الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقدّم المضي على الرجوع، لأنه أهون من المضي؛ إذ المضيُّ لا يقتضي تقدُّمَ سلوك الطريق بخلاف الرجوع، فكأنه قال:"لا يسَتطيعون مُضيّاً ولا أقل من ذلكَ".
قلت: فالعطف تأسيس لا تأكيد.
68 - {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ} :
خ: "قد مَرَّ أنّ قوله (أَلمَ اَعْهَدِ اِلَيْكُمْ) الآية، قطع الأعذار بسبق الإنذار. وشَرَعَ هنا في قطع عذرَ آخَر، وهو أن الكافر يقول: لم يكن لُبْثُنا في الدنيا إلا يسيرا، ولو عمرتنا لما قصّرنا. فقال: ألا تعقلون أنكم كلما دخلتم في السن ضعُفتم، وقد عمرناكم مقدارَ ما تتمكنون من النظر؛ كما قال تعالى (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) وعلمتم أنّ الزمانَ كلما مَر عليكم ازداد ضعفُكم فعصيتم زمان الإمكان".
69 - {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} :
خ: "لما ذكر أصل الوحدانية في قوله (ألَمَ اَعْهَدِ اِلَيْكُمْ) الآية، إلى قوله (وَأَنُ اعْبُدُونِي)، ثم ذكر أصل الحشر في قوله (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا
كُنتُمْ تَكْفُرُونَ)، وقوله (الْيَوْمَ نَخْتمُ) إلى غير ذلك، ذكر هنا الأصل الثالث وهو الرسالة.
وقوله (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ)، إشارة إلى أنه مُعَلَّم من عند اللَّه، يعلّمه ما أراد، ولما كان تحدِّيه صلى الله عليه وسلم بالقرآن، وكان الكفار ينسبونه إلى الشعر، خصّ الشعر بنَفْي التعليم، مع أن الكفار كانوا ينسبون له السحر والكهانة، لكنهم إنما ينسبون إليه السحر عندما يفعل ما لا يقدرُ عليه غيرُه كشقّ القمر وتكلّم الحصى والجذع وغير ذلك، والكهانةَ عند إخبَاره بالغيب، فلم يقل "وما علمناه الكهانة والسحر" لما قلناه؛ لأن المقصد في هذا المقام ما كانوا يقْدَحون به في القرآن، والشعر هو الكلام الموزون الذي قصد إلى وزنه قصدا أوليا، فقَصْدُ المعنى دون الوزن ليس شعراً كقوله تعالى (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)، فالشارع لفظه تَبَعٌ لمعناه، والشاعر بالعكسَ، المعنى عنده تَبَعٌ للفظ، لأنه يقصد لفظا به
يصحُّ وزنُ الشعر وقافيتُه، فيحتاج إلى التحَيُّل بمعنىً ياتي به لأجل ذلك اللفظ.
وقد يوجد في كلام الناس في الأسواق ما يكون موزونا واقعا في بحْرٍ منْ بحور الشعر، ولا يسمى المتكلم به شاعراً ولا الكلام شعرا لعدم القصد إلى اللفظ أولا.