الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنَّهُ يَكُونُ قَبْضًا لَهُ كَإِتْلَافِ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي إتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَضْمَنُ إتْلَافَهُ، وَالْأَوْجَهُ: أَنَّ الْقِيمَةَ الَّتِي يَضْمَنُهَا الْأَجْنَبِيُّ إنْ زَادَتْ بِسَبَبِ فِعْلِ الْأَجِيرِ لَمْ تَسْقُطْ أُجْرَتُهُ وَإِلَّا سَقَطَتْ.
بَابُ الْحَجْرِ
بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهُوَ لُغَةً: الْمَنْعُ، وَشَرْعًا: الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] وَقَوْلُهُ {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا} [البقرة: 282] وَقَوْلُهُ {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] الْآيَاتِ، نَبَّهَ عَلَى الْحَجْرِ بِالِابْتِلَاءِ، وَكَنَّى عَنْ الْبُلُوغِ بِبُلُوغِ النِّكَاحِ، وَالضَّعِيفُ الصَّبِيُّ، وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ، وَالسَّفِيهُ الْمُبَذِّرُ، وَإِضَافَةُ الْمَالِ الَّذِي لَهُ بِدَلِيلِ {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5] لِوَلِيِّهِ لِتَصَرُّفِهِ فِيهِ، وَصَحَّ مَرْفُوعًا «خُذُوا عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ» وَالْحَجْرُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ، وَ (مِنْهُ حَجْرُ الْمُفْلِسِ) أَيْ الْحَجْرُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ (لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ) فِي الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ (وَالْمَرِيضُ لِلْوَرَثَةِ) فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حَيْثُ لَا دَيْنَ، وَفِي الْجَمِيعِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْوَصَايَا عِنْدَ ذِكْرِ مَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ أَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ وَفَّى دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ لَمْ يُزَاحِمْهُ غَيْرُهُ إنْ وَفَّى الْمَالُ جَمِيعَ الدُّيُونِ.
وَكَذَا إنْ لَمْ يُوَفِّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: لَهُمْ مُزَاحَمَتُهُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِتَقْدِيمِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِ لَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ، فَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَمْدًا، ثُمَّ إنْ كَانَ قَصَّرَ حَتَّى تَلِفَتْ الْعَيْنُ ضَمِنَهَا وَإِلَّا فَلَا
(قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ) أَيْ مِنْ التَّرَدُّدِ
(قَوْلُهُ: لَمْ تَسْقُطْ أُجْرَتُهُ) أَيْ الْأَجِيرِ.
(بَابُ الْحَجْرِ)(قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْحَاءِ) أَيْ وَكَسْرِهَا
(قَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ) أَيْ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ ع: لَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ عَدَمُ صِحَّةِ قَوْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِسَلْبِ عِبَارَتِهِمَا وَهُوَ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَى الْحَجْرِ اهـ.
وَعِبَارَةُ حَجّ: وَشَرْعًا مَنْعٌ مِنْ تَصَرُّفٍ خَاصٍّ بِسَبَبٍ خَاصٍّ اهـ.
وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ، وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ: الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ اللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْمَجْنُونِ دُونَ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصِحُّ مِنْهُ بَعْضُ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ، أَمَّا السَّفِيهُ فَيَصِحُّ مِنْهُ التَّدْبِيرُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَيُعْتَدُّ مِنْهُ بِالْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ فَتَصْحِيحُهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْحَدِّ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: الَّذِي لَهُ) أَيْ الْمُولَى عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: لِوَلِيِّهِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِضَافَةِ (قَوْلُهُ: «خُذُوا عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ» ) أَيْ بِمَنْعِهِمْ مِنْ التَّصَرُّفِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُوفِ إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُفْلِسِ أَنَّهُ إذَا اسْتَوَتْ الدُّيُونُ وَطَلَبَ أَرْبَابُهَا مِنْ غَيْرِ الْمَحْجُورِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ عَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا جَوَازُ الْإِقْدَامِ
(قَوْلُهُ: فَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ إلَخْ) لَعَلَّ عِبَارَةَ الْأَذْرَعِيِّ مُجْمَلَةٌ غَيْرُ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ التَّفْصِيلِ فَلَا يُقَالُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لَمْ تَسْقُطْ أُجْرَتُهُ) اُنْظُرْ لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَا تَفِي بِالْأُجْرَةِ هَلْ يَسْتَحِقُّ تَمَامَ الْأُجْرَةِ أَوْ قَدْرَ الزِّيَادَةِ فَقَطْ
[بَابُ الْحَجْر]
. (كِتَابُ الْحَجْرِ) . (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا: الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ) أَيْ وَلَوْ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ لِيَشْمَلَ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ الْآتِيَةِ أَوْ أَنَّ مُرَادَهُ تَعْرِيفُ مَقْصُودِ الْبَابِ خَاصَّةً فَهُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ. (قَوْلُهُ: فَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ) أَيْ التَّابِعِ لِلْأَذْرَعِيِّ
مُفَرَّعٌ عَلَى هَذَا (وَالْعَبْدُ) أَيْ الْقِنُّ (لِسَيِّدِهِ) وَالْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى (وَالْمُرْتَدُّ لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ لِحَقِّهِمْ (وَلَهَا أَبْوَابٌ) تَقَدَّمَ بَعْضُهَا وَبَعْضُهَا يَأْتِي، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مِنْهُ إلَى عَدَمِ انْحِصَارِ هَذَا النَّوْعِ فِيمَا ذَكَرَهُ فَقَدْ أَنْهَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى نَحْوِ سَبْعِينَ صُورَةً، بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَذَا بَابٌ وَاسِعٌ جِدًّا لَا تَنْحَصِرُ أَفْرَادُ مَسَائِلِهِ وَنَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَمَقْصُودُ الْبَابِ حَجْرُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُبَذِّرِ) بِالْمُعْجَمَةِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ، وَحَجْرُ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَعَمُّ مِمَّا بَعْدَهُ، وَزَادَ الْمَاوَرْدِيُّ نَوْعًا ثَالِثًا وَهُوَ مَا شُرِعَ لِلْأَمْرَيْنِ: يَعْنِي مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ كَمَا مَرَّ (فَبِالْجُنُونِ تَنْسَلِبُ الْوِلَايَاتُ) الثَّابِتَةُ بِالشَّرْعِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ أَوْ بِالتَّفْوِيضِ كَالْإِيصَاءِ وَالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلِ أَمْرَ نَفْسِهِ، فَأَمْرُ غَيْرِهِ أَوْلَى، وَعَبَّرَ بِالِانْسِلَابِ دُونَ الِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَا يُفِيدُ السَّلْبَ بِخِلَافِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَكَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ إلَخْ؛ لِأَنَّ الزَّرْكَشِيَّ تَبِعَهُ (قَوْلُهُ: مُفَرَّعٌ عَلَى هَذَا) قَدْ يُقَالُ لَا يَتَعَيَّنُ تَفْرِيعُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ وَيُصَوَّرُ كَلَامُهُ بِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ التَّبَرُّعَ لِغَيْرِ الْغُرَمَاءِ امْتَنَعَ ذَلِكَ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا، وَجَازَ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ مِمَّا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَيَكُونُ كَلَامُهُ فِي غَيْرِ تَوْفِيَةِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَعْضٍ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى مَنْهَجٍ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَالْمَرِيضُ فِي ثُلُثَيْ إلَخْ وَسَيَأْتِي فِي الْوَصَايَا أَنَّهُ لَوْ وَفَّى بَعْضَ الْغُرَمَاءِ لَمْ يُزَاحِمْهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفِ مَالُهُ بِدَيْنِهِ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ فَقَوْلُ جَمْعٍ: إنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ مُرَادُهُمْ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّبَرُّعَاتِ حَجّ: أَيْ بِخِلَافِ وَفَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِتَقْدِيمِ السَّبَبِ م ر اهـ.
وَهُوَ عَيْنُ مَا قُلْنَاهُ: هَذَا وَأَجَابَ حَجّ هُنَا بِأَنَّ تَقْدِيمَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ مُجَرَّدُ تَخْصِيصٍ لَا تَبَرُّعَ فِيهِ فَلَا يُرَدُّ عَلَى كَلَامِهِمْ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْمُرْتَدُّ لِلْمُسْلِمِينَ) ع مِنْهُ أَيْضًا الْحَجْرُ عَلَى السَّيِّدِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي كَاتَبَهُ وَالْعَبْدُ الْجَانِي وَالْوَرَثَةُ فِي التَّرِكَةِ، إلَّا أَنَّ هَذِهِ رُبَّمَا تَدْخُلُ فِي عِبَارَةِ الشَّيْخِ، وَأَصْلُهُ وَالْحَجْرُ الْغَرِيبُ وَالْحَجْرُ عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَ فَسْخِ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ، وَعَلَى السَّابِي لِلْحَرْبِيِّ فِي مَالِهِ إذَا كَانَ عَلَى الْحَرْبِيِّ دَيْنٌ، وَالْحَجْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَعَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَعَلَى السَّيِّدِ فِي نَفَقَةِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا بَدَلَهَا، وَدَارُ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ وَالْحَمْلِ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ، وَعَلَى السَّيِّدِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي الْعَيْنِ الَّذِي اسْتَأْجَرَ شَخْصًا عَلَى الْعَمَلِ فِيهَا كَصِبْغٍ أَوْ قِصَارَةٍ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَيُتَأَمَّلُ مَا قَالَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَ فَسْخِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ بِالْفَسْخِ خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَصَارَ الثَّمَنُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ وَلَيْسَ الْمَبِيعُ مَرْهُونًا بِهِ فَمَا وَجْهُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِيهِ، وَكَذَا يُتَأَمَّلُ فِي الصُّورَةِ التَّالِيَةِ لَهَا فَإِنَّ مُجَرَّدَ سَبْيِ الْحَرْبِيِّ لَا يَسْتَلْزِمُ دُخُولَ مَالِ الْحَرْبِيِّ فِي يَدِ سَابِيهِ فَمَا مَعْنَى الْحَجْرِ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُبَذِّرِ) وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ بَلَغَ غَيْرَ مُصْلِحٍ لِدَيْنِهِ مَعَ أَنَّ حُكْمَهُ مَذْكُورٌ فِي الْبَابِ أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ حَجْرَ الصِّبَا إنَّمَا يَزُولُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا، فَجَعَلَ مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ مِنْ أَحْكَامِ الصِّبَا وَإِنْ كَانَ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ ذَهَبَ حَجْرُ الصِّبَا وَخَلَفَهُ حَجْرُ السَّفَهِ (قَوْلُهُ أَعَمُّ مِمَّا بَعْدَهُ) أَيْ فَإِنَّ الْمَجْنُونَ لَا يُعْتَدُّ بِشَيْءٍ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ أَصْلًا، وَالصَّبِيُّ يُعْتَدُّ بِبَعْضِ تَصَرُّفَاتِهِ كَالْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَإِيصَالِ الْهَدِيَّةِ، وَالْمُبَذِّرُ يُعْتَدُّ بِقَبُولِهِ النِّكَاحَ بِإِذْنٍ مِنْ وَلِيِّهِ وَلَا يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَيَصِحُّ تَدْبِيرُهُ لِأَرِقَّائِهِ
(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ثَمَّ: وَلِلَّهِ الْعِتْقُ وَمَصْلَحَتُهُ تَعُودُ عَلَى الْمُكَاتَبِ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ قَوْلِهِ ثَمَّ: لِسَيِّدِهِ وَلِلَّهِ وَقَوْلُهُ هُنَا: مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: كَالْإِيصَاءِ) بِأَنْ يَكُونَ وَصِيًّا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَالْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى) عِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ فَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لِسَيِّدِهِ وَلِحَقِّهِ وَلِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلٍ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ) أَيْ عَلَى مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَعَبَّرَ بِالِانْسِلَابِ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَآثَرَ السَّلْبَ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمَنْعَ وَلَا عَكْسَ انْتَهَتْ. لَكِنْ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ التَّعْبِيرُ بِالِانْسِلَابِ، وَلَعَلَّهَا الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا الشَّارِحُ، لَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ قُصُورٌ عَنْ تَأْدِيَةِ الْمُرَادِ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُفِيدُ السَّلْبَ وَهُوَ خِلَافُ الْمَقْصُودِ
الْأَوَّلِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلَا يَسْلُبُ؛ وَلِهَذَا يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ دُونَ الْأَبْعَدِ (وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ) لَهُ وَعَلَيْهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَالْإِسْلَامِ وَالْمُعَامَلَاتِ لِانْتِفَاءِ قَصْدِهِ وَسُكُوتِهِ عَنْ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا يُعْتَبَرُ كَإِحْبَالِهِ وَإِتْلَافِهِ مَالَ غَيْرِهِ وَتَقْرِيرِ الْمَهْرِ بِوَطْئِهِ وَتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى إرْضَاعِهِ وَالْتِقَاطِهِ وَاحْتِطَابِهِ وَاصْطِيَادِهِ.
