المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الصلح وما يذكر معه من التزاحم على الحقوق والتنازع فيها] - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج - جـ ٤

[الرملي، شمس الدين]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ الْخِيَارِ

- ‌[اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ]

- ‌[يَنْقَطِعُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بِالتَّخَايُرِ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ]

- ‌[طَالَ مُكْثُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ قَامَا وَتَمَاشَيَا مَنَازِلَ دَامَ خِيَارُهُمَا]

- ‌فَصْلٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَمَا تَبِعَهُ

- ‌[شَرْطُ الْخِيَار فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ]

- ‌[الْأَظْهَرُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ]

- ‌يَحْصُلُ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ) لِلْعَقْدِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ (بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا)

- ‌فَصْلٌ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ

- ‌[حَدَثَ الْعَيْبُ بَعْدَ الْقَبْضِ]

- ‌(قُتِلَ) الْمَبِيعُ (بِرِدَّةٍ سَابِقَةٍ)

- ‌(بَاعَ) حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ (بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ مِنْ الْعُيُوبِ)

- ‌[هَلَكَ الْمَبِيعُ بِآفَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ بَعْدَ قَبْضِهِ]

- ‌[تَلِفَ الثَّمَنُ حِسًّا أَوْ شَرْعًا]

- ‌(عَلِمَ بِالْعَيْبِ) فِي الْمَبِيعِ (بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ)

- ‌ يَرُدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ الْمُعَيَّنَ حَالَ إطْلَاعِهِ عَلَى عَيْبِهِ

- ‌[وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الرَّدِّ تَرْكُ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ الْمُشْتَرِي]

- ‌[اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ وَحُدُوثِهِ]

- ‌الزِّيَادَةِ) فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنُ (الْمُتَّصِلَةُ كَالسَّمْنِ)

- ‌فَصْلٌ فِي التَّصْرِيَةِ

- ‌بَابٌ فِي حُكْمِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَبَعْدَهُ

- ‌إِتْلَافُ الْمُشْتَرِي) لِلْمَبِيعِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا

- ‌[إتْلَافَ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ]

- ‌(تَعَيَّبَ) الْمَبِيعُ (قَبْلَ الْقَبْضِ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ

- ‌ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ)

- ‌ بَيْعُ) الْمُثَمَّنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ

- ‌[بَيْعُ الدَّيْنِ غَيْرُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ بِعَيْنٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ]

- ‌[قَبْضُ الْمَنْقُولِ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهُ بِالْيَدِ]

- ‌ جَرَى الْبَيْعُ) فِي أَيِّ مَكَان كَانَ وَأُرِيدَ الْقَبْضُ وَالْمَبِيعُ

- ‌[بِيعَ الشَّيْءُ تَقْدِيرًا كَثَوْبٍ وَأَرْضٍ ذَرْعًا]

- ‌[فَرْعٌ قَالَ الْبَائِعُ عَنْ نَفْسِهِ لِمُعَيَّنٍ بِثَمَنٍ حَالٍّ فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ]

- ‌لِلْبَائِعِ حَبْسُ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ)

- ‌[بَابُ التَّوْلِيَةِ]

- ‌[شُرُوطِ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ]

- ‌ بَيْعُ (الْمُحَاطَةِ)

- ‌[بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ]

- ‌[بَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارُ]

- ‌[لَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الْأَرْضِ مَا يُؤْخَذُ دُفْعَةً]

- ‌[يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ الْأَبْنِيَةُ وَسَاحَاتٌ يُحِيطُ بِهَا السُّوَرُ]

- ‌[يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ]

- ‌[يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ الْأَرْضُ وَكُلُّ بِنَاءٍ]

- ‌[يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّابَّةِ نَعْلُهَا وَبَرَتُهَا]

- ‌[فَرْعٌ إذَا بَاعَ شَجَرَةً دَخَلَ عُرُوقُهَا]

- ‌[ثَمَرَةُ النَّخْلِ الْمَبِيعِ إنْ شَرَطَتْ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي عَمِلَ بِهِ]

- ‌[بَاعَ نَخَلَاتِ مُطْلِعَةٍ وَبَعْضَهَا مُؤَبَّرٌ فَلِلْبَائِعِ]

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَبُدُوِّ صَلَاحِهِمَا

- ‌[يَحْرُمُ بَيْعُ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فِي الْأَرْضِ إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ أَوْ قَلْعِهِ]

- ‌[بَيْع ثَمَر بُسْتَانٍ أَوْ بُسْتَانَيْنِ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ]

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

- ‌[ادَّعَى أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَالْآخَرُ فَسَادَهُ]

- ‌[بَابٌ فِي مُعَامَلَةِ الرَّقِيقِ]

- ‌[اقْتِرَاضُ الرَّقِيق وَغَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ الْمَالِيَّةِ]

- ‌[مَنْ عَرَفَ رِقَّ عَبْدٍ لَمْ يُعَامِلْهُ حَتَّى يَعْلَمَ الْإِذْنَ]

- ‌[مُطَالَبَةِ السَّيِّدِ بِثَمَنِ مَا اشْتَرَى الرَّقِيق الْمَأْذُونُ]

- ‌[تَعَلُّقُ دَيْنُ التِّجَارَةِ بِرَقَبَةِ الرَّقِيق الْمَأْذُونُ]

- ‌[كِتَابُ السَّلَمِ]

- ‌[شُرُوط صِحَّة السَّلَم]

- ‌[إذَا فُسِخَ السَّلَمُ بِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ السَّبْعَةِ لصحة السَّلَم]

- ‌ السَّلَمُ فِي حِنْطَةٍ مُخْتَلِطَةٍ بِشَعِيرٍ

- ‌ السَّلَمُ (فِيمَا نَدَرَ وُجُودُهُ

- ‌ السَّلَمُ (فِي الْحَيَوَانِ)

- ‌ السَّلَمُ (فِي الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ)

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَخْذِ غَيْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَنْهُ وَوَقْتِ أَدَائِهِ وَمَكَانِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ

- ‌[يُشْتَرَطُ فِي الْمُقْرِضِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ]

- ‌يَجُوزُ) (إقْرَاضُ) كُلِّ (مَا يُسْلَمُ فِيهِ)

- ‌[مَا لَا يُسْلَمُ فِيهِ لَا يَجُوزُ إقْرَاضُهُ]

- ‌[قَرْضُ النَّقْد أَوْ غَيْرِهِ إنْ اقْتَرَنَ بِشَرْطِ رَدِّ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ]

- ‌[يُمْلَكُ الْقَرْضُ بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ]

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌[شَرْطُ الْعَاقِدِ رَاهِنًا أَوْ مُرْتَهِنًا كَوْنُهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ]

- ‌[شَرْطُ الرَّهْنِ كَوْنُهُ عَيْنًا]

- ‌ رَهْنُ الْمُشَاعِ)

- ‌رَهْنُ الْجَانِي وَالْمُرْتَدِّ

- ‌ رَهَنَ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ)

- ‌[يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ]

- ‌فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْمَرْهُونِ بِهِ وَلُزُومِ الرَّهْنِ

- ‌ الرَّهْنُ (بِمَا) لَيْسَ بِثَابِتٍ

- ‌[الرَّهْنُ بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ]

- ‌لَا يَلْزَمُ) الرَّهْنُ مِنْ جِهَةِ رَاهِنِهِ (إلَّا) بِإِقْبَاضِهِ

- ‌يَحْصُلُ الرُّجُوعُ عَنْ الرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ

- ‌[وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ الْمُقْبِضِ تَصَرُّفٌ يُزِيلُ الْمِلْكَ]

- ‌[لَا يَصِحُّ رَهْنٌ لِغَيْرِ الْمَرْهُونِ عِنْدَهُ]

- ‌[لَوْ وَطِئَ الْأَمَة رَاهِنُهَا الْمَالِكُ لَهَا]

- ‌[لِلرَّاهِنِ كُلُّ انْتِفَاعٍ لَا يَنْقُصُ الْمَرْهُونَ]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى لُزُومِ الرَّهْنِ

- ‌[لَوْ شَرَط الرَّاهِن وَالْمُرْتَهِن وَضْع الْمَرْهُونَ عِنْدَ عَدْلٍ]

- ‌مُؤْنَةُ الْمَرْهُونِ)

- ‌لَا يُمْنَعُ الرَّاهِنُ مِنْ مُصْلِحَةِ الْمَرْهُونِ

- ‌ الْمَرْهُونُ (أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ)

- ‌[حُكْمُ فَاسِدِ الْعُقُودِ صَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ]

- ‌[تَلِفَ الْمَرْهُونُ بَعْدَ الْقَبْضِ]

- ‌[لَا يَسْرِي الرَّهْنُ إلَى زِيَادَة الْمَرْهُون الْمُنْفَصِلَةِ]

- ‌فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الْمَرْهُونِ

- ‌(تَلِفَ الْمَرْهُونُ

- ‌فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ

- ‌كِتَابُ التَّفْلِيسِ

- ‌[إقْرَار الْمُفْلِسُ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ قَبْل الْحَجْرَ]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يُفْعَلُ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ مِنْ بَيْعٍ وَقِسْمَةٍ وَغَيْرِهِمَا

- ‌فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الْمُعَامِلِ لِلْمُفْلِسِ عَلَيْهِ بِمَا عَامَلَهُ بِهِ وَلَمْ يَقْبِضْ عِوَضَهُ

- ‌بَابُ الْحَجْرِ

- ‌[مَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ]

- ‌[مَا يَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ يَلِي الصَّبِيَّ مَعَ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ وَالتَّنَازُعِ فِيهَا]

- ‌[كِتَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌ حَوَالَةِ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ بِالنُّجُومِ)

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ الشَّامِلِ لِلْكَفَالَةِ]

- ‌ ضَمَانِ الدَّرَكِ)

- ‌(فَصْلٌ) فِي قَسْمِ الضَّمَانِ الثَّانِي وَهُوَ كَفَالَةُ الْبَدَنِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي صِيغَتَيْ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ

الفصل: ‌[باب الصلح وما يذكر معه من التزاحم على الحقوق والتنازع فيها]

حَيْثُ كَانَ فِيهِمْ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ.

، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ تَقْدِيمُ مُوَلِّيهِ فِي الشِّرَاءِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ تَضَجَّرَ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا فَلَهُ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُنَصِّبَ قَيِّمًا بِأُجْرَةٍ مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ، وَيُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ إنْ فَقَدَ مُتَبَرِّعًا، وَلَهُ أَنْ يُنَصِّبَ غَيْرَهُ بِهَا بِنَفْسِهِ وَيُنْفِقُ الْوَلِيُّ أَيْضًا عَلَى حَيَوَانِهِ وَيَسْتَأْجِرُ مَنْ يُعَلِّمُهُ الْوَاجِبَ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ حِرْفَةٍ لَائِقَةٍ (فَإِنْ)(ادَّعَى) الصَّغِيرُ (بَعْدَ بُلُوغِهِ) أَوْ الْمَجْنُونُ بَعْدَ إفَاقَتِهِ أَوْ الْمُبَذِّرُ بَعْدَ رُشْدِهِ (عَلَى الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ بَيْعًا) لِمَالِهِ وَلَوْ غَيْرَ عَقَارٍ (بِلَا مَصْلَحَةٍ) وَلَا بَيِّنَةٍ كَمَا بِأَصْلِهِ وَحَذَفَهُ لِوُضُوحِهِ (صُدِّقَا بِالْيَمِينِ) ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَّهَمَيْنِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ قَبُولُ قَوْلِ الْأُمِّ إنْ كَانَتْ وَصِيَّةً، وَكَذَا مَنْ فِي مَعْنَاهَا كَآبَائِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ (وَإِنْ ادَّعَاهُ عَلَى الْوَصِيِّ أَوْ الْأَمِينِ) أَيْ مَنْصُوبِ الْقَاضِي (صُدِّقَ هُوَ بِيَمِينِهِ) لِلتُّهْمَةِ فِي حَقِّهِمَا، وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ، أَمَّا فِيهَا فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَبُولُ قَوْلِهِمَا لِعُسْرِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِمَا فِيهَا وَدَعْوَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَلِيِّ كَدَعْوَاهُ عَلَى الْوَلِيِّ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ إنْ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا إنْ اشْتَرَى مِنْهُمَا، وَلَوْ أَقَامَ مَنْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ حُكِمَ لَهُ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ الْحَلِفِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالدَّعْوَى عَلَى الْقَاضِي وَلَوْ قَبْلَ عَزْلِهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْأَكْلِ وَالْوَحْشَةِ بِانْفِرَادِهِمْ وَلِلْبَرَكَةِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَضَجَّرَ الْأَبُ) قَالَ حَجّ: وَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ اسْتِخْدَامُ مَحْجُورِهِ فِيمَا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ وَلَا يَضُرُّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ عَلَى الْأَوْجَهِ، خِلَافًا لِمَنْ جَزَمَ بِأَنَّ لَهُ ضَرْبَهُ عَلَيْهِ وَإِعَارَتَهُ لِذَلِكَ وَلِخِدْمَةِ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ مَا يَنْفَعُهُ دِينًا أَوْ دُنْيَا وَإِنْ قُوبِلَ بِأُجْرَةٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أَوَّلَ الْعَارِيَّةِ وَبَحْثُ أَنَّ عِلْمَ رِضَا الْوَلِيِّ كَإِذْنِهِ، وَأَنَّ لِلْوَلِيِّ إيجَارَهُ بِنَفَقَتِهِ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ إنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ فِيهَا مَصْلَحَةً لِكَوْنِ نَفَقَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَتِهِ عَادَةً وَأَفْتَى الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَخْدَمَ ابْنَ بِنْتِهِ لَزِمَهُ أُجْرَتُهُ إلَى بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ، وَإِنْ لَمْ يُكْرِهْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِمَنَافِعِهِ الْمُقَابَلَةِ بِالْعِوَضِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَجِبْ أُجْرَةُ الرَّشِيدِ إلَّا إنْ أَكْرَهَهُ، وَيَجْرِي هَذَا فِي غَيْرِ الْجَدِّ كَالْأُمِّ اهـ.

وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ كَالْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْأَبِ وَأَبِيهِ، وَقَدْ يَقْتَضِي قَوْلُهُ قَبْلَ الْأَبِ وَالْجَدِّ إلَخْ خِلَافَهُ فِيمَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مِنْ حَجّ فِي غَيْرِ الْجَدِّ لِلْأُمِّ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ، وَقَوْلُهُ وَلِلْأَبِ اسْتِخْدَامُ مَحْجُورِهِ إلَخْ يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُرِدْ تَرْبِيَتَهُ وَتَدْرِيبَهُ عَلَى الْأُمُورِ لِيَعْتَادَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ وَلِخِدْمَةٍ إلَخْ، ثُمَّ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ بِمَا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْدَمَهُ فِيمَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ لَزِمَتْهُ وَإِنْ لَمْ يُكْرِهْهُ لَكِنَّهُ بِوَلَايَتِهِ عَلَيْهِ إذَا قَصَدَ بِإِنْفَاقِهِ عَلَيْهِ جَعْلَ النَّفَقَةِ فِي مُقَابَلَةِ الْأُجْرَةِ اللَّازِمَةِ لَهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَوْ كَسْبٌ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَهَذَا بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ لَهُ صَارَ لَهُ مَالٌ، أَمَّا الْإِخْوَةُ إذَا وَقَعَ مِنْهُمْ اسْتِخْدَامٌ لِبَعْضِهِمْ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمْ لِلصِّغَارِ مِنْهُمْ إذَا اسْتَخْدَمُوهُمْ وَلَمْ تَسْقُطْ عَنْهُمْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ وَلَايَةُ التَّمْلِيكِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الِاسْتِخْدَامِ وَعَدَمِهِ صُدِّقَ مُنْكِرُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَطَرِيقُ مَنْ أَرَادَ الْخَلَاصَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ وَيَسْتَأْجِرَ إخْوَتَهُ الصِّغَارَ بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَيَسْتَأْذِنَهُ فِي صَرْفِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِمْ فَيَبْرَأَ بِذَلِكَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي عَدَمِ بَرَاءَةِ الْأَخِ مَثَلًا مَا لَوْ كَانَ لِإِخْوَتِهِ جَامَكِيَّةٌ مَثَلًا، وَأَخَذَ مَا يَتَحَصَّلُ مِنْهَا وَصَرَفَهُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ وَطَرِيقُهُ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ ادَّعَى) الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمَهُ

(قَوْلُهُ: صُدِّقَ هُوَ) أَيْ الصَّغِيرُ

(قَوْلُهُ: قَبُولُ قَوْلِهِمَا) أَيْ الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ

(قَوْلُهُ: لِعُسْرِ الْإِشْهَادِ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: وَمَالَ م ر إلَى التَّفْصِيلِ بَيْنَ مَا يَعْسُرُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ كَأَنْ جَلَسَا فِي حَانُوتٍ لِيَبِيعَا شَيْئًا فَشَيْئًا فَيُقْبَلَ قَوْلُهُمَا مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ لِعُسْرِهِ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يَعْسُرَ كَمَا لَوْ أَرَادَ بَيْعَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ) أَيْ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْأَذْرَعِيِّ.

[بَابُ الصُّلْحِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ وَالتَّنَازُعِ فِيهَا]

.

ص: 381

كَالدَّعْوَى عَلَى الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ التَّنْبِيهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ. .

بَابُ الصُّلْحِ

وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ وَالتَّنَازُعِ فِيهَا (وَالصُّلْحُ لُغَةً: قَطْعُ النِّزَاعِ. وَشَرْعًا عَقْدٌ يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ) : (صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَالْبُغَاةِ، وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشِّقَاقِ، وَصُلْحٌ فِي الْمُعَامَلَةِ) ، وَهُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] وَمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مِقْدَارٍ كَبِيرٍ جُمْلَةً بِثَمَنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ اهـ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) عِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ إلَخْ الْمُعْتَمَدُ قَبُولُهُ بِيَمِينِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى وَلَايَتِهِ لَا إنْ كَانَ مَعْزُولًا م ر اهـ

(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ) أَيْ حَيْثُ قَالَ آخِرًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا تَحْلِيفٍ وَلَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ اهـ مَنْهَجٌ.

(بَابُ الصُّلْحِ)

لَوْ عَبَّرَ بِكِتَابٍ كَانَ أَوْضَحَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ فَيُقَالُ الصُّلْحُ جَائِزٌ وَجَائِزَةٌ، وَهُوَ رُخْصَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ هِيَ الْحُكْمُ الْمُتَغَيِّرُ إلَيْهِ السَّهْلُ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِتَسْمِيَتِهَا رُخْصَةً التَّغَيُّرُ بِالْفِعْلِ بَلْ وُرُودُ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ مَا تَقْتَضِيهِ الْأُصُولُ الْعَامَّةُ كَافٍ فِي كَوْنِهِ رُخْصَةً كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ مَتْنِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشَرْحِهِ، وَنُقِلَ فِي الدَّرْسِ عَنْ الْعُبَابِ الْجَزْمُ بِمَا قُلْنَاهُ فَرَاجِعْهُ

(قَوْلُهُ: وَالتَّنَازُعُ فِيهَا) أَيْ: وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا كَالْجِدَارِ بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ

(قَوْلُهُ: وَالصُّلْحُ لُغَةً قَطْعُ النِّزَاعِ) عِبَارَةُ الشَّيْخِ عُمَيْرَةَ: لُغَةً وَعُرْفًا اهـ.

أَقُولُ: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ اللُّغَةَ فِي شَيْءٍ، وَجَرَوْا هُنَا عَلَى خِلَافِ الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ أَعَمُّ مِنْ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ: أَيْ فَيَكُونُ الشَّرْعِيُّ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ اللُّغَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ قَطْعُ النِّزَاعِ لَيْسَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ قَطْعِ النِّزَاعِ فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ وَإِنْ اتَّحَدَا بِحَسَبِ التَّحَقُّقِ وَالْوُجُودِ: أَيْ فَالْمَكَانُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْعَقْدُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ قَطْعُ النِّزَاعِ وَلَا عَكْسٌ، فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ بِحَسَبِ التَّحَقُّقِ وَتَبَايُنٌ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ، وَقَوْلُهُ {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] هِيَ مُخَرَّجَةٌ عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ الشِّقَاقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ عَيْنَ الْأَوْلَى فَلَمْ يَكُنْ نَصًّا فِي الْمُدَّعَى هُنَا.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَغْلَبِيَّةٌ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ الْعُدُولُ عَنْ الضَّمِيرِ إلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عُمُومُ اللَّفْظِ لَا خُصُوصُ السَّبَبِ

(قَوْلُهُ: وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَالْبُغَاةِ) لِمَ خَصَّ الْإِمَامَ وَهَلَّا عُمِّمَ كَالْأَوَّلِ فَقَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْبُغَاةِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.

أَقُولُ: وَيُجَابُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(بَابُ الصُّلْحِ)(قَوْلُهُ: وَصُلْحٌ فِي الْمُعَامَلَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْقُوتِ وَعَلَى: أَيْ وَيَقَعُ عَلَى الصُّلْحِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالدَّعَاوَى وَالْخُصُومَاتِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا.

ص: 382

صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا» أَيْ كَأَنْ كَانَ عَلَى نَحْوِ خَمْرٍ «أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» أَيْ كَأَنْ لَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ، وَالْكُفَّارُ كَالْمُسْلِمِينَ، وَخُصُّوا بِالذِّكْرِ لِانْقِيَادِهِمْ إلَى الْأَحْكَامِ غَالِبًا، وَلَفْظُهُ يَتَعَدَّى إلَى الْمَتْرُوكِ بِمِنْ وَعَنْ وَلِلْمَأْخُوذِ بِعَلَى وَالْبَاءِ غَالِبًا.

(هُوَ قِسْمَانِ) : (أَحَدُهُمَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا صُلْحٌ عَلَى إقْرَارٍ) أَوْ حُجَّةٍ أُخْرَى (فَإِنْ جَرَى عَلَى عَيْنِ غَيْرِ الْمُدَّعَاةِ) كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا وَصَالَحَهُ عَنْهَا بِمُعَيَّنٍ كَثَوْبٍ (فَهُوَ بَيْعٌ) لِلْمُدَّعَاةِ مِنْ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِلَفْظِ الصُّلْحِ) وَيُسَمَّى صُلْحَ الْمُعَاوَضَةِ (تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ) أَيْ الْبَيْعِ (كَالشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ) وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ (وَمُنِعَ تَصَرُّفُهُ) فِي الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ (قَبْلَ قَبْضِهِ وَاشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ إنْ اتَّفَقَا) أَيْ الْمُصَالَحُ عَنْهُ، وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ (فِي عِلَّةِ الرِّبَا) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ كَاشْتِرَاطِ التَّسَاوِي إذَا كَانَ جِنْسًا رِبَوِيًّا وَاشْتِرَاطِ الْقَطْعِ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ وَجَرَيَانِ التَّحَالُفِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ وَفَسَادِهِ بِالْغَرَرِ، وَالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالْجَهْلِ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْبَيْعِ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ.

أَمَّا إذَا صَالَحَهُ عَلَى دَيْنٍ فَإِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَهُوَ بَيْعٌ أَيْضًا أَوْ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا مَثَلًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ السَّلَمِ فَهُوَ سَلَمٌ، وَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ ذَلِكَ لِظُهُورِهِ، قَالَهُ الشَّارِحُ جَوَابًا عَمَّا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ فَإِنْ جَرَى عَلَى غَيْرِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ كَانَ عَلَى عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ.

وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَحْسُنْ إطْلَاقُ كَوْنِهِ بَيْعًا بَلْ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ.

وَمَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ فَهُوَ سَلَمٌ: أَيْ حَقِيقَةً إنْ كَانَ بِلَفْظِهِ وَإِلَّا فَهُوَ سَلَمٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً (أَوْ) جَرَى الصُّلْحُ مِنْ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ (عَلَى مَنْفَعَةٍ) لِغَيْرِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِأَنَّ الْقَائِمَ فِي الصُّلْحِ عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ نَائِبُ الْإِمَامِ فَكَأَنَّ الصُّلْحَ وَاقِعٌ مِنْهُ فَالْمُرَادُ الْإِمَامُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا

(قَوْلُهُ: أَيْ كَأَنْ لَا يَتَصَرَّفَ إلَخْ) أَيْ وَكَأَنْ صَالَحَ زَوْجَتَهُ عَمَّا تَدَّعِيهِ عَلَيْهِ وَأَقَرَّ لَهَا بِهِ عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا.

(قَوْلُهُ: أَوْ حُجَّةٍ أُخْرَى) عَبَّرَ بِهَا لِتَشْمَلَ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فَإِنَّهُمَا حُجَّةٌ لَا بَيِّنَةٌ وَمِنْ الْحُجَّةِ عِلْمُ الْقَاضِي

(قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا صَالَحَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي وَهُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ عَلَى عَيْنٍ

(قَوْلُهُ: عَلَى دَيْنٍ) أَيْ فِي ذِمَّةِ الْمُقِرِّ كَأَنْ يَقُولَ: صَالَحْتُك مِمَّا تَدَّعِيهِ عَلَى كَذَا فِي ذِمَّتِي

(قَوْلُهُ: فَهُوَ بَيْعٌ أَيْضًا) وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي بَابِ السَّلَمِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي النَّقْدَيْنِ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ غَيْرَهُمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يُمْكِنُهُ حَمْلُ ذَاكَ عَلَى مَا إذَا جَرَى الْعَقْدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ خَاصَّةً وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحْمَلْ عَلَى السَّلَمِ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي النَّقْدِ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْلَمًا فِيهِ بَلْ يَكُونُ ثَمَنًا، وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الصُّلْحِ مُحْتَمِلًا لِلْبَيْعِ وَغَيْرِهِ حُمِلَ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ كَمَا تَقَرَّرَ

(قَوْلُهُ: فَهُوَ سَلَمٌ) أَيْ إنْ جَرَى بِلَفْظِ السَّلَمِ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعٌ فِي الذِّمَّةِ كَمَا يَأْتِي

(قَوْلُهُ: وَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ قَوْلِهِ عَلَى دَيْنٍ

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهُوَ سَلَمٌ حُكْمًا) قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ السَّلَمِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ لَهُ فِي السَّلَمِ مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْبَيْعِ دُونَ السَّلَمِ، وَقَالَ حَجّ: إنَّ الْبَيْعَ إذَا أُطْلِقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمُقَابِلِ السَّلَمِ لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا، فَهُوَ أَعَنَى الْبَيْعَ لَا يَخْرُجُ عَنْ مَوْضُوعِهِ لِغَيْرِهِ، فَإِذَا نَافَى لَفْظُهُ مَعْنَاهُ غَلَبَ لَفْظُهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَقْوَى.

وَأَمَّا لَفْظُ الصُّلْحِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ شَرْعًا لِعُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِحَسَبِ الْمَعْنَى لَا غَيْرُ، فَلَيْسَ لَهُ مَوْضُوعٌ خَاصٌّ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ لَفْظُهُ حَتَّى يَغْلِبَ فِيهِ فَتَعَيَّنَ فِيهِ تَحْكِيمُ الْمَعْنَى لَا غَيْرُ اهـ.

فَيُحْتَمَلُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ) أَيْ الْمُفْسِدُ. (قَوْلُهُ: وَالْجَهْلُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ ذِكْرِ الْغَرَرِ. (قَوْلُهُ: جَوَابًا عَمَّا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ) أَيْ: الْمُوَافِقَةُ عِبَارَتُهُ لِبَقِيَّةِ كُتُبِهِ وَلِكُتُبِ الرَّافِعِيِّ، وَمِنْ ثَمَّ جَعَلَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ الْجَوَابَ عَنْ سُكُوتِ الشَّيْخَيْنِ مُطْلَقًا لَا عَنْ خُصُوصِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ) يَعْنِي مَفْهُومَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَلَى عَيْنٍ وَالتَّفْصِيلُ هُوَ كَوْنُ الدَّيْنِ تَارَةً يَكُونُ بَيْعًا وَتَارَةً يَكُونُ سَلَمًا. ..

ص: 383

كَخِدْمَةِ عَبْدٍ شَهْرًا (فَإِجَارَةٌ تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ فِي ذَلِكَ لِصِدْقِ حَدِّ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ.

أَمَّا لَوْ صَالَحَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ فَهِيَ إعَارَةٌ تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا، فَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةً فَإِعَارَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَإِلَّا فَمُطْلَقَةٌ (أَوْ) جَرَى الصُّلْحُ (عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ) كَرُبُعِهَا (فَهِبَةٌ لِبَعْضِهَا) الْبَاقِي (لِصَاحِبِ الْيَدِ) عَلَيْهَا (فَتَثْبُتُ أَحْكَامُهَا) أَيْ الْهِبَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي بَابِهَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَغَيْرِهِ لِصِدْقِ حَدِّهَا، فَتَصِحُّ فِي الْبَعْضِ الْمَتْرُوكِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَشَبَهِهِمَا (وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ) لَهُ لِعَدَمِ الثَّمَنِ (وَالْأَصَحُّ)(صِحَّتُهُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ) كَصَالَحْتُكَ عَنْ الدَّارِ عَلَى رُبُعِهَا؛ لِأَنَّ الْخَاصِّيَّةَ الَّتِي يَفْتَقِرُ إلَيْهَا لَفْظُ الصُّلْحِ هِيَ سَبْقُ الْخُصُومَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يَتَضَمَّنُ الْمُعَاوَضَةَ وَلَا عِوَضَ هُنَا لِلْمَتْرُوكِ.

وَمُحَالٌ أَنْ يُقَابِلَ الْإِنْسَانُ مِلْكَهُ بِمُلْكِهِ، وَحَمْلُهُ الْأَوَّلَ عَلَى الْهِبَةِ تَنْزِيلًا لِهَذَا اللَّفْظِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ كَلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَيُسَمَّى هَذَا صُلْحَ الْحَطِيطَةِ (وَلَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ: صَالِحْنِي عَنْ دَارِك) مَثَلًا (بِكَذَا) فَأَجَابَهُ (فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ) لِاسْتِدْعَاءِ لَفْظِ الصُّلْحِ سَبْقَ الْخُصُومَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ عِنْدَ حَاكِمٍ أَمْ لَا.

وَالثَّانِي يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ.

وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، فَإِنْ اسْتَعْمَلَاهُ وَنَوَيَا الْبَيْعَ كَانَ كِنَايَةً مِنْ غَيْرِ شَكٍّ كَمَا قَالَاهُ وَإِنْ رَدَّهُ فِي الْمَطْلَبِ (وَلَوْ)(صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ) يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ (عَلَى) غَيْرِهِ (عَيْنٍ) أَوْ دَيْنٍ وَلَوْ مَنْفَعَةً كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ (صَحَّ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ سَوَاءٌ أَعُقِدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَمْ الصُّلْحِ أَمْ الْإِجَارَةِ.

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَنَّ الشَّارِحَ تَبِعَ حَجّ.

(قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ صَالَحَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ) كَأَنْ صَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْهَا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا سَنَةً

(قَوْلُهُ: فَهِيَ إعَارَةٌ إلَخْ) وَمِنْهُ جَوَازُ الرُّجُوعِ فِيهَا مَتَى شَاءَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ

(قَوْلُهُ: فَهِبَةٌ لِبَعْضِهَا) كَأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَقُولَ وَهَبْتُك نِصْفَهَا وَصَالَحْتُك عَلَى الْبَاقِي.

وَصُورَةُ الْبَيْعِ بِعْتُك نِصْفَهَا وَصَالَحْتُك عَلَى الْبَاقِي اهـ.

قَالَ الشَّيْخُ عُمَيْرَةُ: قَالَ السُّبْكِيُّ: لَوْ قَالَ وَهَبْتُك نِصْفَهَا عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي النِّصْفَ الْآخَرَ فَسَدَ كَنَظِيرِهِ مِنْ الْإِبْرَاءِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ

(قَوْلُهُ: لِصَاحِبِ الْيَدِ) أَيْ مَثَلًا (قَوْلُهُ: بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ صَالَحْتُك مِنْ هَذِهِ الدَّارِ عَلَى نِصْفِهَا لَا يَكُونُ هِبَةً لِبَاقِيهَا، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ فَإِنَّ الصِّيغَةَ تَقْتَضِي أَنَّهُ رَضِيَ مِنْهَا بِبَعْضِهَا وَتَرَكَ بَاقِيَهَا، وَيُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي كَ صَالَحْتُكَ عَنْ الدَّارِ عَلَى رُبُعِهَا (قَوْلُهُ: وَشِبْهِهِمَا) كَالرُّقْبَى وَالْعُمْرَى (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ) أَيْ فِيمَا إذَا جَرَى عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ

(قَوْلُهُ: وَحَمَلَهُ الْأَوَّلُ عَلَى الْهِبَةِ) أَيْ فَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهَا مِنْ تَوَقُّفِ الْمِلْكِ عَلَى الْقَبْضِ فَيَجُوزُ لِلْمُصَالِحِ الرُّجُوعُ عَنْ الصُّلْحِ إذَا لَمْ يُوجَدْ قَبْضٌ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ الْمُصَالَحُ عَنْهَا بِيَدِ الْمُقِرِّ اُعْتُبِرَ إذْنُ الْمُصَالَحِ لَهُ فِي الْقَبْضِ وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْقَبْضُ

(قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى هَذَا صُلْحَ الْحَطِيطَةِ إلَخْ) أَيْ: الصُّلْحُ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى بَعْضِهِ

(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ) أَيْ: وَلَوْ مَعَ غَيْرِ الْمُصَالِحِ كَمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: صَالِحْنِي عَنْ الدَّارِ الَّتِي بِيَدِك لِفُلَانٍ بِكَذَا لِنَفْسِي فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى مَا يَأْتِي اكْتِفَاءً بِالْمُخَاصَمَةِ السَّابِقَةِ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ

(قَوْلُهُ: صَالِحْنِي عَنْ دَارِك) وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ بِلَا خُصُومَةٍ أَبْرِئْنِي مِنْ دَيْنِك عَلَيَّ بِأَنْ قَالَهُ اسْتِيجَابًا لِطَلَبِ الْبَرَاءَةِ فَأَبْرَأهُ جَازَ عُبَابٌ اهـ عَلَى مَنْهَجٍ

(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَكَانَتْ عِنْدَ حَاكِمٍ أَمْ لَا) يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ مِنْ وُقُوعِ الْخُصُومَةِ عِنْدَ غَيْرِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ فَلَا تَكْفِي الْمُنَاكَرَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، فَمَتَى سَبَقَ بَيْنَهُمَا تَنَازُعٌ ثُمَّ جَرَى الصُّلْحُ بِلَفْظِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَعْدَ خُصُومَةٍ، وَيُمْكِنُ شُمُولُ قَوْلِهِ أَمْ لَا لِذَلِكَ

(قَوْلُهُ: وَنَوَيَا الْبَيْعَ) أَيْ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ لَفْظُ الصُّلْحِ مِنْ الْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا الْآتِي فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَلِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: صَالِحْنِي عَنْ دَارِك بِكَذَا

(قَوْلُهُ: كَانَ كِنَايَةً إلَخْ) مُعْتَمَدٌ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 384

أَمَّا مَا لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَدَيْنِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ صِحَّةُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُعَبِّرَ بِغَيْرٍ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ عَيْنٍ تُنَافِي التَّفْصِيلَ الْآتِيَ لِقَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا إلَى قَوْلِهِ أَوْ دَيْنًا أَجَابَ عَنْهُ الشَّارِحُ بِمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ قَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ عَلَى عِوَضٍ وَهُوَ الصَّوَابُ اهـ (فَإِنْ)(تَوَافَقَا) أَيْ الدَّيْنُ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَالْعِوَضُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ (فِي عِلَّةِ الرِّبَا) كَأَنْ صَالَحَ عَنْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ (اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ) حَذَرًا مِنْ الرِّبَا، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِهِ بَطَلَ الصُّلْحُ، وَتَعَيُّنُهُ فِي الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَوَافَقْ الْمُصَالَحُ عَنْهُ الدَّيْنُ وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فَجَعَلَهُ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ مُمَثِّلًا عَنْ فِضَّةٍ بِحِنْطَةٍ أَوْ ثَوْبٍ (فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا لَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الثَّوْبِ فِي الْمَجْلِسِ. وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ دَيْنٌ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُ الْآخَرِ فِي الْمَجْلِسِ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ (أَوْ) كَانَ الْعِوَضُ (دَيْنًا) كَصَالَحْتُكَ عَنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي عَلَيْك بِكَذَا (اُشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ فِي الْمَجْلِسِ) لَيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ (وَفِي قَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَجْهَانِ) أَصَحُّهُمَا (عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ) فَإِنْ كَانَ رِبَوِيَّيْنِ اُشْتُرِطَ لِمَا سَبَقَ فِي الِاسْتِبْدَالِ عَنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةً فَقَبْضُهَا بِقَبْضِ مَحَلِّهَا.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُتَّجَهُ تَخْرِيجُ اشْتِرَاطِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ صَالَحَ عَلَى عَيْنٍ.

(وَإِنْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى بَعْضِهِ) كَثَمَنِهِ (فَهُوَ إبْرَاءٌ عَنْ بَاقِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَاهُ فَثَبَتَ فِيهِ أَحْكَامُهُ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ انْقِسَامُ الصُّلْحِ عَنْ الدَّيْنِ إلَى مُعَاوَضَةٍ وَحَطِيطَةٍ كَالْعَيْنِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْبَاقِي فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ هَذَا الْعَقْدَ مُعَاوَضَةً بَلْ إبْرَاءً، وَهَلْ يَعُودُ الدَّيْنُ إذَا امْتَنَعَ الْمُبَرَّأُ مِنْ أَدَاءِ الْبَاقِي أَمْ لَا؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ عَوْدِهِ. .

(وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَالْحَطِّ وَنَحْوِهِمَا) كَالْإِسْقَاطِ وَالْهِبَةِ وَالْحَطِّ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: كَدَيْنِ السَّلَمِ) أَيْ كَالْمَبِيعِ فِي الذِّمَّةِ حَيْثُ عَقَدَهَا عَلَيْهِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِنْ ذَكَرَ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْهُ هُنَا جَوَازُ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ وَكَنُجُومِ الْكِتَابَةِ

(قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) هُوَ قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ

(قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّوَابُ) أَيْ لِشُمُولِهِ لِلدَّيْنِ

(قَوْلُهُ: اشْتَرَطَ) أَيْ الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ

(قَوْلُهُ: اشْتِرَاطُهُ) أَيْ الْقَبْضِ

(قَوْلُهُ: فِيمَا لَوْ صَالَحَ عَلَى عَيْنٍ) وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فَكَذَا هُنَا.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الصُّلْحَ

(قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ) أَيْ الْإِبْرَاءِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَدَاءِ الْبَاقِي) أَيْ حَالًا أَوْ مَآلًا

(قَوْلُهُ: وَالْحَطِّ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْحَطِّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ صِحَّةُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ صِحَّتِهَا مِمَّا قَرَّرَهُ؛ فَإِنَّ غَايَةَ مَا قَرَّرَهُ أَنَّهُ أَتَى بِحُكْمٍ خَارِجِيٍّ كَانَ مِنْ حَقِّ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ لِيُوَافِقَ عِبَارَتَهُ الْآتِيَةَ، وَبِفَرْضِ صِحَّتِهَا بِهِ فَمَا الدَّاعِي إلَى قَوْلِهِ وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ إلَخْ فَبَعْدَ التَّنَزُّلِ، وَأَنَّ مَا قَرَّرَهُ مُصَحِّحٌ لِعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ جَوَابًا ثَانِيًا عَنْ الِاعْتِرَاضِ وَأَجَابَ الشِّهَابُ حَجّ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْعَيْنِ هُنَا مَا يُقَابِلُ الْمَنْفَعَةَ الشَّامِلَةَ لِلْعَيْنِ وَالدَّيْنِ بِدَلِيلِ تَقْسِيمِهِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ إلَى عَيْنٍ وَدَيْنٍ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْعَيْنَ فِي الْأَمْرَيْنِ تَارَةً وَفِي مُقَابِلِ الدَّيْنِ أُخْرَى، وَذَلِكَ مَجَازٌ عُرْفِيٌّ دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَقَعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ كَثِيرًا. قَالَ: فَإِنْ قُلْت: فَمَا وَجْهُ الْمُقَابَلَةِ بِالْمَنْفَعَةِ مَعَ الصِّحَّةِ فِيهَا أَيْضًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ؟ قُلْت: لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا التَّفْرِيعُ الَّذِي قَصَدَهُ مِنْ التَّوَافُقِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا تَارَةً وَعَدَمِهَا أُخْرَى (قَوْلُهُ: فَجَعَلَهُ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ) أَيْ: حَيْثُ قَيَّدَ الْمُصَالَحَ عَنْهُ بِالدَّيْنِ كَمَا هُوَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ فَشَمِلَ الدَّيْنَ وَالْعَيْنَ فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرْتَبِطٍ بِمَا قَبْلَهُ وَإِنْ اقْتَضَاهُ السِّيَاقُ، لَكِنَّ الشَّارِحَ هُنَا جَعَلَ الْقَطْعَ عَنْ الْأَوَّلِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنْ تَوَافَقَا إلَخْ حَيْثُ عَبَّرَ فِي الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ بِالْعِوَضِ وَهَذَا لَمْ يَسْلُكْهُ الشَّارِحُ الْجَلَالُ

. (قَوْلُهُ: عَدَمُ اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْبَاقِي) يَعْنِي مَا يَأْخُذُهُ الْمُدَّعِي وَهُوَ الثَّمَنُ فِي مِثَالِهِ.

ص: 385

وَالتَّرْكِ وَالْإِحْلَالِ وَالتَّحْلِيلِ وَالْعَفْوِ وَالْوَضْعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ الْقَبُولُ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا الْإِبْرَاءُ تَمْلِيكٌ أَمْ إسْقَاطٌ (وَ) يَصِحُّ (بِلَفْظِ الصُّلْحِ) وَحْدَهُ (فِي الْأَصَحِّ) كَ صَالَحْتُكَ مِنْ الْأَلْفِ الَّذِي لِي عَلَيْك عَلَى خَمْسِمِائَةٍ. وَيُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَبُولُهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمَا وَلَا يَصِحُّ هَذَا الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ الْبُطْلَانِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْخَمْسُمِائَةِ الْمُصَالَحُ بِهَا مُعَيَّنَةً، وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَقَطَعَ بِهِ الْقَفَّالُ وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، يُخَالِفُهُ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَالْمُتَوَلِّي، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ الصِّحَّةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى بَعْضِهِ إبْرَاءٌ لِلْبَعْضِ وَاسْتِيفَاءٌ لِلْبَاقِي فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ (وَلَوْ)(صَالَحَ مِنْ) دَيْنٍ (حَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلٍ مِثْلِهِ) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً (أَوْ عَكْسٌ) أَيْ صَالَحَ مِنْ مُؤَجَّلٍ عَلَى حَالٍّ مِثْلِهِ كَذَلِكَ (لَغَا) الصُّلْحُ؛ إذْ هُوَ مِنْ الدَّائِنِ وَعُدَّ فِي الْأُولَى بِإِلْحَاقِ الْأَجَلِ، وَصِفَةُ الْحُلُولِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ وَعُدَّ مِنْ الْمَدْيُونِ بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ وَهُوَ لَا يَسْقُطُ وَالصِّحَّةُ وَالتَّكْسِيرُ كَالْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ (فَإِنْ عُجِّلَ) الدَّيْنُ (الْمُؤَجَّلُ صَحَّ الْأَدَاءُ) وَسَقَطَ الْأَجَلُ لِصُدُورِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ مِنْ أَهْلِهِمَا.

وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ عَلَى ظَنِّ صِحَّةِ الصُّلْحِ وَوُجُوبِ التَّعْجِيلِ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ فَلَهُ الِاسْتِرْدَادُ كَمَا قَالُوهُ.

وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَوْ شَرَطَ بَيْعًا فِي بَيْعٍ وَأَتَى بِالثَّانِي عَلَى ظَنِّ الصِّحَّةِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ.

وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: تَضَافَرَتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ فَلْتَكُنْ الْفَتْوَى بِهِ (وَلَوْ صَالَحَ مِنْ عَشَرَةٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسَةٍ مُؤَجَّلَةٍ بَرِئَ مِنْ خَمْسَةٍ وَبَقِيَتْ خَمْسَةٌ حَالَّةٌ) ؛ لِأَنَّهُ صَالَحَ بِحَطِّ الْبَعْضِ وَوَعَدَ بِتَأْجِيلِ الْبَاقِي، وَالْوَعْدُ لَا يَلْزَمُ وَالْحَطُّ صَحِيحٌ (وَلَوْ عَكَسَ) بِأَنْ صَالَحَ مِنْ عَشَرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ حَالَّةٍ (لَغَا) الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْحُلُولِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا وَالْخَمْسَةُ الْأُخْرَى إنَّمَا تَرَكَهَا فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْحُلُولُ لَا يَصِحُّ التَّرْكُ، وَالصِّحَّةُ وَالتَّكْسِيرُ كَالْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ.

وَقَضِيَّةُ مَا تَقَرَّرَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

(قَوْلُهُ: أَمْ إسْقَاطٌ) مُعْتَمَدٌ

(قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ) أَيْ الْإِبْرَاءُ

(قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) هِيَ قَوْلُهُ كَ صَالَحْتُكَ مِنْ الْأَلْفِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ هَذَا الصُّلْحُ) أَيْ الصُّلْحُ مِنْ دَيْنٍ عَلَى بَعْضِهِ

(قَوْلُهُ: وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ) حَيْثُ قَالَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى بَعْضِهِ إذْ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ عَدَمُ التَّعْيِينِ لِلْمُصَالَحِ بِهِ

(قَوْلُهُ: مُعَيَّنَةً) أَيْ بِالْمَجْلِسِ

(قَوْلُهُ: مِثْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ جِنْسًا وَقَدْرًا إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: قَالَ م ر: وَيَنْشَأُ مِنْ هَذَا مَسْأَلَةٌ تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى، وَهِيَ مَا لَوْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةٌ ثُمَّ صَدَرَ بَيْنَهُمَا تَصَادُقٌ مَبْنِيٌّ عَلَى تِلْكَ الْمُعَامَلَةِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْآخَرِ شَيْئًا مَعَ ظَنِّهِمَا صِحَّةَ الْمُعَامَلَةِ ثُمَّ بَانَ فَسَادُهَا تَبَيَّنَ فَسَادُ التَّصَادُقِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْحَاكِمِ

(قَوْلُهُ: فَلَهُ الِاسْتِرْدَادُ) ع لَوْ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ اسْتِرْدَادٍ فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ رَدِّهِ وَإِعَادَتِهِ يُتَأَمَّلُ ذَلِكَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.

أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّرَاضِي كَأَنَّهُ مَلَّكَهُ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ بِمَالِهِ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ لِلْغَاصِبِ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَوْ إلَخْ) لَا يَظْهَرُ هَذَا التَّقْيِيدُ لِمَا الْكَلَامُ فِيهِ؛ إذْ هُوَ فِي خُصُوصِ الصُّلْحِ، فَلَعَلَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا.

وَمَعَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ رَدُّ هَذَا التَّفْصِيلِ بِأَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ الْقَبْضُ صَحِيحًا مُطْلَقًا، ثُمَّ رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ إسْقَاطَ لَفْظَةِ وَمَحَلُّهُ

(قَوْلُهُ: وَالصِّحَّةُ إلَخْ) لَا تَكْرَارَ فِيهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ مَا مَرَّ اتَّفَقَ الْمُصَالَحُ مِنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ وَاخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ وَمَا هُنَا اخْتَلَفَا قَدْرًا وَصِفَةً

(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ مَا تَقَرَّرَ) مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ مِنْ عَشَرَةٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسَةٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَخْ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: أَيْ فِي التَّفْصِيلِ الْمُفَرِّقِ بَيْنَ الصُّلْحِ مِنْ الْمُؤَجَّلِ عَلَى الْحَالِّ وَعَكْسِهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ) أَيْ: فِي قَوْلِهِ عَلَى بَعْضِهِ. (قَوْلُهُ: وَصِفَةُ الْحُلُولِ) صَوَابُهُ وَصِفَةُ التَّأْجِيلِ

.

ص: 386

عَدَمُ الْفَرْقِ فِيهِ بَيْنَ الرِّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْجَوَاهِرِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ انْقِسَامُ الصُّلْحِ إلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ: بَيْعٍ، وَإِجَارَةٍ، وَعَارِيَّةٍ، وَهِبَةٍ، وَسَلَمٍ، وَإِبْرَاءٍ.

وَيُزَادُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ خُلْعًا كَ صَالَحْتُكَ مِنْ كَذَا عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي طَلْقَةً، وَمُعَاوَضَةً مِنْ دَمِ الْعَمْدِ كَ صَالَحْتُكَ مِنْ كَذَا عَلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَى مِنْ قِصَاصٍ، وَجَعَالَةٍ كَصَالَحْتُكَ مِنْ كَذَا عَلَى رَدٍّ بِعَبْدِي، وَفِدَاءٍ كَقَوْلِهِ لِحَرْبِيٍّ صَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى إطْلَاقِ هَذَا الْأَسِيرِ، وَفَسْخًا كَأَنْ صَالَحَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَتَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ كَكَثِيرٍ لِأَخْذِهَا مِنْ الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ أَهْمَلَهَا الْأَصْحَابُ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَيْهِمْ جَزْمًا.

(النَّوْعُ الثَّانِي الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ) أَوْ السُّكُوتُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ سُلَيْمٍ الرَّازِيّ وَغَيْرِهِ، وَلَا حُجَّةَ لِلْمُدَّعِي كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا فَأَنْكَرَ أَوْ سَكَتَ ثُمَّ صَالَحَ عَنْهُ (فَيَبْطُلُ إنْ جَرَى عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعِي) كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ دَارًا فَيُصَالِحَهُ عَلَيْهَا بِأَنْ يَجْعَلَهَا لِلْمُدَّعِي أَوْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا تَصْدُقُ بِهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ بَاطِلٌ فِيهِمَا؛ إذْ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ التَّمْلِيكِ مَعَ ذَلِكَ لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُدَّعِي مَالًا يَمْلِكُهُ أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا يَمْلِكُهُ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَنْكَرَ الْخُلْعَ وَالْكِتَابَةَ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى شَيْءٍ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ خَبَرَ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي مَوَارِيثَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا: اقْتَسِمَا ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ ثُمَّ اسْتَهِمَا ثُمَّ لْيُحْلِلْ كُلٌّ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ» ؛ لِأَنَّهُ قَسَمَهَا بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ كَوْنِهَا فِي يَدِهِمَا وَلَا مُرَجِّحَ، وَأَمَّا التَّحْلِيلُ مَعَ الْجَهْلِ فَمِنْ بَابِ الْوَرَعِ؛ لِأَنَّهُ أَقْصَى مَا يُمْكِنُ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ جَهْلِ مَا يُمْكِنُ اسْتِكْشَافُهُ، وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ كَالْإِقْرَارِ، وَكَذَا قِيَامُ بَيِّنَةٍ بَعْدَ الْإِنْكَارِ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ بَعْدَهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَاسْتِشْكَالُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

(قَوْلُهُ: عَدَمُ الْفَرْقِ إلَخْ) فِيهِ تَفْصِيلٌ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا نَقَلَهُ حَجّ عَنْ الْجَوَاهِرِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي) أَيْ فَيُقْبَلَ بِقَوْلِهِ: صَالَحْتُكَ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ طَلَّقْتُك، وَلَا حَاجَةَ إلَى إنْشَاءِ عَقْدٍ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ

(قَوْلُهُ: وَفَسْخًا) وَالْقِيَاسُ: صِحَّةُ كَوْنِهِ حَوَالَةً أَيْضًا بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعَى صَالَحْتُك مِنْ الْعَيْنِ الَّتِي تَدَّعِيهَا عَلَى عَلَى كَذَا حَوَالَةً عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا.

(قَوْلُهُ: فَيَبْطُلُ) أَيْ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ «إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ إنْ كَذَبَ فَقَدْ اسْتَحَلَّ مَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ صَدَقَ فَقَدْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَالَهُ الَّذِي هُوَ حَلَالٌ: أَيْ بِصُورَةِ الْعَقْدِ، فَلَا يُقَالُ لِلْإِنْسَانِ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ اهـ حَجّ.

وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ فَقَدْ حَرُمَ إلَخْ قَدْ يُنَاقَشُونَ بِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِمُعَامَلَةٍ صَحِيحَةٍ صَدَرَتْ بِاخْتِيَارِهِ كَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ الصَّحِيحَةِ الْمُخْتَارَةِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَعَامِلَيْنِ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا بَذَلَهُ فِي تِلْكَ الْمُعَامَلَةِ، وَالْمُعَامَلَةُ هُنَا صَحِيحَةٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ الصَّالِحُ عَلَى الْإِقْرَارِ، فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا بَذَلَهُ فِي تِلْكَ الْمُعَامَلَةِ، وَالْمُعَامَلَةُ هُنَا صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْمُخَالِفِينَ فَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ الصَّحِيحَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ الصُّلْحُ عَلَى الْإِقْرَارِ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَالَهُ بِمَا أَخَذَهُ عِوَضًا عَنْهُ إلَخْ اهـ.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ع بِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ كُلٌّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ يَبِيعُ مَا لَا يَمْلِكُهُ أَيْ حَيْثُ كَانَ غَيْرَ مُحَقَّقٍ فِي إنْكَارِهِ وَالْمُشْتَرِي يَشْتَرِي مَا يَمْلِكُهُ: أَيْ حَيْثُ كَانَ صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ

(قَوْلُهُ: مَعَ ذَلِكَ) أَيْ الْإِنْكَارِ

(قَوْلُهُ: وَقِيَاسًا إلَخْ) لَعَلَّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ

(قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ الصُّلْحُ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ تَعْدِيلِهَا وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِالْمِلْكِ: قَالَ سم عَلَى حَجّ:

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُدَّعِي مَا لَا يَمْلِكُهُ أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا يَمْلِكُهُ) أَيْ: إنْ كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا فِيهِمَا: فَإِنْ كَانَ صَادِقًا انْعَكَسَ الْحَالُ، فَلَوْ قَالَ؛ لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَمْلِكَ الشَّخْصُ مَا يَمْلِكُهُ أَوْ مَا لَا يَمْلِكُهُ لَشَمِلَهُمَا، عَلَى أَنَّ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرًا لَا يَخْفَى، إذْ لَا مَحْذُورَ فِي كَوْنِ الشَّخْصِ يَمْلِكُ مَا لَا يَمْلِكُهُ بِوَاسِطَةِ الصُّلْحِ كَغَيْرِهِ فَلْيُحَرَّرْ

ص: 387

الْغَزَالِيِّ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّ لَهُ سَبِيلًا إلَى الطَّعْنِ يُرَدُّ بِأَنَّ الْعُدُولَ إلَى الْمُصَالَحَةِ يَدُلُّ عَلَى عَجْزِهِ عَنْ إبْدَاءِ طَاعِنٍ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فَقَالَ: رَدَدْتهَا إلَيْكَ ثُمَّ صَالَحَهُ فَإِنْ كَانَتْ أَمَانَةً بِيَدِهِ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ لِقَبُولِ قَوْلِهِ فَيَكُونُ صُلْحًا عَلَى الْإِنْكَارِ، وَإِلَّا فَقَوْلُهُ فِي الرَّدِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالضَّمَانِ هَذَا مَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ، وَلَهُ احْتِمَالَانِ بِالْبُطْلَانِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ لَمْ يُقِرَّ أَنَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَيُرَدُّ بِمِثْلِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْعُدُولَ إلَى الْمُصَالَحَةِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ ضَمَانِهِ، وَلِلْمُدَّعِي الْمُحِقِّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَذَلَهُ فِي الصُّلْحِ عَلَى إنْكَارٍ، لَكِنْ إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى كَانَ ظَافِرًا فَفِيهِ مَا يَأْتِي فِي الظُّفُرِ، وَلَوْ أَنْكَرَ فَصُولِحَ ثُمَّ أَقَرَّ لَمْ يُفِدْ إقْرَارُهُ صِحَّةَ الصُّلْحِ السَّابِقِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ مِنْ سَبْقِ الْإِقْرَارِ، فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ يَنْبَغِي الصِّحَّةُ لِاتِّفَاقِهِمَا، عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ جَرَى بِشُرُوطِهِ فِي عِلْمِهِمَا أَوْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَعُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ، فَإِنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ الْمِلْكُ مَوْجُودٌ ثَمَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بِخِلَافِهِ هُنَا؛ إذْ الْإِقْرَارُ إخْبَارٌ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ مُخْبِرٍ بِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَوْ تَنَازَعَا فِي جَرَيَانِهِ عَلَى إنْكَارٍ أَوْ إقْرَارٍ صُدِّقَ مُدَّعِي الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَقْدِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالْغَالِبَ جَرَيَانُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَالْغَالِبُ صُدُورُهُ عَلَى الصِّحَّةِ فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ مُدَّعِيهَا، وَيُغْتَفَرُ جَرَيَانُهُ عَلَى غَيْرِ إقْرَارٍ فِيمَا لَوْ اصْطَلَحَ الْوَرَثَةُ فِيمَا وُقِفَ بَيْنَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي إذَا لَمْ يَبْذُلْ أَحَدٌ عِوَضًا مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ، وَفِيمَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ أَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ وَوَقَفَ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُنَّ فَاصْطَلَحْنَ، وَفِيمَا لَوْ تَدَاعَيَا وَدِيعَةً عِنْدَ آخَرَ فَقَالَ لَا أَعْلَمُ لِأَيِّكُمَا هِيَ أَوْ دَارًا فِي يَدِهِمَا وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَخَرَجَ بِبُعْدِهَا مَا لَوْ أُقِيمَتْ بَعْدَهُ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أُقِيمَتْ بَعْدَ الصُّلْحِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ مُقِرًّا قَبْلَ الصُّلْحِ فَإِنَّ الصُّلْحَ صَحِيحٌ، فَعُلِمَ الْفَرْقُ فِي الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الصُّلْحِ بَيْنَ الشَّاهِدَةِ بِنَفْسِ الْحَقِّ فَلَا يَكُونُ الصُّلْحُ صَحِيحًا، وَالشَّاهِدَةُ بِالْإِقْرَارِ قَبْلَهُ فَيَكُونُ صَحِيحًا م ر.

وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ: وَلَوْ أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ بَعْدَ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ بِأَنَّهُ مَلَّكَهُ وَقْتَهُ فَهَلْ تَلْحَقُ بِالْإِقْرَارِ؟ قَالَ الْجُورِيُّ: تُلْحَقُ بِهِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الطَّعْنُ فِيهَا لَا فِيهِ اهـ.

أَقُولُ: قَدْ تُمْنَعُ الْأَوْلَوِيَّةُ بِأَنَّ شَرْطَ الصُّلْحِ الْإِقْرَارُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي مُحِقًّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِذَلِكَ بَلْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ مِنْ بَابِ الظَّفَرِ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، فَلَعَلَّ مُرَادَ الْجُورِيُّ مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْإِقْرَارِ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ إشْكَالُ الْغَزَالِيِّ مِنْ أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الطَّعْنِ فِي الْبَيِّنَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ صِحَّةُ الصُّلْحِ

(قَوْلُهُ: ذَلِكَ) أَيْ الصُّلْحِ فِيمَا لَوْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ أَمَانَةً) أَيْ بِغَيْرِ رَهْنٍ وَإِجَارَةٍ عَلَى مَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ

(قَوْلُهُ: وَلَهُ احْتِمَالَانِ) كَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ وَلَهُ احْتِمَالٌ، ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ

(قَوْلُهُ: فَصُولِحَ) أَيْ أَوْقَعَ الصُّلْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ عَلَى شَيْءٍ

(قَوْلُهُ: فِيمَا وُقِفَ بَيْنَهُمْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إرْثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَاجِزًا إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا مِقْدَارَ مَا لِكُلٍّ إمَّا لِعَدَمِ الْقِسْمَةِ أَوْ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ مَا لِكُلٍّ شَرْعًا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى اسْتِثْنَائِهِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ

(قَوْلُهُ: أَوْ دَارًا فِي يَدِهِمَا) أَيْ تَدَاعَيَا دَارًا فِي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً) قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا لَوْ تَصَالَحَا بِلَا بَيِّنَةٍ لَمْ يَصِحَّ، وَعَلَيْهِ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَسَاقَطَانِ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ الْيَدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجَوَابِ عَنْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَخَاصَمَا فِي مِيرَاثٍ»

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ أَمَانَةً بِيَدِهِ) أَيْ وَكَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ الَّتِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي رَدِّهَا إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَوَقَفَ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُنَّ) الْأَوْلَى بَيْنَهُمَا

ص: 388

ثُمَّ اصْطَلَحَا، وَلَا يُنَافِي مَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ تَعْبِيرَ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِقَوْلِهَا عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعِي كَأَنْ يُصَالِحَهُ عَنْ الدَّارِ بِثَوْبٍ أَوْ دَيْنٍ فَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ: وَكَأَنَّ نُسْخَةَ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمُحَرَّرِ عَيْنٌ فَعَبَّرَ عَنْهَا بِالنَّفْسِ، وَلَمْ يُلَاحَظْ مُوَافَقَةُ مَا فِي الشَّرْحِ فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ اهـ.

وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ دَفْعُ اعْتِرَاضِ مَنْ قَالَ: إنَّ الصَّوَابَ التَّعْبِيرُ بِالْغَيْرِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَلِهَذَا ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الرَّاءَ تَصَحَّفَتْ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِالنُّونِ فَعَبَّرَ عَنْهَا بِالنَّفْسِ.

لَا يُقَالُ: التَّعْبِيرُ بِالنَّفْسِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ عَلَى وَالْبَاءَ يَدْخُلَانِ عَلَى الْمَأْخُوذِ وَمِنْ وَعَنْ عَلَى الْمَتْرُوكِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَأَيْضًا فَالْمُدَّعَى الْمَذْكُورُ مَأْخُوذٌ وَمَتْرُوكٌ بِاعْتِبَارَيْنِ غَايَتُهُ أَنَّ إلْغَاءَ الصُّلْحِ فِي ذَلِكَ لِلْإِنْكَارِ وَلِفَسَادِ الصِّيغَةِ بِاتِّحَادِ الْعِوَضَيْنِ (وَكَذَا) يَبْطُلُ الصُّلْحُ (إنْ جَرَى عَلَى بَعْضِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي يَصِحُّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْبَعْضَ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُدَّعِي، وَلَكِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي الْجِهَةِ لَا يَمْنَعُ الْأَخْذَ.

وَرُدَّ بِأَنَّهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدَّافِعِ وَالْقَابِضِ فِي الْجِهَةِ الْمُصَدَّقُ الدَّافِعُ، وَهُوَ يَقُولُ: إنَّمَا بَذَلْت لِدَفْعِ الْأَذَى لِئَلَّا يَرْفَعَنِي إلَى قَاضٍ وَيُقِيمَ عَلَيَّ شُهُودَ زُورٍ، وَالْبَذْلُ لِهَذِهِ الْجِهَةِ بَاطِلٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْوَجْهَيْنِ مَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا وَصَالَحَ مِنْهُ عَلَى بَعْضِهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ جَزْمًا؛ لِأَنَّ التَّصْحِيحَ إنَّمَا هُوَ بِتَقْدِيرِ الْهِبَةِ، وَإِيرَادُهَا عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ مُمْتَنَعٌ (وَقَوْلُهُ) بَعْدَ إنْكَارِهِ (صَالِحْنِي عَنْ الدَّارِ) مَثَلًا (الَّتِي تَدَّعِيهَا)(لَيْسَ إقْرَارًا فِي الْأَصَحِّ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ قَطْعَ الْخُصُومَةِ فَقَطْ، وَالثَّانِي نَعَمْ لِتَضَمُّنِهِ الِاعْتِرَافَ كَمَا لَوْ قَالَ: مَلِّكْنِي وَدُفِعَ بِمَا مَرَّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الصُّلْحُ بَعْدَ هَذَا الْتِمَاسَ صُلْحِ إنْكَارٍ، أَمَّا لَوْ قَالَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً قَبْلَ إنْكَارِهِ كَانَ بَاطِلًا جَزْمًا، وَلَوْ قَالَ: بِعْنِي أَوْ هَبْنِي أَوْ مَلِّكْنِي الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ زَوِّجْنِيهَا أَوْ أَبْرِئْنِي مِنْهُ فَإِقْرَارٌ لَا أَجِّرْنِي أَوْ أَعِرْنِي عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ؛ إذْ الْإِنْسَانُ قَدْ يَسْتَعِيرُ مِلْكَهُ وَيَسْتَأْجِرُهُ مِنْ مُسْتَأْجِرِهِ وَمِنْ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهِ.

نَعَمْ يَظْهَرُ كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا فِي يَدِهِمَا فَيُقَالُ بِمِثْلِهِ هُنَا

(قَوْلُهُ: ثُمَّ اصْطَلَحَا) أَيْ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِمَا

(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ) أَيْ فِي أَوَّلِ التَّرْجَمَةِ بِقَوْلِهِ: غَالِبًا وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْإِشَارَةِ الذِّكْرُ

(قَوْلُهُ: وَإِيرَادُهَا) أَيْ الْهِبَةِ

(قَوْلُهُ: مُمْتَنِعٌ) وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِالصِّحَّةِ لَكَانَ إبْرَاءً وَهُوَ مِمَّا فِي الذِّمَّةِ صَحِيحٌ

(قَوْلُهُ: كَانَ بَاطِلًا جَزْمًا) الْجَزْمُ هُنَا قَدْ يُخَالِفُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ السَّابِقَ، وَلَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ: صَالِحْنِي عَنْ دَارِك بِكَذَا فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مَفْرُوضٌ فِي صِحَّةِ الصُّلْحِ وَفَسَادِهِ، وَمَا هُنَا فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَبُطْلَانِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ حَجّ هُنَا، أَمَّا قَوْلُهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً قَبْلَ إنْكَارِهِ فَلَيْسَ إقْرَارًا قَطْعًا

(قَوْلُهُ: فَإِقْرَارٌ) هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا كَمَا هُوَ الْفَرْضُ فَلَوْ كَانَ دَيْنًا فَهُوَ بَاطِلٌ مُطْلَقًا اهـ حَجّ بِالْمَعْنَى.

وَعِبَارَتُهُ: وَكَذَا قَوْلُهُ لِمُدَّعَى عَلَيْهِ أَلْفٌ: صَالِحْنِي مِنْهَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَهَبْنِي خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَبْرِئْنِي مِنْ خَمْسِمِائَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَتَّبَ بِهِ قَطْعُ الْخُصُومَةِ لَا غَيْرُ اهـ.

وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ فِيمَا سَبَقَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْوَجْهَيْنِ

(قَوْلُهُ: لَا أَجِّرْنِي) أَيْ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْعَيْنِ.

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: لَا يُقَالُ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا السُّؤَالِ مِنْ حَيْثُ سِيَاقُهُ مِنْ الْقَلَاقَةِ. (قَوْلُهُ: جَرَى عَلَى الْغَالِبِ) أَيْ فَالْمَعْنَى: أَيْ مِنْ أَوْ عَنْ نَفْسِ الْمُدَّعِي: أَيْ عَلَى غَيْرِهِ: أَيْ وَحَذَفَهُ لِوُضُوحِهِ وَلِعِلْمِهِ مِنْ الْمَعْطُوفِ وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ مَعَ الْمَتْنِ: إنْ جَرَى عَلَى هِيَ هُنَا بِمَعْنَى عَنْ أَوْ مِنْ لِمَا مَرَّ أَنَّ كَوْنَ عَلَى وَالْبَاءِ لِلْمَأْخُوذِ وَعَنْ وَمِنْ لِلْمَتْرُوكِ أَغْلَبِيٌّ نَفْسَ الْمُدَّعَى عَلَى غَيْرِهِ كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِدَارٍ أَوْ دَيْنٍ فَأَنْكَرَ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى نَحْوِ قِنٍّ، وَيَصِحُّ كَوْنُهَا عَلَى بَابِهَا وَالتَّقْدِيرُ: إنْ جَرَى عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعِي عَنْ غَيْرِهِ وَدَلَّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْمَأْخُوذِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي مَتْرُوكًا، وَيَصِحُّ مَعَ عَدَمِ هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْضًا، وَغَايَتُهُ أَنَّ الْبُطْلَانَ فِيهِ لِأَمْرَيْنِ: كَوْنِهِ عَلَى إنْكَارٍ، وَعَدَمِ الْعِوَضِيَّةِ فِيهِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: وَأَيْضًا فَالْمُدَّعِي الْمَذْكُورُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الَّذِي سَلَكَهُ هُوَ فِي حَلِّ الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ: مَأْخُوذٌ وَمَتْرُوكٌ بِاعْتِبَارَيْنِ) أَيْ: فَعَلَى عَلَى بَابِهَا لِلِاعْتِبَارِ الثَّانِي

.

ص: 389

مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ.

(الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ الصُّلْحِ (يَجْرِي بَيْنَ الْمُدَّعِي وَأَجْنَبِيٍّ)(، فَإِنْ)(قَالَ) الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي (وَكَّلَنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الصُّلْحِ) عَنْ الْمُدَّعَى بِهِ (وَهُوَ مُقِرٌّ لَك) بِهِ فِي الظَّاهِرِ أَوْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَلَمْ يُظْهِرْهُ خَوْفًا مِنْ أَخْذِ الْمَالِكِ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بِالْقِسْمَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ (صَحَّ) الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِنْسَانِ الْوَكَالَةَ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ إذَا لَمْ يُعِدْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِنْكَارَ بَعْدَ دَعْوَى الْوَكَالَةِ فَإِنْ أَعَادَهُ كَانَ عَزْلًا فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا وَصَالَحَ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ عَلَى عَيْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ عَلَى دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَحَّ وَصَارَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مِلْكًا لِلْمُوَكِّلِ لَهُ إنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ صَادِقًا فِي الْوَكَالَةِ وَإِلَّا فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْبَيْعِ.

نَعَمْ لَوْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ: وَكِّلْنِي فِي الْمُصَالَحَةِ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَك صَحَّ الصُّلْحُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ تَعَرُّضٌ لِلْإِقْرَارِ، وَلَوْ قَالَ: هُوَ مُنْكِرٌ غَيْرَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ فَصَالِحْنِي لَهُ عَلَى عَبْدِي هَذَا لِتَنْقَطِعَ الْخُصُومَةُ بَيْنَكُمَا وَكَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا صَحَّ الصُّلْحُ أَوْ عَيْنًا فَلَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُ الْغَيْرِ عَيْنَ مَالٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَيُمْكِنُ قَضَاءُ دَيْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَوْ صَالَحَ الْوَكِيلُ عَنْ الْمُوَكِّلِ عَلَى عَيْنٍ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ بِإِذْنِهِ صَحَّ الْعَقْدُ وَوَقَعَ لِلْآذِنِ وَيَرْجِعُ الْمَأْذُونُ عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَبِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا؛ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ قَرْضٌ لَا هِبَةٌ، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَكِّلْنِي إلَخْ مَا لَوْ تَرَكَهُ فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ فَلَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ، وَبِقَوْلِهِ: وَهُوَ مُقِرٌّ لَك مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى وَكِّلْنِي فِي مُصَالَحَتِك فَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا فَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ: وَكَّلَنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُصَالَحَتِك عَنْ نِصْفِهِ أَوْ ثَوْبِهِ فَصَالَحَهُ صَحَّ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا أَوْ عَلَى ثَوْبِي هَذَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ بِدَيْنِ غَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ، وَمَا ادَّعَاهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ قَبْلَهُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ صُورَةِ الْعَيْنِ أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَقَعُ لِلْآذِنِ

وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا سَوَاءٌ، وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ بَلْ أَخَذَ بِقَضِيَّتِهِ فَقَالَ: الْأَوْجَهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ إلْحَاقِ هَذِهِ بِتِلْكَ فَيَصِحُّ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ كَمَنْ ضَمِنَ دَيْنًا وَأَدَّاهُ مَرْدُودٌ بِإِمْكَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنْ بَذَلَ الْوَكِيلُ عَيْنَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْنِ الَّتِي عِنْدَ مُوَكَّلِهِ لَيْسَ فِيهِ جَهَالَةٌ لِتَعَيُّنِ مَا بَذَلَ فِي مُقَابَلَتِهِ، بِخِلَافِ بَذْلِ عَيْنِهِ عَنْ مُوَكَّلِهِ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنِ مُوَكِّلِهِ فَإِنَّ فِيهِ جَهَالَةً أَيَّ جَهَالَةٍ؛ إذْ الدَّيْنُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضِهِ وَمَا دَامَ فِي الذِّمَّةِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ) أَيْ مَحَلُّ مَا ذَكَرَ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَعَادَهُ) أَيْ لِغَيْرِ غَرَضٍ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ مِنْ أَنَّ إنْكَارَ التَّوْكِيلِ يَكُونُ عَزْلًا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي الْإِنْكَارِ

(قَوْلُهُ: كَانَ) أَيْ الْإِنْكَارُ

(قَوْلُهُ: وَقَدْ مَرَّ) أَيْ بُطْلَانُهُ فِي الْجَدِيدِ

(قَوْلُهُ: نَعَمْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ مُقِرٌّ لَك (قَوْلُهُ: صَحَّ الصُّلْحُ) أَيْ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ فِي الصُّلْحِ عَنْهُ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ صَالَحَ) أَيْ مِنْ عَيْنٍ

(قَوْلُهُ: مِنْ مَالِ نَفْسِهِ) أَيْ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ: فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ الْوَكِيلِ

(قَوْلُهُ: بِإِذْنِهِ) أَيْ الْمُوَكِّلِ

(قَوْلُهُ: وَبِالْقِيمَةِ إلَخْ) يُشْكِلُ عَلَيْهِ التَّوْجِيهُ بِأَنَّ الْمَدْفُوعَ قَرْضٌ لَا هِبَةٌ؛ إذْ مُقْتَضَاهُ الرُّجُوعُ بِالْمِثْلِ مُطْلَقًا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْقَرْضِ رَدُّ الْمِثْلِ الصُّورِيِّ فِي الْمُتَقَوِّمِ

(قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ الصِّحَّةِ

(قَوْلُهُ: بِإِمْكَانِ الْفَرْقِ) فِي الْفَرْقِ بِمَا ذَكَرَ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ بِصِحَّتِهِ كَانَ الثَّوْبُ قَرْضًا لِلْمُصَالَحِ عَنْهُ، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ بِالثَّوْبِ الَّذِي دَفَعَهُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: خَوْفًا مِنْ أَخْذِ الْمَالِكِ) الْأَوْلَى الْإِضْمَارُ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي هَذِهِ تَعَرُّضٌ لِلْإِقْرَارِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْإِنْكَارِ بَدَلَ قَوْلِهِ لِلْإِقْرَارِ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا بَعْدَهَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَالَحَ الْوَكِيلُ عَنْ الْمُوَكِّلِ عَلَى عَيْنٍ إلَخْ) أَيْ: وَالصُّورَةُ أَنَّهُ قَائِلٌ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرٌّ فَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ أَوْ عَلَى عَيْنٍ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ عَلَى دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَبِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا) اُنْظُرْ لِمَا لَا يَرْجِعُ بِالْمِثْلِ الصُّورِيِّ حَيْثُ كَانَ قَرْضًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ ثَمَّ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا

ص: 390

هُوَ بِالْمَجَاهِيلِ أَشْبَهُ (وَلَوْ)(صَالَحَ) الْأَجْنَبِيُّ عَنْ الْعَيْنِ (لِنَفْسِهِ) بِعَيْنِ مَالِهِ أَوْ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ، (وَالْحَالَةُ هَذِهِ) أَيْ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ قَائِلٌ بِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَك بِالْمُدَّعَى أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (صَحَّ) الصُّلْحُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ مَعَهُ خُصُومَةٌ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ تَرَتَّبَ عَلَى دَعْوَى وَجَوَابٍ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ: صَالِحْنِي (وَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ) بِلَفْظِ الشِّرَاءِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ رَادًّا بِهِ عَلَى مَنْ اعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَقُولُ: وَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَعَ أَنَّهُ شِرَاءٌ حَقِيقَةً فَلَا مَعْنَى لِلتَّشْبِيهِ، وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِوَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَهُ، فَلَوْ كَانَ مَبِيعًا قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَصِحَّ (وَإِنْ) (كَانَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مُنْكِرًا وَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ: هُوَ مُبْطِلٌ فِي إنْكَارِهِ) ؛ لِأَنَّكَ صَادِقٌ عِنْدِي فَصَالِحْنِي لِنَفْسِي، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا فَهُوَ شِرَاءُ مَغْصُوبٍ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ قُدْرَتِهِ عَلَى انْتِزَاعِهِ فَيَصِحُّ (وَعَدَمِهَا) فَلَا يَصِحُّ وَيَكْفِي لِلصِّحَّةِ قَوْلُهُ: أَنَا قَادِرٌ عَلَى انْتِزَاعِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ مُبْطِلٌ) مَعَ قَوْلِهِ: وَهُوَ مُنْكِرٌ وَصَالَحَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَغَا الصُّلْحُ) ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ مَا يُثْبِتُ مِلْكَهُ لَهُ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِمَا لَوْ قَالَ: هُوَ مُحِقٌّ أَوْ لَا أَعْلَمُ أَوْ سَكَتَ، وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا فِي الرَّوْضَةِ، وَالْأَمْرُ فِيهَا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مَا أَفْهَمَهُ إطْلَاقُ الْكِتَابِ.

وَلَوْ وَقَفَ مَكَانًا وَأَقَرَّ بِهِ لِمُدَّعٍ لَهُ غَرِمَ لَهُ قِيمَتَهُ لِحَيْلُولَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِوَقْفِهِ، وَلَوْ صَالَحَ مُتْلِفُ الْعَيْنِ مَالِكَهَا فَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا مِنْ جِنْسِهَا أَوْ بِمُؤَجَّلٍ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَةُ الْمُتْلَفِ حَالَّةً، فَلَمْ يَصِحَّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا وَلَا عَلَى مُؤَجَّلٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا، وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ بِأَكْثَرَ بِغَيْرِ جِنْسِهَا جَازَ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِمُجْمَلٍ ثُمَّ صَالَحَ عَنْهُ صَحَّ إنْ عَرَفَاهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ أَحَدٌ مِنْهُمَا، وَلَوْ وَكَّلَ الْمُنْكِرُ فِي الصُّلْحِ عَنْهُ أَجْنَبِيًّا جَازَ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَإِنْكَارُ حَقِّ الْغَيْرِ حَرَامٌ فَلَوْ بَذَلَ لِلْمُنْكِرِ مَالًا لِيُقِرَّ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ بَلْ يَحْرُمُ بَذْلُهُ وَأَخْذُهُ لِذَلِكَ وَلَا يَكُونُ بِهِ مُقِرًّا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْأَجْنَبِيُّ قَرْضًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ صَدَرَ مِنْ الْمَالِكِ نَفْسِهِ بِثَوْبِهِ كَانَ صَحِيحًا وَلَمْ يُنْظَرْ لِكَوْنِ الدَّيْنِ كَانَ مَجْهُولًا

(قَوْلُهُ: مَعَهُ) أَيْ مَعَ كَوْنِهِ تَحْتَ يَدِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ

(قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ مَبِيعًا) أَيْ لِلْمُدَّعَى، وَعِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ: الْمُرَادُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَاعَهُ لِلْمُدَّعِي، وَلَمْ يَقْبِضْهُ لَهُ فَلَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ مِنْ الْمُدَّعِي حِينَئِذٍ

(قَوْلُهُ: وَيَكْفِي لِلصِّحَّةِ قَوْلُهُ إلَخْ) أَيْ مَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الْحِسُّ فِيمَا يَظْهَرُ حَجّ

(قَوْلُهُ: فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ) قَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الصِّحَّةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ صِحَّةُ بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، لَكِنْ يُشْكِلُ حِينَئِذٍ بِأَنَّ مَحَلَّ الصِّحَّةِ حَيْثُ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُقِرًّا، وَهُوَ هُنَا مُنْكِرٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: نَزَّلُوا قَوْلَ الْمُشْتَرِي: إنَّهُ مُبْطِلٌ مَنْزِلَةَ إقْرَارِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِمُبَاشَرَتِهِ الْعَقْدَ (قَوْلُهُ: مَا أَفْهَمَهُ إطْلَاقُ الْكِتَابِ) أَيْ مِنْ إبْقَاءِ الصُّلْحِ.

(قَوْلُهُ بِوَقْفِهِ) أَيْ وَيُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ ظَاهِرًا، وَأَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَالْمَدَارُ عَلَى الصِّدْقِ وَعَدَمِهِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَكَّلَ الْمُنْكِرُ) يُتَأَمَّلُ مُغَايَرَةُ هَذِهِ لِقَوْلِ الْمَتْنِ فِيمَا سَبَقَ فَإِنْ قَالَ: وَكَّلَنِي إلَخْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّوْكِيلَ فِيمَا سَبَقَ بَعْدَ إقْرَارِهِ لَهُ بَاطِنًا وَمَا هُنَا قَبْلَهُ ثُمَّ يَقَعُ الْإِقْرَارُ بَعْدَ التَّوْكِيلِ

(قَوْلُهُ: حَرَامٌ) أَيْ بَلْ هُوَ كَبِيرَةٌ

(قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ) وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ لَهُ مَالًا لِيُبْرِئَهُ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْحَقِّ لَمْ يَصِحَّ الْبَذْلُ وَلَا الْأَخْذُ، وَأَنَّهُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: هُوَ بِالْمَجَاهِيلِ أَشْبَهُ) أَيْ: وَهُوَ غَيْرُ مَجْهُولٍ فَلَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ فَإِنَّ فِيهِ جَهَالَةً أَيَّ جَهَالَةٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّك صَادِقٌ عِنْدِي) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَأَنْتَ الصَّادِقُ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُثْبِتْ مِلْكَهُ لَهُ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ مَا لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ

. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ جِنْسِهَا) قَيْدٌ فِي مَسْأَلَةِ الْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ: جَازَ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي) أَيْ: حَلَّ التَّوْكِيلُ وَقِيلَ لَا يَحِلُّ.

.

ص: 391

وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِشَرْطٍ، قَالَ فِي الْخَادِمِ: يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَعْتَقِدَ فَسَادَ الصُّلْحِ فَيَصِحَّ أَوْ يَجْهَلَهُ فَلَا كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الْمُنْشَآتِ عَلَى الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ.

(فَصْلٌ) فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ

(الطَّرِيقُ النَّافِذُ) بِمُعْجَمَةٍ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالشَّارِعِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ عُمُومٌ مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ عَامٌّ فِي الصَّحَارِي وَالْبُنْيَانِ وَالنَّافِذِ وَغَيْرِهِ، وَالشَّارِعُ خَاصٌّ بِالْبُنْيَانِ وَبِالنَّافِذِ.

وَقَوْلُ الْجَوْجَرِيِّ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي نَافِذٍ فِي الْبُنْيَانِ وَانْفِرَادِ الشَّارِعِ فِي نَافِذٍ فِي الْبُنْيَانِ، وَالطَّرِيقُ فِي نَافِذٍ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ غَيْرِ نَافِذٍ فِي الْبُنْيَانِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ إذْ الصُّورَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا لِاجْتِمَاعِهِمَا (لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِمَا يَضُرُّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، فَإِنْ ضُمَّ عُدِّيَ بِالْبَاءِ (الْمَارَّةَ) فِي مُرُورِهِمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ بِمَا يُبْطِلُ الْمُرُورَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَبْطَلَ ضَرٌّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَعَمُّ كَمَا فِي الدَّقَائِقِ (وَ) عَلَى هَذَا (لَا يُشْرَعُ) أَيْ يَخْرُجُ (فِيهِ جَنَاحٌ) أَيْ رَوْشَنٌ (وَلَا سَابَاطٌ) أَيْ سَقِيفَةٌ عَلَى حَائِطَيْنِ وَالطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا (يَضُرُّهُمْ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ (بَلْ) لِلِانْتِقَالِ إلَى بَيَانِ مَفْهُومِ يَضُرُّهُمْ (يُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُهُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ) الْمَاشِي (مُنْتَصِبًا) مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى مُطَأْطَأَةِ رَأْسِهِ، إذْ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إضْرَارٌ حَقِيقِيٌّ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ عَلَى رَأْسِهِ الْحُمُولَةُ الْعَالِيَةُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

يَأْتِي فِي الْإِبْرَاءِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَ مِنْ التَّفْصِيلِ هُنَا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ فَسَادَ الشَّرْطِ ثُمَّ أَبْرَأَ صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَإِلَّا بَطَلَ، فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا

(قَوْلُهُ: عَلَى الْعُقُودِ) الْمُرَادُ مِنْ الْعُقُودِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ.

(فَصْلٌ) فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ

(قَوْلُهُ: فِي التَّزَاحُمِ) أَيْ وَمَا يَتْبَعُهَا كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى إجْرَاءِ مَاءِ الْغُسَالَةِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: لِاجْتِمَاعِهِمَا) خَبَرُ قَوْلِهِ: إذْ الصُّورَةُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الصُّورَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا هِيَ صُورَةُ اجْتِمَاعِهِمَا فَجَعْلُهَا لِلِانْفِرَادِ تَارَةً وَالِاجْتِمَاعِ أُخْرَى غَيْرُ صَحِيحٍ

(قَوْلُهُ: الْمَارَّةَ) أَيْ جِنْسَهُمْ وَسَيُعْلَمُ مَا هُنَا وَفِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ الضَّرَرَ الْمَنْفِيَّ مَا لَا يُصْبَرُ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يُعْتَادُ لَا مُطْلَقًا اهـ حَجّ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم: يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَا لَا يُصْبَرُ عَلَيْهِ مِمَّا اُعْتِيدَ فَلْيُرَاجَعْ اهـ.

أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ فَيَضُرُّ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الصَّبْرِ عَلَيْهِ عَادَةً يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِ قَوِيَّةٌ

(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْفَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ مُسْتَفَادًا بِتَمَامِهِ مِنْ عِبَارَتِهِ لَمْ يُفَرِّعْهُ

(قَوْلُهُ: أَيْ رَوْشَنَ) وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَبْنِيهِ صَاحِبُ الْجِدَارِ فِي الشَّارِعِ وَلَا يَصِلُ بِهِ إلَى الْجِدَارِ الْمُقَابِلِ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ

(قَوْلُهُ: أَيْ كُلٌّ مِنْ الْجَنَاحِ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ يَضُرَّانِهِمْ.

(قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الِانْتِصَابِ مِنْ غَيْرِ مُطَأْطَأَةٍ

(قَوْلُهُ: الْحُمُولَةُ) بِضَمِّ الْحَاءِ: أَيْ الْأَحْمَالُ، وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ: الْحُمُولَةُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(فَصْلٌ) فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ (قَوْلُهُ: وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالشَّارِعِ) هَذَا لَا يُلَائِمُ إطْلَاقَهُ مَا سَيَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ اخْتِصَاصِهِ بِالْبُنْيَانِ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ. (قَوْلُهُ: إذْ الصُّورَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا) يَعْنِي لِانْفِرَادِ الشَّارِعِ إذْ هِيَ عَيْنُ مَا قَبْلَهَا، بَلْ وَقَوْلُهُ: وَالطَّرِيقُ فِي نَافِذٍ فِي الصَّحْرَاءِ قَاصِرٌ أَيْضًا؛ إذْ يَنْفَرِدُ الطَّرِيقُ بِكَوْنِهِ فِي الصَّحْرَاءِ نَافِذًا أَوْ غَيْرَ نَافِذٍ، وَفِي نُسْخَةٍ شَطَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْبُنْيَانِ مِنْ صُورَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَإِلَّا لَكَانَتْ مُتَّحِدَةً مَعَ مَا بَعْدَهَا فَلْتُرَاجَعْ عِبَارَةُ الْجَوْجَرِيِّ.

.

ص: 392

كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَنْ لَا يُظْلِمَ الْمَوْضِعُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

نَعَمْ لَا اعْتِبَارَ بِإِظْلَامٍ خَفِيفٍ (وَإِنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ فَلْيَرْفَعْهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَحْمِلُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ (عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ فَوْقَ الْمَحْمِلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا، وَحَيْثُ امْتَنَعَ الْإِخْرَاجُ هَدَمَهُ الْحَاكِمُ لَا كُلُّ أَحَدٍ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْمَطْلَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ.

نَعَمْ لِكُلِّ أَحَدٍ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكِرِ، قَالَهُ سُلَيْمٌ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا صَحَّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَصَبَ بِيَدِهِ مِيزَابًا فِي دَارِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ إلَى الطَّرِيقِ وَكَانَ شَارِعًا لِمَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم» وَقِيسَ بِهِ الْجَنَاحُ وَنَحْوُهُ، وَلِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ. .

