الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ياقوت في "معجم الأدباء": وقد أصاب كل واحد منهما؛ فإن الموضعين غاية في الحسن، وإنما كان ما ذهب إليه أبو الفرج أحسن.
والحق أن الصنعة فيه تأسست بقوله: "رأى خلتي من حيث يخفى مكانها"، ولكن المعنى الحسن لم يتم إلا بقوله:"فكانت قذى عينيه".
ونظيره قول ابن هرمة في مدح المنصور:
له لحظاتٌ في خفايا سريره
…
إذا كرها فيها عقاب ونائل
فقد تأسست الصنعة بقوله: "له لحظات في خفايا سريره"، وتم المعنى المطرب بقوله:"إذا كرها فيها عقاب ونائل "، ولولا هذه التكملة، لكانت الصنعة ناقصة.
فالشعر الجيد له يد في الدعوة إلى سبيل الحق، والأخلاق الفاضلة؛ كشعر حسان بن ثابت في صدر الإسلام ومن بعده، وإلى هذا يشير أبو تمام بقوله:
ولولا خلالٌ سنَّها الشعر ما درى
…
بغاةُ العلا (1) من أين تؤتى المكارمُ
*
آثار الشعر:
وقد يقرب الأديب منزلة من الخليفة أو الملك أو الوزير، فيضعه في منصب عال، أو يمنحه أموالاً طائلة، وقد ينجو الأديب من عقوبة من يقدر على عقوبته؛ كما نجا ابن الأنباري ببلاغة قصيدته:"علوٌّ في الحياة وفي الممات " من عقوبة عضد الدولة.
وقد يرغب الأديب في القيام بطاعة لم تكن في باله.
(1) في ديوانه: الندى.
قال ابن جريج: كنت في اليمن، وليس في بالي أن أؤدي فريضة الحج في هذه السنة حتى خطر ببالي قول عمر بن أبي ربيعة:
بالله قولي له في غير مَعْتَبَةٍ:
…
ماذا أردتَ بطول المكث في اليمنِ؟
إن كنتَ حاولت دنيا أو نعمتَ بها
…
فهل أخذتَ بترك الحجِّ من ثمنِ؟
ولا سبب للحج إلا هذان البيتان اللذان خطرا ببالي.
ومن بلاغة الشاعر في المديح: أن يذكر كلمة أو جملة يخفي وجة زيادتها على الممدوح ويعدها تقصيراً في الممدوح، حتى يذكر الشاعر وجه زيادتها؛ كالقصيدة التي مدح فيها عبدالله بن إبراهيم المعتمد بن عباد إذ يقول فيها:
ولا سقاهم على ما كان من عطشٍ
…
إلا ببعض ندى كفِّ ابن عبّاد
فقال ابن عباد: "لأي شيء بخلت عليهم أن يسقوا بكل ما في كفي؟ "، فقال: إذاً يلحقني من التبعة مالحق الذي قال: "ولا زال منهلاً بجرعائك القطر"، وكان طوفان نوح أهونَ عليهم من ذلك.
وقد احترس الشاعر من مثل هذا بقوله:
فسقى ديارَك غيرَ مفسدِها
…
صوبُ الغمام وديمةٌ تَهمي