الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعرض نموذج من أمثلتها:
*
النقد اللفظي:
الألفاظ بمنزلة الظروف تنقل المعاني من نفس إلى أخرى، فيحسن أن تكون على قدر المعنى الذي قصد إلى نقله، فإن كانت أقل منه، وصل المعنى إلى ذهن المخاطب ناقصاً، وإن كانت أكثر منه، حملت لسانك ما لا حاجة إلى حمله، وألقيت في سمع مخاطبك ما لا طعم له ولا رائحة.
والألفاظ للمعاني بمنزلة الثوب للبدن، ومن الأثواب ما يقي من الحر والبرد، ولكن العين تمجُّه؛ لرداءة مادته، أو ضعف نسجه، أو قبح منظره؛ وكذلك الألفاظ قد تفصّل على قدر المعنى، ولكن الذوق يمجها؛ لتنافر حروفها، أو تجافي كلماتها، أو تخاذل نظمها، أو انحرافها عن هيئة وضعها. ونقدُ اللفظ إما أن يعود إلى المفرد، وإما أن يعود إلى التركيب.
ومما يعود إلى المفرد: استعماله في غير معنى صحيح؛ كما عابوا قول المتنبي:
ومِنْ نكدِ الدنيا على الحرِّ أن يرى
…
عدواً له ما من صداقته بُدُّ
فإن الصداقة المحالة وهي إصفاء المودة، والإنسان لا يضطر إلى أن يصادق عدوه، أو يمحض له المودة، وإنما يضطره الحال إلى مداراته، وذلك ما يعنيه الشاعر، ومقتضى هذا المعنى أن يقول:"ما من مداراته بدّ".
ومن عيوب المفرد: مخالفته لقانون الصرف، كما قال أبو عبد الله الحجاج:
خرقت صفوفَهم بأَقَبَّ (1) نهدٍ
…
مراح الصوت متعوبِ العنانِ
(1) أقب من القَبَب، وهو دقة الخصر وضمور البطن. والنهد: الفرس الحسن الجميل.
فإنه يقال: تَعِب ومُتْعَبٌ، ولا يقال: متعوب؛ لأن تعب فعل لازم، فلا يجيء منه متعوب بمعنى متعب.
ويعاب بعض مفردات البيت؛ لمخالفته للهيئة التي بناها عليه الواضع؛ ومن أمثلته قول ابن زمرك في بعض قصائده:
يابن الخلائفِ من بني نصرٍ ومن
…
حاطوا ذمارَ الملةِ السمحاءِ (1)
وقوله: سمتهم الملة السمحاء تكرمة.
إذ لم يرد في السماحة صيغة فعلاء، فلا يقال: سمحاء؛ وإنما يقال: ملة سمحة؛ أي: ليس فيها حرج ولا ضيق؛ وقد عاب بعضهم قول أبي نواس:
وإذا نزعت عن الغوايةِ فليكنْ
…
للهِ ذاك النزعُ لا للناسِ
وقال: إن نزع بمعنى انتهى إنما جاء مصدره على فعول، فيقال: نزع عن الأمر نزوعاً: إذا انتهى عنه، ولكنا نجد في كتب اللغة: أن النزع يأتي مصدراً لنزع بمعنى انتهى (2).
وعابوا على المتنبي قوله:
ليس التعلُّل بالآمال من أدبي
…
ولا القنوعُ بضنك العيش من شيمي
وقالوا: إن القنوع مصدر قنع بمعنى سأل، أما الرضا بالقسم الذي هو مراد الشاعر، إنما يقال فيه: قنع قناعة، ويقال: إن أبا الطيب غيَّر البيت إلى قوله: "ولا القناعة بالإقلال من شيمي"؛ والواقع أن من أهل اللغة من روى أن العرب قد يستعملون القنوع في الرضا، قال ابن السكيت: ومن العرب من
(1)"نفح الطيب".
(2)
في "اللسان": نزع عن الأمر ينزع نزوعاً: كف وانتهى، وربما قالوا: نزعاً.