وَمَحَلُّ جَوَازِ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ، أَمَّا الذِّمِّيُّ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ جَازَ لَهُ الِاسْتِطْرَاقُ؛ لِأَنَّهُ كَإِعْلَاءِ بِنَائِهِ عَلَى بِنَاءِ الْمُسْلِمِ أَوْ أَبْلَغُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِشْرَاعِ فِي مَحَالِّهِمْ وَشَوَارِعِهِمْ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ فِي دَارِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي رَفْعِ الْبِنَاءِ، قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَحْثًا، وَأَفْتَى أَبُو زُرْعَةَ بِمَنْعِهِ مِنْ الْبُرُوزِ فِي الْبَحْرِ بِبِنَائِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ فِي هَوَاءِ الْمَسْجِدِ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ مَا قَرُبَ مِنْهُ كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ وَتَرَدَّدَ فِي هَوَاءِ الْمَقْبَرَةِ هَلْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِالضَّمِّ الْأَحْمَالُ، وَأَمَّا الْحُمُولُ بِالضَّمِّ بِلَا هَاءٍ فَهِيَ الْإِبِلُ الَّتِي عَلَيْهَا الْهَوْدَجُ كَانَ نِسَاءً أَوْ لَمْ يَكُنْ

(قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يُظْلِمَ الْمَوْضِعُ) هُوَ فَاعِلُ يُظْلِمَ: يُقَالُ أَظْلَمَ الْقَوْمُ إذَا دَخَلُوا فِي الظَّلَامِ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ إلَخْ) أَيْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَمَرُّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ وَأَخْرَجَ الرَّوْشَنَ وَالسَّابَاطَ ثُمَّ عَرَّضَ ذَلِكَ فَهَلْ يُكَلَّفُ رَفْعَهُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَشْرَعَ إلَى مِلْكِهِ ثُمَّ سُبُلَ مَا تَحْتَ جَنَاحِهِ شَارِعًا الْآتِي

(قَوْلُهُ: وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ) أَيْ وَبِالْعَكْسِ أَيْضًا كَمَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ

(قَوْلُهُ: لَا كُلُّ أَحَدٍ) أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَهَدَمَ عُزِّرَ فَقَطْ، وَلَا ضَمَانَ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْإِزَالَةَ، فَأَشْبَهَ الْمُهْدَرَ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ إذَا قَتَلَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: وَلِإِطْبَاقِ النَّاسِ) الْأَوْلَى: وَإِطْبَاقٌ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى مَا صَحَّحَ.

(قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ جَوَازِ ذَلِكَ) أَيْ الْإِشْرَاعِ بِلَا ضَرَرٍ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ جَازَ لَهُ الِاسْتِطْرَاقُ) قَالَ حَجّ: وَكَذَا حَفْرُ بِئْرٍ حَشَّهُ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: أَيْ فَيَمْتَنِعُ فِي دُورِهِمْ الَّتِي بَيْنَ دُورِنَا فَقَطْ اهـ.

وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ امْتِنَاعُ ذَلِكَ فِي دُورِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْحَشُّ إلَى الشَّارِعِ وَلَا تَوَلَّدَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَيْهِ فَانْظُرْ مَا وَجْهُهُ حِينَئِذٍ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا تَصَرَّفُوا فِي خَالِصِ مِلْكِهِمْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ قِيلَ بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ حَيْثُ امْتَدَّ أَسْفَلَ الْحَشِّ إلَى الشَّارِعِ أَوْ تَوَلَّدَ مِنْهُ مَا يَضُرُّ بِالشَّارِعِ لَمْ يُبْعَدْ

(قَوْلُهُ: أَوْ أَبْلَغَ) بَقِيَ مَا لَوْ بَنَاهُ الْمُسْلِمُ فِي مِلْكِهِ قَاصِدًا بِهِ أَنْ يَسْكُنَ فِيهِ الذِّمِّيُّ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَسْكُنُهُ الذِّمِّيُّ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ جَوَازُ الْبِنَاءِ وَمَنْعُ إسْكَانِ الذِّمِّيِّ فِيهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ

(قَوْلُهُ: قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ) هُوَ مُعْتَمَدٌ، وَأَفْتَى أَبُو زُرْعَةَ بِمَنْعِهِ: أَيْ الذِّمِّيِّ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ مَا يَمُرُّ تَحْتَهُ بِوَجْهٍ بَلْ وَقَضِيَّتُهُ: امْتِنَاعُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَمَرًّا لِلسُّفُنِ أَصْلًا، وَمَفْهُومُهُ جَوَازُهُ لِلْمُسْلِمِ حَيْثُ لَمْ يَضُرَّ بِالسُّفُنِ الَّتِي تَمُرُّ تَحْتَهُ، وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ الَّذِي أَخْرَجَ فِيهِ الرَّوْشَنَ سَابِقًا عَلَى النَّهْرِ فَلَا يُقَالُ صَرَّحُوا بِامْتِنَاعِ الْبِنَاءِ فِي حَرِيمِ النَّهْرِ فَكَيْفَ هَذَا مَعَ ذَاكَ

(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ) أَيْ لِأَحَدٍ لَا مُسْلِمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنْ أَمِنَ الضَّرَرَ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّارِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالشَّارِعِ لَا يَتَقَيَّدُ بِنَوْعٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الِانْتِفَاعَاتِ بَلْ لِكُلِّ أَحَدٍ الِانْتِفَاعُ بِأَرْضِهِ بِسَائِرِ وُجُوهِ الِانْتِفَاعَاتِ الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ دُونَ آخَرَ بَلْ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَغَيْرُهُمَا، فَجَازَ الِانْتِفَاعُ بِهَوَائِهِ تَبَعًا لِلتَّوَسُّعِ فِي عُمُومِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَسْجِدُ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِمَا بِنَوْعٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الِانْتِفَاعَاتِ كَالصَّلَاةِ وَلِطَائِفَةٍ مِنْ النَّاسِ كَالْمُسْلِمِينَ أَوْ مَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِمْ الْمَدْرَسَةُ كَالشَّافِعِيَّةِ مَثَلًا فَكَانَا شَبِيهَيْنِ بِالْأَمْلَاكِ، وَهِيَ لَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ فِيهَا لِغَيْرِ أَهْلِهَا إلَّا بِرِضَاهُمْ، وَالرِّضَا مِنْ أَهْلِهَا هُنَا مُتَعَذِّرٌ فَتَعَذَّرَ الْإِشْرَاعُ (قَوْلُهُ: وَأُلْحِقَ بِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ

(قَوْلُهُ: مَا قَرُبَ) أَيْ فِي الِاحْتِرَامِ

(قَوْلُهُ: كَمَدْرَسَةٍ) أَيْ وَكَحَرِيمِ الْمَسْجِدِ وَفَسْقِيَّتِه وَدِهْلِيزِهِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِلْمُرُورِ فِيهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَسْجِدٍ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُ حَجّ وَكَالْمَسْجِدِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 393

يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ فِيهِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِهَا مُسْبَلَةً أَوْ فِي مَوَاتٍ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ مَا حَرُمَ الْبِنَاءُ فِيهَا بِأَنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً أَوْ اعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ الدَّفْنَ فِيهَا يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ فِي هَوَائِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَلَوْ أَحْوَجَ الْإِشْرَاعُ إلَى وَضْعِ رُمْحِ الرَّاكِبِ عَلَى كَتِفِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى نَصْبُهُ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ عَلَى كَتِفِهِ لَيْسَ بِعَسِيرٍ، وَلَوْ أَشْرَعَ إلَى مِلْكِهِ ثُمَّ سَبَّلَ مَا تَحْتَ جَنَاحِهِ شَارِعًا وَهُوَ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ أُمِرَ بِرَفْعِهِ عَلَى مَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَا يَضُرُّ أَيْضًا ضَرَرٌ يُحْتَمَلُ عَادَةً كَعَجْنِ طِينٍ إذَا بَقِيَ مِقْدَارُ الْمُرُورِ لِلنَّاسِ، وَإِلْقَاءُ الْحِجَارَةِ فِيهِ لِلْعِمَارَةِ إذَا تُرِكَتْ بِقَدْرِ مُدَّةِ نَقْلِهَا، وَرَبْطُ الدَّوَابِّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعُ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَلَّافِينَ مِنْ رَبْطِ الدَّوَابِّ فِي الشَّوَارِعِ لِلْكِرَاءِ فَلَا يَجُوزُ، وَعَلَى

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فِيمَا ذَكَرَ كُلُّ مَوْقُوفٍ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَرِبَاطٍ وَبِئْرٍ، أَمَّا مَا وُقِفَ عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ لَكِنْ يَتَجَدَّدُ الْمَنْعُ لِمَنْ اسْتَحَقَّ بَعْدَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ لِمَنْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الرُّجُوعَ مِنْ غَيْرِ أَرْشِ نَقْصٍ، وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ أَذِنُوا ثُمَّ رَجَعُوا وَطَلَبُوا الْهَدْمَ حَيْثُ غَرِمُوا أَرْشَ النَّقْصِ أَنَّهُمْ بِالْإِذْنِ وَرَّطُوهُ، فَإِذَا رَجَعُوا ضَمِنُوا مَا فَوَّتُوهُ عَلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْبَطْنُ الثَّانِي فَإِنَّهُمْ لَمْ يَأْذَنُوا وَإِذْنُ مَنْ قَبْلَهُمْ لَمْ يَسْرِ عَلَيْهِمْ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ مَجَّانًا إنْ كَانَ الِانْتِفَاعُ بِرُءُوسِ الْجُدْرَانِ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يَكُونُ الِانْتِفَاعُ فِيهِ بِمَحْضِ هَوَاءِ الشَّارِعِ لِكَوْنِهِ وُضِعَ بِحَقٍّ فَيَتَعَيَّنُ تَبْقِيَتُهُ بِالْأُجْرَةِ، وَلَا يَجُوزُ قَلْعُهُ وَغَرَامَةُ الْأَرْشِ إنْ كَانَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ

(قَوْلُهُ: فِي هَوَائِهَا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَيَمْتَنِعُ مُطْلَقًا

(قَوْلُهُ: لَيْسَ بِعَسِيرٍ) بَقِيَ مَا لَوْ أَشْرَعَ إلَى مِلْكِ جَارِهِ بِإِذْنِهِ ثُمَّ وَقَفَ الْجَارُ دَارِهِ أَوْ أَشْرَعَهُ إلَى مِلْكِهِ ثُمَّ وَقَفَهُ مَسْجِدًا هَلْ يَبْقَى أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ بِوَقْفِهِ مَسْجِدًا صَارَ لَهُ حُرْمَةٌ وَشَرَفٌ فَكَيْفَ رَفْعُهُ عَنْ هَوَاءِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ كَمَا يَمْتَنِعُ إشْرَاعُهُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ لَهُ دَارًا، ثُمَّ قَالَ: وَقَفْت الْأَرْضَ دُونَ الْبِنَاءِ مَسْجِدًا، فَيُكَلَّفُ إزَالَةَ الْبِنَاءِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ فَتَقْيِيدُهُ بِالضَّرَرِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّارِعِ.

وَبَقِيَ مَا لَوْ وَقَفَ الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ فَهَلْ يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ إلَى الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ

(قَوْلُهُ: مَا تَحْتَ جَنَاحِهِ) أَيْ فَلَوْ وَقَفَ الْجَنَاحَ أَيْضًا عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ تَعَلَّقَ النَّظَرُ فِيهِ بِالْإِمَامِ فَيَفْعَلُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ

(قَوْلُهُ: أَمَرَ بِرَفْعِهِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ

(قَوْلُهُ: عَلَى مَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ) قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الْجَنَاحَ إلَى شَارِعٍ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ الْأَرْضُ تَحْتَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَفْعُهُ حَيْثُ صَارَ مُضِرًّا بِهِمْ أَوْ حَفَرَ الْأَرْضَ بِحَيْثُ يَنْتَفِي الضَّرَرُ الْحَاصِلُ بِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْجِنَايَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ جِدَارُهُ مُسْتَقِيمًا ثُمَّ مَالَ فَإِنَّهُ يُطَالِبُ بِهَدْمِهِ أَوْ إصْلَاحِهِ مَعَ أَنَّهُ وَضَعَهُ فِي الْأَصْلِ بِحَقٍّ، وَلَا تُشْكِلُ مُطَالَبَتُهُ بِهَدْمِهِ بِأَنَّهُ لَوْ انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ فَأَتْلَفَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُهُ مُعَلِّلِينَ لَهُ بِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ.

؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمُتَوَقَّعِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ ثُمَّ صَارَ كَذَلِكَ كُلِّفَ رَفْعَهُ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالشَّارِعِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ

(قَوْلُهُ: وَإِلْقَاءُ الْحِجَارَةِ) أَيْ حَيْثُ أَبْقَى لِلْمَارَّةِ قَدْرَ الْمُرُورِ أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ

(قَوْلُهُ: وَالرُّكُوبُ) أَيْ وَمَعَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: إذَا تُرِكَتْ بِقَدْرِ مُدَّةِ نَقْلِهَا) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ نَقْلُهَا بِالتَّدْرِيجِ لِلْعِمَارَةِ، أَوْ نَقْلُهَا لِمَحَلٍّ آخَرَ، ثُمَّ ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ لَهُ وَضْعَ الْحِجَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْمُرُورِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ مُدَّتَهُ لَا تَطُولُ، وَيُمْكِنُ الْمَشْيُ مِنْ فَوْقِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ عِبَارَةَ الْعُبَابِ وَنَصَّهَا: وَلَا أَثَرَ لِضَرَرٍ مُعْتَادٍ كَعَجْنِ طِينٍ وَإِلْقَاءِ حِجَارَةٍ فِي الشَّارِعِ لِلْعِمَارَةِ إنْ لَمْ يُعَطِّلْ الْمُرُورَ انْتَهَتْ. قَالَ فِي تَصْحِيحِهِ: قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُعَطِّلْ الْمُرُورَ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَضُرَّ ضَرَرًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً اهـ. أَيْ بِأَنْ يَبْقَى فِي مَسْأَلَةِ الطِّينِ طَرِيقًا لَا يَضُرُّ الْمُرُورُ فِيهَا ضَرَرًا لَا يُحْتَمَلُ، وَبِأَنْ لَا تَكْثُرَ الْحِجَارَةُ بِحَيْثُ يَشُقُّ الْمُرُورُ مِنْ فَوْقِهَا مَثَلًا فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ حَاجَةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ) قَدْ يَخْرُجُ رَبْطُ الدَّوَابِّ لِيَقْضِيَ نَحْوَ حَاجَةٍ وَيَعُودَ وَرَبْطِ حِمَارِ

ص: 394

وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَزِيدِ الضَّرَرِ وَالرَّشِّ الْخَفِيفِ، بِخِلَافِ إلْقَاءِ الْقُمَامَاتِ وَالتُّرَابِ وَالْحِجَارَةِ وَالْحُفَر الَّتِي بِوَجْهِ الْأَرْضِ وَالرَّشِّ الْمُفْرِطِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي دَقَائِقِهِ، وَمِثْلُهُ إرْسَالُ الْمَاءِ مِنْ الْمَيَازِيبِ إلَى الطُّرُقِ الضَّيِّقَةِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَذَا إلْقَاءُ النَّجَاسَةِ فِيهِ بَلْ هُوَ كَالتَّخَلِّي فِيهِ فَيَكُونُ صَغِيرَةً اهـ.

وَكَوْنُهُ صَغِيرَةً ضَعِيفٌ كَمَا مَرَّ فَعَلَيْهِ إنْ كَثُرَتْ كَانَتْ كَالْقُمَامَاتِ وَإِلَّا فَلَا.

وَأَفْتَى الْقَاضِي بِكَرَاهَةِ ضَرْبِ اللَّبِنِ وَبَيْعِهِ مِنْ تُرَابِهِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِ الْعَبَّادِيِّ يَحْرُمُ أَخْذُ تُرَابِ سُوَرِ الْبَلَدِ يَقْتَضِي حُرْمَةَ أَخْذِ تُرَابِ الشَّارِعِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ أَخْذِ تُرَابِ السُّوَرِ أَنَّهُ يَضُرُّ فَحُرِّمَ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ تُرَابِ الشَّارِعِ فَفُصِّلَ فِيهِ بَيْنَ الْمُضِرِّ وَغَيْرِهِ.

وَلَوْ انْهَدَمَ جَنَاحُهُ فَسَبَقَهُ جَارُهُ إلَى بِنَاءِ جَنَاحٍ بِمُحَاذَاتِهِ جَازَ وَإِنْ تَعَذَّرَ مَعَهُ إعَادَةُ الْأَوَّلِ أَوْ لَمْ يَعْرِضْ صَاحِبُهُ، كَمَا لَوْ انْتَقَلَ الْوَاقِفُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

جَوَازِ ذَلِكَ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالشَّارِعِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَصِيرِ وَغَيْرِهِ

(قَوْلُهُ: وَالرَّشُّ) أَيْ وَلَا يَضُرُّ الرَّشُّ إلَخْ، وَيَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ كَعَجْنِ طِينٍ إلَخْ

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إلْقَاءِ الْقُمَامَاتِ) أَيْ وَإِنْ قَلَّتْ

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ) أَيْ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِإِضْرَارِ الْمَارَّةِ

(قَوْلُهُ: مِنْ الْمَيَازِيبِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الزَّمَنُ شِتَاءً أَوْ صَيْفًا

(قَوْلُهُ: وَكَذَا إلْقَاءُ النَّجَاسَةِ فِيهِ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ قَلَّتْ، وَلَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ الْآتِي: إنْ كَثُرَتْ كَانَتْ كَالْقُمَامَاتِ خِلَافَهُ، هَذَا وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّجَاسَةِ وَالتَّخَلِّي بِأَنَّ التَّخَلِّيَ لَمَّا كَانَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ قِيلَ فِيهِ بِالْكَرَاهَةِ فَقَطْ، بِخِلَافِ إلْقَاءِ النَّجَاسَةِ وَالتُّرَابِ فَإِنَّهُ يَسْهُلُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ

(قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ صَغِيرَةً ضَعِيفٌ) أَيْ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ فَقَطْ

(قَوْلُهُ: وَأَفْتَى الْقَاضِي بِكَرَاهَةِ ضَرْبِ اللَّبِنِ إلَخْ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: سُئِلَ م ر عَنْ طِينِ الْبِرَكِ فَقَالَ: يَنْبَغِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ، وَهِيَ إمَّا مَمْلُوكَةٌ فَيَمْتَنِعُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ، أَوْ مَوْقُوفَةٌ فَيَمْتَنِعُ؛ إذْ لَا مَصْلَحَةَ؛ فَسُئِلَ عَنْ طِينِ الْخَلِيجِ فَقَالَ: يَنْبَغِي الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ اهـ.

وَيَظْهَرُ أَنَّهُ حَيْثُ تَعَلَّقَ غَرَضُ أَصْحَابِ الْبِرَكِ بِإِزَالَةِ طِينِهَا جَازَ كَمَا لَوْ رَدَمَهَا الطِّينُ.

وَسُئِلَ عَنْ الْإِخْصَاصِ وَالْبِنَاءِ فِي حَرِيمِ النَّهْرِ لِوَضْعِ نَحْوِ الْفَخَّارِ وَالْحَبِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ هَلْ يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهَا الْأُجْرَةُ؟ يَظْهَرُ وَوَافَقَ عَلَيْهِ م ر لُزُومَ الْأُجْرَةِ وَأَنَّهَا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي نَحْوِ عَرَفَةَ اهـ.

وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ حَيْثُ قِيلَ بِامْتِنَاعِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ مِنْهُمْ لِأَرْبَابِ بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى بُولِغَ فِي ذَمِّ آخِذِ الْأُجْرَةِ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ بِأَيِّ وَجْهٍ يَلْقَى اللَّهَ مَعَ أَخْذِهِ لِلْأُجْرَةِ مِنْهُمْ بِأَنَّ مَقَاعِدَ الْأَسْوَاقِ لَوْ فُرِضَ احْتِيَاجُ النَّاسِ لَهُمْ فِي أَيِّ وَقْتِ مَنَعُوا الْجَالِسِينَ بِالْمَقَاعِدِ مِنْهَا فَكَانَ مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ فِي أَيْدِي الْجَالِسِينَ لَمْ تَزَلْ عَنْهُمْ، بِخِلَافِ الْبَانِي فِي حَرِيمِ النَّهْرِ فَإِنَّهُ مُسْتَوْلٍ عَلَى مَحَلِّ الِانْتِفَاعِ الْمَبْنِيِّ فِيهِ آمِنٌ مِنْ نَقْضِ أَحَدٍ عَلَيْهِ مُدَّةَ غَيْبَةِ الْبَحْرِ

(قَوْلُهُ: فَفَصَّلَ فِيهِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ انْهَدَمَ جَنَاحُهُ) أَيْ وَلَوْ بِهَدْمِ جَارِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ فِي الشَّارِعِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ نَعَمْ لَوْ بَنَى دَارًا بِمَوَاتٍ إلَخْ.

[فَائِدَةٌ] نَقَلَ الْغَزِّيِّ عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَنَاحِ الْمُخْرَجِ قَدْرٌ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمِيزَابِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ نِصْفَ السِّكَّةِ، وَجَّهَهُ الْغَزِّيِّ بِأَنَّ الْجَنَاحَ قَدْ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَبِفَرْضِهِ هُوَ نَادِرٌ، بِخِلَافِ الْمِيزَابِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَجَاوِرَيْنِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِخْرَاجِ الْمَاءِ، فَمُجَاوَزَةُ أَحَدِ الْجَارَيْنِ بِمِيزَابِهِ لِنِصْفِ السِّكَّةِ مُبْطِلٌ لِحَقِّ الْآخَرِ، وَنَظَرَ فِيهِ حَجّ وَقَالَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

السِّقَاءِ وَنَحْوِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْحَوَائِجُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ كَنَقْلِ الْأَمْتِعَةِ عَنْ الدَّابَّةِ، أَوْ نَقْلِهَا لِوَضْعِهَا عَلَيْهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الرَّبْطِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: إرْسَالُ الْمَاءِ) أَيْ مَاءِ الْغُسَالَاتِ وَنَحْوِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ صَغِيرَةً) يَعْنِي التَّخَلِّيَ. (قَوْلُهُ: تُرَابِ سُورِ الْبَلَدِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ التُّرَابُ الَّذِي يُوضَعُ فِي السُّورِ كَاَلَّذِي يُوضَعُ بَيْنَ السُّورَيْنِ لِشِدَّةِ الْمَنَعَةِ، أَوْ أَنَّ التُّرَابَ كَوْمٌ وَجُعِلَ سُوَرًا كَمَا فِي بِلَادِ الْأَرْيَافِ فَلْيُرَاجَعْ

ص: 395

أَوْ الْقَاعِدُ فِي الشَّارِعِ لَا لِلْمُعَامَلَةِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمُجَرَّدِ انْتِقَالِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْإِعْرَاضُ فِي الْجَالِسِ فِيهِ لِلْمُعَامَلَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدُومُ، بَلْ الِانْتِقَالُ عَنْهَا ثُمَّ الْعَوْدُ إلَيْهَا ضَرُورِيٌّ، فَاعْتُبِرَ الْإِعْرَاضُ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَاعْتُبِرَ الِانْهِدَامُ، وَأَيْضًا فَالِارْتِفَاقُ بِالْقُعُودِ لِلْمُعَامَلَةِ اخْتِصَاصٌ بِالْأَرْضِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُمْلَكَ بِالْإِحْيَاءِ قَصْدًا فَقَوِيَ الْحَقُّ فِيهَا فَثَبَتَ اسْتِحْقَاقُهُ مَا دَامَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ، وَالِاخْتِصَاصُ بِالْهَوَاءِ اخْتِصَاصٌ بِمَا لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ إلَّا تَبَعًا، وَلَا شَيْءَ يَقْتَضِي التَّبَعِيَّةَ فَضَعُفَ الْحَقُّ فِيهِ فَلِذَلِكَ زَالَ بِزَوَالِهِ، فَانْدَفَعَ مَا لِلْإِسْنَوِيِّ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ هُنَا.

نَعَمْ لَوْ بَنَى دَارًا بِمَوَاتٍ وَأَخْرَجَ لَهَا جَنَاحًا، ثُمَّ بَنَى آخَرُ دَارًا تُحَاذِيهِ وَاسْتَمَرَّ الشَّارِعُ لَمْ يَزُلْ حَقُّ الْأَوَّلِ بِانْهِدَامِ جَنَاحِهِ لِسَبْقِ حَقِّهِ بِالْإِحْيَاءِ، وَلَهُ إخْرَاجُ جَنَاحٍ تَحْتَ جَنَاحِ جَارِهِ وَفَوْقَهُ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارِّ عَلَيْهِ وَمُقَابِلِهِ مَا لَمْ يَبْطُلْ انْتِفَاعُهُ بِهِ.

وَالطَّرِيقُ مَا جُعِلَ عِنْدَ إحْيَاءِ الْبَلَدِ أَوْ قَبْلَهُ طَرِيقًا أَوْ وَقَفَهُ الْمَالِكُ وَلَا يَحْتَاجُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ إلَى لَفْظٍ، وَبُنَيَّاتُ الطَّرِيقِ الَّتِي تَعْرِفُهَا الْخَوَاصُّ وَيَسْلُكُونَهَا لَا تَصِيرُ طَرِيقًا بِذَلِكَ وَيَجُوزُ إحْيَاؤُهَا كَمَا رَجَّحَهُ الْقَمُولِيُّ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْمَوَاتِ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ، وَحَيْثُ وُجِدَ طَرِيقًا عُمِلَ فِيهِ بِالظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَصْلِهِ، وَتَقْدِيرُ الطَّرِيقِ إلَى خِيرَةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْلُبَهُ مِنْ مِلْكِهِ، وَالْأَفْضَلُ تَوْسِيعُهُ وَعِنْدَ الْإِحْيَاءِ إلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُحْيُونَ، فَإِنْ تَنَازَعُوا جُعِلَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ لِخَبَرِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فَالْوَجْهُ جَوَازُ إخْرَاجِهِ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ لِمَالِ الْجَارِ سَوَاءٌ أَجَاوَزَ النِّصْفَ أَمْ لَا انْتَهَى.

وَمَثَّلَ سم فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ الضَّرَرَ بِأَنْ يُصِيبَ مَاؤُهُ جِدَارَ الْغَيْرِ بِحَيْثُ يُعِيبَهُ أَوْ يُتْلِفَهُ انْتَهَى

(قَوْلُهُ: لَا لِلْمُعَامَلَةِ) تَنَازَعَهُ الْوَاقِفُ وَالْقَاعِدُ.

وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ أَوْ قَعَدَ فِي الشَّارِعِ لِغَيْرِ الْمُعَامَلَةِ ثُمَّ انْتَقَلَ بَطَلَ حَقُّهُ بِخِلَافِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلْمُعَامَلَةِ

(قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ بَنَى دَارًا) شَمَلَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ أَهْلِ الشَّوَارِعِ الْمَوْجُودَةِ الْآنَ جَنَاحًا ثُمَّ انْهَدَمَ فَلِمُقَابِلِهِ إخْرَاجُ جَنَاحٍ إلَى الشَّارِعِ وَإِنْ مَنَعَ الْأَوَّلَ مِنْ إعَادَةِ جَنَاحِهِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ سَبْقَ إحْيَاءِ الْأَوَّلِ بَلْ يَجُوزُ أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ السَّابِقُ بِالْإِحْيَاءِ أَوْ أَنَّهُمَا أَحْيَيَا مَعًا

(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارِّ) أَيْ الْمُجَاوِزِ لَهُ بِأَنْ مَرَّ تَحْتَ الْجَنَاحِ الْأَسْفَلِ فَإِنَّهُ الَّذِي يَتَأَتَّى الضَّرَرُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْرَجَ فَوْقَ الْجَنَاحِ الْأَسْفَلِ فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إضْرَارُ الْمَارِّ تَحْتَهُ: نَعَمْ لَوْ زَادَ فِي عَرْضِهِ عَلَى الْجَنَاحِ الْأَسْفَلِ أَمْكَنَ الْإِضْرَارُ بِهِ لِحُصُولِ ظُلْمَةٍ بِسَبَبِهِ لَمْ تَكُنْ حَاصِلَةً بِالْأَسْفَلِ

(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَبْطُلْ انْتِفَاعُهُ) قَيْدٌ فِي الثَّلَاثَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ حَجّ.

وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ضَرَرٌ لَا يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ عَادَةً

(قَوْلُهُ: وَمُقَابِلِهِ مَا لَمْ يَبْطُلْ) قَيْدٌ فِي الثَّلَاثَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَجّ، وَقَوْلُهُ انْتِفَاعُهُ بِهِ: أَيْ أَوْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً، وَانْظُرْ صُورَةَ مَنْعِ الِانْتِفَاعِ بِهِ أَوْ إدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى جَارِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَمُدَّ الْجَنَاحَ حَتَّى يَلْتَصِقَ بِجَنَاحِ جَارِهِ وَأَيُّ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: مَا جُعِلَ عِنْدَ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ تُرِكَ عَلَى هَيْئَةِ الطَّرِيقِ أَوْ اعْتَادَ النَّاسُ الْمُرُورَ فِيهِ قَبْلَ الْإِحْيَاءِ

(قَوْلُهُ: وَبِنَيَاتُ الطَّرِيقِ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ حَجّ: أَيْ وَبِضَمِّهَا وَفَتْحِ النُّونِ وَبِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ الْمُثَنَّاةِ

(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ) الْأَوْلَى التَّفْرِيعُ

(قَوْلُهُ: وَحَيْثُ وَجَدَ) أَيْ الْمَارُّ

(قَوْلُهُ: عَمِلَ فِيهِ بِالظَّاهِرِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ شَارِعًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَنَّهُ كَانَ مَوَاتًا أَوْ مِلْكًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَمِنْ الظَّاهِرِ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَلَا يَهْدِمُ مَا جَاوَرَهُ مِنْ الْبِنَاءِ، وَمِثْلُهُ الشَّوَارِعُ الْمَوْجُودَةُ بِمِصْرِنَا فَلَا تَغَيُّرُ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَضَرَّرَ بِذَلِكَ الْمَارَّةُ لِضِيقِهَا لِجَوَازِ أَنَّهَا اُتُّخِذَتْ مَمَرًّا بَعْدَ الْبِنَاءِ

(قَوْلُهُ: أَنْ يُسْبِلَهُ) أَيْ وَإِنْ قَلَّ حَيْثُ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَلَوْ بِمَشَقَّةٍ فِي الْمُرُورِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَصْلًا بِأَنْ قَلَّ جِدًّا لَغَا التَّسْبِيلُ وَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ

(قَوْلُهُ: إلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُحْيُونَ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّ

(قَوْلُهُ: جُعِلَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: إلَّا تَبَعًا) أَيْ كَهَوَاءٍ مَلَكَهُ إلَى السَّمَاءِ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارِّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى جَنَاحِ جَارِهِ..

