الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاد جفنةَ حول قبر أبيهم
…
قبرِ ابن ماويةَ الكريم المفضلِ
يُغشون حتى ما تهرُّ كلابهم
…
لا يسألون عن السواد المقبلِ
وروي: أنه تلا هذه القصيدة على عمر بن الحارث الغساني، وكان في المجلس علقمة والنابغة، فلم يزل عمر يزحل عن موضعه، حتى شاطر البيت، وهو يقول مخاطباً لعلقمة والنابغة: هذا - وأبيك - الشعر، لا ما تعللاني به منذ اليوم.
وقد وقع البيت: "يغشون حتى ما تهر كلابهم" من الحطيئة موقع الإعجاب، فقال: أبلغوا الأنصار أن شاعرهم أشعر العرب حيث يقول:
يغشون حتى ما تهر كلابهم
…
لا يسألون عن السواد المقبل
وتهيأت لحسان أسباب المديح في الإِسلام بعد الجاهلية، إذ رأى من كمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمو مكانته، ومكارم أخلاقه فوق ما كان يراه في الناس بدرجات لا تحصى، فكان إيمانه الصادق يدعوه إلى مدح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام. ومن أبلغ ما روأنه في مدح الحضرة النبوية: قوله:
وأحسنُ منك لم ترَ قطُّ عيني
…
وأكملُ منك لم تلد النساءُ
خُلِقْتَ مبرأً من كلِّ عيبٍ
…
كأنك قد خُلِقْتَ كما تشاءُ
وقوله:
متى يبد في الليلِ البهيمِ جبينُهُ
…
يلحْ مِثْلَ مصباحِ الدجى المتوقِّدِ
فمن كان أو من قد يكون كأحمدٍ
…
نظاماً لحق أو نكالاً لملحدِ
*
الهجاء في شعر حسان:
يعزى إلى حسان أشعار على أنه هجا بها في الجاهلية بعض الأشخاص،
أو بعض القبائل، وهجا حسان بعد دخوله في الإِسلام. وسبب هذا الهجاء: أن رهطًا من المشركين كانوا يهجون النبي صلى الله عليه وسلم، فقال المهاجرون: يا رسول الله! ألا تأمر علياً فيهجو هؤلاء القوم؟ فقال: "إن القوم الذي نصروا بأيديهم أحق أن ينصروا بألسنتهم"، فقالت الأنصار: أرادنا والله! فأرسلوا إلى حسان فأقبل، وأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجائهم. ومن عرف ما كان للشعر من الأثر في نفوس العرب، أدرك أن هجاء المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم يكون له أثر كبير في الصد عن الدعوة، وصرف النفوس عن قبولها، فلا بد من مدافعة هذا الشعر الهجائي بشعر مثله يبطل أثره، أو يخفف شره. وفي حديث عمار بن ياسر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: "قولوا لهم كما يقولون لكم"، فهجاء حسان في الإسلام إنما كان دفاعاً لمن اتخذوا الهجاء طريقاً لمحاربة الدعوة إلى الحق، وكذلك قال حسان مخاطباً أبا سفيان بن الحارث:
هجوتَ محمداً فأجبتُ عنه
…
وعند الله في ذاك الجزاء
فإن أبي ووالده وعرضي
…
لعرضِ محمد منكم فداء
وكان حسان يهجو الأشخاص أو القبائل بالبخل، أو الجبن، أو الغدر، أو اللؤم، أو بنقص العقل، أو الكفر والضلال. وينسب إليه أبيات فيها فحش وإقذاع، وليس من المحتمل أن تكون تلك الأبيات المقذعة التي يحتويها الديوان المنسوب إليه قد صدرت منه بعد دخوله الإِسلام، بل أراها مصنوعة ومنسوبة إليه بغير حق، فإن الإسلام طبع نفوس الصحابة على آداب رفيعة، وسار بهم في سيرة نقية، لو عرضنا عليها هذا الشعر المقذع، رأيناها تدفعه، وحسان من الصحابة الذكره تأدبوا بأدب القرآن، ولازموا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم سنين كثيرة.
ثم إنا نرى حسان يعني في فخره بخصلة النزاهة عن الفحش كما قال:
أبي فعلنا المعروف أن ننطق الخنا
…
وقائلنا بالعرف أن لاتكلما
وقال في الفخر:
مساميحُ بالمعروفِ وسط رحالنا
…
وشباننا بالفحش أبخل باخل
وقال يمدح قومه:
إذا اختبطوا لم يفحشوا في نديهم
…
وليس على سؤّالهم عندهم بخل
وقال:
مقاويل بالمعروف خرس عن الخنا
…
كرام معاطي للعشيرة سؤلها
وليس من شك في أن تلك الأبيات المقذعة فحش ليس بعده فحش.
وإذا وجد بعض هذا الشعر المقذع في سيرة ابن إسحاق، فإن لدينا نصوصًا تجعلنا لا نتقبل ما يرويه ابن إسحاق في السيرة من الشعر إلا بتحفظ، فهذا ابن هشام قد يورد القصيدة منسوبة إلى من نسبها إليه ابن إسحاق، ويقول: وأهل العلم أو أكثر أهل العلم ينكرها لفلان؛ أي: الذي نسبها إليه ابن إسحاق.
إذن ابن إسحاق نسب في السيرة أشعاراً كثيرة لأناس ينكر أهل العلم أن تكون لهم، وهذا يساعدنا على إنكار أن يكون هذا الشعر المقذع قد صدر من حسان في عهد النبوة.
ونزيد على هذا: أن من نقّاد الرجال من أنكر على ابن إسحاق هذا الشعر الذي يرويه. قال ابن معين في حق ابن إسحاق: ماله عندي ذنب إلا ما قد حشا في السيرة من الأشياء المنكرة، والأشعار المكذوبة.