الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحاديث الموضوعة
(1)(2)
يتجاسر كثير ممن لم يتفقهوا في الدين على سرد الأحاديث الموضوعة،
(1) العدد الحادي عشر - المصادر في غرة جمادى الثانية 1322.
(2)
كتب الإِمام في العدد اللاحق لبحث الأحاديث الموضوعة التعليق التالي:
رأى بعض البسطاء أن تنبيهنا على الأحاديث التي وضعت في فضل الصيام في رجب والقيام في لياليه، مما يثني عزائم الناس عن الإكثار من العبادة في هذا الشهر، فالأجدر بنا عدم التعرض لذلك، وهذا رأي عجيب لم يسبقهم به الأئمة الذين يكبر عليهم مخالفة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فبينوا وضعها وشنَّعوا على من افتراها كذباً.
وقد كان بعض الزهاد بخراسان يضع الأحاديث في فضائل القرآن وسوره، حتى أخرج لكل سورة حديثاً، فكُلِّم في ذلك، فقال:"رأيت الناس قد زهدوا في القرآن فأردت أن أرغِّبهم"، فقيل له:"فأين الوعيد في الكذب عن النبي صلى الله عليه وسلم "، فقال:"أنا لم أكذب عليه إنما كذبت له". قال أبو بكر بن العربي في "العارضة": "ولم يعلم البائس أن من كذب له بما لم يخبر به أنه كذب عليه، أو علم، ولكنه استخف بكبر ذلك"، وقد قال العلماء:"لا يحدِّث أحد إلا عن ثقة، فإن حدَّث عن غير ثقة فقد حدَّث بحديث يرى أنه كذب".
ولقد بلغ الاستخفاف بشأن رواية الأحاديث أن تسمع العامي يقول: "قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا" يملأ به فاه ويميل به شدقيه وهو يجهل رتبة ذلك الحديث، ونحن لا نرى إلا ما رأته أئمة الدين، وهو أنه لا يستباح لأحد أن يروي حديثاً إلا =
ويحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم، منها الأحاديث التي يضعونها في فضائل الأيام والشهور التي يتسلمها خطباء المنابر من كتب لا تتحرى في رواية كلام رسول الله عليه الصلاة والسلام، وما كان ينبغي لهم أن يسندوا حديثاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد البحث عن رتبته في الكتب التي تكفَّلت بذلك، ولقد أكمل الله الدين من قبل أن يتجشأ أولئك الدجالون بما افتروه على رسول الله كذباً، ومن ذلك الأحاديث الموضوعة في فضل رجب وصيامه، ونذكر الآن بعضها:
منها حديث: "في رجب يوم وليلة، من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة، كان له من الأجر كمن صام مائة سنة وقام مائة سنة، وهي لثلاث ليال بقين من رجب، في ذلك اليوم بعث الله محمداً نبياً" قال "الحافظ السيوطي" في "الذيل": في إسناده هياج، وهو متروك الحديث.
ومنها الحديث الطويل، وهو أن رجلاً سأل أبا الدرداء عن صيام رجب، فقال: سألت عن شهر كانت الجاهلية تعظمه في جاهليتها، وما زاده الإِسلام إلا فضلاً وتعظيماً، فمن صام منه يوماً إلخ. قال "السيوطي في الذيل": إسناده ظلمات بعضها فوق بعض وفيه داود وهو كذَّاب وضَّاع.
ومنها حديث "رجب من أشهر الحرم، وأيامه مكتوبة على أبواب السماء السادسة، فإذا صام الرجل منه يوماً" إلخ الحديث. قال "السيوطي في الذيل" أيضاً: "في إسناده إسماعيل بن يحيى التميمي متهم بالكذب".
= بعد تحققه عدم وضعه، ولا يكفي في ذلك سماعه من عالم أو خطيب أو رؤيته في كتاب، إلا إذا أسند إلى من يوثق بروايته.
ومنها حديث "من صام يوماً من رجب وقام ليلة من لياليه، بعثه الله تعالى آمناً يوم القيامة، ومرَّ على الصراط وهو يهلل أو يكبر" موضوع، لأن في إسناده إسماعيل بن يحيى، وهو كذاب، قاله "السيوطي في الذيل".
ومنها حديث "من أحيا ليلة من رجب، وصام يوماً منه، أطعمه الله من ثمار الجنة، وكساه من حلل الجنة، وسقاه من الرحيق المختوم" في إسناده حصين بن مخارق، قال "السيوطي في الذيل":"وهو ممن يضع الأحاديث".
ومنها حديث أن "شهر رجب شهر عظيم، من صام منه يوماً كتب الله له صوم ألف سنة، ومن صام يومين كتب الله له صيام ألفين سنة، ومن صام منه ثلاثة أيام كتب له صوم ثلاثة آلاف سنة إلخ" قال: "الحافظ ابن حجر" هو موضوع بلا شك.
ومنها حديث "رجب شهر الله، ورمضان شهر أمتي، فمن صام" إلخ الحديث الطويل، ذكره صاحب "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة"، وقال:"ابن الجوزي": "في إسناده الكسائي وهو لا يُعرف"، وكذلك قال "الحافظ ابن حجر":"الكسائي هذا لا يعرف، وليس هو علي بن حمزة المقري لأنه أقدم طبقة من هذا بكثير، وفيه علّة أخرى فإنه من رواية علقمة عن أبي سعيد الخدري، ولا يعرف لعلقمة سماع من أبي سعيد" ثم قال: "وللحديث طرق أخرى واهية وفي روايتها مجاهيل، رويناه في أمالي أبي القاسم بن عساكر من طريق عصام بن طليق عن أبي هرون العبدي عن أبي سعيد فذكره بطوله، وفيه زيادة ونقص وتقديم وتأخير، وعصام بن طليق ليس بشيء وأبو هرون العبدي متروك".
ومنها حديث "أكثروا من الاستغفار في شهر رجب، فإن لله في كل ساعة
منه عتقاء من النار، وإن لله مدائن لا يدخلها إلا من صام رجب". في إسناده الأصبع ليس بشيء كما في "الذيل"، وفي "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" أن صوم أول خميس من رجب مما أحدثه العوام من البدع.
الغرض من بيان وضع هذه الأحاديث إنما هو تمييز الخبيث من الطيب، وإلا فالصوم، والاستغفار، والصلاة هي من العبادات التي يستحب فعلها ممن استطاعها في كل وقت غير منهي عنه.
مما شاع على الألسنة حديث "يدعى الناس يوم القيامة بأمهاتهم" وهو موضوع، كما نبّه عليه صاحب "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة"، وقد اغترّ بعض المفسِّرين، فحمل قوله تعالى:{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71] على معنى ذلك الحديث.
قال في "الكشاف": "إن من بدع التفاسير أن الإِمام جمع أم، كخف وخفاف، وأن النَّاس يدعونَ يوم القيامة بأمهاتهم، وإنَّ الحكمة في الدُّعاء بهنَّ دون الآباء رعاية حق عيسى عليه السلام، وشرف الحسن والحسين، وأن لا يفضح أولاد الزِّنى، وليت شعري أيُّهما أبدع أصحة تفسيره أم بهاء حكمته؟! ".
وقد ثبت ما يخالفه، ففي "سنن أبي داوود" بسند جيِّد، كما قاله النووي من حديث أبي الدَّرداء مرفوعاً "أنَّكم تدعونَ يومَ القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فحسِّنوا أسماءكم".
وفي الصحيح من حديث ابن عمر مرفوعاً "إذا جمع الله الأوليِّن والآخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء، هذه غدرة فلان بن فلان".