ص: 396

الصَّحِيحَيْنِ بِذَلِكَ وَاعْتَرَضَهُ جَمْعٌ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ اعْتِبَارُ قَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ وَلَا يُغَيَّرُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ، وَلَوْ زَادَ عَلَى السَّبْعَةِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ، وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا حَوْلَهُ مِنْ الْمَوَاتِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ (وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِ الْجَنَاحِ) أَوْ نَحْوِهِ مِنْ سَابَاطٍ بِعِوَضٍ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامَ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا يُفْرَدُ بِعَقْدٍ، وَإِنَّمَا يُتَّبَعُ الْقَرَارُ كَالْحَمْلِ مَعَ الْأُمِّ، وَلِأَنَّهُ إنْ ضَرَّ امْتَنَعَ فِعْلُهُ وَإِلَّا اسْتَحَقَّهُ مُخْرِجُهُ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ الْإِنْسَانُ فِي الطَّرِيقِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهُ كَالْمُرُورِ. .

(وَ) يَحْرُمُ (أَنْ يَبْنِيَ فِي الطَّرِيقِ دَكَّةً) بِفَتْحِ الدَّالِ: أَيْ مَسْطَبَةً أَوْ غَيْرَهَا (أَوْ يَغْرِسَ فِيهِ شَجَرَةً) وَإِنْ اتَّسَعَ وَأَذِنَ الْإِمَامُ وَانْتَفَى الضَّرَرُ لِمَنْعِهَا الطُّرُوقَ فِيهِ وَقَدْ تَزْدَحِمُ الْمَارَّةُ فِيهِ فَيَصْطَكُّونَ إلَيْهَا، وَلِأَنَّهُ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ أَشْبَهَ مَوْضِعُهُمَا الْأَمْلَاكَ وَانْقَطَعَ أَثَرُ اسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ بِخِلَافِ الْأَجْنِحَةِ وَنَحْوِهَا، وَفَارَقَ حِلَّ الْغَرْسِ بِالْمَسْجِدِ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِأَنَّهُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ؛ إذْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ أَكْلِ ثَمَرِهِ، فَإِنْ غُرِسَ لَيُصْرَفَ رِيعُهُ لِلْمَسْجِدِ فَالْمَصْلَحَةُ عَامَّةٌ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ مِثْلِ ذَلِكَ هُنَا حَيْثُ لَا ضَرَرَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: تَوَقُّعُ الضَّرَرِ فِي الشَّارِعِ أَكْثَرُ فَامْتَنَعَ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي جَوَازُ فَتْحِ الْبَابِ إلَى دَرْبٍ مُنْسَدٍّ إذَا سَمَّرَهُ كَمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَمَّ لِخَاصٍّ، وَالْخَاصُّ قَائِمٌ عَلَى مِلْكِهِ وَحَافِظٌ لَهُ، بِخِلَافِ الشَّارِعِ فَانْقِطَاعُ الْحَقِّ فِيهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ وُجُوبًا

(قَوْلُهُ: وَلَا يُغَيَّرُ) أَيْ الطَّرِيقُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَ عَلَى السَّبْعَةِ) غَايَةٌ لِقَوْلِهِ: اعْتِبَارُ قَدْرِ الْحَاجَةِ.

وَالْمُرَادُ أَنَّ قَدْرَ الْحَاجَةِ إذَا زَادَ عَلَى السَّبْعَةِ لَا يُغَيَّرُ.

(قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ أَنْ يَبْنِيَ) يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ عَطْفٌ عَلَى الصُّلْحِ لَا عَلَى مَعْمُولِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ حُرْمَةَ الْبِنَاءِ عُمَيْرَةُ

(قَوْلُهُ: دَكَّةً) وَمِنْ ذَلِكَ الْمَسَاطِبُ الَّتِي تُفْعَلُ فِي اتِّجَاهِ الصَّهَارِيخِ فِي شَوَارِعِ مِصْرِنَا فَتَنَبَّهْ لَهُ.

قَالَ حَجّ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمِثْلُهَا مَا يُجْعَلُ بِالْجِدَارِ الْمُسَمَّى بِالْكَبْشِ إلَّا إنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ لِخَلَلِ بِنَائِهِ وَلَمْ يَضُرَّ الْمَارَّةَ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ اهـ.

أَقُولُ: هَذَا يَتَعَيَّنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا يُسَمَّى الْآنَ دِعَامَةً وَيَكُونُ مُتَّصِلًا بِالْجِدَارِ مِنْ أَسْفَلِهِ مَثَلًا، وَحَمْلُهُ عَلَى الْكَبْشِ الْمَعْرُوفِ الْآنَ بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادًا لَهُ لَمْ يَلْحَقْهُ بِالدَّكَّةِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ لِوُجُودِ إخْرَاجِهِ وُجُودُ خَلَلٍ بِبِنَاءِ الْمَخْرَجِ إذْ هُوَ حِينَئِذٍ مِنْ أَفْرَادِ الْجَنَاحِ.

قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: فَرْعٌ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمِيزَابَ يَلْحَقُ بِالْبَابِ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَنْتَفِعُ بِالْقَرَارِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: أَوْ يَغْرِسَ فِيهِ شَجَرَةً) ع بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ مَنْعَ الذِّمِّيِّ مِنْ الْغَرْسِ فِي الشَّارِعِ قَطْعًا وَلَا يُجْرِي فِيهِ خِلَافَ الْمُسْلِمِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ

(قَوْلُهُ: فَيَصْطَكُّونَ) أَيْ يَلْتَجِئُونَ إلَيْهَا

(قَوْلُهُ: وَفَارَقَ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ حُرْمَةِ بِنَاءِ الدَّكَّةِ وَالْغَرْسِ فِي الطَّرِيقِ، وَظَاهِرُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا ذَكَرَ وَالْغَرْسِ فِي الْمَسْجِدِ امْتِنَاعُ الدَّكَّةِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ قُصِدَ بِهَا عُمُومُ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ بِأَنْ يَقْصِدُوا بِهِ ابْتِدَاءً أَوْ يُطْلَقُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمْ، فَلَوْ قَصَدَ نَفْسَهُ بِالْغَرْسِ كَانَ مُتَعَدِّيًا فَيُقْلَعُ مَجَّانًا وَتَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ مُدَّةَ الْغَرْسِ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ كَمَا لَوْ وَضَعَ فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ وَضْعُهُ فِيهِ، وَكَالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ فِي تَوَابِعِهِ كَفَسْقِيَّتِه وَحَرِيمِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ عَلِمَ مَا ذَكَرَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَأَنْ وَجَدْنَا شَجَرًا فِيهِ وَلَمْ نَعْرِفْ مَا قَصَدَهُ بِهِ وَاضِعُهُ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فَيَنْتَفِعُونَ بِثَمَرِهِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِقَطْعِهِ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ مِنْ ثِمَارِهِ الَّتِي تَبْقَى بَعْدَ أَكْلِ النَّاسِ تَكُونُ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ

(قَوْلُهُ: فَالْمَصْلَحَةُ عَامَّةٌ) أَيْ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَامًّا أَوْ لِبَعْضِهِمْ إنْ كَانَ خَاصًّا بِطَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَالشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ: جَوَازُ مِثْلِ ذَلِكَ) أَيْ غَرْسِهَا لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ

(قَوْلُهُ: فَامْتَنَعَ) أَيْ الْغَرْسُ فِي الشَّارِعِ

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ اتَّسَعَ أَوَّلًا وَظَاهِرُهُ امْتِنَاعُ ذَلِكَ وَإِنْ حَصَلَ بِفِعْلِ ذَلِكَ انْتِفَاعٌ لِلْمَارَّةِ كَاسْتِظْلَالِهِمْ بِهِ

(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ) مُعْتَمَدٌ

(قَوْلُهُ: وَلَا يُشْكِلُ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي) هُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ إلَخْ

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الشَّارِعِ) وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ جَوَازُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا، وَهُوَ أَنَّ إنْسَانًا اسْتَأْجَرَ جُمْلَةً مِنْ الدَّكَاكِينِ مُدَّةً طَوِيلَةً بِجِوَارِ الشَّارِعِ ثُمَّ هَدَمَهَا وَأَعَادَ بِنَاءَهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ وَتَرَكَ قِطْعَةً مِنْ الْأَرْضِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 397

عِنْدَ طُولِ الْمُدَّةِ أَقْرَبُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَوْ صَرِيحَهُ: مَنْعُ أَحْدَاثِ الدَّكَّةِ وَإِنْ كَانَ بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنْ بَحَثَ السُّبْكِيُّ جَوَازَهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ وَقَالَ؛ لِأَنَّهُ فِي حَرِيمِ مِلْكِهِ وَلِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ فَقَدْ رَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَيُؤَدَّى إلَى تَمَلُّكِ الطُّرُقِ الْمُبَاحَةِ، وَبِأَنَّ الْبَنْدَنِيجِيَّ صَرَّحَ بِمَنْعِ بِنَاءِ الدَّكَّةِ عَلَى بَابِ الدَّارِ وَبِأَنَّ الْبُقْعَةَ الْمُنْحَرِفَةَ عَنْ سُنَنِ الطَّرِيقِ قَدْ تَفْزَعُ إلَيْهَا الْمَارَّةُ فَتَضِيقُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي نَحْوِ الدَّكَّةِ نَقْلُ الْمُصَنِّفِ كَالرَّافِعِيِّ فِي الْجِنَايَاتِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ لِلْإِمَامِ مَدْخَلًا فِي إقْطَاعِ الشَّوَارِعِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُقْطَعِ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ وَيَتَمَلَّكَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِمَادِهِ، وَإِلَّا فَكَلَامُهُمَا هُنَا مُصَرِّحٌ بِخِلَافِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا زَادَ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْمَوْضِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِلطُّرُوقِ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّعُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ بِوَجْهٍ وَلَوْ عَلَى النُّدُورِ فَحِينَئِذٍ لِلْإِمَامِ الْإِقْطَاعُ وَلِلْمُقْطَعِ بِنَاءُ مَا أَرَادَ (وَقِيلَ إنْ لَمْ يَضُرَّ) ذَلِكَ الْمَارَّ (جَازَ) كَإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ. .

(وَ) الطَّرِيقُ (غَيْرُ النَّافِذِ يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ) إلَيْهِ بِجَنَاحٍ أَوْ نَحْوِهِ (لِغَيْرِ أَهْلِهِ) بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ فَأَشْبَهَ الْإِشْرَاعَ إلَى الدُّورِ (وَكَذَا) يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ (لِبَعْضِ أَهْلِهِ فِي الْأَصَحِّ) كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ تَضَرَّرُوا بِذَلِكَ أَمْ لَا (إلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ) فَيَجُوزُ وَإِنْ أَضَرَّ وَأَجْمَلَ أَهْلُهُ هُنَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ إلَّا مَنْ بَابُهُ بَعْدَهُ أَوْ مُقَابِلُهُ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالثَّانِي يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ إنْ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجُوزُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لِيَتَّسِعَ بِهَا الشَّارِعُ فَهَلْ يَحْرُمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ مَقْصِدَ الْوَاقِفِ بِوَقْفِهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ طُولِ الْمُدَّةِ يَظُنُّ كَوْنُهُ مِنْ الشَّارِعِ؟ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ أَرْبَابَ الْوَقْفِ كَالْمَالِكِينَ لِلدَّرْبِ فَهُمْ قَائِمُونَ عَلَى حُقُوقِهِمْ وَيَتَمَكَّنُونَ مِنْ إعَادَتِهِ كَمَا كَانَ بِتَقْدِيرِ تَغْيِيرِهِمْ لِهَيْئَةِ الْبِنَاءِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ

(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ

(قَوْلُهُ: مَنْعُ إحْدَاثِ الدَّكَّةِ) أَيْ أَمَّا لَوْ وُجِدَ لِبَعْضِ الدُّورِ مَسَاطِبُ مَبْنِيَّةٌ بِفِنَائِهَا أَوْ سُلَّمٌ بِالشَّارِعِ يُصْعَدُ مِنْهُ إلَيْهَا وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ حَدَثَ السُّلَّمُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّارِعِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُغَيَّرُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وُضِعَ فِي الْأَصْلِ بِحَقٍّ وَأَنَّ الشَّارِعَ حَدَثَ بَعْدَهُ، وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْهُ صَاحِبُهُ بِأَنْ تَرَكَ الصُّعُودَ مِنْ السُّلَّمِ وَهَدَمَهُ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ بِذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ جَعَلَ الدَّكَّةَ لِلصَّلَاةِ مَثَلًا وَلَا ضَرَرَ فِيهَا بِوَجْهٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ الْجَوَازَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ

(قَوْلُهُ: وَيَتَمَلَّكُهُ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِمَامَ أَقْطَعَهُ لِلتَّمَلُّكِ لَا لِلْإِرْفَاقِ، وَعِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَا يَجُوزُ لِوُكَلَاءِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الشَّوَارِعِ وَإِنْ اتَّسَعَتْ وَفَضَلَتْ عَنْ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ هَلْ أَصْلُهُ وَقْفٌ أَوْ مَوَاتٌ أُحْيِيَ، فَلْيُحْذَرْ ذَلِكَ وَإِنْ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَكَلَامُهُمَا هُنَا مُصَرِّحٌ بِخِلَافِهِ) أَيْ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ مُطْلَقًا اتَّسَعَ أَوْ لَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ اعْتِمَادُهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ مَحْمُولًا عَلَى مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ إنَّ سُلِّمَ أَنَّهُ مُعْتَمَدٌ وَهُوَ يُشْعِرُ بِتَمْوِيهٍ مِنْهُ

(قَوْلُهُ: بِمَا مَرَّ) مِنْ قَوْلِهِ لِمَنْعِهَا الطُّرُوقَ إلَخْ. .

(قَوْلُهُ: إلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ) أَيْ فَلَوْ وُجِدَ فِي دَرْبٍ مُنْسَدٍّ أَجْنِحَةٌ أَوْ نَحْوُهَا قَدِيمَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ كَيْفِيَّةَ وَضْعِهَا حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ فَلَا يَجُوزُ هَدْمُهَا وَلَا التَّعَرُّضُ لِأَهْلِهَا، وَلَوْ انْهَدَمَتْ وَأَرَادَ إعَادَتَهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِمْ لِانْتِهَاءِ الْحَقِّ الْأَوَّلِ بِانْهِدَامِهَا، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ إعَادَتَهَا بِآلَةٍ جَدِيدَةٍ لَا بِآلَتِهَا الْقَدِيمَةِ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ أُذِنَ لَهُ فِي غَرْسِ شَجَرَةٍ فِي مِلْكِهِ فَانْقَلَعَتْ فَإِنَّ لَهُ إعَادَتَهَا إنْ كَانَتْ حَيَّةً وَلَيْسَ لَهُ غَرْسُ بَدَلِهَا، وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ لِلْإِعَادَةِ وَلَوْ بِآلَتِهِ الْقَدِيمَةِ لِسُقُوطِ حَقِّهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَقَاءِ الشَّجَرَةِ حَيَّةً؛ لِأَنَّ بَقَاءَهَا حَيَّةً تَسْتَدْعِي إعَادَتَهَا كَمُفَارَقَةِ مَقَاعِدِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ) تَعْلِيلٌ لِلْمَتْنِ

ص: 398

لَهُ الِانْتِفَاعُ بِقَرَارِهِ فَيَجُوزُ بِهَوَائِهِ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِهِ بِمَالٍ لِمَا مَرَّ وَيُعْتَبَرُ إذْنٌ لِمُكْتَرِي إنْ تَضَرَّرَ بِهِ، وَبِهِ أَفْتَى الْبَغَوِيّ، وَيُقَاسُ بِهِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ وَصَّى بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِذَلِكَ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى قَلْعِهِ مَجَّانًا لِوَضْعِهِ بِحَقٍّ، وَلَا إلَى قَلْعِهِ مَعَ غُرْمِ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ، وَهُوَ لَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ، وَلَا إلَى بَقَائِهِ بِأُجْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا أُجْرَةَ لَهُ كَمَا مَرَّ.

وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِخْرَاجَ لَوْ كَانَ فِيمَا لَا حَقَّ لِلْمُخْرِجِ فِيهِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ بَابِ دَارِهِ وَصَدْرِ السِّكَّةِ كَانَ لِمَنْ رَضِيَ الرُّجُوعَ لِيَقْلَعَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ النَّقْصِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إلَّا بِرِضَا الْمُسْتَحَقِّينَ كَانَ أَوْلَى لِيَعُودَ الِاسْتِثْنَاءُ لِلْأُولَى أَيْضًا وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْمُشْرِعُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اعْتِبَارُ إذْنِ مَنْ بَابُهُ أَقْرَبُ إلَى رَأْسِ السِّكَّةِ لِمَنْ بَابُهُ أَبْعَدُ مَعَ أَنَّهُ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ بِنَاءً عَلَى اسْتِحْقَاقِ كُلٍّ إلَى بَابِهِ لَا إلَى آخِرِ الدَّرْبِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي (وَأَهْلُهُ) أَيْ الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ (مَنْ نَفَذَ بَابُ دَارِهِ إلَيْهِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ: وَالْمُرَادُ مَنْ لَهُ الْمُرُورُ فِيهِ إلَى مِلْكِهِ مِنْ دَارٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ فُرْنٍ أَوْ حَانُوتٍ (لَا مَنْ لَاصَقَهُ جِدَارُهُ) مِنْ غَيْرِ نُفُوذِ بَابٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ أُولَئِكَ هُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلِانْتِفَاعِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ دُخُولُ بَعْضِهِمْ عَلَى إذْنِ الْبَاقِينَ بَلْ وَلَا يُؤْثِرُ لِمَنْعِهِمْ بِخِلَافِهِ فِي الْعَرْصَةِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ عَلَى الْإِذْنِ هُنَا يُؤَدِّي لِتَعْطِيلِ الْأَمْلَاكِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ قَالَهُ الْقَاضِي، بَلْ لِغَيْرِهِمْ الدُّخُولُ بِلَا إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَلَالِ الْمُسْتَفَادِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ، وَالظَّاهِرُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ جَوَازُ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَكَذَا الشُّرْبُ مِنْ نَهْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْوَرَعُ خِلَافَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ جَوَازِ الْمُرُورِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ، لَكِنْ قَيَّدَهُ الْعَبَّادِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يَصِرْ بِهِ طَرِيقًا لِلنَّاسِ وَغَيْرَهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

السُّوقِ لَا لِلْإِعْرَاضِ وَلَا مُطْلَقًا وَلَا كَذَلِكَ الْأَجْنِحَةُ فَامْتَنَعَتْ مُطْلَقًا

(قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْهَوَاءَ لَا يُفْرَدُ بِعَقْدٍ إلَخْ

(قَوْلُهُ: الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَنَحْوِهِ) كَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ

(قَوْلُهُ: امْتَنَعَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ) أَيْ بَعْدَ الْوَضْعِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إلَخْ

(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) وَيَظْهَرُ فِي غَيْرِ الشَّرِيكِ أَنَّ لَهُمْ الرُّجُوعَ، وَعَلَيْهِمْ أَرْشُ النَّقْصِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ اهـ حَجّ.

وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ إذَا رَجَعُوا فَلَهُمْ تَكْلِيفُ وَاضِعِ الْجَنَاحِ بِإِزَالَةِ مَا هُوَ مِنْ الْجَنَاحِ بِهَوَاءِ الشَّارِعِ لَا مَا بَنَى مِنْهُ عَلَى جِدَارِ الْمَالِكِ، فَلَا يُقَالُ: فِي تَكْلِيفِهِمْ الْبَانِيَ بِرَفْعِ الْجَنَاحِ إزَالَةٌ لِمِلْكِهِ وَهُوَ مَا بَنَى عَلَى الْجِدَارِ مِنْ مِلْكِهِ وَهُوَ الْجِدَارُ نَفْسُهُ

(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ قَلْعُهُ مَعَ غُرْمِ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ إلَخْ

(قَوْلُهُ: إلَّا بِرِضَا الْمُسْتَحَقِّينَ) أَيْ وَهُمْ مَنْ بَابُهُ أَبْعَدُ مِنْ الْمُشْرَعِ لَا جَمِيعُ أَهْلِ الدَّرْبِ اهـ شَيْخُنَا زِيَادِيٌّ

(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ) أَيْ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَنْ نَفَذَ بَابُ دَارِهِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَوَقَّفُ دُخُولُ بَعْضِهِمْ) أَيْ لِمَا يَعْرِضُ لَهُ كَاسْتِعَارَةِ شَيْءٍ مِنْ الْبَاقِينَ أَوْ دُخُولِهِ لِمَا يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَهَذَا أَوْفَقُ بِقَوْلِهِ بَعْدُ لِتَعَطُّلِ الْأَمْلَاكِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: بِلَا إذْنٍ) أَيْ بَلْ، وَإِنْ مَنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ

(قَوْلُهُ: جَوَازُ الدُّخُولِ) أَيْ لِحَاجَةٍ وَمِنْهَا الْبَيْعُ لَهُمْ وَالشِّرَاءُ مِنْهُمْ

(قَوْلُهُ: مِنْ نَهْرِهِ) أَيْ الْمُخْتَصِّ بِهِمْ

(قَوْلُهُ: بِمِلْكِ الْغَيْرِ) وَمِنْهُ مَا لَوْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى الْمُرُورِ مِنْهُ كَمَا لَوْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْوُصُولِ إلَى مَزْرَعَتِهِ أَوْ نَحْوِهَا فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِصَاحِبِ الْمِلْكِ، وَمِثْلُ الْمِلْكِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِزِرَاعَتِهِ مِنْ الْأَرْضِ الْمَضْرُوبِ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ، فَلَوْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْمُرُورِ فِي مَحَلٍّ مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ عَلَى مُسْتَحِقِّ مَنْفَعَتِهَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِطَرِيقٍ مُسَوِّغٍ لَهُ كَالِاسْتِئْجَارِ مِمَّنْ لَهُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: يَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِهِ بِمَالٍ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْهَوَاءَ لَا يُفْرَدُ بِعَقْدٍ. (قَوْلُهُ: امْتَنَعَ الرُّجُوعُ) أَيْ بَعْدَ الْإِشْرَاعِ (قَوْلُهُ: كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي) كَانَ الْأَصْوَبُ أَنْ يُبَدِّلَ لَفْظَ قَوْلِهِ بِلَفْظِ كَلَامِهِ، أَوْ يَذْكُرَ الْمَقُولَ بِأَنْ يَقُولَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَهَلْ الِاسْتِحْقَاقُ فِي كُلِّهَا لِكُلِّهِمْ إلَخْ

ص: 399

بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ فِيهِ، وَيُمْكِنُ رَدُّ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَيُكْرَهُ إكْثَارُهُ هُنَا وَفِي أَرْضٍ اُسْتُحِقَّ الْمُرُورُ فِيهَا بِلَا حَاجَةٍ.

قَالَ الْقَاضِي: وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ الْجُلُوسُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ.

قَالَ غَيْرُهُ: وَعَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَأْذَنُوا فِيهِ بِأُجْرَةٍ كَمَا لَيْسَ لَهُمْ بَيْعُهُ مَعَ أَنَّهُ مِلْكُهُمْ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ هُوَ تَابِعٌ لِمِلْكِهِمْ وَلَيْسَ مِلْكَهُمْ ضَعِيفٌ.

اهـ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا امْتَنَعَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا لِأَمْلَاكِهِمْ بِعَدَمِ مَمَرٍّ لَهَا، وَحِينَئِذٍ فَيُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ اتِّخَاذُ مَمَرٍّ لَهَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَالْإِجَارَةُ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ فَفِي الْمَنْعِ مِنْهَا نَظَرٌ أَيُّ نَظَرٍ، عَلَى أَنَّ فِي تَوَقُّفِ مُطْلَقِ الْجُلُوسِ عَلَى إذْنِهِمْ نَظَرًا أَيْضًا، فَالْأَوْجَهُ حَمْلُهُ عَلَى جُلُوسٍ لَا يُتَسَامَحُ بِهِ عَادَةً، وَأَنَّ مَا يُتَوَقَّفُ عَلَى الْإِذْنِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِأُجْرَةٍ (وَهَلْ الِاسْتِحْقَاقُ فِي كُلِّهَا) أَيْ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ فَزَعَمَ أَنَّ هَذَا سَهْوٌ هُوَ السَّهْوُ (لِكُلِّهِمْ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ فَالْكُلُّ هُنَا الْكُلُّ الْإِفْرَادِيُّ لَا الْمَجْمُوعِيُّ؛ إذْ لَا نِزَاعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا احْتَاجُوا إلَى التَّرَدُّدِ وَالِارْتِفَاقِ بِكُلِّهِ لِطَرْحِ الْقُمَامَاتِ عِنْدَ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ (أَمْ تَخْتَصُّ شَرِكَةُ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (بِمَا بَيْنَ رَأْسِ الدَّرْبِ وَبَابِ دَارِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ هُوَ مَحَلُّ تَرَدُّدِهِ وَمُرُورِهِ، وَمَا عَدَاهُ هُوَ فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْ السِّكَّةِ، وَلِأَهْلِ الدَّرْبِ الْمَذْكُورِ قِسْمَةُ صِحَّتِهِ كَسَائِرِ الْمُشْتَرَكَاتِ الْقَابِلَةِ لِلْقِسْمَةِ، وَلَوْ أَرَادَ الْأَسْفَلُونَ لَا الْأَعْلَوْنَ سَدَّ مَا يَلِيهِمْ أَوْ قِسْمَتَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِي مِلْكِهِمْ بِخِلَافِ الْأَعْلَيْنَ، وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى سَدِّ رَأْسِ السِّكَّةِ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْهُ، وَلَمْ يَفْتَحْهُ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ رِضَا الْبَاقِينَ.

نَعَمْ إنْ سُدَّ بِآلَةِ نَفْسِهِ خَاصَّةً فَلَهُ فَتْحُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ.

وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي، وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ سَدِّهِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِينَ السَّدُّ. .

وَلَوْ وَقَفَ بَعْضُهُمْ دَارِهِ مَسْجِدًا أَوْ وُجِدَ ثُمَّ مَسْجِدٌ قَدِيمٌ شَارَكَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمُرُورِ إلَيْهِ فَيُمْنَعُونَ مِنْ السَّدِّ وَالْقِسْمَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ عِنْدَ الضَّرَرِ وَإِنْ رَضِيَ أَهْلُ السِّكَّةِ، وَيَجُوزُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَلَايَةُ ذَلِكَ

(قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ رَدُّ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ) أَيْ بِأَنْ يُقَالَ: مُرَادُ غَيْرِ الْعَبَّادِيِّ بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ فِيهِ أَنْ لَا يَصِيرَ بِهِ طَرِيقًا، وَقَدْ يُقَالُ لَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَمَّا لَوْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ أَصْلًا كَالْبُيُوتِ النَّافِذَةِ حَيْثُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالدُّخُولِ مِنْ أَحَدِ بَابَيْهَا وَالْخُرُوجِ مِنْ الْآخَرِ فَيَمْتَنِعُ وَإِنْ لَمْ يَصِرْ بِهِ طَرِيقًا

(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ إكْثَارُهُ) أَيْ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُؤَدِّي لِإِضْرَارِ غَيْرِهِ

(قَوْلُهُ: بِلَا حَاجَةٍ) قَضِيَّتُهُ جَوَازُ أَصْلِ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ بِلَا حَاجَةٍ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي الْجَوَازِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْحَاجَةِ سِيَّمَا إذَا تُوُهِّمَتْ رِيبَةٌ فِي دُخُولِهِ

(قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ إلَخْ) ضَعِيفٌ

(قَوْلُهُ: وَقَدْ يُفَرَّقُ) أَيْ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُمْكِنْ اتِّخَاذُ مَمَرٍّ لَهَا) أَيْ أَمَّا إذَا أَمْكَنَ فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا مِنْهَا وَنَفَى مَمَرَّهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إنْ أَمْكَنَ إحْدَاثُ مَمَرٍّ لِلْبَيْتِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ دَارًا لَا مَمَرَّ لَهَا أَصْلًا أَوْ لَهَا وَنَفَاهُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ

(قَوْلُهُ: فَزَعَمَ أَنَّ هَذَا) أَيْ التَّأْنِيثَ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَرَادَ الْأَسْفَلُونَ) أَيْ عَنْ رَأْسِ الدَّرْبِ

(قَوْلُهُ: سَدَّ مَا يَلِيهِمْ) أَيْ حَيْثُ أَمْكَنَهُمْ الِاسْتِطْرَاقُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ بِإِحْدَاثِ مَمَرٍّ مَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِأَنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِطْرَاقُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ عَلَى بَعْضِهِمْ امْتَنَعَ كَمَا لَوْ بَاعَ دَارِهِ وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا مِنْهَا وَلَمْ يُمْكِنْهُ إحْدَاثُ مَمَرٍّ لَهُ

(قَوْلُهُ: لَمْ يُمْنَعُوا مِنْهُ) أَيْ حَيْثُ أَمْكَنَ كِلَا الِاسْتِطْرَاقِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ بِإِحْدَاثِ مَمَرٍّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ وُجِدَ ثَمَّ مَسْجِدٌ قَدِيمٌ) أَيْ عَلَى الْإِحْيَاءِ يَقِينًا اهـ حَجّ.

وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ قَبْلَ الْإِحْيَاءِ أَوْ بَعْدَهُ كَانَ كَالْحَادِثِ الَّذِي لَمْ يَرْضَ أَهْلُهُ إحْدَاثَهُ فَيُتَوَقَّفُ بِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ فِيهِ عَلَى رِضَا أَهْلِ الدَّرْبِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي وَضْعِ الْيَدِ الْمِلْكُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي اشْتَرَاكَ أَهْلِ الدَّرْبِ فِيهِ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ إلَّا بِرِضَا الْجَمِيعِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ فِيهِ) أَيْ: لَا كَنَحْوِ الْمُرُورِ فِي نَحْوِ دَارِهِ إنْ كَانَ لَهَا بَابَانِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ رَدُّ هَذَا إلَى مَا قَبْلَهُ كَعَكْسِهِ خِلَافًا لِمَا ادَّعَاهُ الشَّارِحُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ) أَيْ: أَهْلِ الدَّرْبِ.

ص: 400

إشْرَاعٌ لَا يَضُرُّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَهْلُهَا.

أَمَّا إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ حَادِثًا فَإِنْ رَضِيَ بِهِ أَهْلُهَا فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَهُمْ الْمَنْعُ مِنْ الْإِشْرَاعِ؛ إذْ لَيْسَ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَقِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ، وَكَالْمَسْجِدِ فِيمَا ذَكَرَ مَا سُبُلَ أَوْ وُقِفَ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَبِئْرٍ وَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ أَتَى فِي الْمُحَرَّرِ بِجَمِيعِ الضَّمَائِرِ مُؤَنَّثَةً لِتَعْبِيرِهِ أَوَّلًا بِالسِّكَّةِ، وَلَمَّا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِغَيْرِ النَّافِذِ عَدَلَ إلَى تَذْكِيرِهَا إلَّا قَوْلَهُ فِي كُلِّهَا. .

(وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَتْحُ بَابٍ إلَيْهِ لِلِاسْتِطْرَاقِ)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَهْلُهَا) هُوَ وَاضِحٌ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ قَدِيمًا، وَيُشْكِلُ فِيمَا لَوْ وَقَفَ دَارِهِ مَسْجِدًا؛ لِأَنَّهُ حَادِثٌ حِينَئِذٍ، وَالْحَادِثُ لَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ فِيهِ بِدُونِ رِضَا أَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ أَمَّا إلَخْ، وَعِبَارَةُ حَجّ بَعْدَ مَا ذَكَرَ ابْنَ الرِّفْعَةِ أَيْضًا فِي حَادِثٍ بَعْدَ الْإِحْيَاءِ: أَيْ يَقِينًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ بَقَاءِ حَقِّهِمْ: أَيْ فَلَهُمْ الْمَنْعُ مِنْ الْإِشْرَاعِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ؛ إذْ لَيْسَ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَقِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مُتَّجَهٌ مَعْنًى، وَمِنْ ثَمَّ تَبِعَهُ غَيْرُهُ لَكِنَّ تَسْوِيَتَهُمَا بَيْنَ الْعَتِيقِ وَالْجَدِيدِ تُخَالِفُ ذَلِكَ اهـ.

فَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا فِي الْحَادِثِ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ الرِّفْعَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا تَبِعَ فِيهِ إطْلَاقَهُمْ فَلْيُحَرَّرْ وَلْيُرَاجَعْ.

هَذَا وَقَدْ يُقَالُ مَا ذَكَرَهُ فِيمَا لَوْ وَقَفَ دَارِهِ مَسْجِدًا فَرْضُهُ فِي جَوَازِ الْمُرُورِ إلَيْهِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ أَمَّا الْحَادِثُ خَصَّهُ بِالْإِشْرَاعِ، وَعَلَيْهِ فَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجَرَّدِ الْمُرُورِ وَالْإِشْرَاعِ بِأَنَّ ضَرَرَ الْإِشْرَاعِ أَكْثَرُ، وَفِيهِ تَمَيُّزٌ عَلَى بَقِيَّةِ أَهْلِ الدَّرْبِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُرُورُ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَادِثَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرُورِ يُصَيِّرُهُ كَالشَّارِعِ وَبِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِحْدَاثِ

(قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ حَادِثًا) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا قَدَّمَهُ فِي وَقْفِ دَارِهِ مَسْجِدًا فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ إحْدَاثِهِ أَنَّهُ يُوقَفُ فَتَكُونُ هَذِهِ عَيْنَ تِلْكَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْإِحْدَاثِ هُنَا أَنْ يَكُونَ ثَمَّ قِطْعَةٌ مَوَاتٌ فَيُحْيِيَهَا بَعْضُهُمْ مَسْجِدًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُتَوَقَّفُ عَلَى وَقْفٍ بَلْ تَصِيرُ مَسْجِدًا بِإِحْيَائِهِ بِقَصْدِ الْمَسْجِدِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ رَضِيَ بِهِ) أَيْ إحْدَاثِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: أَهْلُهَا) أَيْ: أَهْلُ السِّكَّةِ

(قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ) أَيْ فَلِأَهْلِهِ الْإِشْرَاعُ الَّذِي لَا يَضُرُّ

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَهُمْ الْمَنْعُ مِنْ الْإِشْرَاعِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ السُّفْلُ لِإِنْسَانٍ، وَالْعُلُوُّ لِآخَرَ فَوَقَفَ صَاحِبُ السُّفْلِ أَرْضَهُ مَسْجِدًا فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ كُلِّفَ نَقْضَ عُلُوِّهِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِجَعْلِ الْهَوَاءِ مُحْتَرَمًا بِإِذْنِهِ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فِي جَعْلِهِ مَسْجِدًا، وَهُوَ يُمْنَعُ مِنْ إشْرَاعِ جَنَاحٍ فِي هَوَائِهِ فَيُمْنَعُ مِنْ إدَامَةِ السَّقْفِ الْمَمْلُوكِ فِي هَوَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ جَازَ لَهُ إبْقَاءُ بِنَائِهِ، وَلَا يُكَلَّفُ نَقْضَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي إسْقَاطَ حَقِّهِ

(قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ) وَعَلَيْهِ فَيَتَحَصَّلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَثَلًا قَدِيمًا: أَيْ بِأَنْ عُلِمَ بِنَاؤُهُ قَبْلَ إحْيَاءِ السِّكَّةِ الْمَوْجُودَةِ اُشْتُرِطَ لِجَوَازِ الْإِشْرَاعِ أَمْرٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ عَدَمُ ضَرَرِ الْمَارَّةِ أَوْ حَادِثًا اُشْتُرِطَ أَمْرَانِ عَدَمُ الضَّرَرِ وَرِضَا أَهْلِ السِّكَّةِ م ر.

أَقُولُ: فَلَهُ حُكْمُ الْمِلْكِ وَحُكْمُ الشَّارِعِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ امْتِنَاعُ الدَّكَّةِ مُطْلَقًا اهـ سم عَلَى حَجّ.

(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَتْحُ بَابٍ إلَيْهِ إلَخْ) وَمِنْهُ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ مِنْ جَمَاعَةٍ بَيْنَهُمْ عَقَارٌ مُشْتَرَكٌ فَاقْتَسَمُوهُ، فَخَصَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ قِطْعَةُ أَرْضٍ لَا مَمَرَّ لَهَا؛ لِأَنَّ بَاقِيَ الْعَقَارِ بِمَمَرِّهِ الْأَصْلِيِّ آلَ لِشُرَكَائِهِ، فَلَيْسَ لَهُ فَتْحُ بَابٍ مِنْ الدَّرْبِ الَّذِي فِيهِ الْعَقَارُ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُمْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسْجِدٌ قَدِيمٌ أَوْ بِئْرٌ أَوْ نَحْوُهُ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ مِنْ أَصْلِهَا حَيْثُ أَمْكَنَ اتِّخَاذُ مَمَرٍّ لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ شَارِعٍ نَافِذٍ أَوْ مِلْكٍ لِصَاحِبِ الْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَأَنْ أَمْكَنَهُ شِرَاءُ مَحَلٍّ يَجْعَلُهُ مَمَرًّا وَإِلَّا فَلَا، كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا مِنْهَا، وَلَمْ يُمْكِنْهُ اتِّخَاذُ مَمَرٍّ لَهُ فَإِنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ مَمَرًّا فِي الدَّرْبِ الَّذِي كَانَ يَمُرُّ مِنْهُ بِسَبَبِ خُرُوجِهِ مِنْ الْبَابِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّ إحْدَاثَهُ فِيهِ يَجْعَلُ لِهَذِهِ الدَّارِ الْمُرُورَ مِنْ بَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْأَصْلِيُّ الَّذِي صَارَ حَقًّا لِشَرِيكِهِ، وَالثَّانِي الَّذِي أَرَادَ إحْدَاثَهُ لِيَمُرَّ مِنْهُ الْآنَ، فَطَرِيقُهُ أَنْ يَسْتَرْضِيَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ حَادِثًا) هَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ عِنْدَ الضَّرَرِ إلَخْ فَلْتُرَاجَعْ عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ.

ص: 401

إلَّا بِإِذْنِهِمْ لِتَضَرُّرِهِمْ، فَإِنْ أَذِنُوا جَازَ وَلَهُمْ الرُّجُوعُ وَلَوْ بَعْدَ الْفَتْحِ كَالْعَارِيَّةِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِبِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ حَيْثُ لَا يَقْلَعُ مَجَّانًا، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ: وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْفَرْقِ، وَفَرَّقَ فِي الْمَطْلَبِ بِأَنَّهُ هُنَا بَنَى فِي مِلْكِهِ، وَالْمَبْنِيُّ بَاقٍ بِحَالِهِ لَا يَزَالُ فَلَا غُرْمَ، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّ الْمُعِيرَ يَقْلَعُ فَيَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ، وَأَوْضَحَهُ الشَّيْخُ بِأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ الرُّجُوعَ هُنَاكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْقَلْعُ وَهُوَ خَسَارَةٌ فَلَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ مَجَّانًا، بِخِلَافِهِ هُنَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ خَسَارَةٌ لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ لُزُومَ سَدِّ الْبَابِ، وَخَسَارَةُ فَتْحِهِ إنَّمَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِذْنِ لَا عَلَى الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّ فَتْحَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِذْنِ وَإِنَّمَا الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ الِاسْتِطْرَاقُ (وَلَهُ فَتْحُهُ إذَا) لَمْ يَسْتَطْرِقْ مِنْهُ سَوَاءٌ (سَمَّرَهُ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ ثَقَبَهُ بِالْمِسْمَارِ وَالتَّخْفِيفُ لُغَةٌ قَالَهُ الْمُطَرِّزِيُّ أَمْ لَا كَمَا فِي الْبَيَانِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ لَهُ رَفْعَ جَمِيعِ جِدَارِهِ فَبَعْضُهُ أَوْلَى.

وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ فَتْحَهُ يُشْعِرُ بِثُبُوتِ حَقِّ الِاسْتِطْرَاقِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَيْهِ، وَمَا صَحَّحَهُ تَبَعًا لِأَصْلِهِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: إنَّ الْأَفْقَهَ الْمَنْعُ، فَقَدْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ فَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ.

نَعَمْ لَوْ رَكَّبَ عَلَى الْمَفْتُوحِ لِلِاسْتِضَاءَةِ شُبَّاكًا أَوْ نَحْوَهُ جَازَ جَزْمًا كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جَمْعٍ (وَمَنْ لَهُ فِيهِ بَابٌ) أَوْ مِيزَابٌ (فَفَتَحَ آخَرَ أَبْعَدَ مِنْ رَأْسِ الدَّرْبِ) مِنْ بَابِهِ الْأَصْلِيِّ (فَلِشُرَكَائِهِ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ (مَنْعُهُ) إذَا كَانَ بَابُهُ أَبْعَدَ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ أَسَدَّ الْأَوَّلَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَنْ بَابُهُ بَيْنَ الْمَفْتُوحِ وَرَأْسِ الدَّرْبِ أَوْ مُقَابِلٌ لِلْمَفْتُوحِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْمُرَادُ مَنْ هُوَ مُقَابِلُ الْبَابِ الْأَوَّلِ كَمَا فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ، وَلِهَذَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ كَلَامَ النَّوَوِيِّ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ الْبَابُ الْجَدِيدُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ لَكَانَ الْمَنْعُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ حِينَئِذٍ (وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يَسُدَّ) الْبَابَ (الْقَدِيمَ) أَيْ وَلَمْ يَتْرُكْ التَّطَرُّقَ مِنْهُ (فَكَذَلِكَ) أَيْ لِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ انْضِمَامَ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ يُوجِبُ زَحْمَةً وَوُقُوفَ الدَّوَابِّ فِي الدَّرْبِ فَيَتَضَرَّرُونَ بِهِ، وَقِيلَ يَجُوزُ، وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَضَعَّفَ التَّوْجِيهَ بِالزَّحْمَةِ بِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ لَهُ جَعْلَ دَارِهِ حَمَّامًا أَوْ حَانُوتًا مَعَ أَنَّ الزَّحْمَةَ وَوُقُوفَ الدَّوَابِّ فِي السِّكَّةِ وَطَرْحَ الْأَثْقَالِ تَكْثُرُ أَضْعَافُ مَا كَانَ قَدْ يَقَعُ نَادِرًا فِي فَتْحِ بَابٍ آخَرَ لِلدَّارِ اهـ.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَوْضِعَ فَتْحِ الْبَابِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ اسْتِحْقَاقٌ بِخِلَافِ جَعْلِ دَارِهِ مَا ذَكَرَ (وَإِنْ سَدَّهُ) أَيْ الْقَدِيمَ (فَلَا مَنْعَ) ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ، وَيَجُوزُ لِمَنْ دَارُهُ آخِرَ الدَّرْبِ تَقْدِيمُ بَابِهِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ وَجَعْلُ مَا بَيْنَ الدَّارِ وَآخِرِ الدَّرْبِ دِهْلِيزًا.

قَالَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الدَّرْبِ الَّذِي كَانَ يَمُرُّ مِنْهُ أَوَّلًا وَلَوْ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فَتَنَبَّهْ لَهُ

(قَوْلُهُ: إلَّا بِإِذْنِهِمْ) أَيْ الْجَمِيعِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ

(قَوْلُهُ: وَلَهُمْ الرُّجُوعُ) أَيْ لِكُلِّهِمْ أَوْ لِبَعْضِهِمْ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْفَاتِحَ لَيْسَ شَرِيكًا وَلَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِمَنْعِهِمْ إذْ لَهُ إبْقَاءُ الْبَابِ مَفْتُوحًا وَإِنْ مُنِعَ مِنْ الْمُرُورِ

(قَوْلُهُ: وَهُوَ خَسَارَةٌ) بِفَتْحِ الْخَاءِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ

(قَوْلُهُ: وَلَهُ) أَيْ لِلْغَيْرِ (قَوْلُهُ: وَالتَّخْفِيفُ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمَحَلِّيِّ

(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مُقَابِلٌ لِلْمَفْتُوحِ

(قَوْلُهُ: الْبَابِ الْأَوَّلِ) أَيْ الْقَدِيمِ

(قَوْلُهُ: وَضَعُفَ التَّوْجِيهُ) أَيْ انْتِصَارًا لِمُقَابِلِ الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ: فَلَا مَنْعَ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى فَتْحِهِ ضَرَرٌ لِأَهْلِ الدَّرْبِ لِكَوْنِ الْمَحَلِّ الَّذِي فَتَحَهُ فِيهِ ضَيِّقًا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الضَّرَرُ الْمَذْكُورُ لَمْ يَبْعُدْ فَلْيُرَاجَعْ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ) أَيْ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْقَدِيمِ بِمَا فَعَلَهُ، فَلَوْ أَرَادَ الرُّجُوعَ لِلِاسْتِطْرَاقِ مِنْ الْقَدِيمِ وَسَدَّ الْحَادِثِ لَمْ يَمْتَنِعْ، وَلَوْ بَاعَ الدَّارَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى مَا ذَكَرَ لِآخَرَ قَامَ مَقَامَهُ فَلَهُ الِاسْتِطْرَاقُ مِنْ الْقَدِيمِ مَعَ سَدِّ الْحَادِثِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، فَلَا تَغَيُّرَ؛ لِأَنَّ الْمَمَرَّ مُشْتَرَكٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ عَيْنٌ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: مِنْ بَابِهِ الْأَصْلِيِّ) أَيْ: أَوْ مِيزَابِهِ الْأَصْلِيِّ

ص: 402

الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ بِوَسَطِ السِّكَّةِ وَأُخْرَى بِآخِرِهَا فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ دَارُهُ بَيْنَهُمَا مَنْعُهُ مِنْ تَقْدِيمِ بَابِ الْمُتَوَسِّطَةِ، وَتَفْسِيرُ الشَّيْخِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إلَى آخِرِ السِّكَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا فِي الْجَمِيعِ لَكِنَّ شَرِكَتَهُ بِسَبَبِهَا إنَّمَا هُوَ إلَيْهَا خَاصَّةً، وَقَدْ يَبِيعُ لِغَيْرِهِ فَيَسْتَفِيدُ زِيَادَةَ اسْتِطْرَاقٍ صَحِيحٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ كَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ بِمَا فَسَّرَهُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي سِكَّةٍ قِطْعَةُ أَرْضٍ فَبَنَاهَا دُورًا وَفَتَحَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بَابًا جَازَ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ (وَمَنْ)(لَهُ دَارَانِ تُفْتَحَانِ إلَى دَرْبَيْنِ مَسْدُودَيْنِ) أَيْ مَمْلُوكَيْنِ (أَوْ مَسْدُودٍ) أَيْ مَمْلُوكٍ (وَشَارِعٍ فَفَتَحَ بَابًا) أَيْ أَرَادَ فَتْحَهُ (بَيْنَهُمَا) لِلِاسْتِطْرَاقِ (لَمْ يُمْنَعْ فِي الْأَصَحِّ) لِاسْتِحْقَاقِهِ الْمُرُورَ فِي الدَّرْبِ وَرَفْعَ الْحَائِلِ بَيْنَ الدَّارَيْنِ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يُمْنَعْ حَقَّهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ وَالْبَغَوِيِّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

وَالثَّانِي الْمَنْعُ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ عَنْ الْجُمْهُورِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى يُثْبِتُ لِكُلٍّ مِنْ الدَّارَيْنِ اسْتِطْرَاقًا فِي الدَّرْبِ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ يُثْبِتُ لِلْمُلَاصِقَةِ لِلشَّارِعِ حَقًّا فِي الْمَسْدُودِ لَمْ يَكُنْ لَهَا، وَسَوَاءٌ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَبْقَى الْبَابَيْنِ عَلَى حَالِهِمَا أَمْ سَدَّ أَحَدَهُمَا وَإِنْ خَصَّهُ الرَّافِعِيُّ بِمَا إذَا سَدَّ بَابَ أَحَدِهِمَا وَفَتَحَ الْبَابَ لِغَرَضِ الِاسْتِطْرَاقِ، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْمَسْدُودِ الْمَمْلُوكُ وَإِلَّا فَالسَّدُّ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمِلْكُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَ فِي أَقْصَاهُ مَسْجِدٌ أَوْ نَحْوُهُ كَمَا مَرَّ، وَتُفْتَحَانِ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ مُؤَنَّثَةٌ، وَكَذَا كُلُّ فِعْلٍ كَانَ ضَمِيرًا لِغَائِبَتَيْنِ كَمَا فِي الدَّقَائِقِ، وَقَدْ وَرَدَ بِهِ السَّمَاعُ فِي قَوْله تَعَالَى {عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [الرحمن: 50] ، وَ {أَنْ تَزُولا} [فاطر: 41] ، وَ {امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} [القصص: 23] قَالَهُ أَبُو حَيَّانَ وَجَوَّزَ ابْنُ فَارِسٍ فِيهِ الْيَاءَ التَّحْتِيَّةَ (وَحَيْثُ مُنِعَ فَتْحُ الْبَابِ فَصَالَحَهُ أَهْلُ الدَّرْبِ) أَيْ الْمَالِكُونَ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ نَحْوُ مَسْجِدٍ (بِمَالٍ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْأَرْضِ، بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا يُبَاعُ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ، فَإِنْ صَالَحُوهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْفَتْحِ بِمَالٍ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا، وَحَيْثُ صَحَّ فَإِنْ قَدَّرُوا لِلِاسْتِطْرَاقِ مُدَّةً كَانَ إجَارَةً، وَإِنْ أَطْلَقُوا أَوْ شَرَطُوا التَّأْبِيدَ كَانَ بَيْعَ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الدَّرْبِ لَهُ، وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ أَحَدِهِمْ، كَمَا لَوْ صَالَحَ رَجُلًا عَلَى مَالٍ لِيُجْرِيَ فِي أَرْضِهِ مَاءَ نَهْرٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ تَمْلِيكًا لِمَكَانِ النَّهْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَالَحَهُ بِمَالٍ عَلَى فَتْحِ بَابٍ مِنْ دَارِهِ أَوْ إجْرَاءِ مَاءٍ عَلَى سَطْحِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الدَّارِ وَالسَّطْحِ؛ لِأَنَّ السِّكَّةَ لَا تُرَادُ إلَّا لِلِاسْتِطْرَاقِ فَإِثْبَاتُهُ فِيهَا يَكُونُ نَقْلًا لِلْمِلْكِ، وَأَمَّا الدَّارُ وَالسَّطْحُ فَلَا يُقْصَدُ بِهِمَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَالْمِلْكُ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَزُولُ إلَّا بِمُزِيلٍ وَهُوَ لَمْ يُوجَدْ هُنَا فَتَنَبَّهْ لَهُ، وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ خِلَافِهِ (قَوْلُهُ مِنْ تَقْدِيمِ بَابِ) أَيْ لِجِهَةِ صَدْرِ الدَّرْبِ

(قَوْلُهُ: بِمَا فَسَّرَهُ بِهِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ إلَى آخِرِ السِّكَّةِ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّقْدِيمِ إلَى آخِرِ السِّكَّةِ وَأَدْنَاهَا حَيْثُ كَانَ مَعَ فَتْحِ الْأَوَّلِ وَالِاسْتِطْرَاقِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: لِغَرَضِ الِاسْتِطْرَاقِ) قَدْ يُوهِمُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَيْدًا لِمَحَلِّ الْخِلَافِ وَلَيْسَ مُرَادًا

(قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَيْ الْمَمْلُوكِ

(قَوْلُهُ: وَجَوَّزَ ابْنُ فَارِسٍ فِيهِ) أَيْ فِي كُلِّ فِعْلٍ كَانَ ضَمِيرًا إلَخْ

(قَوْلُهُ: فَصَالَحَهُ أَهْلُ الدَّرْبِ) أَيْ عَلَى فَتْحِهِ لِيَسْتَطْرِقَ مِنْهُ

(قَوْلُهُ: بِمَالٍ صَحَّ) أَيْ وَيُوَزَّعُ الْمَالُ عَلَى عَدَدِ الدُّورِ ثُمَّ يُوَزَّعُ مَا خَصَّ كُلَّ بَيْتٍ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ مُلَّاكِهِ فِيمَا يَظْهَرُ، ثُمَّ رَأَيْت بِهَامِشِ نُسْخَةٍ قَدِيمَةٍ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَا يُصَرِّحُ بِمَا قُلْنَاهُ بَلْ سَاقَهُ مَسَاقَ الْمَنْقُولِ، وَلَوْ كَانَ فِي الدَّرْبِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةَ بِنَحْوِ إجَارَةٍ فَلَا بُدَّ فِي جَوَازِ الْفَتْحِ مِنْ رِضَاهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَوْ كَانَ فِي الدَّرْبِ دَارٌ مَوْقُوفَةٌ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ مَا يَخُصَّهَا يُصْرَفُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَلَا بُدَّ فِي جَوَازِ ذَلِكَ مِنْ رِضَا مَنْ لَهُ الْوَلَايَةُ عَلَى الْوَقْفِ وَرِضَا الْمُسْتَأْجِرِ لَهَا إنْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَتَفْسِيرُ الشَّيْخِ ذَلِكَ) أَيْ التَّقْدِيمِ. (قَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ كَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ بِمَا فَسَّرَهُ بِهِ) أَيْ بَلْ يَجْرِي فِيمَا إذَا فَتَحَ بَابًا أَدْنَى إلَى رَأْسِ الدَّرْبِ أَيْ: مَعَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ لَكِنَّ هَذَا لَا يُوَافِقُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَنْعَ حِينَئِذٍ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَأْسِ الدَّرْبِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَحَيْثُ مَنَعَ فَتْحَ الْبَابِ) أَيْ بِأَنْ أَرَادَ الِاسْتِطْرَاقَ.

ص: 403

الِاسْتِطْرَاقُ وَإِجْرَاءُ الْمَاءِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِالسِّكَّةِ مَسْجِدٌ أَوْ نَحْوُهُ كَدَارٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ، إذْ الْبَيْعُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَوْقُوفِ وَحُقُوقِهِ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ زَادَ الْأَوَّلُ: وَأَمَّا الْإِجَارَةُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَيُتَّجَهُ فِيهَا تَفْصِيلٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ اسْتِخْرَاجُهُ.

(وَيَجُوزُ) لِمَالِكِ جِدَارٍ (فَتْحُ الْكَوَّاتِ) لِبَعْضِ أَهْلِهِ وَلِغَيْرِهِمْ وَهِيَ بِفَتْحِ الْكَافِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا الطَّاقَاتُ وَفَتْحُ شُبَّاكٍ وَلَوْ لِغَيْرِ الِاسْتِضَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُشْرِفَ عَلَى حَرِيمِ جَارِهِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخ أَبِي حَامِدٍ لِتَمَكُّنِ الْجَارِ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ بِبِنَاءِ سُتْرَةٍ أَمَامَ الْكَوَّةِ وَإِنْ تَضَرَّرَ صَاحِبُهَا بِمَنْعِ الضَّوْءِ مِنْهَا أَوْ النَّظَرِ، وَلِأَنَّ صَاحِبَهَا لَوْ أَرَادَ رَفْعَ جَمِيعِ الْحَائِطِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ فَتَقْيِيدُ الْجُرْجَانِيِّ بِمَا إذَا كَانَتْ عَالِيَةً لَا يَقَعُ النَّظَرُ مِنْهَا عَلَى دَارِ جَارِهِ ضَعِيفٌ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْكَوَّةَ لَوْ كَانَ لَهَا غِطَاءٌ أَوْ شُبَّاكٌ يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ هَوَاءِ الدَّرْبِ مُنِعَتْ، وَإِنْ كَانَ فَاتِحُهَا مِنْ أَهْلِهِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ (وَالْجِدَارُ) الْكَائِنُ (بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ) لِدَارَيْنِ (قَدْ يَخْتَصُّ بِهِ) أَيْ بِمِلْكِهِ (أَحَدُهُمَا) وَيَكُونُ سَاتِرًا لِلْآخَرِ فَقَطْ (وَقَدْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ فَالْمُخْتَصُّ) بِهِ أَحَدُهُمَا (لَيْسَ لِلْآخَرِ)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

كَانَ

(قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ أَيْ الْمَالِكُونَ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ نَحْوُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ) يُشِيرُ إلَى مَا يَخُصُّ الْمَوْقُوفَ مِنْ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَ قَدْرَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا اهـ سم، وَنَقَلَهُ عَنْ حَجّ عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ.

(قَوْلُهُ: فَتْحُ الْكَوَّاتِ) عِبَارَةُ الْمُخْتَارِ الْكَوَّةُ بِالْفَتْحِ ثُقْبُ الْبَيْتِ وَالْجَمْعُ كُوًى بِالْكَسْرِ مَمْدُودٌ وَمَقْصُورٌ، وَالْكُوَّةُ بِالضَّمِّ لُغَةً وَجَمْعُهَا كُوًى اهـ.

وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ مَا سَلَكَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَمْعِهِ جَمْعَ تَصْحِيحٍ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ

(قَوْلُهُ: مُنِعَتْ) أَيْ حَيْثُ لَا إذْنَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِذَلِكَ ضَرَرٌ لِأَهْلِ الدَّرْبِ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ مُشْتَرَكٌ، وَالْمُشْتَرَكُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ وَلَيْسَ مِنْ الْإِذْنِ اعْتِيَادُ النَّاسِ فَتْحَ الطَّاقَاتِ الَّتِي لَهَا غِطَاءٌ، وَالشَّبَابِيكُ الَّتِي لَهَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةٍ.

[حَادِثَةٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ بِمَا صُورَتُهُ: مَا قَوْلُكُمْ فِي أَمَاكِنَ مَوْقُوفَةٍ مِنْ وَاقِفٍ وَاحِدٍ عَلَى قُرُبَاتٍ وَخَيْرَاتٍ عَيَّنَهَا بِكِتَابِ وَقْفِهِ وَفِي أَحَدِ الْأَمْكِنَةِ الْمَذْكُورَةِ مَكَانٌ وَضَعَهُ الْوَاقِفُ مُتَمَيِّزًا عَنْ غَيْرِهِ وَبَارِزًا وَفِيهِ شُبَّاكٌ لِلضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ، ثُمَّ إنَّ النَّاظِرَ عَلَى الْوَقْفِ أَجَّرَ الْمَكَانَ الْمَذْكُورَ لِشَخْصٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، ثُمَّ إنَّ شَخْصًا اسْتَأْجَرَ مَكَانًا مِنْ جُمْلَةِ الْوَقْفِ مُلَاصِقًا لِلْمَكَانِ الْمَذْكُورِ وَيُرِيدُ إحْدَاثَ بِنَاءٍ يَسُدُّ الشُّبَّاكَ وَيُنْقِصُ أُجْرَةَ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَوْ يُمْنَعُ مِنْهُ قَهْرًا عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ الْكُلُّ وَقْفًا وَاحِدًا؟ وَأَجَبْت عَنْهُ بِمَا صُورَتُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الْمَذْكُورِ الْبِنَاءُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ سَدُّ الشُّبَّاكِ الْمَذْكُورِ لِمَا فِيهِ مِنْ نَقْصِ أُجْرَةِ الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ بِتَعْطِيلِ بَعْضِ مَنَافِعِهِ، وَعِبَارَةُ الشَّمْسِ الرَّمْلِيِّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ: قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ جَوَازُ تَغْيِيرِ الْوَقْفِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ، وَذَكَرَ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ فِي التَّغْيِيرِ مَصْلَحَةٌ لِلْوَقْفِ، وَالْبِنَاءُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ بَلْ فِيهِ إضْرَارٌ فَيُمْنَعُ وَيَأْثَمُ هُوَ وَمَنْ يُعَاوِنُهُ بِمُخَالَفَةِ مَا قَصَدَهُ الْوَاقِفُ، وَلَا نَظَرَ لِمَا يَحْدُثُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُرَادُ فِعْلُ الْبِنَاءِ فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ أُجْرَتِهِ عَمَّا كَانَ لَوْ حَصَلَتْ؛ لِأَنَّهَا عَلَى خِلَافِ غَرَضِ الْوَاقِفِ، مَعَ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْآنَ إنَّمَا يَعُودُ أَثَرُهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا عَلَى الْوَاقِفِ، وَأَمَّا مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الصُّلْحِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ سَدِّ الطَّاقَاتِ وَالشَّبَابِيكِ وَإِنْ مَنَعَتْ الضَّوْءَ وَالْهَوَاءَ عَلَى الْجَارِ وَلَا مِنْ فَتْحِهَا وَإِنْ أَدَّتْ إلَى الْإِشْرَافِ عَلَى حَرِيمِ غَيْرِهِ فَمَحَلُّهُ كَمَا هُوَ فَرْضُ كَلَامِهِمْ فِي الْمِلْكِ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ فِي الْكَوَّاتِ لَوْ أَرَادَ رَفْعَ الْجِدَارِ مِنْ أَصْلِهِ لَمْ يُمْنَعْ فَكَيْفَ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي بَعْضِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ: وَالْجِدَارُ الْكَائِنُ) بَيَّنَ بِهِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٍ لِلْجِدَارِ

(قَوْلُهُ: لِدَارَيْنِ) أَيْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: لِبَعْضِ أَهْلِهِ وَلِغَيْرِهِمْ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ لِمَالِكِ جِدَارٍ

ص: 404

وَلَا لِغَيْرِهِ الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى تَصَرُّفٌ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ مُطْلَقًا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ (وَضْعُ الْجُذُوعِ) أَيْ الْأَخْشَابِ، وَضْعُ جِذْعٍ وَاحِدٍ (عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ) مَالِكِهِ وَلَا ظَنِّ رِضَاهُ (فِي الْجَدِيدِ، وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَيْهِ) لِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ» وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ أَمْوَالِهِ وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِظَاهِرِهِ الْقَدِيمُ الْقَائِلُ بِجَوَازِ الْوَضْعِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ وَهُوَ «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ» .

فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ لِقُوَّةِ الْعُمُومَاتِ الْمُعَارِضَةِ لَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ إعْرَاضُ مَنْ أَعْرَضَ فِي زَمَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي جِدَارِهِ لِجَارِهِ لِقُرْبِهِ: أَيْ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِ نَفْسِهِ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ مِنْ جِهَةِ مَنْعِ الضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ وَرُؤْيَةِ الْأَمَاكِنِ الْمُسْتَطْرَفَةِ وَنَحْوِهَا وَيَتَأَيَّدُ بِأَنَّهُ الْقِيَاسُ الْفِقْهِيُّ وَالْقَاعِدَةُ النَّحْوِيَّةُ فَإِنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ الْأَوْلَى فَوَجَبَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ، وَلِلْقَدِيمِ شُرُوطٌ:

أَنْ لَا يَحْتَاجَ مَالِكُهُ إلَى وَضْعِ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ الْجَارُ فِي ارْتِفَاعِ الْجُدْرَانِ، وَلَا يَبْنِيَ عَلَيْهِ أَزَجًا، وَلَا يَضَعَ عَلَيْهِ مَا يَضُرُّهُ، وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَنْ لَا يَمْلِكَ شَيْئًا مِنْ جُدْرَانِ الْبُقْعَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَسْقُفَهَا أَوْ لَا يَمْلِكَ إلَّا جِدَارًا وَاحِدًا وَلَا فَرْقَ عَلَى الْقَدِيمِ بَيْنَ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى فَتْحِ شَيْءٍ فِي الْحَائِطِ لِتَدْخُلَ فِيهِ الْجُذُوعُ أَمْ لَا، صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْجِذْعِ يَسُدُّ الْمُنْفَتِحَ وَيُقَوِّيَ الْجِدَارَ، بِخِلَافِ فَتْحِ الْكَوَّةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَقَوْلُهُ وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْجَدِيدِ كَمَا قَالَهُ الْمُنَكِّتُ مُجِيبَهَا بِهِ عَنْ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ: إنَّهُ يَفْهَمُ أَنَّهُ مَجْزُومٌ بِهِ، وَأَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي الْجَوَازِ ابْتِدَاءً وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ حَذَفَهُ كَانَ أَوْلَى، وَفَرْضُ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ فِي الْجِدَارِ بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ قَدْ يُخْرِجُ السَّابَاطَ إذَا أَرَادَ بِنَاءَهُ عَلَى شَارِعٍ أَوْ دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، وَأَنْ يَضَعَ طَرَفَ الْجُذُوعِ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ الْمُقَابِلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالرِّضَا قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجِدَارَ لَيْسَ بَيْنَ مَالِكَيْنِ بَلْ بَيْنَ مَالِكٍ وَشَارِعٍ (فَلَوْ رَضِيَ) الْمَالِكُ بِوَضْعِ جُذُوعٍ أَوْ بِنَاءٍ عَلَى جِدَارِهِ (بِلَا عِوَضٍ) وَقُلْنَا بِعَدَمِ الْإِجْبَارِ (فَهُوَ إعَارَةٌ)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مَثَلًا (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ» ) قَدَّمَهُ لِعُمُومِهِ

(قَوْلُهُ: مَالِ أَخِيهِ) هُوَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَالذِّمِّيُّ كَذَلِكَ

(قَوْلُهُ: عَنْ طِيبِ نَفْسٍ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فِي مُعْظَمِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا فِي بَعْضِهِ.

أَقُولُ: الْمُرَادُ بِشَرْطِهِمَا الرِّجَالُ الَّذِينَ اتَّفَقَا فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ وَشَرْطُ الْبُخَارِيِّ مَنْ انْفَرَدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُمْ عَنْ مُسْلِمٍ وَشَرْطُ مُسْلِمٍ مَنْ انْفَرَدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُمْ عَنْ الْبُخَارِيِّ اهـ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ بِالْمَعْنَى فَلْيُرَاجَعْ وَأَمَّا مَنْ اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِشَرْطِ الْبُخَارِيِّ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عَنْهُ مِنْ اللُّقَى وَالْمُعَاصَرَةِ وَبِشَرْطِ مُسْلِمٍ الْمُعَاصَرَةَ دُونَ اللُّقَى فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا؛ لِأَنَّ شَرْطَهُمَا حِينَئِذٍ مُتَبَايِنَانِ فَيَفُوتُ قَوْلُهُمْ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَبَعْضِهَا إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَبَعْضِهَا إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْخَبَرُ

(قَوْلُهُ: أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ) رُوِيَ بِالْإِفْرَادِ وَمُنَوَّنًا، وَالْأَكْثَرُ بِالْجَمْعِ مُضَافًا اهـ مَحَلِّيٌّ

(قَوْلُهُ: مَنْ أَعْرَضَ) أَيْ عَنْ الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمُسْتَدِلِّ بِهِ الْقَدِيمُ

(قَوْلُهُ: إنْ تَضَرَّرَ بِهِ) أَيْ جَارُهُ

(قَوْلُهُ: الْمُسْتَطْرَفَةِ) بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ الْحَسَنَةِ، وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: وَالطُّرْفَةُ مَا يُسْتَطْرَفُ: أَيْ مَا يُسْتَمْلَحُ، وَالْجَمْعُ طُرَفٌ مِثْلَ غُرْفَةٌ وَغُرَفٌ، وَأَطْرَفَ إطْرَافًا جَاءَ بِطُرْفَةٍ اهـ.

وَيَجُوزُ كَوْنُهُ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ الظُّرْفِ بِمَعْنَى الْحُسْنِ (قَوْلُهُ: وَيَتَأَيَّدُ) أَيْ قَوْلُهُ وَبِأَنَّ الضَّمِيرَ إلَخْ

(قَوْلُهُ: أَزَجًا) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْبَيْتُ يُبْنَى طُولًا وَأَزَّجْتُهُ تَأْزِيجًا إذَا بَنَيْته كَذَلِكَ، وَيُقَالُ الْأَزَجُ السَّقْفُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى كَيْفِيَّةِ السَّقْفِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْعَقْدُ

(قَوْلُهُ: وَلَا يَضَعُ عَلَيْهِ مَا يَضُرُّهُ) هَذَا قَدْ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ وَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ أَزَجًا؛ لِأَنَّ وَجْهَ الْمَنْعِ مِنْ الْأَزَجِ ضَرَرُهُ

(قَوْلُهُ: وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ) أَيْ تَكُونَ الْأَرْضُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَلِلْقَدِيمِ شُرُوطٌ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ تُحَرَّرَ هَذِهِ الشُّرُوطُ فَإِنَّ فِي فَهْمِهَا صُعُوبَةً وَمُخَالَفَةً لِمَا فِي الْقُوتِ فَلْيُرَاجَعْ

ص: 405

لِصِدْقِ حَدِّهَا عَلَيْهِ، وَيَسْتَفِيدُ بِهَا الْمُسْتَعِيرُ الْوَضْعَ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ رَفَعَ جُذُوعَهُ أَوْ سَقَطَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ فَبَنَاهُ صَاحِبُهُ بِتِلْكَ الْآلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْوَضْعُ ثَانِيًا فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا تَنَاوَلَ مَرَّةً وَلَوْ وَضَعَ أَحَدُ مَالِكَيْ الْجِدَارِ جُذُوعَهُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ثُمَّ انْهَدَمَ ذَلِكَ الْبِنَاءُ، فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ تَجُوزُ لَهُ إعَادَةُ الْجُذُوعِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجِدَارِ الْمُخْتَصِّ وَالْمُشْتَرَكِ فِي أَنَّهُ لَا تَجُوزُ لَهُ إعَادَةُ الْجُذُوعِ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَجْهًا ثَالِثًا، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا وُضِعَتْ أَوَّلًا بِإِذْنٍ، فَلَوْ مَلَكَا دَارَيْنِ وَرَأَيَا خَشَبًا عَلَى الْجِدَارِ وَلَا يُعْلَمُ كَيْفَ وُضِعَتْ فَإِذَا سَقَطَ الْحَائِطُ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ إعَادَةِ الْجُذُوعِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ وَشَكَكْنَا فِي الْمُجَوَّزِ لِلرُّجُوعِ، وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْحَائِطِ نَقْضَهُ فَإِنْ كَانَ مُسْتَهْدَمًا جَازَ، وَحُكْمُ إعَادَةِ الْجُذُوعِ مَا سَبَقَ وَإِلَّا فَلَا، كَذَا ذَكَرَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. (وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ) قَطْعًا (وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ) كَسَائِرِ الْعَوَارِيّ.

وَالثَّانِي لَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْعَارِيَّةِ إنَّمَا يُرَادُ بِهَا التَّأْبِيدُ، فَأَشْبَهَ مَا إذَا أَعَارَ لِلدَّفْنِ وَمَا رَجَّحَهُ تَبَعًا لِلشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحَيْهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الشَّجَرِ خِلَافًا، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ هُنَاكَ لِمَنْعِ الرُّجُوعِ بَلْ قَالَ: وَقَدْ يَسْتَحِقُّ غَيْرُ الْمَالِكِ الْمَنْفَعَةَ لَا إلَى غَايَةٍ كَمَا إذَا أَعَارَهُ جِدَارَهُ لِيَضَعَ عَلَيْهِ الْجُذُوعَ،

فَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ (وَفَائِدَةُ الرُّجُوعِ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ) أَيْ الْمَوْضُوعَ (بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الَّتِي يَسْكُنُ فِيهَا الْبَانِي لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُسْتَعِيرًا، أَوْ مُسْتَأْجِرًا فَلَا يُجْبَرُ جَارُهُ عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْ الْبِنَاءِ

(قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) أَيْ الرَّاجِحِ، وَعَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى حَجّ بِقَوْلِهِ: خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ، وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَيْسَ خِلَافًا بَيْنَ الْأَصْحَابِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَضَعَ) ذَكَرَهُ هُنَا لِمُنَاسَبَةِ مَا قَبْلَهُ، وَإِلَّا فَمَحَلُّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي، وَأَمَّا الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ إلَخْ

(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخْتَصًّا بِغَيْرِ وَاضِعِ الْجُذُوعِ لَمْ تَجُزْ إعَادَتُهَا إلَّا بِإِذْنٍ فَيَكُونُ مُفَصَّلًا بَيْنَ الْمُشْتَرَكِ وَغَيْرِهِ، فَهُوَ ثَالِثٌ يُقَابِلُ كُلًّا مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا أَوْ الْجَوَازِ مُطْلَقًا

(قَوْلُهُ: إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ) مُعْتَمَدٌ

(قَوْلُهُ: عَلَى الْجِدَارِ) أَيْ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمَالِكِ إحْدَى الدَّارَيْنِ

(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ صَاحِبِ الْجِدَارِ

(قَوْلُهُ: مَنْعُهُ) أَيْ الْآخَرِ

(قَوْلُهُ: وَشَكَكْنَا إلَخْ) أَيْ وَلِلشَّكِّ فِي ذَلِكَ لَمْ نَحْمِلْهُ عَلَى أَنَّهُ وُضِعَ بِالْإِعَارَةِ، وَإِلَّا لَامْتَنَعَتْ الْإِعَادَةُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي الْوَضْعِ بِلَا عِوَضٍ ثُمَّ انْهَدَمَ الْجِدَارُ وَأُعِيدَ لَيْسَ لَهُ وَضْعُ الْخَشَبِ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ إلَخْ مِنْ قَوْلِهِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا قَلْعَ وَلَا أُجْرَةَ أَخْذًا بِإِطْلَاقِهِمْ إلَخْ (قَوْلُهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ) أَيْ فِيمَا لَوْ مَلَكَا دَارَيْنِ وَرَأَيَا إلَخْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِمَا ذَكَرَ

(قَوْلُهُ: وَحُكْمُ إعَادَةِ الْجُذُوعِ) أَيْ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا وُضِعَتْ بِعِوَضٍ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ مَا إذَا أَعَارَ لِلدَّفْنِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَّا بَعْدَ الِانْدِرَاسِ لِلْمَيِّتِ

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ) الْفَاءُ تَعْلِيلِيَّةٌ

(قَوْلُهُ: الْمَوْضُوعُ بِأُجْرَةٍ) أَيْ فَلَوْ اخْتَارَ الْإِبْقَاءَ بِالْأُجْرَةِ هَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ وَطَلَبُ الْقَلْعِ وَغَرَامَةُ الْأَرْشِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مُوَافَقَتَهُ عَلَى الْأُجْرَةِ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا عَقَدَ بِشَيْءٍ ابْتِدَاءً لَيْسَ لَهُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا وُضِعَتْ أَوَّلًا بِإِذْنٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ فِيهِ وَضْعٌ أَوَّلُ فَحَقُّ الْعِبَارَةِ وَمَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَضْعِ ابْتِدَاءً، أَمَّا إذَا وُضِعَتْ أَوَّلًا بِإِذْنٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْحَائِطِ نَقْضَهُ) أَيْ: الْجِدَارِ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ أَصْلَ وَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَيْهِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْجِدَارِ أَوْ الْمَوْضُوعِ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ حَجّ، وَلَا يَضُرُّ عَلَى الْأَوَّلِ كَوْنُ الْكَلَامِ فِي الْجُذُوعِ

ص: 406

ذَلِكَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ نَفْسِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَمَقْلُوعًا كَمَا فِي إعَارَةِ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ، قَالَا: وَلَا تَجِيءُ الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ التَّمَلُّكُ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ فَجَازَ أَنْ يَسْتَتْبِعَ الْبِنَاءَ، وَالْجِدَارُ تَابِعٌ فَلَا يَسْتَتْبِعُ، كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ هُنَا، وَلَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ هُنَا مَا يَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ مِنْ أَرْضِ الْبِنَاءِ ثُمَّ رَجَعَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَلْعِ مَعَ الْأَرْشِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْمُسْتَعِيرِ تَفْرِيغَ مِلْكِهِ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْقَلْعِ هُنَا تَوَجَّهَتْ إلَى مَا هُوَ بِمِلْكِ الْمُعِيرِ بِجُمْلَتِهِ، وَإِزَالَةُ الطَّرَفِ عَنْ مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ جَاءَتْ بِطَرِيقِ اللَّازِمِ، بِخِلَافِ الْحِصَّةِ مِنْ الْأَرْضِ فَنَظِيرُ مَا هُنَاكَ إعَارَةُ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ (وَقِيلَ فَائِدَتُهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ فَقَطْ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْقَلْعِ يَتَعَدَّى إلَى خَالِصِ مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ؛ إذْ الْجُذُوعُ إذَا ارْتَفَعَتْ أَطْرَافُهَا عَنْ جِدَارٍ لَا تُسْتَمْلَكُ عَلَى الْجِدَارِ الْآخَرِ وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ.

(وَلَوْ)(رَضِيَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ) وَقُلْنَا بِمَنْعِ الْإِجْبَارِ (فَإِنْ)(أَجَّرَ رَأْسَ الْجِدَارِ لِلْبِنَاءِ) عَلَيْهِ (فَهُوَ إجَارَةٌ) كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الَّتِي تُسْتَأْجَرُ لِلْمَنَافِعِ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا بَيَانُ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَتَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى دَوَامِهِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ التَّأْقِيتُ كَالنِّكَاحِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ وَقْفًا عَلَيْهِ مَثَلًا وَأَجَّرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمُدَّةِ قَطْعًا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَاعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِامْتِنَاعِ شَائِبَةِ الْبَيْعِ فِيهِ (وَإِنْ قَالَ بِعْته لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ أَوْ بِعْت حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ شَوْبُ بَيْعٍ) لِكَوْنِهِ مُؤَبَّدًا (وَإِجَارَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهِ مَنْفَعَةٌ فَقَطْ؛ إذْ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي فِيهَا عَيْنًا، وَلَوْ كَانَ إجَارَةً مَحْضَةً لَاشْتُرِطَ تَأْقِيتُهَا أَوْ بَيْعًا مَحْضًا لَمَلَكَ رَأْسَ الْجِدَارِ صَاحِبُ الْجُذُوعِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ إجَارَةٌ مَحْضَةٌ، وَاغْتُفِرَ فِيهَا التَّأْبِيدُ لِلْحَاجَةِ كَسَوَادِ الْعِرَاقِ، وَرُدَّ بِأَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْجِدَارِ فَإِنَّهُ يَعُودُ حَقُّهُ بِإِعَادَةِ الْجِدَارِ وِفَاقًا.

وَالثَّالِثُ أَنَّهُ بَيْعٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمُشْتَرِي رَأْسَ الْجِدَارِ، هَذَا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةً، فَإِنْ قَدَّرَ انْعَقَدَ إجَارَةً قَطْعًا، قَالَهُ شَارِحُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَيَجُوزُ فِي الْأُجْرَةِ أَنْ تُقَدَّرَ دَفْعَةً كَأَنْ يُقَالَ أُجْرَةُ مِثْلِ هَذَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِمُدَّةِ كَذَا، وَأَنْ تُجْعَلَ مُقَسَّطَةً عَلَى الشُّهُورِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي عَنْ بِرّ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ الْأُجْرَةُ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا كَمَا فِي الْخَرَاجِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا) أَيْ مُسْتَحِقِّ الْقَلْعِ لَا مَجَّانًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ

(قَوْلُهُ: وَلَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ هُنَا) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ يُقْلَعُ وَيَغْرَمُ أَرْشَ نَقْصِهِ

(قَوْلُهُ: وَإِزَالَةُ الطَّرَفِ) أَيْ طَرَفِ الْجُذُوعِ

(قَوْلُهُ: إعَارَةُ الْجِدَارِ) أَيْ لَا الْمُخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا.

(قَوْلُهُ: بَيَانُ الْمُدَّةِ) أَيْ وَلَا بَيَانُ تَقْدِيرِ أُجْرَةِ دَفْعِهِ فَيَكْفِي أَنْ يَقُولَ آجَرْتُك كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا، وَيُغْتَفَرُ الْغَرَرُ فِي الْإِجَارَةِ كَمَا اُغْتُفِرَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَيَصِيرُ كَالْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ، قَالَهُ شَيْخُنَا بِرّ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَمِنْ ذَلِكَ الْأَحْكَارُ الْمَوْجُودَةُ بِمِصْرِنَا فَيُغْتَفَرُ الْغَرَرُ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَقْفًا عَلَيْهِ مَثَلًا) كَمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا وَمُسْتَأْجَرَةٍ

(قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمُدَّةِ) أَيْ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يُخَيَّرُ الْآذِنُ بَيْنَ تَبْقِيَتِهِ بِالْأُجْرَةِ وَالْقَلْعِ مَعَ غَرَامَةِ أَرْشِ النَّقْصِ إنْ أُخْرِجَ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ أَمَّا إنْ كَانَ مَا يَدْفَعُهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ فَلَا يَجُوزُ بَلْ يَتَعَيَّنُ التَّبْقِيَةُ بِالْأُجْرَةِ، وَكَذَا لَوْ انْتَقَلَ الْحَقُّ لِمَنْ بَعْدَ الْآذِنِ يَتَعَيَّنُ التَّبْقِيَةُ بِالْأُجْرَةِ

(قَوْلُهُ: انْعَقَدَ إجَارَةً) وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بِعْتُك؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: لِحَقِّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْقَلْعِ هُنَا إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ هَذَا عَنْ الْقِيلِ الْآتِي بِتَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ عَنْهُ

. (قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ) إنَّمَا لَمْ يُضْمَرْ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِلْقَاضِي. (قَوْلُهُ: لِامْتِنَاعِ شَائِبَةِ الْبَيْعِ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ فِيهَا شَائِبَةُ بَيْعٍ وَإِنْ اقْتَضَتْ مُقَابَلَةُ الْمَتْنِ خِلَافَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ إجَارَةً مَحْضَةً لَاشْتُرِطَ تَأْقِيتُهَا) يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ إجَارَةٌ مَحْضَةٌ وَلَمْ يُشْتَرَطْ تَأْقِيتُهَا. (قَوْلُهُ: انْعَقَدَ إجَارَةً قَطْعًا) اعْلَمْ أَنَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ كَالشِّهَابِ حَجّ مِنْ الصِّحَّةِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ غَيْرُ مُرَادٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشِّهَابُ سم، وَإِلَّا لَنَافَى مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَإِلَّا أَيْ: وَإِنْ أَقَّتَ بِوَقْتٍ فَلَا يَتَأَبَّدُ وَيَتَعَيَّنُ

ص: 407

التَّعْجِيزِ، وَتَجْرِي الْأَوْجُهُ فِيمَا لَوْ عَقَدَا بِلَفْظِ الصُّلْحِ أَيْضًا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ عَمَّا إذَا بَاعَهُ وَشَرَطَ عَدَمَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ قَطْعًا، وَيَنْتَفِعُ بِهِ فِيمَا عَدَا الْبِنَاءَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْبِنَاءِ فِي الْأَصَحِّ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.

وَشَوْبٌ قَالَ فِي الدَّقَائِقِ إنَّهُ الصَّوَابُ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: شَائِبَةٌ تَصْحِيفٌ، وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلتَّصْحِيفِ هُنَا وَصَوَابُهُ التَّحْرِيفُ.

قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَا يَظْهَرُ لِي وَجْهُ التَّصْحِيفِ فِي ذَلِكَ؛ إذْ الشَّوْبُ الْخَلْطُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَخْلُوطِ بِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَالشَّائِبَةُ يُشَابُ بِهَا فَكُلٌّ مِنْهُمَا صَوَابٌ (فَإِذَا بَنَى) بَعْدَ قَوْلِهِ بِعْته لِلْبِنَاءِ أَوْ بِعْت حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ (فَلَيْسَ لِمَالِكِ الْجِدَارِ نَقْضُهُ) أَيْ نَقْضُ بِنَاءِ الْمُشْتَرِي (بِحَالٍ) أَيْ لَا مَجَّانًا وَلَا مَعَ إعْطَاءِ الْأَرْشِ لِاسْتِحْقَاقِهِ دَوَامَ الْبِنَاءِ بِعَقْدٍ لَازِمٍ، نَعَمْ إنْ اشْتَرَى مَالِكُ الْجِدَارِ حَقَّ الْبِنَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي جَازَ الشِّرَاءُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَحِينَئِذٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخَصْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ جَوَّزْنَاهُمَا لَهُ لَوْ أَعَارَ.

وَاسْتَشْكَلَ الْأَذْرَعِيُّ مَا قَالَاهُ مِنْ صِحَّةِ هَذَا الشِّرَاءِ وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ كَالرَّافِعِيِّ عَنْ تَمْكِينِ الْبَائِعِ مِنْ هَدْمِ الْحَائِطِ نَفْسِهِ وَمِنْ مَنْعِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَبْنِيَ إذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ بَنَى، وَلَا شَكَّ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي عَدَمِ التَّمْكِينِ مِنْهُمَا (وَلَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ فَأَعَادَهُ مَالِكُهُ) بِاخْتِيَارِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْجَدِيدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَهَدَمَهُ الْمَالِكُ عُدْوَانًا أَمْ أَجْنَبِيٌّ (فَلِلْمُشْتَرِي إعَادَةُ الْبِنَاءِ) بِتِلْكَ الْآلَةِ أَوْ بِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لَهُ، وَكَمَا لِلْمُشْتَرِي إعَادَةُ الْبِنَاءِ كَذَا لَهُ ابْتِدَاؤُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ بَنَى وَلَوْ لَمْ يَبْنِهِ الْمَالِكُ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْجُذُوعِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

حَقِيقَةَ الْبَيْعِ

(قَوْلُهُ: بِلَفْظِ الصُّلْحِ) أَيْ بِشَرْطِهِ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى إقْرَارٍ وَسَبْقِ خُصُومَةٍ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَ الْقَاضِي

(قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ قَطْعًا) قَضِيَّةُ قَوْلِهِ قَطْعًا أَنَّ فِي جَوَازِ مَا قَبْلَهُ خِلَافًا، وَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ شَوْبٌ إلَخْ أَنَّهُ صَحِيحٌ قَطْعًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ بَيْعًا مَشُوبًا بِإِجَارَةٍ أَوْ إجَارَةً مَحْضَةً أَوْ بَيْعًا مَحْضًا

(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْبِنَاءِ) أَيْ بِأَنْ بَاعَهُ وَأَطْلَقَ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِيمَا عَدَا الْبِنَاءَ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْبِنَاءُ يَحْتَاجُ لِبَيَانِ صِفَتِهِ بِالْأُمُورِ الْآتِيَةِ لَمْ تَنْزِلْ حَالَةُ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَقَدْ يُقَالُ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِرَأْسِ الْجِدَارِ بِسَائِرِ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ

(قَوْلُهُ: قَالَ السُّبْكِيُّ) خَبَرُ قَوْلِهِ: وَقَوْلُ

(قَوْلُهُ: يُشَابُ) أَيْ آلَةٌ يُشَابُ إلَخْ

(قَوْلُهُ: فَكُلٌّ مِنْهُمَا) شَوْبٌ وَشَائِبَةٌ

(قَوْلُهُ: مَالِكُ الْجِدَارِ) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ تَقَايَلَا فِيمَا يَظْهَرُ

(قَوْلُهُ: حَقُّ الْبِنَاءِ) أَيْ بَعْدَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ دُونَ الْجُذُوعِ

(قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ يَتَمَكَّنُ) أَيْ مَالِكُ الْجِدَارِ

(قَوْلُهُ: مِنْ الْخَصْلَتَيْنِ) وَهُمَا الْقَلْعُ وَغَرَامَةُ أَرْشِ النَّقْصِ وَالتَّبْقِيَةُ بِالْأُجْرَةِ

(قَوْلُهُ: وَاسْتَشْكَلَ الْأَذْرَعِيُّ) لَمْ يُبَيِّنْ مَا اسْتَشْكَلَ بِهِ

(قَوْلُهُ: فِي عَدَمِ التَّمْكِينِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْدَمًا، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْعَارِيَّةِ جَوَازُ هَدْمِهِ حِينَئِذٍ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِقُوَّةٍ حَقُّ الْبَانِي هُنَا بِبَذْلِ الْعِوَضِ وَضَعْفِهِ ثَمَّ لِعَدَمِ مِلْكِهِ لِلْمَنْفَعَةِ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ الْهَدْمِ قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَلَفِ مَالِهِ

(قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ) أَيْ الْإِعَادَةُ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ أَهَدَمَهُ) بَيَانٌ لِمَعْنَى الْإِطْلَاقِ

(قَوْلُهُ: الْمَالِكُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُ الْمِلْكِ الْمَوْقُوفُ وَلَوْ مَسْجِدًا فِي عَدَمِ لُزُومِ إعَادَتِهِ إذَا تَعَدَّى وَهَدَمَهُ فَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ التَّفَاوُتُ بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَمَهْدُومًا فَتَنَبَّهْ لَهُ

(قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ وَيَكُونُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

لَفْظُ الْإِجَارَةِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ قَطْعًا) أَيْ كَمَا أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ لِلْبِنَاءِ يَصِحُّ قَطْعًا الَّذِي هُوَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ إذْ الْخِلَافُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بَيْعًا أَوْ إجَارَةً مَحْضَيْنِ أَوْ بَيْعًا فِيهِ شَوْبُ إجَارَةٍ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ هُنَا بِقَوْلِهِ قَطْعًا لِأَجْلِ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الَّذِي بَعْدَهُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَبِيعَ لِلْبِنَاءِ، أَوْ يَشْرِطَ عَدَمَ الْبِنَاءِ، أَوْ يَسْكُتَ فَيَصِحُّ فِي الْأُولَيَيْنِ قَطْعًا وَفِي الثَّالِثَةِ الْخِلَافُ الْآتِي، فَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمَتْنِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ فِيهِ تَفْصِيلٌ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ وَعَدَمُهُ كَمَا عَرَفْت (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ) مِنْ مَقُولِ الدَّقَائِقِ. (قَوْلُهُ: قَالَ السُّبْكِيُّ: إلَخْ) هُوَ اعْتِرَاضٌ ثَانٍ عَلَى

ص: 408

إعَادَتَهُ مِنْ مَالِهِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ بِالِانْهِدَامِ، وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِ الرَّافِعِيِّ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، فَأَمَّا إذَا أَجَّرَ إجَارَةً مُؤَقَّتَةً فَيَجْرِي فِي انْفِسَاخِهَا الْخِلَافُ فِي انْهِدَامِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ هَلْ يُوجِبُ الْفَسْخَ وَمَنْ هَدَمَ السُّفْلَ مِنْ مَالِكٍ أَوْ غَيْرِهِ طُولِبَ بِقِيمَةِ حَقِّ الْبِنَاءِ عَلَى الْعُلُوِّ لِلْحَيْلُولَةِ سَوَاءٌ أَبَنَى الْأَعْلَى أَمْ لَا مَعَ غُرْمِ أَرْشِ النَّقْصِ إنْ كَانَ قَدْ بَنَى وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَمَهْدُومًا، فَإِنْ أُعِيدَ السُّفْلُ اُسْتُعِيدَتْ الْقِيمَةُ لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ، وَلَهُ الْبِنَاءُ إنْ لَمْ يَكُنْ بَنَى، وَإِعَادَتُهُ إنْ كَانَ قَدْ بَنَى، وَلَا يَغْرَمُ الْهَادِمُ أُجْرَةَ الْبِنَاءِ لِمُدَّةِ الْحَيْلُولَةِ.

