الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كالدليل لما قبله.
45 - {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ} :
وجه نظم هذه مع التي قبلها، ما قرره الأصوليون والجدَلِيُّون، أنّ وجه الترتيب في المناظرة أن يبدأ المستدلُّ بإبطال مذهب الخصم، ثم يصحِّحُ مذهبَه، ثم إنْ كان في مقالة خصمِه تناقضٌ أو تهافتٌ بيَّنَه له؛ وعلى هذا الترتيب أتتْ هذه الآيات؛ أنكَرَ أوّلا على الكفار مُدَّعاهم، مقْرونا ذلك الإنْكارُ بالدّليل الدالِّ على بطلان تلك الدعوى، وهو قولُه (أَم اتَّخَذُوا) الآية؛ ثم ذكَر مُدَّعى المومنين مقرونا بدليل صحّته، فقاَل (قُل للَّهِ الشفَاعَةُ جَميعاً)؛ ثم أكّد دليلَ إبْطال مُدَّعَى الكفار بتناقضهم في دعْواهم فقال (وَإِذَاَ ذُكِرَ اللَّهُ)؛ وبيانُ التناقض أنهم زعموا أن تلكَ الآلهةَ تشْفع لهم عند اللَّه تعالى، والمشفوعُ عنده أعلى رتبةً من الشفيع، فالمناسبُ إذا ذُكر اللَّه وحده أن تطمئن قلوبُهم إليه، فنفورُها عند ذلك مع كونه مشْفوعا له تناقض منهم.
فإن قلت: لم قيل (لَا يُومنُونَ بِالآخرَة)، والمطابق "لا يومنون باللَّه" أو "لا يومنون به"؟ فإن الآية ردّ عَلى دعْواهَمَ التشْريك لا جحْدهم الآخرة.
قلت: هو إشارةٌ إلى أنَّهُم إنما ادَّعَوا شفاعةَ الأصنام في الدنيا وأنكروها في الآخرة. وقولُ ابن فورك: "الآية ردٌّ على من يقول إنَّ معرفةَ الصانع ضرورية؛ لأنها لِو كانت كذلك لما اشمأزت قلوبُهم وإنْ أنكروا بألسنتهم"، إنْ أراد أنَّ ثَمَّ من يقول إن معرفة وجود الصانع ضرورية فمسَلَّم، وليس في الآية ما يردّ عليه؛ لأنها ردّ علِي الكفار، وهم إنما خالفوا في الوحدانية لا في الوجود. واتّفقت الملل كلُّها على أن الوحدانيةَ نظريةٌ لا ضرورية، والأكثرون على أنّ معرفةَ وجود الصانع نظريّة، وحكى الشهرستاني في "نهاية الإقدام" وابن حزم في "النحل والملل" قولا بأنها ضرورية، لأنها لو كانت نظرية لزم التسلسل؛ لأن القول بأنها نظرية يؤدي إلى إبطال موجب التسلسل أو علَّة التسلسل، على مذهب الآخرين القائلين بالعِلِّيَّة.