وَعَمْدُهُ عَمْدٌ إنْ كَانَ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ وَمَا لَا يُعْتَبَرُ مِنْهُ كَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ شَخْصٌ ثُمَّ جُنَّ فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَلْزَمْهُ جَزَاؤُهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَالصَّبِيُّ كَالْمَجْنُونِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي إذْنِ الدُّخُولِ وَإِيصَالِ الْهَدِيَّةِ، وَيَصِحُّ إحْرَامُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا مَرَّ وَتَصِحُّ عِبَادَتُهُ، وَلَهُ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ، وَيُثَابُ عَلَيْهِ كَالْبَالِغِ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْغَصْبِ وَأَمَّا إسْلَامُ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَهُوَ صَبِيٌّ فَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ كَانَتْ مَنُوطَةً بِالتَّمْيِيزِ وَأَلْحَقَ الْقَاضِي بِالْمَجْنُونِ النَّائِمَ وَالْأَخْرَسَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ، وَنَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَتَخَيَّلُ أَحَدٌ أَنَّ النَّائِمَ يَتَصَرَّفُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَبِأَنَّ الْأَخْرَسَ الْمَذْكُورَ غَيْرُ عَاقِلٍ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى إقَامَةِ أَحَدٍ مَكَانَهُ فَلْيَكُنْ هُوَ الْحَاكِمَ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ النَّائِمَ يُشْبِهُ الْمَجْنُونَ فِي سَلْبِ اعْتِبَارِ الْأَقْوَالِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَفْعَالِ، فَإِلْحَاقُهُ بِهِ مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَا وَلِيَّ لَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَى غَيْرِهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ عَلَى أَطْفَالِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَمُّوا أَيْتَامًا إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يَكُونُ وَصِيًّا عَلَيْهِمْ فَقَدْ عُلِمَ مِنْ نَفْيِ وِلَايَةِ الْإِيصَاءِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: فِي الدِّينِ) بِكَسْرِ الدَّالِ (قَوْلُهُ: كَالْإِسْلَامِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ فَلَا نَمْنَعُهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ النَّصِّ، هَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلدُّنْيَا، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْآخِرَةِ فَيَصِحُّ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِهِ قَطْعًا سَوَاءٌ تَلَفَّظَ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمْ أَضْمَرَهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ اهـ شَرْحُ الْإِرْشَادِ الْكَبِيرِ لحج.
وَكَتَبَ بِهَامِشِهِ سم مَا نَصُّهُ: صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَلَامَ الْأُسْتَاذِ مُصَوَّرٌ بِالْإِضْمَارِ فَقَطْ، لَكِنْ الَّذِي فِي الْإِسْعَادِ وَغَيْرِهِ تَصْوِيرُهُ بِالْإِضْمَارِ مَعَ الْإِظْهَارِ، وَعِبَارَةُ الْإِسْعَادِ نَصُّهَا: وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: وَإِذَا أَضْمَرَ الْمُمَيِّزُ الْإِسْلَامَ كَمَا أَظْهَرهُ كَانَ مِنْ الْفَائِزِينَ بِالْجَنَّةِ اهـ.
فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ كَمَا أَظْهَرَهُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَصْوِيرِ كَلَامِ الْأُسْتَاذِ بِمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْإِضْمَارِ وَالْإِظْهَارِ، وَفِيمَا قَالَهُ حَجّ وَقْفَةٌ بِأَنَّ كُفْرَهُ مُحَقَّقٌ وَعِبَارَتَهُ لَاغِيَةٌ، وَحَقِيقَةُ الْإِيمَانِ الْمَانِعِ مِنْ الْخُلُودِ فِي الْعَذَابِ التَّصْدِيقُ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُنْتَفٍ عَنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَمَا لَيْسَ بِقَصْدٍ لَغْوٌ فَكَيْفَ يَنْفَعُهُ فِي الْآخِرَةِ.
نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَأَوْلَادِ الْكُفَّارِ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْوَارِدُ فِيهِمْ وَالرَّاجِحُ مِنْهُ دُخُولُهُمْ الْجَنَّةَ ثُمَّ رَأَيْت حَجّ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ فَرَضَ ذَلِكَ فِي (الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ) لَا فِي الْمَجْنُونِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَالْهَدِيَّةِ) وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ
(قَوْلُهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ جَزَاؤُهُ) أَيْ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ ضَمَانِ مَا أَتْلَفَهُ وَأَشَارَ إلَى إخْرَاجِهِ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا: وَإِتْلَافُهُ مَالَ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ فِي زَمَنِ جُنُونِهِ فَهَلْ حُكْمُهُ كَذَلِكَ أَوْ لَا؟ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ وَلِيَّهُ لَمَّا صَيَّرَهُ مُحْرِمًا الْتَزَمَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فِعْلِهِ فَيَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ، فِيهِ نَظَرٌ.
وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّارِحِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ إلَخْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى فَعَلَ مَحْظُورًا وَهُوَ غَيْرُ مُمَيِّزٍ فَلَا فِدْيَةَ عَلَى أَحَدٍ عَدِمَ الضَّمَانَ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ هُنَا أَحْرَمَ ثُمَّ جُنَّ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِحْرَامُ وَلِيِّهِ عَنْهُ كَذَلِكَ
(قَوْلُهُ: كَالْبَالِغِ) التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الثَّوَابِ لَا فِي مِقْدَارِهِ، وَإِلَّا فَالصَّبِيُّ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ أَقَلَّ مِنْ ثَوَابِ نَافِلَةِ الْبَالِغِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ عَدَمُ خِطَابِهِ بِهِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا ثَوَابَ أَصْلًا لِعَدَمِ خِطَابِهِ بِالْعِبَادَةِ لَكِنَّهُ أُثِيبَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الطَّاعَةِ فَلَا يَتْرُكُهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(قَوْلُهُ: النَّائِمِ وَالْأَخْرَسِ) فِي عَدَمِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهَا
(قَوْلُهُ: وَنَظَرَ فِيهِ) أَيْ الْإِلْحَاقِ (قَوْلُهُ: وَيُرَدُّ) أَيْ التَّنْظِيرُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ النَّائِمَ (قَوْلُهُ لَا وَلِيَّ لَهُ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَالصَّبِيُّ كَالْمَجْنُونِ) وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْإِحْبَالُ، وَقَدْ يُقَالُ بِتَأَتِّيهِ مِنْهُ كَمَا سَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الشَّارِحِ
مُطْلَقًا، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَعَلَّ كَلَامَ الْقَاضِي مَحْمُولٌ عَلَى نَائِمٍ أَحْوَجَ طُولُ نَوْمِهِ إلَى النَّظَرِ فِي أَمْرِهِ وَكَانَ الْإِيقَاظُ يَضُرُّهُ مَثَلًا، وَبِأَنَّ الْأَخْرَسَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسَمَّى مَجْنُونًا فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْمَجْنُونِ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَخْ مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ غَيْرَ عَاقِلٍ كَمَا قَالَهُ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّ الْمَجْنُونِ، وَلِهَذَا تَرَدَّدَ الْإِسْنَوِيُّ فِيمَنْ يَكُونُ وَلِيَّهُ، وَبَحَثَ الْجَوْجَرِيُّ أَنَّ مَحَلَّ التَّرَدُّدِ فِيمَنْ عَرَضَ لَهُ هَذَا الْخَرَسُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ إلَّا كَذَلِكَ فَالظَّاهِرُ الْجَزْمُ بِأَنَّ وَلِيَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةً لِحَجْرِ الصَّبِيِّ؛ إذْ لَا يَرْتَفِعُ الْحَجْرُ عَنْهُ إلَّا بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ.
وَقَوْلُهُ الظَّاهِرُ إلَخْ مُحْتَمَلٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ التَّرَدُّدِ أَنَّ وَلِيَّهُ وَلِيُّ الْمَجْنُونِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي، وَصَرِيحُ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ غَيْرُ عَاقِلٍ، وَالْمَجْنُونُ إذَا كَانَ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِيمَا يَأْتِي نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ وَاعْتَرَضَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ إنْ زَالَ عَقْلُهُ فَمَجْنُونٌ وَإِلَّا فَهُوَ مُكَلَّفٌ وَتَصَرُّفُهُ صَحِيحٌ فَإِنْ بَذَّرَ فَكَسَفِيهٍ اهـ.
وَيُرَدُّ بِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ كَمَالُ التَّمْيِيزِ، أَمَّا أَدْنَاهُ فَلَا يَلْحَقُهُ بِالْمُكَلَّفِ وَلَا بِالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لَهُمَا فَتَعَيَّنَ إلْحَاقُهُ بِالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ
(وَيَرْتَفِعُ) حَجْرُ الْجُنُونِ (بِالْإِفَاقَةِ) مِنْهُ مِنْ غَيْرِ فَكٍّ وَلَا اقْتِرَانٍ بِشَيْءٍ آخَرَ كَإِينَاسِ رُشْدٍ.
وَقَضِيَّتُهُ عَوْدُ الْوِلَايَاتِ وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ.
