الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا بمظاهر القائلين، ولا نقبل الآراء إلا أن تخرج في نور من الحجة مبين.
وأعتمد في مناقشة ذلك المحاضر على ما قرأته في جريدة "السياسة"؛ فإنها كانت تنشر لكل محاضرة تلخيصًا (1). وربما تناولت جملاً مما قرأته في جريدة "العلم"؛ فقد وقع إلى العدد (2) الذي نشرت فيه المحاضرة الأولى.
"وقد كان فضيلة الأستاذ الشيخ عباس الجمل يشهد تلك المحاضرات، وينقدها في جريدة "الأهرام" نقداً عادلاً (3)، ولولا أني أقصد إلى بحث الموضوع في نفسه، وهو يستدعي التنبيه على شيء من أغلاط تلك المحاضرات، لكان فيما كتبه الأستاذ ما يكفي غيره أن يجرد القلم لنقدها".
*
تمهيد:
يتحد العرب في إيراد الكلام على ما تقتضيه قواعد الإعراب، وما توجبه النظم العامة؛ من نحو: التقديم والتأخير، أو الذكر والحذف، إلا ما تختلف فيه بعض القبائل اختلافاً يسيراً، أو ما ينطق به بعض الأفراد شذوذاً عن جماعتهم، وخروجاً عن السنن المألوف في لسانهم.
ووراء هذا أمر آخر كانوا يتفاوتون فيه تفاوتاً بعيداً، ويتفاضلون فيه مراتب ما بين أعلاها وأدناها مثل ما بين السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع، ذلك ما نسميه: بلاغة، أو حسن بيان.
حسن البيان الذي جعل في العرب قوماً يُذكرون بإعجاب، وجعل
(1) المحاضرة الأولى في 14 أبريل نيسان.
(2)
في 18 أبريل.
(3)
عدد 15 أبريل.
الناس يتنافسون في رواية أقوالهم، والاطلاع على أسرار تراكيبهم، لا يعدو ثلاث جهات:
1 -
ما يقصد إليه المتكلم من معان يقتضيها المقام زائدة على أصل المعنى.
2 -
ما يقع من التصرف في المعاني بإيرادها في طرق تختلف بالوضوح والخفاء.
3 -
ما يعرض للكلام من وجوه تكسوه حسناً، وتزيده في نفس السامع وقعاً.
أخذت اللغة زينة البلاغة في عهد الجاهلية؛ إذ كانت حياة العرب تقوم على التفاخر بالأنساب والأحساب، وما فتئوا يخوضونها حروبًا حامية، والحروب مدعاة لإتقان صناعة البيان، ثم جاء الإسلام فبعثها مقامًا أرفع، وفتح في وجهها طرقاً أبدع، وألقى عليها ديباجة أنقى وأنصع، فازدادت سعة على سعتها، واكتست بهجة فوق بهجتها، وقد ظهرت آثاره في ألفاظها وأساليبها، في معانيها وأغراضها.
وقد دفع القدماء من علماء البيان ما يتوهم من أن وجوه البديع من صنع المحدثين في صدر الدولة العباسية، فهذا عبد الله بن المعتز يقول في كتابه "البديع":"إن بشاراً وأبا نواس ومسلم بن الوليد ومن يتقيلهم (1) لم يسبقوا إلى هذا الفن، ولكنه أكثر في أشعارهم، فعرف في زمانهم". وهذا أبو هلال العسكري يقول: "هذه أنواع البديع التي ادعى من لا روية له ولا رواية
(1) يتقيلهم: يشبههم.