قوله {قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ} [سبأ: 30] قالوا: "هذه آية تامة على وزن بيت من الرمل"، وهذا غلط فاحش، لأنها إنما تكون من وزنه إذا حذف من قوله:{لَا تَسْتَأْخِرُونَ} لا النافية والياء والسين، وتوصل يوم بقولك تأخرون، وتقف على النون من قولك تأخرون، فتقول: تأخرونا بالألف، وإذا قرأناه كذلك لم نتبع قرآنه، ومتى قرآناه على أصله فما هو بقول شاعر.
ومنها قوله: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} [الإنسان: 14] ادعوا
أنه من بحر الرجز، وهذه الدعوى من الطراز الأول، لأنه إن قرئ بإسكان الميم يكن على وزن فعول، وليس في بحر الرجز فعول، وإن أشبعت حركة الميم لم يكن من هذا البحر إلا باسقاط الواو من {وَدَانِيَةً]، وإذا حذفت الواو بطل الكلام.
ومنها قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون: 1 - 2] زعموا أنه من الخفيف، قلنا:"زعمتم ولكنكم أخطأتم، لأنه لا يكون من هذا الوزن إلا بحذف اللام من قوله: {فَذَلِكَ]، وبإشباع الميم من قوله: {الْيَتِيمَ]، فيكون اليتيما، والقراءة سنة متبعة لا مبتدعة".
ومنها قوله: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23] قالوا: "هذا من بحر الرجز"، وقلنا:"افتريتم على الله كذباً، لأن الذي يوافق هذا الوزن من الآية قوله، {إِنِّي وَجَدْتُ} إلى قوله: {عَرْشٌ]، والكلام غير التام لا يكون شعراً"، فإن قالوا:"يقع قوله: {عَرْشٌ عَظِيمٌ} بعد ذلك إتماماً للكلام على معنى التضمين"، قلنا:"التضمين إنما يكون في بيت على تأسيس بيت قبله، وأما أن يكون التأسيس بيتاً والتضمين أقل من بيت فذلك ليس بشعر عنه أحد من العرب".
وخلاصة هذا المطلب، أنك لا تجد آية تامة أو كلاماً تاماً من القرآن على وزن بيت تام من الشعر.
وغالبهم يقتصر على جواب عام، وهو أخذ القصد الأولي قيداً في حقيقة الشعر.