نَعَمْ الْوِلَايَةُ الْجَعْلِيَّةُ كَالْقَضَاءِ لَا تَعُودُ إلَّا بِوِلَايَةٍ جَدِيدَةٍ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ عَوْدُ الْأَهْلِيَّةِ (وَحَجْرُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مُعْتَمَدٌ
(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) طَالَ نَوْمُهُ أَوْ قَصُرَ (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ التَّرَدُّدِ) هُوَ مِنْ كَلَامِ م ر، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَنْ خَرَسُهُ أَصْلِيٌّ، وَإِلَّا فَهُوَ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْجَرِيِّ فَإِنَّ الظَّاهِرَ إلَخْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّائِمَ لَا وَلِيَّ لَهُ مُطْلَقًا، وَأَنَّ الْأَخْرَسَ الَّذِي لَا إشَارَةَ لَهُ وَلِيُّهُ وَلِيُّ الْمَجْنُونِ (قَوْلُهُ: مِنْ التَّرَدُّدِ) أَيْ تَرَدُّدِ الْإِسْنَوِيِّ الْمُتَقَدِّمِ
(قَوْلُهُ: أَنَّ وَلِيَّهُ) أَيْ الْأَخْرَسِ سَوَاءٌ كَانَ خَرَسُهُ أَصْلِيًّا أَوْ طَارِئًا
(قَوْلُهُ: وَلِيُّ الْمَجْنُونِ) أَيْ فَوَلِيُّهُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْوَصِيُّ ثُمَّ الْقَاضِي، وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ عَلَيْهِ لِمَنْ ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ لَهُ كِتَابَةٌ أَوْ أَمْكَنَ تَوْكِيلُهُ بِالْإِشَارَةِ.
وَقَالَ فِي الْخَرْسَاءِ: إنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ وَلَا كِتَابَةٌ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا كَالْمَجْنُونَةِ فَيُزَوِّجُهَا الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْحَاكِمُ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ يُشْكَلُ عَلَيْهِمَا مَا ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي فَصْلٍ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ إلَخْ مِنْ قَوْلِهِ وَيَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْأَخْرَسِ وَإِشَارَتُهُ الَّتِي لَا يَخْتَصُّ بِفَهْمِهَا الْفَطِنُ وَكَذَا بِكِتَابَتِهِ عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ وَتَعَذَّرَ تَوْكِيلُهُ لِاضْطِرَارِهِ حِينَئِذٍ اهـ.
فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا وَلِيَّ لَهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَاكَ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ لِلْفَطِنِ، وَمَا هُنَا فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ إشَارَةٌ أَصْلًا، أَوْ يُفْرَضُ بِأَنَّ ذَاكَ فِي الْخَرَسِ الْعَارِضِ بَعْدَ الرُّشْدِ وَمَا هُنَا فِي اسْتِمْرَارِ خَرَسٍ مَوْجُودٍ فِي الصِّبَا
(قَوْلُهُ: وَالْمَجْنُونُ) أَيْ وَلَوْ بَالِغًا (قَوْلُهُ: كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ) أَيْ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ شَرْحُ رَوْضٍ (قَوْلُهُ: فِيمَا يَأْتِي) مِنْهُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَعَدَمُ الْمُعَاقَبَةِ عَلَى تَرْكِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالصَّبِيِّ، لَكِنَّ مُقْتَضَى قَوْلِ شَرْحِ الرَّوْضِ: أَيْ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ أَنَّهُ فِيمَا عَدَا الْمَالَ، كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ فَيُفِيدُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعِقَابَهُ عَلَى تَرْكِهَا وَأَنَّهُ يُقْتَلُ إذَا قُتِلَ بِشَرْطِهِ وَيُحَدُّ إذَا زَنَى أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ.
وَفِي سم عَلَى حَجّ مَا يُوَافِقُ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَعِبَارَتُهُ: قَوْلُهُ كَصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ مَا يَصِحُّ مِنْ الْمُمَيِّزِ كَالصَّلَاةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ وُجِدَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْيِيزِ الَّذِي ضَبَطُوهُ وَهُوَ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ فِي الْجَمِيعِ لَكِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُتَّجَهُ إلَّا كَوْنُهُ مُكَلَّفًا، وَلَا يُتَّجَهُ حَمْلُ مَا نَقَلَاهُ عَنْ التَّتِمَّةِ عَلَيْهِ اهـ.
وَصَرِيحُ قَوْلِ الشَّارِحِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَرُدَّ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ كَمَالُ التَّمْيِيزِ قَصْرُ التَّشْبِيهِ عَلَى صِحَّةِ الْعِبَادَاتِ فَقَطْ دُونَ بَقِيَّةِ التَّكَالِيفِ
(قَوْلُهُ: كَمَالُ التَّمْيِيزِ) أَيْ الَّذِي ضَبَطَ بِهِ سم عَلَى حَجّ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ إلَخْ
(قَوْلُهُ: بِالْإِفَاقَةِ) أَيْ الصَّافِيَةِ عَنْ الْخَبَلِ الْمُؤَدِّي إلَى حَالَةٍ يُحْمَلُ مِثْلُهَا عَلَى حِدَّةٍ فِي الْخُلُقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّكَاحِ
(قَوْلُهُ: نَعَمْ الْوِلَايَةُ الْجَعْلِيَّةُ كَالْقَضَاءِ) أَيْ وَالْإِمَامَةِ وَالْخَطَابَةِ وَنَحْوِهَا،
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ الْأَخْرَسَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ إلَخْ) حَقُّ الْعِبَارَةِ وَبِأَنَّ الْأَخْرَسَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ لَا يُسَمَّى مَجْنُونًا وَإِنْ أُلْحِقَ بِالْمَجْنُونِ
الصِّبَا) بِكَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِ الْبَاءِ فَشَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (يَرْتَفِعُ) مِنْ حَيْثُ الصِّبَا بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ وَمُطْلَقًا (بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] الْآيَةَ، وَالِابْتِلَاءُ الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ، وَالرُّشْدُ ضِدُّ الْغَيِّ كَمَا مَرَّ وَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» وَالْمُرَادُ مِنْ إينَاسِ الرُّشْدِ الْعِلْمُ بِهِ، وَأَصْلُ الْإِينَاسِ الْإِبْصَارُ، وَتَعْبِيرُهُ بِرَشِيدًا كَجَمَاعَةٍ لَا يُنَافِي مَنْ عَبَّرَ بِالْبُلُوغِ، إذْ مَنْ زَادَ عَلَى الْبُلُوغِ الرُّشْدَ أَرَادَ الْإِطْلَاقَ الْكُلِّيَّ، وَمَنْ لَمْ يَزِدْهُ أَرَادَ حَجْرَ الصِّبَا.
قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصِّبَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْحَجْرِ، وَكَذَا التَّبْذِيرُ، وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ، وَمَنْ بَلَغَ مُبَذِّرًا فَحُكْمُ تَصَرُّفِهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ لَا حُكْمُ تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ اهـ.
وَلَوْ ادَّعَى الرُّشْدَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَأَنْكَرَهُ وَلِيُّهُ لَمْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ، وَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ كَالْقَاضِي وَالْقَيِّمِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا أَمِينٌ ادَّعَى انْعِزَالَهُ، وَلِأَنَّ الرُّشْدَ مِمَّا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالِاخْتِبَارِ فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ: وَلِأَنَّ الْأَصْلَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ يُعَضِّدُ قَوْلَهُ بَلْ الظَّاهِرُ أَيْضًا؛ إذْ الظَّاهِرُ فِيمَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْبُلُوغِ عَدَمُ الرُّشْدِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَوَامِ الْحَجْرِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرُشْدِهِ.
نَعَمْ سُئِلَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَلْ الْأَصْلُ فِي النَّاسِ الرُّشْدُ أَوْ ضِدُّهُ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ عُلِمَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ: أَيْ بَعْدَ بُلُوغِهِ اسْتِصْحَابُهُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ رُشْدُهُ بِالِاخْتِبَارِ وَأَمَّا مَنْ جُهِلَ حَالُهُ فَعُقُودُهُ صَحِيحَةٌ كَمَنْ عُلِمَ رُشْدُهُ
(وَالْبُلُوغُ) يَحْصُلُ (بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) قَمَرِيَّةً تَحْدِيدِيَّةً حَتَّى لَوْ نَقَصَتْ يَوْمًا لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ، وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ انْفِصَالِ جَمِيعِ الْوَلَدِ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْت، وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي وَرَآنِي بَلَغْت» وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ «وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً» : أَيْ طَعَنْت فِيهَا، وَبِقَوْلِهِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَيْ اسْتَكْمَلْتهَا؛ لِأَنَّ غَزْوَةَ أُحُدٍ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
نَعَمْ يُسْتَثْنَى النَّاظِرُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَالْحَاضِنَةِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ فَتَعُودُ إلَيْهِمْ الْوِلَايَةُ بِنَفْسِ الْإِفَاقَةِ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ وَأُلْحِقَ بِهِمْ الْأُمُّ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً
(قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الصَّادِ) أَيْ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَكَسْرُ الْبَاءِ.
قَالَ حَجّ رَدًّا عَلَى الْإِسْنَوِيِّ: أَنَّهُ لَا بُعْدَ فِيهِ
(قَوْلُهُ: وَالِامْتِحَانُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ
(قَوْلُهُ: الْعِلْمُ بِهِ) أَيْ لَا تَوَهُّمُهُ (قَوْلُهُ: وَأَصْلُ الْإِينَاسِ) أَيْ اللُّغَوِيُّ
(قَوْلُهُ: مَنْ عَبَّرَ بِالْبُلُوغِ) أَيْ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ
(قَوْلُهُ: وَهَذَا أَوْلَى) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَزِدْهُ
(قَوْلُهُ: حُكْمَ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ) أَيْ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ صِحَّةُ نِكَاحِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَعَدَمُ صِحَّةِ تَزْوِيجِ وَلِيِّهِ إيَّاهُ بِدُونِ إذْنٍ مِنْهُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ: لَمْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ) بَقِيَ عَكْسُهُ وَهُوَ مَا لَوْ أَقَرَّ الْوَلِيُّ بِرُشْدِهِ هَلْ يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي.
ثُمَّ رَأَيْته فِي حَجّ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إلَخْ مَا نَصُّهُ: وَلَا يَقْتَضِي إقْرَارُهُ: أَيْ الْوَلِيِّ بِهِ: أَيْ بِالرُّشْدِ فَكَّ الْحَجْرِ وَإِنْ اقْتَضَى انْعِزَالَهُ، وَحَيْثُ عَلِمَهُ لَزِمَهُ تَمْكِينُهُ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ، لَكِنَّ صِحَّةَ تَصَرُّفِهِ ظَاهِرًا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى بَيِّنَةٍ بِرُشْدِهِ: أَيْ أَوْ ظُهُورِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ حَيْثُ قَالَ: يُصَدَّقُ الْوَلِيُّ فِي دَوَامِ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ مَا لَمْ يَظْهَرْ الرُّشْدُ أَوْ يَثْبُتْ، فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ رُشْدِهِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الظُّهُورِ، وَلَا تَصَرُّفُ الْوَلِيِّ لِاعْتِرَافِهِ بِرُشْدِهِ (قَوْلُهُ: بِقَوْلِهِ) أَيْ قَوْلِ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ: يُعَضِّدُ قَوْلَهُ) أَيْ يُقَوِّي قَوْلَ الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ: بَلْ الظَّاهِرُ) أَيْ بَلْ الظَّاهِرُ يُعَضِّدُ قَوْلَ الْوَلِيِّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرُشْدِهِ) أَيْ فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ تَصَرُّفِهِ
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُرِنِي) أَيْ لَمْ يُعْلِمْنِي
(قَوْلُهُ: وَرَآنِي) عَطْفُ عِلَّةٍ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَشَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ التَّفْرِيعِ عَلَى خُصُوصِ هَذَا التَّفْسِيرِ مَعَ أَنَّ عَكْسَهُ أَظْهَرُ فِي الشُّمُولِ. (قَوْلُهُ: وَالرُّشْدُ ضِدُّ الْغَيِّ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْخُطْبَةِ لَكِنْ هَذَا لَيْسَ الْمُرَادَ هُنَا. (قَوْلُهُ: وَتَعْبِيرُهُ بِرَشِيدًا) يَعْنِي وَتَقْيِيدُهُ الْبُلُوغَ بِالرُّشْدِ، وَقَوْلُهُ: لَا يُنَافِي مَنْ عَبَّرَ بِالْبُلُوغِ: يَعْنِي مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْبُلُوغِ
.
