الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي تخطر في الذهن عندما يذكر اسم الغول. حتى إن الناس لا يتفقون - فيما أحسب - على كيفية تصور هذا الأمر الموهوم، فكل يخطر له المعنى في أبشع صورة يتمكن خياله من جمعها وتلفيقها.
فغاية ما صنع الشاعر: أن عمد لأمر محسوس، وهي النصال المحددة، وتخيَّله في صورة أمر هو في نفسه خيالي، ولكن صورته مأخوذة من مواد كان يعرفها من قبل بطريق الرؤية أو السماع.
وتعتمد المخيلة على قوة التذكر، وهو
تداعي المعاني
وخطورها على الذهن بسهولة، وبعد أن تتراءى لها الصورة بوسيلة التذكر، تستخلص منها ما يلائم الغرض، وتطرح ما زاد على ذلك، فتفصل الخاطرات عن أزمنتها، أوما يتصل بها مما لا يتعلق به القصد من التخييل، ثم تتصرف في تلك العناصر بمثل التكبير أو التصغير، وتأليف بعضها إلى بعض حتى تظهر في شكل جديد.
* تداعي المعاني:
ترجع الأسباب التي تجمع بين المعاني، وتجعلها بحيث يكون حضور بعضها في النفس يستدعي حضور بعض، إلى ثلاثة أنواع:
أولها: اقتران المعنيين في الذهن حيث يكون تعلقهما أو إحساسهما في وقت واحد، أو على التعاقب، ومن هذا تذكُّر الوقائع عندما يخطر بالبال مكانها، كما قال ابن الرومي:
وحَبَّبَ أوطانَ الرجال إليهم
…
مآربُ قضّاها الشبابُ هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذَكَّرَتهمُ
…
عهودَ الصِّبا فيها فحنّوا لذلكا
أو زمانها، كما قالت الخنساء:
يذكِّرني طلوعُ الشمس صخراً
…
وأذكره بكلِّ مغيب شمس
وخصت هذين الوقتين بالتذكير؛ لأنهما مظهر لعملين عظيمين من أعمال صخر، إذ كان يغدو للإغارة التي هي مظهر الشجاعة عند مطلع الشمس، ويبذل الطعام للضيوف وقت الغروب.
ومن هذا الوجه نشأت الكنايات، وبعض أنواع المجاز المرسل، أما الكنايات، فلأنها الدلالة على المعنى باسم ما يلازمه في الخارج، وصحَّ هذا نظراً إلى أن حضور المعنى الموضوع له اللفظ يستدعي حضور لازمه في ذهن المخاطب؛ كقول الحصين بن الحمام:
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد
…
لنفسي حياة مثل أن أتقدما
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومُنا
…
ولكن على أقدامِنا تقطر الدما
أراد الشاعر أن يفيد ثباتهم في مواقف الحروب، وأنه لا يجمح بهم الفزع من الموت إلى سبة الهزيمة، فعبَّر عن هذا المعنى بأن دماءهم لا تقع على أعقابهم البتة، وهذا يقتضي أنهم لا يولون العدو ظهورهم حتى ينالها بسيوفه، كما أن معنى قطر الدماء على الأقدام يذهب بالسامع إلى معنى أنهم يستقبلون العدو بوجوههم إلى أن ينالوا ظفراً، أو يلاقوا موتاً شريفاً.
وأما بعض أنواع المجاز المرسل، فكإطلاق اسم الحال على المحلّ، والسبب على المسبّب، والكل على الجزء، وعكسها، ومداره على أن ذهن المخاطب ينتقل إلى المعنى المراد بسهولة حيث كان بينه وبين المعنى الحقيقي مناسبة تقضي تقارنهما في الذهن؛ لأن إدراكهما كان في وقت واحد، كالحالّ والمحلّ، والكلّ والجزء، أو على التعاقب كالسبب والمسبب.