الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطب النبوي
(1)
سؤال:
جوابكم الشافي في مسألة الطب أهي من المشروعيات أم من العاديات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع، ولم يُبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات على ما قاله بعض العلماء، ودليلهم قوله صلى الله عليه وسلم في واقعة تلقيح النخيل:"أَنْتمْ أَعلَمُ بأُمور دُنْياكمْ" وهذا يدلُّ صراحة على أنه صلى الله عليه وسلم إنما أُرسل ليعلم الناس الشرائع كما تقدم.
وقد وردت أحاديث صحيحة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم أمر عدَّة أنفار من الصحابة رضي الله عنهم بالتَّداوي بأدوية مخصوصة، كأمره المبطون أكل العسل وغير ذلك، وهاته الأدوية ليست مركبة على قواعد طبيعية على ما قاله الأطباء.
جواب:
كان للعرب معرفة بشيء من علم الطب غير مبنية على علوم الطبيعة التي يقررها حكماء الفلاسفة، بل مأخوذة من تجاريب الأُميِّين، والأحاديث التي جاءت في التعريف ببعض الأدوية واردة على هذا المساق، وهي صادقة مطابقة لقواعد حفظ الصحة عند من يحقق النظر في فهمها بتقييدها وتخصيصها، وفي
(1) العدد الثاني عشر - الصادر في 16 جمادى الثانية 1322.
تطبيقها على الأمراض بحسب الاختلاف في السنن والزمان والعادة والهوى، فإن الأطباء مجمعون على أن العلة المعينة يختلف علاجها بحسب الاختلاف في ذلك، ويكفي في صدقها تحقق الشفاء بها في الجملة، فالنبي عليه الصلاة والسلام بُعث لتعليم الشرائع، ولكنه إن صدر منه في غيرها قول كأحاديث الطب، كان بمنزلة الشرعيات عندنا لا نرتاب في صحته وإن ارتاب المبطلون.
أما واقعة تلقيح النخل، فقد بيَّن عليه الصلاة والسلام من أول الأمر أن قوله:"لو لمْ تَفعلُوا لصلحَ" إنما هو بمقتضى الظن بقوله: "ما أظن ذلك يغني شيئاً"، فهو بمثابة قوله "أظن أنكم لو لم تفعلوا لصلح"؛ لأن اعتقاد سببية أمر لحصول آخر يكون لإعلام من الشارع ولم يقع هنا أو بالتجربة، وهو صلى الله عليه وسلم لم يمارس الفلاحة لاستغراقه فيما هو أشرف مكانة وأعم فائدة للأمة، فرجع إلى ما هو الأصل، وهو أن لا تأثير إلا لله، وعندما تبين له بالتجربة أن التلقيح سبب في صلاح الثمر، قال لهم:"أَنْتم أَعلمُ بأمرِ دنياكم" فالأمر في هذه الجملة يصرف إلى الأمور التي لم يتكلم فيها بصورة جزم كواقعة التلقيح، فتخرج أحاديث الطب فإنها أوامر وأخبار لم تعلق بظن، فلا يسعنا إلا التصديق بصحتها تصديقاً لا ينقض ميثاقه تشكيكات المتطببين، فإنهم يختلفون اختلافاً كثيراً.