وَالْخَنْدَقِ فِي جُمَادَى سَنَةَ خَمْسٍ وَقَدْ قَالَ الْقَمُولِيُّ: عَنْ الشَّافِعِيِّ «إنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَدَّ سَبْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا وَهُمْ أَبْنَاءُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُمْ بَلَغُوا، وَعُرِضُوا عَلَيْهِ وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُمْ، مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَابْنُ عُمَرَ» (أَوْ خُرُوجُ الْمَنِيِّ) لِوَقْتِ إمْكَانِهِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] وَخَبَرُ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» .
وَالْحُلُمُ الِاحْتِلَامُ، وَهُوَ لُغَةً مَا يَرَاهُ النَّائِمُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَتَعْبِيرُهُ بِالْخُرُوجِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالِاحْتِلَامِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، فَلَوْ أَتَتْ زَوْجَةُ الصَّبِيِّ بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ بِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللِّعَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ، وَالْبُلُوغُ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَحَقُّقِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَثْبُتُ إيلَادُهُ إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ فِي ثُبُوتِ إيلَادِهِ وَالْحُكْمِ بِبُلُوغِهِ (وَوَقْتُ إمْكَانِهِ اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ) قَمَرِيَّةً بِالِاسْتِقْرَاءِ، وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِالِاسْتِكْمَالِ أَنَّهَا تَحْدِيدِيَّةٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ وَإِنْ بَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا تَقْرِيبِيَّةٌ كَالْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ ضَبْطٌ لَهُ أَقَلُّ وَأَكْثَرُ فَالزَّمَنُ الَّذِي لَا يَسَعُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى (وَنَبَاتُ) شَعْرِ (الْعَانَةِ) الْخَشِنِ الَّذِي يَحْتَاجُ فِي إزَالَتِهِ إلَى نَحْوِ حَلْقٍ، وَظَاهِرٌ أَنَّهَا اسْمٌ لِلْمُنْبَتِ لَا لِلنَّابِتِ وَفِيهِ خِلَافٌ لِأَهْلِ اللُّغَةِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهَا النَّابِتُ وَأَنَّ الْمُنْبَتِ شِعْرَةٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِبُلُوغِ وَلَدِ الْكَافِرِ) وَمَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ إذَا كَانَ عَلَى فَرْجٍ وَاضِحٍ أَوْ فَرْجَيْ مُشْكَلٍ مَعًا كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ، وَتَوَقَّفَ الْبُلْقِينِيُّ فِيهِ يُجَابُ عَنْهُ بِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ فَاشْتُرِطَ كَوْنُهُ عَلَى الْفَرْجَيْنِ كَمَا يُشْتَرَطُ خُرُوجُ الْمَنِيِّ مِنْهُمَا وَشَمِلَ كَلَامُهُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَهُوَ كَذَلِكَ، خِلَافًا لِلْجُورِيِّ لِمَا صَحَّ عَنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَى مَعْلُولٍ: أَيْ أَجَازَنِي لِرُؤْيَتِهِ بُلُوغِي
(قَوْلُهُ: سَنَةَ خَمْسٍ) الصَّحِيحُ أَنَّهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَابِ الشَّارِحِ.
أَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهَا سَنَةَ خَمْسٍ فَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ كَذَا بِهَامِشٍ، وَفِيهِ أَنَّ الْإِشْكَالَ مُنْدَفِعٌ بِمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا فِي سَنَةِ خَمْسٍ أَنَّهُ اسْتَكْمَلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَأَخَذَ جُزْءًا مِمَّا بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: أَوْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ) ضَابِطُهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَلَوْ أَحَسَّ بِالْمَنِيِّ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ فَقَبَضَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ حُكِمَ بِبُلُوغِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ لِاخْتِلَافِ مُدْرَكِ الْبَابَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْغُسْلِ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الظَّاهِرِ وَفِي الْبُلُوغِ عَلَى الْإِنْزَالِ قَالَهُ م ر.
وَلَا يَرِدُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ: إنَّ ضَابِطَهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يَكُونُ شَأْنُهُ إيجَابَ الْغُسْلِ لَوْ خَرَجَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ
(قَوْلُهُ: بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ) بِأَنْ بَلَغَ تِسْعَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ مُدَّةَ الْحَمْلِ
(قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ إلَّا بِتَحَقُّقِهِ) أَيْ لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا إلَخْ
(قَوْلُهُ: لَا يَثْبُتُ إيلَادُهُ) أَيْ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ لِإِمْكَانِهِ
(قَوْلُهُ: إذَا وَطِئَ) أَيْ وَثَبَتَ وَطْؤُهُ بِغَيْرِ إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ لُحُوقَ الْوَلَدِ مِنْ الْأَمَةِ لَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ الْوَطْءِ، بِخِلَافِ لُحُوقِ الْوَلَدِ مِنْ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهَا مُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ وَطْءٌ
(قَوْلُهُ: أَنَّهَا تَحْدِيدِيَّةٌ) أَيْ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) مُرَادُهُ حَجّ
(قَوْلُهُ: وَالْأَشْهَرُ) أَيْ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ: كَمَا يُشْتَرَطُ خُرُوجُ الْمَنِيِّ مِنْهُمَا) وَعَلَيْهِ لَوْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَاسْتَدْخَلَتْهُ امْرَأَةٌ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لَحِقَهُ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ وَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ كَمَا مَرَّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَلَوْ أَتَتْ زَوْجَةُ الصَّبِيِّ بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ) أَيْ: بِأَنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ بِأَنْ أَتَتْ بِهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: فَلَوْ أَتَتْ زَوْجَةُ صَبِيٍّ بَلَغَ تِسْعَ سِنِينَ بِوَلَدٍ لِلْإِمْكَانِ لَحِقَهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ) لَعَلَّ مُرَادَهُ فِي الْحَيْضِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ) أَيْ ظَاهِرُ مَا حَلَّ بِهِ الْمَتْنُ مِنْ زِيَادَةِ لَفْظِ شَعْرِ. (قَوْلُهُ: وَتَوَقَّفَ الْبُلْقِينِيُّ فِيهِ) أَيْ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ عَلَى الْفَرْجَيْنِ أَخْذًا مِنْ الْجَوَابِ. (قَوْلُهُ: يُجَابُ عَنْهُ مِمَّا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ) الَّذِي سَيَأْتِي لِلشَّارِحِ تَصْحِيحٌ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْبُلُوغِ بِأَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ: لِمَا صَحَّ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْمَتْنِ
عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ: كُنْت مِنْ سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَكَانُوا يَنْظُرُونَ مَنْ أَنْبَتَ الشَّعْرَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ لَمْ يُقْتَلْ، فَكَشَفُوا عَنْ عَانَتِي فَوَجَدُوهَا لَمْ تُنْبِتْ فَجَعَلُونِي فِي السَّبْيِ.
وَوَقْتُ إمْكَانِهِ وَقْتُ إمْكَانِ الِاحْتِلَامِ، وَلَوْ لَمْ يَحْتَلِمْ وَشَهِدَ عَدْلَانِ بِأَنَّ سِنَّهُ دُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ بِالْإِنْبَاتِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ دَلِيلُ الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَالسُّبْكِيِّ يُتَّجَهُ أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْبُلُوغِ بِأَحَدِهِمَا اهـ.
وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ.
وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى عَانَةِ مَنْ احْتَجْنَا لِمَعْرِفَةِ بُلُوغِهِ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ وَخَرَجَ بِهَا شَعْرُ اللِّحْيَةِ وَالْإِبِطِ فَلَيْسَ دَلِيلًا لِلْبُلُوغِ لِنُدُورِهِمَا دُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلِأَنَّ إنْبَاتَهُمَا لَوْ دَلَّ عَلَى الْبُلُوغِ لَمَا كَشَفُوا الْعَانَةَ فِي وَقْعَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، وَفِي مَعْنَاهُمَا الشَّارِبُ وَثِقَلُ الصَّوْتِ وَنُهُودُ الثَّدْيِ وَنُتُوُّ طَرَفِ الْحُلْقُومِ وَانْفِرَاقُ الْأَرْنَبَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ (لَا الْمُسْلِمُ فِي الْأَصَحِّ) فَلَا يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى بُلُوغِهِ لِسُهُولَةِ مُرَاجَعَةِ آبَائِهِ وَأَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي الْإِنْبَاتِ فَرُبَّمَا تَعَجَّلَهُ بِدَوَاءٍ دَفْعًا لِلْحَجْرِ وَتَشَوُّفًا لِلْوِلَايَاتِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُفْضِي بِهِ إلَى الْقَتْلِ أَوْ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ، وَهَذَا جَرَى عَلَى الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ؛ إذْ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَمَنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ، وَيُصَدَّقُ وَلَدُ كَافِرٍ سُبِيَ فَادَّعَى الِاسْتِعْجَالَ بِالدَّوَاءِ بِيَمِينِهِ لِدَفْعِ الْقَتْلِ لَا لِإِسْقَاطِ جِزْيَةٍ لَوْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَطُولِبَ بِهَا، وَالْفَرْقُ الِاحْتِيَاطُ لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَالَيْنِ وَيَجِبُ تَحْلِيفُهُ فِي الْأُولَى إذَا أَرَادَهُ وَلَا يُشْكَلُ تَحْلِيفُهُ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ صِبَاهُ، وَالصَّبِيُّ لَا يَحْلِفُ لِمَنْعِ كَوْنِهِ يُثْبِتُهُ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ بِالْأَصْلِ، وَإِنَّمَا الْعَلَامَةُ وَهِيَ الْإِنْبَاتُ عَارِضُهَا دَعْوَاهُ الِاسْتِعْجَالَ فَضَعُفَتْ دَلَالَتُهَا عَلَى الْبُلُوغِ فَاحْتِيجَ لِمُعِينٍ لِمَا عَارَضَهَا، وَأَيْضًا فَالِاحْتِيَاطُ لِحَقْنِ الدَّمِ قَدْ يُوجِبُ مُخَالَفَةَ الْقِيَاسِ، وَلِذَا قُبِلَتْ جِزْيَةُ الْمَجُوسِ مَعَ حُرْمَةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي زَوْجَةِ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ: وَقْتَ إمْكَانِ الِاحْتِلَامِ) أَيْ فَلَوْ أَنْبَتَ قَبْلَ إمْكَانِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ
(قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ) أَيْ فَيُحْكَمُ بِبُلُوغِ الصَّبِيِّ وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِعَدَمِ بُلُوغِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَعِبَارَتُهُ قَوْلُهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ، بَلْ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ بِالْإِنْبَاتِ فَلَا تُعْتَبَرُ الْبَيِّنَةُ اهـ.
وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِيمَا قُلْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى عَانَةِ) أَيْ أَمَّا الْمَسُّ فَلَا، وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ كَوْنِهِ يَحْتَاجُ إلَى حَلْقٍ تَكْفِي فِيهِ الرُّؤْيَةُ وَمَحَلُّ جَوَازِ النَّظَرِ حَيْثُ لَمْ يَرْتَكِبْ الْحُرْمَةَ وَيَمَسَّ، فَإِنْ خَالَفَ وَفَعَلَ فَيَنْبَغِي حُرْمَةُ النَّظَرِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْمَسِّ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ دَلِيلًا لِلْبُلُوغِ) أَيْ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ بِالْبُلُوغِ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ اسْتِكْمَالُ الْخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى نَبَاتِهِمَا بَلْ يُكْتَفَى بِنَبَاتِ الْعَانَةِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا نَبَتَتْ لِحْيَتُهُ بِالْفِعْلِ لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ بَلْ ذَلِكَ عَلَامَةٌ بِالْأَوْلَى مِنْ نَبَاتِ الْعَانَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لِنُدُورِهِمَا دُونَ خَمْسَةَ عَشْرَ، وَفِي حَجّ مَا يُصَرِّحُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَعِبَارَتُهُ: وَخَرَجَ بِهَا نَبَاتُ نَحْوِ اللِّحْيَةِ فَلَيْسَ بُلُوغًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّرْحُ الصَّغِيرُ فِي الْإِبِطِ وَأُلْحِقَ بِهِ اللِّحْيَةُ وَالشَّارِبُ بِالْأَوْلَى فَإِنَّ الْبَغَوِيّ أَلْحَقَ الْإِبِطَ بِالْعَانَةِ دُونَهُمَا وَفِي كُلِّ ذَلِكَ نَظَرٌ، بَلْ الشَّعْرُ الْخَشِنُ مِنْ ذَلِكَ كَالْعَانَةِ فِي ذَلِكَ وَأَوْلَى إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا: أَيْ الْعَانَةِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ وَهُوَ صَرِيحٌ مِنْهُ فِي أَنَّ اللِّحْيَةَ إذَا نَبَتَتْ لَا يُسْتَدَلُّ بِنَبَاتِهَا عَلَى الْبُلُوغِ حَيْثُ لَمْ تَنْبُتْ عَانَتُهُ وَلَكِنَّهُ نَظَرَ فِيهِ كَمَا تَرَى، فَلَعَلَّ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا أَوْجَهُ
(قَوْلُهُ: وَنُهُودِ الثَّدْيِ) أَيْ ارْتِفَاعِهِ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: نَهَدَ الثَّدْيُ نُهُودًا مِنْ بَابِ قَعَدَ وَمِنْ بَابِ نَفَعَ كَعَبَ وَأَشْرَفَ، وَجَارِيَةٌ نَاهِدٌ وَنَاهِدَةٌ أَيْضًا وَالْجَمْعُ نَوَاهِدُ (قَوْلُهُ: وَانْفِرَاقِ الْأَرْنَبَةِ) أَيْ طَرَفِ الْأَنْفِ
(قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ فِي إنْبَاتِ عَانَتِهِمَا عَلَامَةُ وَلَدِ الْكَافِرِ دُونَ الْمُسْلِمِ
(قَوْلُهُ: وَطُولِبَ بِهَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنْ أَوْلَادِ الذِّمِّيِّينَ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْتِزَامِهِمْ الْجِزْيَةَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: لَا لِعَدَمِ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ
(قَوْلُهُ: إذَا أَرَادَهُ) أَيْ الْحَلِفَ فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ قُتِلَ لِلْحُكْمِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِنُدُورِهِمَا) أَيْ فَلَمْ يُجْعَلَا مَنَاطًا لِلْحُكْمِ عَلَى الْقَاعِدَةِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ إنْبَاتَهُمَا لَوْ دَلَّ عَلَى الْبُلُوغِ لَمَا كَشَفُوا إلَخْ)
مُنَاكَحَتِهِمْ عَلَيْنَا.
وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَتَزِيدُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ (حَيْضًا) لِوَقْتِ إمْكَانِهِ السَّابِقِ بِالْإِجْمَاعِ (وَحَبَلًا) وَعَبَّرَ غَيْرُهُ بِالْوِلَادَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَيْسَ بُلُوغًا، وَإِنَّمَا الْبُلُوغُ بِالْإِنْزَالِ، وَالْوِلَادَةُ الْمَسْبُوقَةُ بِالْحَبَلِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ يُحْكَمُ بِالْبُلُوغِ قَبْلَهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحْظَةٍ، فَلَوْ أَتَتْ الْمُطَلَّقَةُ بِوَلَدٍ يَلْحَقُ الزَّوْجَ حَكَمْنَا بِالْبُلُوغِ لَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ بِمَا مَرَّ وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ أَمْنَى بِذَكَرِهِ وَحَاضَ مِنْ فَرْجِهِ حُكِمَ بِبُلُوغِهِ، لَا إنْ وُجِدَا أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ الْآخَرِ مَا يُعَارِضُهُ، كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ: يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِبُلُوغِهِ بِأَحَدِهِمَا كَمَا يُحْكَمُ بِالْإِيضَاحِ بِهِ ثُمَّ يُغَيَّرُ إنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ الْحَقُّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ كَالْحُكْمِ بِالْإِيضَاحِ بِهِ فَفَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالْبُلُوغِ بِذَلِكَ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِأَنَّ احْتِمَالَ ذُكُورَتِهِ مُسَاوٍ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ صُورَةُ مَنِيٍّ بِهِ أَوْ حَيْضٍ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الذُّكُورَةُ أَوْ الْأُنُوثَةُ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا غَايَةَ بَعْدَهُ مُحَقَّقَةٌ تُنْتَظَرُ، وَلَا يُحْكَمُ بِالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّبَا فَلَا نُبْطِلُهُ عَمَّا يَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ بَعْدَهُ مَا يَقْدَحُ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ لَنَا غَايَةً تُنْتَظَرُ، وَهِيَ اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ثُمَّ يُغَيَّرُ فَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: تَغَيُّرُ الْحُكْمِ فِيمَا يُمْكِنُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي تَبْقَى مَعَهَا الْحَيَاةُ ظَاهِرٌ، لَكِنْ إذَا حَكَمْنَا بِبُلُوغِهِ رَتَّبْنَا عَلَيْهِ أَثَرَهُ مِنْ الْقَتْلِ بِقَوَدٍ وَرِدَّةٍ وَغَيْرِهِمَا مَعَ بَقَاءِ الشَّكِّ فِي الْبُلُوغِ وَفِيهِ بُعْدٌ اهـ.
وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: إنْ وَقَعَ ذَلِكَ مَرَّةً لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ وَإِنْ تَكَرَّرَ حَكَمْنَا بِهِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحَيْضِ عَلَى الْأُنُوثَةِ وَبِالْمَنِيِّ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الذُّكُورَةِ شَرْطُهُ التَّكْرَارُ، وَالْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ اسْتَنَدَا فِي تَصْوِيبِ الْأَخْذِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إلَى الْقِيَاسِ عَلَى الْأَخْذِ بِالذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ فَعُلِمَ أَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ فِي التَّكْرَارِ اهـ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِبُلُوغِهِ بِنَبَاتِ الْعَانَةِ الْمُقْتَضِي لِبُلُوغِهِ وَلَمْ يَأْتِ بِدَافِعٍ (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ الْحَبَلُ وَالْوِلَادَةُ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الطَّلَاقِ بِمَا مَرَّ) أَيْ بِلَحْظَةٍ، وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَسَنَةٍ، وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ اعْتِبَارِ اللَّحْظَةِ قَبْلَ الطَّلَاقِ حَيْثُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِلَّا فَالْمُدَّةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِنْ آخِرِ أَوْقَاتِ إمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ (قَوْلُهُ: حُكِمَ بِبُلُوغِهِ) أَيْ أَوْ أَمْنَى بِهِمَا
(قَوْلُهُ: بِذَلِكَ) أَيْ بِالْأَحَدِ حَيْثُ لَمْ نَقُلْ بِهِ
(قَوْلُهُ: وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِالذُّكُورَةِ) أَيْ حَيْثُ قُلْنَا بِهِمَا، وَالْمَعْنَى فَرَّقَ بَيْنَ عَدَمِ الْبُلُوغِ بِالْأَحَدِ وَحُصُولِ الْإِيضَاحِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْأُنُوثَةِ) أَيْ فَيُحْكَمُ بِذُكُورَتِهِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ آلَةِ الرِّجَالِ وَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ سَبَبَ الْحُكْمِ بِذُكُورَتِهِ كَوْنُهُ مَنِيًّا مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ وَمَنْ لَازَمَهُ الْبُلُوغُ فَالْحُكْمُ بِإِيضَاحِهِ بِالذُّكُورَةِ بِالْمَنِيِّ الْمَذْكُورِ وَعَدَمِ بُلُوغِهِ لَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنًى (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ لَنَا غَايَةً تُنْتَظَرُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَمْنَى أَوْ حَاضَتْ أَوْ وُجِدَا مِنْ أَحَدِهِمَا وَقُلْنَا بِعَدَمِ الْبُلُوغِ بِذَلِكَ ثُمَّ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَمْ يَعْرِضْ مَا يُخَالِفُ مَا ظَهَرَ مِنْهُ أَنَّا إنَّمَا نَحْكُمُ بِبُلُوغِهِ بَعْدَ بُلُوغِ الْخَمْسَ عَشْرَةَ وَلَا نَقُولُ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ الْحُكْمُ بِبُلُوغِهِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مَثَلًا، وَعَلَيْهِ فَتَصَرُّفَاتُهُ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ أَوْ الْحَيْضِ وَقَبْلَ بُلُوغِ السِّنِّ الْمَذْكُورِ بَاطِلَةٌ لِلْحُكْمِ بِصِبَاهُ، وَاحْتِمَالُ جَوَازِ عُرُوضِ خِلَافِهِ مُمْكِنٌ وَلَوْ بَعُدَ
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ) أَيْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: الَّتِي تَبْقَى مَعَهَا الْحَيَاةُ) أَيْ تَمْتَدُّ
(قَوْلُهُ: إنْ وَقَعَ ذَلِكَ) أَيْ الْحَيْضُ أَوْ الْمَنِيُّ مِنْ الْخُنْثَى
(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي
(قَوْلُهُ: حَسَنٌ) مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى غَرِيبٌ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ
(قَوْلُهُ: فَعُلِمَ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
هَذَا إنَّمَا يَتَّضِحُ لَوْ كَانَ لِمَنْ كَشَفُوهُ شَعْرُ لِحْيَةٍ أَوْ إبِطٍ. (قَوْلُهُ: حَكَمْنَا بِالْبُلُوغِ لَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ بِلَحْظَةٍ) أَيْ وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ كَالْمُسْتَثْنَى مِمَّا قَبْلَهُ، وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ الشِّهَابُ حَجّ بَعْدَ قَوْلِهِ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا قَبْلَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحْظَةٍ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ تَكُنْ مُطْلَقَةً وَتَأْتِي بِوَلَدٍ يَلْحَقُ الْمُطَلِّقَ فَيُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ بِلَحْظَةٍ. (قَوْلُهُ: وَحَاضَ مِنْ فَرْجِهِ) أَيْ: أَوْ أَمْنَى مِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ كَالْحُكْمِ بِالْإِيضَاحِ) أَيْ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ كَمَا يُحْكَمُ بِالِاتِّضَاحِ بِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى خِلَافَ هَذَا السِّيَاقِ
فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُتَوَلِّي، وَمَرَّ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ، فَعَلَيْهِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَيْضِ وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ الذَّكَرِ لَكِنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ مَعَ انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا
وَيُصَدَّقُ مُدَّعِي الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ الْحَيْضِ بِلَا يَمِينٍ وَلَوْ فِي خُصُومَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلِأَنَّهُ إنْ صُدِّقَ فَلَا يَحْلِفُ وَإِلَّا فَكَيْفَ يَحْلِفُ مَعَ صِغَرِهِ.
