الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هجاء، وأودعه السجن.
ويوجد فيما ينسب إلى حسان من الشعر شيء كثير فيه ضعف، وبعض علماء الأدب ينفي أن يكون هذا الشعر الضعيف من صنع حسان؛ مثل: الأصمعي؛ فإنه لما جعل حسان في مرتبة فحول الشعراء، قال له أبو حاتم: تأتي له أشعار لينة، قال الأصمعي: تنسب إليه أشياء لا تصح عنه.
والواقع أن حسان لا يقل في صناعة الشعر عن النابغة، وزهير، وأمثالهم، بل عدّه ابن خلدون في الطبقة التي تفوق هؤلاء الجاهليين، من جهة أنهم سمعوا الطبقة العالية من الكلام في القرآن والحديث، فارتقت ملكاتهم، وكان كلامهم في نظمهم ونثرهم أحسن ديباجة، وأصفى رونقاً.
فلحسان أشعار تضاهي في براعة الصنع وجودة التصرف أرقى شعر يقوله زهير، أو علقمة، أو النابغة، وله أشعار تضاهي ما يُعَدُّ في المرتبة المتوسطة من أشعار أولئك الفحول، وأرى أن أكثر هذا الشعر الضعيف الذي ينسب إليه ليس من صنعه؛ فإن الشاعر الفحل قد يضعف في الأبيات القليلة من القصيدة، وإذا تناول في شعره بعض المعاني المبتذلة، فإنه لا ينزل عن براعة الأسلوب ومتانة نسج الألفاظ إلا قليلاً.
*
الفخر في شعر حسان:
تهيأت لحسان في الجاهلية أسباب البراءة في الفخر، فقد نشأ في بيت عريق في الشرف والتفاخر بالإنساب وخصال الشرف مما أولع بها العرب، ويضاف إلى هذا: أن الخزرج الذين هم قوم حسان كانت بينهم وبين الأوس حروب ووقائع، ثم جاء الإسلام، وقامت الحروب بين المسلمين والمشركين، والحروب تستدعي من الشاعر أن يجول في الفخر والحماسة جولات واسعة،
فكان من فنون شعر حسان الفخر والحماسة.
يفخر حسان بالكرم والسخاء كما قال:
وإن أَكُ ذا مالِ قليلِ أَجُدْ به
…
وإن يهتصرَ عودي على الجهدِ يُحمدِ
وقال:
وإني لمعطٍ ما وجدت وقائلٌ
…
لموقدِ ناري ليلةَ الريحِ أوقدي
ويفخر برعاية حق الجار كما قال:
فما أحدٌ منا بمهدٍ لجاره
…
أذاة ولا مزرٍ به وهو عائدُ
لأنا نرى حق الجوار أمانة ويحفظه منا الكريمُ المعاهد
ويفخر بالصبر على الشدائد كما قال:
فلا المالُ ينسيني حيائي وعفتي
…
ولا واقعاتُ الدهر يَفْلُلْنَ مِبْردي
ويفخر بالعدل كما قال:
فنحن ولاةُ الناسِ في كلِّ موطنٍ
…
متى ما نقل في الناس قولاً نُصدَّقِ
توفَّق في أحكامِنا حكماؤنا
…
إذا غيرُهم في مثلها لم يوفَّقِ
ويفخر بالبراعة في الشعر كما قال:
لكل أناسِ مِيسمٌ يعرفونه
…
ومِيسمنا فينا القوافي الأوابدُ
ويفخر بالعزم كما قال:
ونحن إذا لم يبرم الناس أمرهم
…
نكون على أمر من الحق مبرمِ
ويفخر بالشجاعة كما قال: