الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستعمل القنوع في معنى الرضا، وهو لغة قليلة حكاها ابن جني، وأنشد:
في الخد نارٌ وفي أَجفانها شَرَكٌ
…
لوقعةِ القلبِ كلٌّ منهما صالي
فاستعمل كلمة صالي بمعنى صابر مترقب، وهي لغة العامة من أهل الشام وحماة، قال بعض الأدباء: لم أفهم ما أراد ابن حجة حتى سألت عنه بعض عوام حماة، ففسَّره لي.
وقد تعاب الكلمة في الشعر من جهة تجافي الذوق عنها، وثقل وقعها على اللسان؛ كلفظ: ابتشاك في قول المتنبي:
وما أرضى لمقلته بحلمٍ
…
إذا انتبهت توهَّمه ابتشاكا
والابتشاك: الكذب، ومن ذا يسمع هذه الكلمة، ولا يتبرأ منها ذوقه كما يتبرأ من معناها قلبه ولبّه؟!
وقد يأتي الشاعر في البيت بكلمة لها معنيان: أحدهما لائق بالمقام، وهو المراد، وثانيهما يصير به معنى الكلام منبوذًا مستقبحًا، وليس بمقصود للشاعر؛ فيعاب الشعر من جهة هذه الكلمة المحتملة لمعنى مستهجن، وقد وقع أبو تمام في هذا العيب حين قال:
أعطيت لي دية القتيل وليس لي
…
عقلٌ ولاحقٌّ عليك قديمُ
فقوله: "وليس لي عقل" يوهم أنه ينفي عن نفسه العقل الذي هو القوة المدركة، وإنما أراد الشاعر: الدية، ولو قال: وليس لي عليك عقل، لارتفع اللبس، وزال القبح.
*
النقد العائد إلى التركيب:
من النقد العائد إلى التركيب: وروده على خلاف ما يقتضيه علم النحو،
وضربوا المثل لهذا يقول الفرزدق:
وعضَّ زمان يابن مروان لم يَدَعْ
…
من المالِ إلا مُسحَتاً أو مُجلفُ
المُسحَت: المُهلَك، والمجلف: الذي بقيت منه بقية، فالنظم يقتضي نصب مجلف عطفًا على المنصوب قبله وهو"مسحتاً"، ولكن الشاعر أتى به مرفوعاً، وليس لرفعه وجه ظاهر، وأراد بعض النحاة أن يخلصه من وصمة الخطأ في الإعراب فجعله خبراً لمبتدأ محذوف، والمعنى:"أو هو مجلف"؛ وإذا نفع هذا الوجه الشعر، وخلّصه من عيب اللحن، فإنه لا يمنع الناقد من أن يجعله دون منزلة الشعر الذي يستقر معناه في الأذهان لأول ما يقع لفظه على الأسماع.
ومن مآخذ المركَّب: خروجه عن قانون علم البلاغة، فيجيء غير مطابق لمقتضى المقام؛ ومن أمثلة هذا العيب: أن عبد الرحمن بن حسّان سأل بعض الولاة حاجة، فلم يقضها، ثم بعث إليه شفيعاً، فقضاها له، فقال:
ذُممت فلم تُحمد وأدركت حاجة
…
تولّى سواكم أَجْرَها واصطناعَها
أبي لك كَسْبَ الحمدِ رأيٌ مقصِّرٌ
…
ونفسٌ أضاق اللهُ بالخيرِ باعَها
إذا هي حَثَّتْهُ على الخيرِ مرةً
…
عصاها وإن همَّت بشرٍ أطاعها
وموضع العيب في رأي علماء البلاغة هذا البيت الثالث، فقد جاء على خلاف ما يقررونه من أنّ (إذا) تستعمل فيما يكثر وقوعه، (وإنْ) تستعمل فيما لا يقع إلا نادرًا، ومقام الهجاء يقتضي أن نفس ذلك الوالي تحثه على الخير قليلاً، وأنها تهمُّ بالشر كثيراً، وهذا يقتضي أن يأتي في جانب الحث على الخير بـ (إنْ)، وفي جانب الشر بـ (إذا)، ولكن الشاعر جرى