نَعَمْ إنْ كَانَ مِنْ الْغُزَاةِ وَطَلَبَ سَهْمَ الْمُقَاتِلَةِ أَوْ إثْبَاتَ اسْمِهِ فِي الدِّيوَانِ حَلَفَ عِنْدَ التُّهْمَةِ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ (وَالرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ) جَمِيعًا كَمَا فَسَّرَ بِهِ آيَةَ {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، وَهِيَ لِلْعُمُومِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْكَافِرَ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا هُوَ صَلَاحٌ عِنْدَهُمْ فِي الدِّينِ وَالْمَالِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّاهُ.
ثُمَّ بَيَّنَ صَلَاحَ الدِّينِ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَفْعَلُ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ) مِنْ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَنْ صَغِيرَةٍ مَعَ عَدَمِ غَلَبَةِ الطَّاعَاتِ الْمَعَاصِيَ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُحَرَّمِ عَمَّا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِإِخْلَالِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَعُلِمَ) أَيْ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لَكِنْ) اعْتِرَاضٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا مُنَافَاةَ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ) قَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِانْسِدَادِهِ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ لَا انْسِدَادُهُ بِلَحْمَةٍ وَنَحْوِهَا
(قَوْلُهُ: مُدَّعِي الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ) بِخِلَافِ مُدَّعِيهِ بِالسِّنِّ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَكَيْفَ يَحْلِفُ) قَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فِي تَصَرُّفٍ صَدَرَ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْبُلُوغِ كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ سَنَتَيْنِ مَثَلًا وَكَانَ صَبِيًّا فَادَّعَى هُوَ أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا حَلَفَ؛ لِأَنَّ حَلِفَهُ يَنْفِي صِبَاهُ، لَكِنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ إنَّ الصَّبِيَّ لَا يَحْلِفُ
(قَوْلُهُ: حَلَفَ عِنْدَ التُّهْمَةِ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: قَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْعُمُومِ هُنَا أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ كُلِّيَّةٌ بِمَعْنَى أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، وَلِكُلٍّ مِنْ صَلَاحِ الْمَالِ وَصَلَاحِ الدِّينِ أَفْرَادٌ كَثِيرَةٌ، فَإِنْ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ اقْتَضَى الِاكْتِفَاءَ فِي دَفْعِ الْأَمْوَالِ إلَيْهِمْ بِوُجُودِ أَيِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّلَاحَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِهِمْ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْمَجْمُوعِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي الْعَامِّ اقْتَضَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَايَةِ كُلٍّ مِنْ الصَّلَاحَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَفْرَادِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
أَقُولُ: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّعَلُّقُ بِالْمَجْمُوعِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مَتَى تَحَقَّقَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمَجْمُوعُ وُجِدَ الرُّشْدُ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى بُلُوغِ الْغَايَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ كَبِيرَةٍ) مُطْلَقًا اهـ حَجّ: أَيْ غَلَبَتْ الطَّاعَاتُ أَوْ لَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ:) أَيْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُتَوَلِّي) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ فَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَعِيفٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَمَرَّ وُجُوبُ الْغُسْلِ إلَخْ) حَاصِلُ الْمَقْصُودِ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ عَلَّلُوا الْحُكْمَ بِالْبُلُوغِ بِالْحَيْضِ مِنْ الْفَرْجِ وَالْإِمْنَاءِ مِنْ الذَّكَرِ بِأَنَّهُ إمَّا ذَكَرٌ أَمْنَى أَوْ أُنْثَى حَاضَتْ فَأَبْدَى فِيهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ سُؤَالًا، حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْغُسْلَ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ، فَحِينَئِذٍ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ الذَّكَرِ وَالْحَيْضِ مِنْ الْفَرْجِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى حَاضَتْ مِنْ فَرْجِهَا وَأَمْنَتْ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ مَنِيِّهَا الْمُعْتَادِ: أَيْ فَلَا يَتِمُّ التَّرْدِيدُ فِي تَعْلِيلِهِمْ، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ إذَا انْسَدَّ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا، وَالشَّارِحُ رحمه الله أَسْقَطَ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ فَلَمْ يَظْهَرْ مَعْنَاهُ
. (قَوْلُهُ: مِنْ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ) أَيْ عِنْدَ الْبُلُوغِ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ لَوْ فَسَقَ: أَيْ بِفِعْلِ الْكَبِيرَةِ أَوْ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغِيرَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الصَّادِقُ ذَلِكَ بِقِلَّةِ الزَّمَنِ بَيْنَ الْبُلُوغِ وَبَيْنَ الْفِسْقِ وَكَثْرَتِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ السَّفَهُ إلَّا فِيمَنْ أَتَى بِالْمُفَسِّقِ مُقَارِنًا لِلْبُلُوغِ، وَحِينَئِذٍ فَالْبُلُوغُ عَلَى السَّفَهِ فِي غَايَةِ النُّدُورِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُنْظَرْ هُنَا الِاقْتِضَاءُ
بِالْمُرُوءَةِ كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّشْدَ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِالْمُرُوءَةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَوْ شَرِبَ النَّبِيذَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ فَفِي التَّحْرِيرِ وَالِاسْتِذْكَارِ إنْ كَانَ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ لَمْ يُؤَثِّرْ، أَوْ تَحْرِيمَهُ فَوَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا التَّأْثِيرُ، وَإِصْلَاحُ الْمَالِ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُبَذِّرُ بِأَنْ يُضَيِّعَ الْمَالَ) أَيْ جِنْسَهُ (بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمُعَامَلَةِ) وَنَحْوِهَا، وَهُوَ مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ كَبَيْعِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِتِسْعَةٍ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عِنْدَ جَهْلِهِ بِحَالِ الْمُعَامَلَةِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا وَأَعْطَى أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا كَانَ الزَّائِدُ صَدَقَةً خَفِيَّةً مَحْمُودَةً (أَوْ رَمْيِهِ) أَيْ الْمَالَ وَإِنْ قَلَّ (فِي بَحْرٍ) أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (أَوْ إنْفَاقِهِ فِي مُحَرَّمٍ) وَلَوْ صَغِيرَةً لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ الدِّينِ، وَالتَّبْذِيرُ الْجَهْلُ بِمَوَاقِعِ الْحُقُوقِ، وَالسَّرَفُ الْجَهْلُ بِمَقَادِيرِ الْحُقُوقِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي أَدَبِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا.
وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي تَرَادُفَهُمَا، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْإِنْفَاقِ الْإِضَاعَةُ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي الْمُخْرَجِ فِي الطَّاعَةِ إنْفَاقٌ، وَفِي الْمَكْرُوهِ وَالْمُحَرَّمِ إضَاعَةٌ وَخُسْرَانٌ وَغُرْمٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ إلْحَاقِ الِاخْتِصَاصِ هُنَا بِالْمَالِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ صَرْفَهُ) أَيْ الْمَالِ وَإِنْ كَثُرَ (فِي الصَّدَقَةِ وَ) بَاقِي (وُجُوهِ الْخَيْرِ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَهُوَ وَارِدٌ شَائِعٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَالْعِتْقِ (وَالْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِمَا فِي السَّرَفِ فِي الْخَيْرِ مِنْ غَرَضِ الثَّوَابِ، وَلَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ كَمَا لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ، وَحَقِيقَةُ السَّرَفِ مَا لَا يُكْسِبُ حَمْدًا فِي الْعَاجِلِ وَلَا أَجْرًا فِي الْآجِلِ.
وَقِيلَ يَكُونُ بِذَلِكَ مُبَذِّرًا إنْ بَلَغَ مُفَرِّطًا فِي الْإِنْفَاقِ وَإِنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مُقْتَصِدًا فَلَا.
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْمَالَ يُتَّخَذُ لِيُنْتَفَعَ بِهِ وَيُلْتَذَّ.
وَقِيلَ يَكُونُ تَبْذِيرًا عَادَةً.
وَقَضِيَّةُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ.
نَعَمْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِالْمُرُوءَةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ) وَمِنْ الْإِخْلَالِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى تَرْكِ الرَّوَاتِبِ أَوْ بَعْضِهَا فَتُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ وَلَيْسَتْ مُحَرَّمَةً، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْوَرَقَاتِ الْكَبِيرِ لِلْعَلَّامَةِ سم نَصُّهَا: فَالْوَاجِبُ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ، وَالْمُرَادُ بِتَرْكِهِ كَفُّ نَفْسِهِ عَنْهُ، لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ، وَهُوَ فِي النَّهْيِ الْكَفُّ، وَالْمُرَادُ الْعِقَابُ فِي الْآخِرَةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ فَلَا يَرِدُ قِتَالُ أَهْلِ بَلَدٍ اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ الْأَذَانِ أَوْ الْعِيدِ عَلَى وَجْهٍ مَرْجُوحٍ، وَلَا رَدُّ شَهَادَةِ مَنْ وَاظَبَ عَلَى تَرْكِ رَوَاتِبِ النَّوَافِلِ، عَلَى أَنَّ الْفَزَارِيَّ أَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُقَاتَلَةَ لَمْ تَكُنْ عَلَى نَفْسِ التَّرْكِ بَلْ عَلَى لَازِمِهِ، وَهُوَ الْإِخْلَالُ فِي الدِّينِ وَهُوَ حَرَامٌ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَعَلَى الثَّانِي بِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ لَيْسَ عِقَابًا بَلْ هُوَ عَدَمُ أَهْلِيَّةِ مَرْتَبَةٍ شَرْعِيَّةٍ انْتَهَى
(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَحَمِّلًا لِلشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ: فَفِي التَّحْرِيرِ) لِلْجُرْجَانِيِّ
(قَوْلُهُ: وَالِاسْتِذْكَارِ) لِلدَّارِمِيِّ
(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ) كَالْحَنَفِيِّ
(قَوْلُهُ: أَوْ تَحْرِيمَهُ) كَالشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ جِنْسُهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَوِّلًا (قَوْلُهُ: كَبَيْعِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِتِسْعَةٍ) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَخَرَجَ الدَّنَانِيرُ فَلَا يُحْتَمَلُ ذَلِكَ فِيهَا
(قَوْلُهُ: وَأَعْطَى) وَلَوْ كَانَ الْمُعْطَى لَهُ غَنِيًّا؛ إذْ لَا تَمْتَنِعُ مُحَابَاتُهُ وَتَجُوزُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ إلَخْ) وَهُوَ ظَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّرْفَ فِي الْمَآكِلِ اللَّذِيذَةِ وَنَحْوِهَا لَيْسَ تَبْذِيرًا، وَغَيْرُ ظَاهِرٍ عَلَى أَنَّهُ تَبْذِيرٌ يُحْجَرُ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ حَرَامًا
(قَوْلُهُ: فِي الطَّاعَةِ) سَكَتَ عَنْ الْمُبَاحِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالطَّاعَةِ مَا يَشْمَلُهُ
(قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ: أَيْ فَيُلْحَقُ بِالْمَالِ فَيَحْرُمُ إضَاعَةُ مَا يُعَدُّ مُنْتَفَعًا بِهِ مِنْهُ عُرْفًا وَيُحْجَرُ بِسَبَبِهِ (قَوْلُهُ كَالْعِتْقِ) تَصْوِيرٌ لِوُجُوهِ الْخَيْرِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: أَمَّا فِي الْأُولَى) هِيَ الصَّدَقَةُ وَوُجُوهُ الْخَيْرِ
(قَوْلُهُ: مُقْتَصِدًا) أَيْ مُتَوَسِّطًا
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ) هِيَ الْمَطَاعِمُ وَالْمَلَابِسُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيُلْتَذُّ) أَيْ بِهِ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ مَا تَقَرَّرَ إلَخْ) وَهَلْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
مُرَادٌ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْحُرْمَةُ مُطْلَقًا. وَالثَّانِي: إنْ كَانَ قَدْ تَحَمَّلَ شَهَادَةً كَمَا حَكَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَزِينٍ، وَلْيُرَاجَعْ مَا سَيَأْتِي لِلشَّارِحِ فِي الشَّهَادَاتِ. (قَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ) أَيْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ) لَا يُلَاقِي هَذَا تَقْدِيرَهُ لَفْظَ بَاقِي فِي الْمَتْنِ؛ إذْ بِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُجَابُ عَنْ الْمَتْنِ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّارِحُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. (قَوْلُهُ: وَحَقِيقَةُ الصَّرْفِ إلَخْ) هَذَا يُوَافِقُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ مِنْ تَرَادُفِ
إنْ صَرَفَهُ فِي ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاقْتِرَاضِ لَهُ، وَهُوَ لَا يَرْجُو وَفَاءَهُ مِنْ سَبَبٍ ظَاهِرٍ فَحَرَامٌ كَمَا يَأْتِي فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ
(وَيُخْتَبَرُ) مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ وَلَوْ غَيْرَ أَصْلٍ (رُشْدُ الصَّبِيِّ) فِي الدِّينِ وَالْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] أَيْ اخْتَبِرُوهُمْ.
أَمَّا فِي الدِّينِ فَبِمُشَاهَدَةِ حَالِهِ فِي الْعِبَادَاتِ وَتَجَنُّبِ الْمَحْظُورَاتِ وَتَوَقِّي الشُّبُهَاتِ وَمُخَالَطَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَتْ الْأُنْثَى كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ الْمَرْأَةَ بَعْدُ (وَ) مَا فِي الْمَالِ فَإِنَّهُ (يَخْتَلِفُ بِالْمُرَتَّبِ فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ التَّاجِرِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) أَيْ بِمُقَدَّمَاتِهِمَا فَعَطْفُهُ مَا بَعْدَهُمَا عَلَيْهِمَا مِنْ عَطْفِ الرَّدِيفِ أَوْ الْأَخَصِّ وَذَلِكَ لِمَا يَذْكُرُهُ بَعْدُ مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهِمَا مِنْهُ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ (وَالْمُمَاكَسَةِ فِيهِمَا) وَهُوَ طَلَبُ النُّقْصَانِ عَمَّا طَلَبَهُ الْبَائِعُ وَطَلَبُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا يَبْذُلُهُ الْمُشْتَرِي وَإِذَا اُخْتُبِرَ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ كَفَى وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اخْتِبَارِهِ فِي بَاقِيهَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ، وَوَلَدُ السُّوقَةِ كَوَلَدِ التَّاجِرِ (وَ) يُخْتَبَرُ (وَلَدُ الزُّرَّاعِ) وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرِّرِ وَالْمُزَارِعِ فَإِنَّهُ الَّذِي يَدْفَعُ أَرْضَهُ لِمَنْ يَزْرَعُهَا وَالزُّرَّاعُ يَتَنَاوَلُهُ كَمَا يَتَنَاوَلُ مَنْ يَزْرَعُ بِنَفْسِهِ (بِالزِّرَاعَةِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْقِوَامِ بِهَا) أَيْ إعْطَاؤُهُمْ الْأُجْرَةَ وَهُمْ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الزَّرْعِ مِنْ حَرْثٍ وَحَصْدٍ وَحِفْظٍ (وَ) يُخْتَبَرُ (الْمُحْتَرِفُ) كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِضَبْطِهِ بِالرَّفْعِ لِيُفِيدَ بِهِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالِ الشَّخْصِ بِالِاحْتِرَافِ وَلَوْ مَآلًا لَا بِحِرْفَةِ أَبِيهِ حَيْثُ لَمْ يَرُدَّهَا وَيَصِحُّ جَرُّهُ، وَعَلَيْهِ يَرْجِعُ ضَمِيرُ حِرْفَتِهِ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ سَائِغٌ وَيَكُونُ فَائِدَتَهُ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْكَافِي يُخْتَبَرُ الْوَلَدُ بِحِرْفَةِ أَبِيهِ وَأَقَارِبِهِ.
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ) أَيْ حِرْفَةِ أَبِيهِ إنْ لَمْ يُرَدْ سِوَاهَا فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ الْخَيَّاطِ مَثَلًا بِتَقْدِيرِ الْأُجْرَةِ، وَوَلَدُ الْأَمِيرِ وَنَحْوِهِ بِأَنْ يُعْطَى شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِيُنْفِقَهُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ فِي خُبْزٍ وَلَحْمٍ وَمَاءٍ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ يُدْفَعُ إلَيْهِ نَفَقَةُ يَوْمٍ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ ثُمَّ نَفَقَةُ أُسْبُوعٍ ثُمَّ نَفَقَةُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُكْرَهُ؟ نَعَمْ قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَرْجُو وَفَاءَهُ) أَيْ حَالًا، وَالْكَلَامُ مَحَلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْمُقْرِضُ بِحَالِهِ اهـ حَجّ
(قَوْلُهُ: وَيُخْتَبَرُ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ أَيْ اخْتَبِرُوهُمْ) تَفْسِيرُ الِابْتِلَاءِ بِمَا ذُكِرَ قَدْ يُنَافِي مَا مَرَّ لَهُ مِنْ أَنَّهُ نَبَّهَ بِهِ عَلَى الْحَجْرِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِاخْتِبَارِهِمْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ هُوَ الْحَجْرُ (قَوْلُهُ: وَتَوَقِّي الشُّبُهَاتِ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ ارْتَكَبَ الشُّبُهَاتِ لَا يَكُونُ رَشِيدًا وَلَيْسَ مُرَادًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ ضَابِطَ صَلَاحِ الدِّينِ أَنْ لَا يَفْعَلَ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي اسْتِكْشَافِ حَالِ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ: فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ التَّاجِرِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّاجِرُ عُرْفًا كَالْبَزَّازِ لَا مَنْ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَوَلَدُ السُّوقَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ مِنْ عَطْفِ الرَّدِيفِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُمَاكَسَةِ جَمِيعُ مُقَدِّمَاتِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَقَوْلُهُ أَوْ الْأَخَصُّ: يَعْنِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُقَدِّمَاتِ أَعَمُّ وَأَنَّ الْمُمَاكَسَةَ طَلَبُ الشِّرَاءِ بِدُونِ مَا يَذْكُرُهُ الْبَائِعُ وَالْبَيْعُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَذْكُرُهُ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ) أَيْ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ النَّوْعِ تَبَيَّنَ عَدَمُ رُشْدِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ إعْطَاؤُهُمْ) أَيْ الَّتِي عَيَّنَهَا وَلِيُّهُ لِلدَّفْعِ لِلْعَمَلِ، وَيَكُونُ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِتَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا وَحَيْثُ احْتَاجَ إلَى شِرَاءِ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهِمْ أَوْ اسْتِئْجَارِ بَعْضِهِمْ عَلَى عَمَلٍ يَعْمَلُهُ اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ مِنْ وَلِيِّهِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ بِالْمَعْنَى.
وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُفَرَّعًا عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: لِلْمُضَافِ إلَيْهِ) هُوَ قَوْلُهُ: الزُّرَّاعِ (قَوْلُهُ نَفَقَةَ يَوْمٍ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
التَّبْذِيرِ وَالسَّرَفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ
. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَتْ الْأُنْثَى كَذَلِكَ) هَذَا لَا يُوَافِقُ مَا قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَحَجْرُ الصَّبِيِّ يَرْتَفِعُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا مِنْ شُمُولِ الصَّبِيِّ لِلْأُنْثَى. (قَوْلُهُ: أَيْ حِرْفَةَ أَبِيهِ) أَيْ: بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فِيمَا قَدَّمَهُ، لَكِنَّ هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا حَلَّ بِهِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْمُحْتَرِفِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ:
شَهْرٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُفَرَّعًا عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ كَمَا سَيَأْتِي وَالْحِرْفَةُ الصَّنْعَةُ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ.
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَنْحَرِفُ إلَيْهَا وَيُخْتَبَرُ مَنْ لَا حِرْفَةَ لِأَبِيهِ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ؛ إذْ لَا يَخْلُو مَنْ لَهُ وَلَدٌ عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا
(وَ) تُخْتَبَرُ (الْمَرْأَةُ)(بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَزْلِ وَالْقُطْنِ) مِنْ حِفْظٍ وَغَيْرِهِ، وَالْغَزْلُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَصْدَرِ وَعَلَى الْمَغْزُولِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْمَصْدَرَ: يَعْنِي أَنَّهَا هَلْ تَجْتَهِدُ فِيهِ أَوْ لَا؟ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِلْمَرْأَةِ الْبَرْزَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ أَوْجَهُ مِنْ قَصْرِ الْأَذْرَعِيِّ لَهُ عَلَى الْمُخَدَّرَةِ.
أَمَّا الْبَرْزَةُ فَفِي بَيْعِ الْغَزْلِ وَشِرَاءِ الْقُطْنِ، وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ كَمَا أَفَادَهُ السُّبْكِيُّ فِيمَنْ يَلِيقُ بِهَا الْغَزْلُ وَالْقُطْنُ.
أَمَّا بَنَاتُ الْمُلُوكِ وَنَحْوِهِمْ فَلَا يُخْتَبَرُونَ بِذَلِكَ بَلْ بِمَا يَعْمَلُهُ أَمْثَالُهُنَّ، وَالْمُخْتَبِرُ الْوَلِيُّ أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى وَلَا يُنَافِيهِ النَّصُّ، عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ وَالْمَحَارِمَ يَخْتَبِرُونَهَا؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ فَالْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِأَحَدِهِمَا.
وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا.
وَقَضِيَّةُ هَذَا النَّصِّ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَجَانِبِ لَهَا بِالرُّشْدِ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ خَلِّكَانَ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ كَمَا قَالَهُ التَّاجُ الْفَزَارِيّ.
