الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الحيم
مقدمة الإمام محمّد الخضر حسين
الحمد لله الذي فطر النفس الناطقة على الشوق إلى استطلاع الحقائق، وأطلع في سمائها فكراً يبسط شعاعه على رأس اليراعة فإذا هو درٌّ متناسق، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المؤيد بالعصمة، والقائل:"إن من الشعر حكمة "، ثم الرضا عن آله المشهود لهم بالسبق في حلبة الفصاحة، وصحبه الفائقين في مناهج البيان مجازاً وكناية وصراحة.
أمّا بعد:
فيرتفع شأن الشعر، ونقضي لصاحبه بالبراعة والتفوق على غيره بمقدار ما يحرز من بناء محكم، ومعنى بديع، وقد حدَّق فلاسفة الأدب أنظارهم إلى الوجوه التي تملك بها المعاني شرف منزلتها، وحسن طلعتها، أو تأخذ منها الألفاظ متانة نسجها، وصفاء ديباحتها.
ومن أجمل الفنون التي يرجع النظر فيها إلى جهة المعنى: صناعة التخييل، وهي الغرض الذي جرَّدتُ القلم للبحث عنه في هذه الصحائف متحريًا أسلوباً لا يشتكي منه القارئ طولاً ولا قصراً.
ولا أدّعي أن هذا الفن مما ضلّ عن أولئك الفلاسفة، فلم يعرجوا على مكانه، أو صعب عليهم مراسه فلم يسوسوه بفكر ثاقب، وبيان فاصل؛ فإن كثيراً من علماء البلاغة قد ولّوا وجوههم شطره حتى توغلوا في طرائقه،
وكشفوا النقاب عن حقائقه، ومن أبعدهم نفوذاً في مسالكه الغامضة، وأسلمهم ذوقاً في نقد معانيه، وتمييز جيدها من رديئها: الإمام عبد القاهر الجرجاني صاحب كتابي: "أسرار البلاغة"، و"ودلائل الإعجاز".
وما كان لي سوى أن أعود إلى مباحثه المبثوثة في فنون شتى، فأستخلص بقدر ما تسمح به الحال لُبابها، وأؤلف بين ما تقطَّع من أسبابها، ولا تجدني - إن شاء الله- أحكي مقالهم دون أن أعقد بناصيته، أو أبث خلاله، أو أضع في ردفه جملًا تلبسه ثوباً قشيباً، أو تنفخ فيه روحاً كانت هادئه
محمد الخضر حسين
شعبان/1340 - نيسان/ 1922