قَالَ: وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ الشَّافِعِيُّ لِلطَّرِيقِ الْغَالِبِ فِي الِاخْتِبَارِ دُونَ الزِّيَادَةِ، وَيُؤَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ الشَّاهِدَ عَلَيْهَا لَا يُكَلَّفُ السُّؤَالَ عَنْ كَيْفِيَّةِ تَحَمُّلِهِ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَامِّيًّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ صِحَّةُ تَحَمُّلِهِ عَلَيْهَا اعْتِمَادًا عَلَى صَوْتِهَا (وَصَوْنُ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الْهِرَّةِ) أَيْ الْأُنْثَى، وَالذَّكَرُ مِثْلُهَا فِي ذَلِكَ، وَيُقَالُ لَهُ: هِرٌّ (وَنَحْوُهَا) كَفَأْرَةٍ وَدَجَاجَةٍ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ الضَّبْطُ وَحِفْظُ الْمَالِ وَعَدَمُ الِانْخِدَاعِ وَذَلِكَ قِوَامُ الرُّشْدِ
وَالْخُنْثَى تُخْتَبَرُ بِمَا يُخْتَبَرُ بِهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى لِيَحْصُلَ الْعِلْمُ بِالرُّشْدِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُسْلِمِ (وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ الِاخْتِبَارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ) بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ رُشْدُهُ فَلَا يَكْفِي مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ فِيهَا اتِّفَاقًا
(وَوَقْتُهُ) أَيْ الِاخْتِبَارِ (قَبْلَ الْبُلُوغِ) الْآيَةَ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] وَالْيُتْمُ يَكُونُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَبْلِيَّةِ: الزَّمَنُ الْمُقَارِبُ لِلْبُلُوغِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ رُشْدُهُ لِيُسَلَّمَ إلَيْهِ الْمَالُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ (وَقِيلَ بَعْدَهُ) لِيَصِحَّ تَصَرُّفُهُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْحَجْرِ عَلَى الْبَالِغِ الرَّشِيدِ إلَى اخْتِبَارِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْمُخَاطَبُ بِالِاخْتِبَارِ عَلَى الْأَوَّلِ كُلُّ وَلِيٍّ، وَعَلَى الثَّانِي وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ.
وَالثَّانِي الْحَاكِمُ فَقَطْ، وَنَسَبَ الْجُورِيُّ الْأَوَّلَ إلَى عَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ (فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ) بِالرَّفْعِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ (أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ) لِمَا مَرَّ مِنْ بُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ (بَلْ) يُسَلَّمُ إلَيْهِ الْمَالُ، وَ (يُمْتَحَنُ فِي الْمُمَاكَسَةِ، فَإِذَا أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ) وَالثَّانِي يَصِحُّ عَقْدُهُ لِلْحَاجَةِ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُمْتَحِنِ لَمْ يَضْمَنْهُ وَلِيُّهُ؛ إذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ ذَلِكَ لَهُ
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُخْتَبَرُ السَّفِيهُ أَيْضًا، فَإِذَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ كُلَّ يَوْمٍ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ) أَيْ دَفْعُ النَّفَقَةِ إلَخْ
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يَنْحَرِفُ) أَيْ يُمَالُ إلَيْهَا (قَوْلُهُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ الْعِيَالِ
(قَوْلُهُ: الْبَرْزَةِ) أَيْ الْكَثِيرَةِ الْخُرُوجِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ) أَيْ الْإِرَادَةُ دَوَامُ حَجْرِهِ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) أَيْ وَهُوَ قَبُولُ شَهَادَةِ الْأَجَانِبِ (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ) أَيْ لِاكْتِفَاءِ بِشَهَادَةِ الْأَجَانِبِ
(قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُسَلِّمِ) وَاسْمُهُ عَلِيٌّ
(قَوْلُهُ: الزَّمَنُ الْمُقَارِبُ لِلْبُلُوغِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْبُلُوغِ هُنَا الْبُلُوغُ بِالسِّنِّ كَكَوْنِ سِنِّهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ مَا يَقْرَبُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لَنَا بِخِلَافِ الِاحْتِلَامِ
(قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ) أَيْ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ أَنَّ الْمُخْتَبَرَ لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ النِّسَاءُ وَالْمَحَارِمُ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي) أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْمُخْتَبَرَ لَهُ عَلَى الثَّانِي الْحَاكِمُ (قَوْلُهُ: بِدَفْعِ ذَلِكَ لَهُ) كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُرَاقَبَتُهُ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ إغْفَالُهُ حَامِلًا عَلَى تَضْيِيعِهِ وَإِلَّا ضَمِنَهُ لَمْ يَبْعُدْ اهـ حَجّ.
وَقَدْ تُفْهَمُ الْمُرَاقَبَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْقِدَ إلَخْ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْوَلِيَّ يَكُونُ عِنْدَ وَقْتِ الْمُمَاكَسَةِ وَبِهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ بِحِرْفَةِ نَفْسِهِ، أَوْ بِحِرْفَةِ أَبِيهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. (قَوْلُهُ: مَنْ لَا حِرْفَةَ لِأَبِيهِ) أَيْ: وَلَا لَهُ
(قَوْلُهُ: أَمَّا الْبَرْزَةُ إلَخْ) هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ
ظَهَرَ رُشْدُهُ عَقَدَ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ (فَلَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ) لِاخْتِلَالِ صَلَاحِ دِينِهِ وَمَالِهِ (دَامَ الْحَجْرُ) أَيْ جِنْسُهُ وَإِلَّا فَقَدْ انْقَطَعَ حَجْرُ الصَّبِيِّ بِبُلُوغِهِ وَخَلَفَهُ حَجْرُ السَّفَهِ كَمَا مَرَّ فَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ مَنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ (وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا انْفَكَّ) الْحَجْرُ عَنْهُ (بِنَفْسِ الْبُلُوغِ) أَوْ غَيْرَ رَشِيدٍ ثُمَّ رَشَدَ فَبِنَفْسِ الرُّشْدِ (وَأُعْطِيَ مَالُهُ) وَلَوْ امْرَأَةً فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهَا حِينَئِذٍ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إذْنِ الزَّوْجِ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فَكُّ الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّ الرُّشْدَ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ حَجْرٌ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ زَوَالُهُ عَلَى إزَالَةِ الْحَاكِمِ كَحَجْرِ الْجُنُونِ، وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الِانْفِكَاكِ وَإِعْطَاءِ الْمَالِ إشَارَةً لِرَدِّ مَذْهَبِ مَالِكٍ حَيْثُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لَهَا إلَّا إنْ تَزَوَّجَتْ وَبَعْدَهُ بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَلَا يَنْفُذُ تَبَرُّعُهَا بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مَا لَمْ تَصِرْ عَجُوزًا.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «لَا تَتَصَرَّفُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» أَشَارَ الشَّافِعِيُّ لِضَعْفِهِ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ (فَلَوْ)(بَذَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا (حُجِرَ) أَيْ حَجَرَ الْحَاكِمُ (عَلَيْهِ) دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ لِوُقُوعِهِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، وَإِنَّمَا حَجَرَ عَلَيْهِ لِآيَةِ {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] أَيْ أَمْوَالَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5] وَخَبَرِ «خُذُوا عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ» نَعَمْ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ اسْتِحْبَابَ رَدِّ الْحَاكِمِ أَمْرَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ إلَى أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِعَصَبَاتِهِ لِشَفَقَتِهِمْ، وَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ عَلَى حَجْرِ السَّفِيهِ وَلَوْ رَأَى النِّدَاءَ عَلَيْهِ لِيَجْتَنِبَ فِي الْمُعَامَلَةِ فَعَلَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ عَادَ رَشِيدًا لَمْ يَنْفَكَّ إلَّا بِرَفْعِ الْحَاكِمِ كَمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ (وَقِيلَ يَعُودُ الْحَجْرُ بِلَا إعَادَةٍ) كَالْجُنُونِ وَتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ، وَهَذَا هُوَ السَّفِيهُ الْمُهْمَلُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ أَيْضًا، وَهَذَا تَصَرُّفٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَوْ غُبِنَ فِي تَصَرُّفٍ دُونَ آخَرَ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْحَجْرِ وَعَدَمِهِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَا حَجْرَ بِشِحَّتِهِ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ الْيَسَارِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَالْقَائِلُ بِالْحَجْرِ بِهِ لَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَتَهُ بِدَلِيلِ تَعْبِيرِهِ بِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَكِنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ إخْفَاءَ مَالِهِ لِشِدَّةِ شُحِّهِ فَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَشَدُّ مِنْ التَّبْذِيرِ (وَلَوْ)(فَسَقَ) مَعَ صَلَاحِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا (لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَحْجُرُوا عَلَى الْفَسَقَةِ، وَالثَّانِي يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالِاسْتِدَامَةِ وَكَمَا لَوْ بَذَّرَ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بَيْنَ اسْتِدَامَتِهِ بِالْفِسْقِ الْمُقْتَرِنِ بِالْبُلُوغِ وَبَيْنَ مَا هُنَا بِأَنَّ الْأَصْلَ ثَمَّ بَقَاؤُهُ وَهُنَا ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجْرِ يَعُودُ التَّبْذِيرُ أَنَّ الْفِسْقَ لَا يَتَحَقَّقُ بِهِ إتْلَافُ الْمَالِ وَلَا عَدَمُهُ بِخِلَافِ التَّبْذِيرِ (وَ) عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَجْرِ الْحَاكِمِ فِي عَوْدِ التَّبْذِيرِ (مَنْ)(حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ) أَيْ سُوءِ تَصَرُّفٍ (طَرَأَ)(فَوَلِيُّهُ الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعِيدُ الْحَجْرَ؛ إذْ وِلَايَةُ الْأَبِ وَنَحْوِهِ زَالَتْ فَصَارَ النَّظَرُ لِمَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ (وَقِيلَ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ) كَمَا لَوْ بَلَغَ سَفِيهًا، وَإِذَا قُلْنَا بِعَوْدِ الْحَجْرِ بِنَفْسِ السَّفَهِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ الْقَاضِي أَيْضًا.
وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ أَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لِلْقَاضِي.
قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِسَفَهِ رَجُلٍ: أَيْ أَوْ امْرَأَةٍ وَفَسَّرَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا حِسْبَةً (وَلَوْ طَرَأَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُعْلَمُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُرَاقِبْهُ ضَمِنَ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا) وَالْمُرَادُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالرُّشْدِ بِاعْتِبَارِ مَا يَرَى مِنْ أَحْوَالِهِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَظْهَرُ فِيهَا ذَلِكَ عُرْفًا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِخُصُوصِ الْوَقْتِ الَّذِي بَلَغَ فِيهِ كَوَقْتِ الزَّوَالِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: أَيْ أَمْوَالَهُمْ) هَذَا بَيَانٌ لِحَقِيقَةِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ، وَإِلَّا فَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْأَوْلِيَاءِ وَأَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِ إلَيْهِمْ لِتَصَرُّفِهِمْ فِيهِ
(قَوْلُهُ: فَعَلَ) أَيْ نَدْبًا
(قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ السَّفِيهُ الَّذِي بَذَّرَ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: لَكِنْ يُنْفَقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ وَلَكِنْ أَرَادَ هَذَا الْقَائِلُ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَخَافَ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَلَا حَجْرَ بِشِحَّتِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَيُمْنَعُ) أَيْ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، لَكِنْ جَعَلَهُ ع تَفْرِيعًا عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ الْقَائِلِ بِالْحَجْرِ وَمَا قَالَهُ ع ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ) أَيْ إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ
(قَوْلُهُ: وَعَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَجْرٍ) مُعْتَمَدٌ
(قَوْلُهُ: وَإِذَا قُلْنَا بِعَوْدِ الْحَجْرِ إلَخْ) مَرْجُوحٌ (قَوْلُهُ: وَفَسَّرَا) أَيْ مَا يَحْصُلُ بِهِ السَّفَهُ،
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ إخْفَاءَ مَالِهِ) مِنْ تَتِمَّةِ الضَّعِيفِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَجْرِ الْحَاكِمِ فِي عَوْدِ التَّبْذِيرِ)