قَالَ الْإِمَامُ: لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَى التَّأْبِيدِ وَمَا يَتَقَدَّرُ لَا يَنْحَطُّ مِمَّا لَا يَتَنَاهَى.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مُدَّةٍ، وَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ لِلْحَيْلُولَةِ إنَّمَا مَحَلُّهُ عِنْدَ قِيَامِ الْعَيْنِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِوُجُوبِ إعَادَةِ الْجِدَارِ عَلَى مَالِكِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ هَدَمَهُ مَالِكُهُ عُدْوَانًا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ، وَإِنْ هَدَمَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ مَالِكُهُ، وَقَدْ اسْتُهْدِمَ لَمْ يَجِبْ لَكِنْ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ وُجُوبِ إعَادَتِهِ مُطْلَقًا (وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِذْنُ) فِي وَضْعِ الْبِنَاءِ (بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ) وَمَرَّ أَنَّ هَذَا لُغَةٌ صَحِيحَةٌ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ (يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ الْمَوْضِعِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا، وَسُمْكُ الْجُدْرَانِ وَكَيْفِيَّتُهَا) أَيْ كَيْفِيَّةُ الْجُدْرَانِ أَهِيَ مُجَوَّفَةٌ أَمْ مُنَضَّدَةٌ وَهِيَ مَا الْتَصَقَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَكَيْفِيَّةُ السَّقْفِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا) هَلْ هُوَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ أَزَجٍ، وَهُوَ الْعَقْدُ الْمُسَمَّى بِالْقَبْوِ، وَهَلْ هُوَ بِالْقَصَبِ أَوْ بِالْجَرِيدِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْوَزْنِ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ كَانَتْ الْآلَاتُ حَاضِرَةً كَفَتْ مُشَاهَدَتُهَا عَنْ وَصْفِهَا (وَلَوْ أَذِنَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى أَرْضِهِ كَفَى بَيَانُ قَدْرِ مَحَلِّ الْبِنَاءِ) عَنْ مَوْضِعِهِ وَطُولِهِ وَعَرْضِهِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَحْمِلُ كُلَّ شَيْءٍ فَلَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ إلَّا بِقَدْرِ مَكَانِ الْبِنَاءِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْجِدَارُ مِلْكًا لَهُ نَقَضَهُ مَتَى شَاءَ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَعَادَهُ أَحَدُهُمَا بِآلَةِ نَفْسِهِ وَلَهُ بَيْعُهُ أَيْضًا لِمَالِكِ الْأُسِّ وَلِغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ: إنَّهُ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: اخْتِصَاصُ ذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ (قَوْلُهُ: هَلْ يُوجِبُ الْفَسْخَ) أَيْ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يُوجِبُهُ: أَيْ فَكَذَلِكَ هُنَا وَخَرَجَ مَا لَوْ لَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةً فَلَا يَنْفَسِخُ بِالِانْهِدَامِ وَإِنْ عُقِدَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ نَظَرًا لِشَوْبِ الْبَيْعِ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِسْنَوِيُّ فِي قَوْلِهِ الْآتِي قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى إلَخْ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ فِيمَا إذَا قُدِّرَتْ بِمُدَّةٍ أَيْضًا.

هَذَا وَفِيمَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ نَظَرًا لِجَوَازِ أَنَّ الْإِمَامَ قَائِلٌ بِالِانْفِسَاخِ إذَا قُدِّرَتْ بِمُدَّةٍ

(قَوْلُهُ: لِلْحَيْلُولَةِ) أَيْ وَيَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ حَالًا، فَإِنْ أُعِيدَ السُّفْلُ رَدَّ بَدَلَهُ

(قَوْلُهُ: قَائِمًا) أَيْ مُسْتَحِقَّ الْإِبْقَاءِ

(قَوْلُهُ: أُجْرَةَ الْبِنَاءِ) أَيْ لَا يَغْرَمُ أُجْرَةَ مَا مَضَى قَبْلَ إعَادَتِهِ

(قَوْلُهُ: عَدَمُ الْوُجُوبِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُدَّةُ مُعَيَّنَةً أَمْ لَا

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ) نَقَلَهُ حَجّ عَنْ بَحْثِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ

(قَوْلُهُ: لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ الِانْفِسَاخُ، وَالْكَلَامُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا جَرَى بِلَفْظِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْفَسِخُ بِالِانْهِدَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَمَّا إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ أَوْ كَانَ الِانْهِدَامُ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ كَانَ الْمُرَادُ بِالْفَسْخِ حَقِيقَتَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَارَةِ

(قَوْلُهُ: وَقَدْ مَرَّ أَنَّ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْهَادِمُ الْمَالِكَ أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: عَنْ وَصْفِهَا) أَيْ فِي بَيَانِ صِفَةِ السَّقْفِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهِ، فَرُؤْيَةُ الْآلَةِ إذَا كَانَتْ خَشَبًا تُغْنِي عَنْ وَصْفِهِ بِكَوْنِهِ أَزَجًا أَوْ غَيْرَهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَذِنَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى أَرْضِهِ) قَالَ حَجّ: بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ بَيْعٍ اهـ

(قَوْلُهُ: وَطُولِهِ وَعَرْضِهِ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

الدَّقَائِقِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: فَأَمَّا إذَا أَجَّرَ إجَارَةً مُؤَقَّتَةً) سَكَتَ عَنْ غَيْرِ الْمُؤَقَّتَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ النَّحْوِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ حَاشِيَةَ الزِّيَادِيِّ صَرِيحَةً فِيمَا ذَكَرْتُهُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُصَرِّحُوا إلَخْ) هَذَا

ص: 409

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَسَكَتُوا عَنْ حَفْرِ الْأَسَاسِ.

وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ بَيَانِ قَدْرِهِ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ، فَإِنَّ الْمَالِكَ قَدْ يَحْفِرُ سِرْدَابًا أَوْ غَيْرَهُ تَحْتَ الْبِنَاءِ لِيَنْتَفِعَ بِأَرْضِهِ، وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مُزَاحَمَةَ تَعْمِيقِ الْأَسَاسِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إيجَارُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهَا وَلَا بَيْعُ الْبِنَاءِ فِيهَا إلَّا بَعْدَ حَفْرِ الْأَسَاسِ لِيَرَى مَا يُؤَجِّرُهُ أَوْ يَبِيعُهُ أَوْ يَبِيعُ حُقُوقَهُ.

اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الْأَرْضِ صَخْرَةً لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُحْفَرَ لِلْبِنَاءِ أَسَاسٌ، أَوْ يَكُونَ الْبِنَاءُ خَفِيفًا لَا يَحْتَاجُ إلَى أَسَاسٍ، وَالْبَحْثُ الْأَخِيرُ مَحَلُّهُ إذَا أَجَّرَهُ لِيَبْنِيَ عَلَى الْأَسَاسِ لَا فِيمَا إذَا أَجَّرَهُ الْأَرْضَ لِيَبْنِيَ عَلَيْهَا وَبَيَّنَ لَهُ مَوْضِعَ الْأَسَاسِ وَطُولَهُ وَعَرْضَهُ وَعُمْقَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّامِلِ.

(وَأَمَّا)(الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ) بَيْنَ اثْنَيْنِ (فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَضْعُ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ) وَلَا ظَنِّ رِضًا (فِي الْجَدِيدِ) هَذَانِ الْقَوْلَانِ هُمَا السَّابِقَانِ فِي جِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ، وَقَدْ مَرَّ تَوْجِيهُهُمَا (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتِدًا) بِكَسْرِ التَّاءِ فِيهِمَا (أَوْ يَفْتَحَ) مِنْهُ (كَوَّةً بِلَا إذْنٍ) كَبَقِيَّةِ الْمُشْتَرَكَاتِ، وَكَذَا لَا يُتَرِّبُ الْكُتَّابَ بِتُرَابِهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ رِضَاهُ كَكُلِّ مَا يُضَايَقُ فِيهِ عَادَةً، فَإِنْ أَذِنَ جَازَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بِعِوَضٍ فِي مَسْأَلَةِ الْكَوَّةِ، وَإِلَّا كَانَ صُلْحًا عَنْ الضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ.

قَالَ: وَإِذَا فَتَحَ بِالْإِذْنِ فَلَيْسَ لَهُ السَّدُّ أَيْضًا إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ وَلَمْ يَجِبْ ذِكْرُ سَمَكِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ اهـ مَحَلِّيٌّ وحج.

وَعَلَيْهِ فَلَوْ شَرَطَا قَدْرًا مِنْ السُّمْكِ كَعَشَرَةِ أَذْرُعٍ مَثَلًا فَهَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ أَوْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ مُطْلَقًا أَوْ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَإِنَّ مُقْتَضَى بَيْعِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا الْمُشْتَرِي بِمَا أَرَادَ فَشَرْطُ خِلَافِهِ يُبْطِلُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوْلَى وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمَحَلِّيُّ وحج، وَلَمْ يَجِبْ ذِكْرُ سُمْكِهِ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ نَفْيِ الْوُجُوبِ جَوَازُهُ، وَلَا مَعْنَى لِجَوَازِ ذِكْرِهِ إلَّا وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا ذُكِرَ بَيْعُ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ بَلْ هَذَا إمَّا إجَارَةٌ أَوْ بَيْعٌ فِيهِ شَوْبُ إجَارَةٍ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَيْسَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْأَرْضَ مِنْ حَيْثُ هِيَ بَلْ الْأَرْضُ لِبِنَاءِ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا وَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ السُّمْكِ كَمَا قِيلَ بِهِ لَكِنَّهُمْ اغْتَفَرُوا عَدَمَ ذِكْرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ لَوْ ذَكَرَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ

(قَوْلُهُ: وَالْبَحْثُ الْأَخِيرُ) هُوَ قَوْلُهُ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إيجَارُ الْأَرْضِ.

(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَضْعُ جُذُوعِهِ وَلَا هَدْمُهُ) فَلَوْ فَعَلَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ضَمِنَ أَرْشَ نَقْصِهِ، وَهُوَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَمَهْدُومًا وَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَيْضًا الْبِنَاءُ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْ الْجُذُوعِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْجُذُوعِ لِكَوْنِهَا مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ) أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ هَدَمَ مَجَّانًا، وَإِنْ كَانَ مَا بَنَى عَلَيْهِ مُشْتَرَكًا لِتَعَدِّيهِ.

[فَائِدَةٌ] لَوْ وَضَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَادَّعَى أَنَّ شَرِيكَهُ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ وَيُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ أَقَامَهَا فَذَاكَ، وَإِلَّا هَدَمَ مَا بَنَاهُ مَجَّانًا.

وَمِثْلُ صَاحِبِ الْجِدَارِ وَارِثُهُ فَيُقَالُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَلِمَ وَضْعَهُ فِي زَمَنِ الْمُوَرِّثِ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ فَلَا يُهْدَمُ

(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتِدَ فِيهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ الْوَجْهَ الْمُقَابِلَ لِمِلْكِهِ حَتَّى يَتَصَرَّفَ فِيهِ.

وَمِنْ ثَمَّ لَوْ اسْتُهْدِمَ مِنْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ كَانَ كَمَا لَوْ انْهَدَمَ بِكَمَالِهِ عَلَى مَا يَأْتِي

(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَذِنَ) أَيْ فِي وَضْعِ الْجُذُوعِ فَهُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ

(قَوْلُهُ: جَازَ) أَيْ ثُمَّ إنْ كَانَ بِعِوَضٍ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْوَضْعِ مُطْلَقًا، وَكَذَا بَعْدَهُ لَكِنْ لِأَخْذِ الْأُجْرَةِ لَا لِقَلْعِهِ مَعَ غَرَامَةِ أَرْشِ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فَلَا يُكَلَّفُ إزَالَةَ مِلْكِهِ عَنْ مِلْكِهِ

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا كَانَ صُلْحًا) أَيْ وَهُوَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَتَعَقَّبَهُ الشِّهَابُ حَجّ بِأَنَّ كَلَامَ الدَّارِمِيِّ مُصَرِّحٌ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْبَحْثُ الْأَخِيرُ)

ص: 410

فِي مِلْكِ الْغَيْرِ. .

(وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَيْهِ وَيَسْنُدَ مَتَاعًا لَا يَضُرُّ وَلَهُ ذَلِكَ فِي جِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ) وَإِنْ مَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ الْمَنْعُ مِنْهُ عِنَادٌ مَحْضٌ، وَهُوَ كَالِاسْتِضَاءَةِ بِسِرَاجِ غَيْرِهِ وَالِاسْتِظْلَالِ بِجِدَارِهِ، وَقَوْلُهُ: لَا يَضُرُّ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ (وَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُ شَرِيكِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ فِي الْجَدِيدِ) لِخَبَرِ «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» .

وَأَمَّا خَبَرُ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فَمَخْصُوصٌ بِغَيْرِ هَذَا؛ إذْ الْمُمْتَنِعُ يَتَضَرَّرُ أَيْضًا بِتَكْلِيفِهِ الْعِمَارَةَ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي نَهْرٍ وَقَنَاةٍ وَبِئْرٍ مُشْتَرَكَةٍ وَاِتِّخَاذِ سُتْرَةٍ بَيْنَ سَطْحَيْهِمَا وَنَحْوِ ذَلِكَ كَزِرَاعَةِ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ وَكَسَقْيِ نَبَاتٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَوْلُ الْجُورِيُّ: يَلْزَمُ أَنْ يَسْقِيَ الْأَشْجَارَ اتِّفَاقًا ضَعِيفٌ، وَالْقَدِيمُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْعُلُوِّ الْإِجْبَارُ صِيَانَةً لِلْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ عَنْ التَّعْطِيلِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْقَوْلَيْنِ بِمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، فَلَوْ كَانَ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَمَصْلَحَتُهُ فِي الْعِمَارَةِ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ الْمُوَافَقَةُ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُمَا فِي غَيْرِ الْوَقْفِ.

أَمَّا هُوَ فَتَجِبُ عَلَى الشَّرِيكِ فِيهِ الْعِمَارَةُ، فَلَوْ قَالَ أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لَا أَعْمُرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا أَعْمُرُ أُجْبِرَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لَا يَجُوزُ.

(قَوْلُهُ: وَيَسْنُدُ مَتَاعًا) وَخَرَجَ بِالْجِدَارِ الِانْتِفَاعُ بِأَمْتِعَةِ غَيْرِهِ كَالتَّغَطِّي بِثَوْبٍ لَهُ مُدَّةً لَا تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ، وَلَا تُورِثُ نَقْصًا فِي الْعَيْنِ بِوَجْهٍ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَخْذُ كِتَابِ غَيْرِهِ مَثَلًا بِلَا إذْنٍ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَهُوَ حَرَامٌ

(قَوْلُهُ: لَا يَضُرُّ) أَمَّا مَا يَضُرُّ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ إلَّا بِإِذْنٍ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَسْنَدَ جَمَاعَةٌ أَمْتِعَةً مُتَعَدِّدَةً وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَضُرُّ وَجُمْلَتُهَا تَضُرُّ فَإِنْ وَقَعَ فِعْلُهُمْ مَعًا مُنِعُوا كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ وَقَعَ مُرَتَّبًا مُنِعَ مَنْ حَصَلَ بِفِعْلِهِ الضَّرَرُ دُونَ غَيْرِهِ وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِيمَا لَوْ اسْتَنَدُوا لِلْجِدَارِ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا يُقَالُ فِي الِاسْتِنَادِ إلَى أَثْقَالِ الْغَيْرِ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ مَنَعَ الْمَالِكُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَانِعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُتَسَامَحُ بِهِ عَادَةً فَالْمَنْعُ مِنْهُ مَحْضُ عِنَادٍ

(قَوْلُهُ: وَكَسَقْيِ نَبَاتٍ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي فِي إعَادَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ مِنْ الْمَنْعِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ السَّقْيَ هُنَا مِنْ مَاءٍ مُشْتَرَكٍ مُعَدٍّ لِسَقْيِ ذَلِكَ النَّبَاتِ مِنْهُ مُنِعَ.

وَمِمَّا مَرَّ فِي الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا السَّقْيَ بِمَاءٍ مَمْلُوكٍ لَهُ أَوْ مُبَاحٍ لَمْ يُمْنَعْ حَيْثُ لَمْ يَضُرَّ بِالزَّرْعِ فَلْيُرَاجَعْ

(قَوْلُهُ: وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ) أَيْ أَمَّا إذَا كَانَ الطَّالِبُ وَلِيَّ الطِّفْلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى شَرِيكِهِ الْمُوَافَقَةُ، وَكَذَا لَوْ طَلَبَ نَاظِرُ الْوَقْفِ مِنْ شَرِيكِهِ الْمَالِكِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ مُوَافَقَتُهُ، وَظَاهِرُهُ: وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى ضَيَاعِ الْوَقْفِ وَمَالِ الطِّفْلِ.

وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى إجَارَةِ الْأَرْضِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ.

وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ شَرِكَةً بَيْنَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَوَقْفٍ وَتَعَارَضَتْ عَلَيْهِ مَصْلَحَتَاهُمَا فَهَلْ تُقَدَّمُ مَصْلَحَةُ الْوَقْفِ أَوْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَبَ بَعْضُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الْعِمَارَةَ مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ الْمُوَافَقَةُ حَيْثُ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْوَقْفِ

(قَوْلُهُ: أُجْبِرَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الطَّالِبَ وَالْمَطْلُوبَ مِنْهُ مُشْتَرَكَانِ فِي الْوَقْفِ وَهُمْ مُشْتَرَكُونَ فِي النَّظَرِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ النَّاظِرِ لَا تُطْلَبُ مِنْهُ الْعِمَارَةُ وَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ فِعْلُهَا بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ النَّاظِرِ، أَمَّا إذَا كَانَ لِشَخْصٍ شَرِكَةٌ فِي وَقْفٍ وَطَلَبَ مِنْ النَّاظِرِ الْعِمَارَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْمُؤَلِّفُ كَذَا بِهَامِشٍ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَطَلَبَ مِنْ النَّاظِرِ أَنَّ غَيْرَ النَّاظِرِ مِنْ أَرْبَابِ الْوَقْفِ وَلَوْ مُسْتَأْجِرًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِمَارَةُ وَإِنْ أَدَّى عَدَمُ عِمَارَتِهِ إلَى خَرَابِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

يَعْنِي قَوْلَهُ بَلْ يَنْبَغِي إلَخْ

. (قَوْلُهُ: فِي مَسْأَلَةِ الْعُلُوِّ) يَعْنِي إذَا كَانَ عُلُوُّ الدَّارِ لِوَاحِدٍ وَسُفْلُهَا لِآخَرَ فَانْهَدَمَتْ وَطَلَبَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ مِنْ صَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يُعِيدَ سُفْلَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْقَوْلَيْنِ يَجْرِيَانِ فِيهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ لَكِنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْهَا قَبْلُ. (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ:) وَسَبَقَهُ إلَيْهِ شَيْخُهُ الْأَذْرَعِيُّ جَازَ مَا بِهِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ. (قَوْلُهُ: فَتَجِبُ عَلَى الشَّرِيكِ)

ص: 411

الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ بَقَاءِ عَيْنِ الْوَقْفِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى إجَارَةِ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ وَبِهَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ (فَإِنْ أَرَادَ) الشَّرِيكُ (إعَادَةَ مُنْهَدِمٍ بِآلَةٍ لِنَفْسِهِ لَمْ يُمْنَعْ) لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ بِذَلِكَ وَيَنْفَرِدَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَشَمَلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ كَانَ الْأُسُّ مُشْتَرَكًا، وَهُوَ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْبَارِزِيِّ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي وُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ وَلِتَقْصِيرِ الْمُمْتَنِعِ فِي الْجُمْلَةِ وَلِأَنَّ لِلْبَانِي حَقًّا فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ الْإِعَادَةُ لِأَجْلِ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الِانْهِدَامِ بِنَاءٌ أَوْ جُذُوعٌ أَمْ لَا (وَيَكُونُ الْمُعَادُ) بِمَالِ نَفْسِهِ (مِلْكَهُ يَضَعُ عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُضُهُ إذَا شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ بِآلَتِهِ وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ لِلْمُمْتَنَعِ عَلَيْهِ حَمْلٌ فَهُوَ عَلَى حَالِهِ (وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ: لَا تَنْقُضْهُ وَأَغْرَمُ لَك حِصَّتِي) (لَمْ تَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ) كَمَا لَا يَلْزَمُهُ ابْتِدَاءُ الْعِمَارَةِ، وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَى الْبِئْرِ أَوْ النَّهْرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الشَّرِيكِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ إلَّا إنْ أَدَارَهُ بِنَحْوِ دُولَابِهِ الْمُحْدَثِ (وَإِنْ أَرَادَ إعَادَتَهُ بِنَقْضِهِ الْمُشْتَرَكَ فَلِلْآخَرِ مَنْعُهُ) كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ جَوَازَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَنْعِ.

قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ بِلَا شَكٍّ، وَالنِّقْضُ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا وَجَمْعُهُمَا أَنْقَاضٌ قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ (وَلَوْ تَعَاوَنَا عَلَى إعَادَتِهِ بِنَقْضِهِ)(عَادَ مُشْتَرَكًا كَمَا كَانَ) سَوَاءٌ أَتَعَاوَنَا بِبَدَنِهِمَا أَمْ بِإِخْرَاجِ أُجْرَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْعَمَلِ، وَالْجِدَارُ وَالْعَرْصَةُ، فَلَوْ شَرَطَ زِيَادَةً لَمْ يَصِحَّ (وَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا) بِالْإِعَادَةِ بِالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ (وَشَرَطَ لَهُ الْآخَرُ زِيَادَةً) عَلَى حِصَّتِهِ كَسُدُسٍ (جَازَ وَكَانَتْ) الزِّيَادَةُ (فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ) وَمَحَلُّ هَذَا إذَا جَعَلَ لَهُ الزِّيَادَةَ مِنْ النِّقْضِ وَالْعَرْصَةِ حَالًّا فَإِنْ شَرَطَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُؤَجَّلُ، قَالَهُ الْإِمَامُ كَمَا لَوْ شُرِطَ لِلْمُرْضِعَةِ جُزْءٌ مِنْ الرَّقِيقِ الْمُرْتَضَعِ، وَلَوْ أَعَادَهُ بِآلَةِ أَحَدِهِمَا وَشَرَطَ لَهُ الْآخَرُ ثُلُثَيْ الْجِدَارِ جَازَ وَيَكُونُ قَدْ قَابَلَ ثُلُثَ الْآلَةِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ وَعَمَلُهُ بِسُدُسِ الْعَرْصَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَا يَخْفَى، أَنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ

(قَوْلُهُ: بِآلَةٍ لِنَفْسِهِ) هَذَا مَفْرُوضٌ فِي الْجِدَارِ فَلَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي دَارٍ انْهَدَمَتْ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا إعَادَتَهَا بِآلَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِابْنِ الْمُقْرِي اهـ زِيَادِيٌّ وَسَمِّ عَلَى مَنْهَجٍ نَقْلًا عَنْ م ر.

وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَشٌّ مُشْتَرَكٌ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا إعَادَتَهُ بِآلَةِ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا قِيلَ بِهِ فِي الدَّارِ (قَوْلُهُ لَمْ يُمْنَعْ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ امْتِنَاعٌ مِنْ الشَّرِيكِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ هـ فِي قَوْلِهِ: وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ جَوَازَ إلَخْ، لَكِنْ قَيَّدَهُ حَجّ بِمَا إذَا سَبَقَ الِامْتِنَاعُ، وَإِلَّا حُرِّمَتْ الْإِعَادَةُ وَجَازَ لِلشَّرِيكِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ أَوْ إلْزَامُ الْمُعِيدِ لِلنَّقْضِ لِيُعِيدَهُ مُشْتَرَكًا كَمَا كَانَ

(قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ إذَا شَاءَ) وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُعِيدَ أُجْرَةُ الْأُسِّ لِشَرِيكِهِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ حَيْثُ كَانَ الْأُسُّ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ

(قَوْلُهُ: فَهُوَ عَلَى حَالِهِ) أَيْ مِنْ إعَادَتِهِ بَعْدَ إعَادَةِ الْجِدَارِ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ لَهُ الْوَضْعُ عَلَى الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا، وَالْمَعَادُ مُخْتَصٌّ بِالْبَانِي لَا حَقَّ لِصَاحِبِ الْحِمْلِ فِيهِ لَمْ يَبْعُدْ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ اتَّفَقَ) أَيْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ

(قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الشَّرِيكِ إلَخْ) أَيْ وَلِلْبَانِي نَقْضُ الْبِنَاءِ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فِي الْجِدَارِ

(قَوْلُهُ: وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ) أَيْ قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ إعَادَةَ مُنْهَدِمٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: جَوَازُ الْإِقْدَامِ) خِلَافًا لحج

(قَوْلُهُ: مِنْ الرَّقِيقِ الْمُرْتَضَعِ) أَيْ بَعْدَ الْفِطَامِ، أَمَّا حَالًا فَيَجُوزُ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعَادَهُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ

(قَوْلُهُ: أَنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ) أَيْ فِيمَا لَوْ أَعَادَهُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَيْ: الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ أَيْ: وَالصُّورَةُ أَنَّ لَهُ نَظَرًا كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ) اُنْظُرْ مَا مُرَادُهُ بِذَلِكَ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِهِ مَا فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فَلْتُرَاجَعْ عِبَارَتُهُمَا هُنَا (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلَوْ أَرَادَ إعَادَةَ مُنْهَدِمٍ) يَعْنِي خُصُوصَ الْجِدَارِ فَلَا يَجْرِي ذَلِكَ فِي الدَّارِ وَنَحْوِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي تَمْشِيَتِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الزِّيَادِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ) يَعْنِي الْجِدَارَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ) أَيْ: فَالصُّورَةُ أَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِيمَا أَخْرَجَاهُ مِنْ الْأُجْرَةِ

ص: 412

الْعِلْمُ بِالْآلَاتِ وَبِصِفَاتِ الْجُدْرَانِ.

(وَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ وَإِلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِهِ عَلَى مَالٍ) كَحَقِّ الْبِنَاءِ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ فِي الثَّلْجِ إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ لَا فِي سَطْحٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، بِخِلَافِ الْمَاءِ حَيْثُ يَجُوزُ فِيهِمَا هَذَا فِي الْمَاءِ الْمَجْلُوبِ مِنْ نَهْرٍ وَنَحْوِهِ إلَى أَرْضِهِ أَوْ الْحَاصِلِ إلَى سَطْحِهِ مِنْ الْمَطَرِ، أَمَّا مَاءُ غُسَالَةِ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى إجْرَائِهَا عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ، كَذَا قَالَاهُ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي، وَاعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ إذَا بَيَّنَ قَدْرَ الْجَارِي إذَا كَانَ عَلَى السَّطْحِ وَبَيَّنَ مَوْضِعَ الْجَرَيَانِ إذَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ، وَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الْبِنَاءِ فَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَبْنِي، وَغَسْلُ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي لَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ النَّاسِ أَوْ الْغَالِبِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِآلَةِ أَحَدِهِمَا إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَبِصِفَاتِ الْجُدْرَانِ) وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ: عَمِّرْ دَارِيَ بِآلَتِك لِتَرْجِعَ عَلَيَّ لَمْ يَرْجِعْ لِتَعَذُّرِ الْبَيْعِ أَوْ بِآلَتِي لِتَرْجِعَ عَلَيَّ بِمَا صَرَفْته رَجَعَ بِهِ كَأَنْفِقْ عَلَى زَوْجَتِي أَوْ غُلَامِي وَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ مِثْلَ أُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا اهـ حَجّ.

وَاسْتَشْكَلَ سم عَلَيْهِ تَعَذُّرَ الْبَيْعِ هُنَا بِعَدَمِ تَعَذُّرِهِ فِيمَا لَوْ أَعَادَ الْجِدَارَ أَحَدُ الْمَالِكَيْنِ بِآلَةِ نَفْسِهِ وَشَرَطَ لَهُ الْآخَرُ ثُلُثَيْ الْجِدَارِ حَيْثُ صَحَّ وَمَلَكَ آلَةَ الْمُعِيدِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْجِدَارِ إنَّمَا صَحَّ لِلْعِلْمِ بِالْآلَةِ وَصِفَاتِ الْجُدْرَانِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَفِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ، فَلَوْ عُلِمَتْ الْآلَاتُ كَقَوْلِهِ عَمِّرْ دَارِيَ بِآلَتِك هَذِهِ وَعَلِمَ وَصْفَ الْبِنَاءِ صَحَّ فَالْمَسْأَلَتَانِ سَوَاءٌ، هَذَا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَمَا ذَكَرَ فِي الْقَرْضِ مِنْ أَنَّ عَمِّرْ دَارِيَ لِتَرْجِعَ عَلَيَّ قَرْضٌ حُكْمِيٌّ لِمَا صَرَفَهُ عَلَى الْعِمَارَةِ فَيَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَ الْآلَةَ فِيهِ لِمَالِكِ الدَّارِ، وَاَلَّذِي يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ هُوَ مَا صَرَفَهُ، فَالْعُمْلَةُ كَأَنَّهُمْ وُكَلَاءُ فِي الْقَبْضِ وَمَا هُنَا الْآلَةُ فِيهِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ، وَقَوْلُهُ لِتَرْجِعَ عَلَيَّ: أَيْ بِثَمَنِ الْآلَاتِ، وَقَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ الْبَيْعِ قَالَ سم عَلَيْهِ لَمْ يَتَعَذَّرْ، وَفِي هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ اهـ.

أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا تَعَذَّرَ الْبَيْعُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْمَبِيعِ، فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ كَوْنُهُ بَيْعًا حَكِيمًا وَتَعَذَّرَتْ الْإِجَارَةُ لِعَدَمِ وُرُودِهَا عَلَى مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرَ مَا يَبْنِي بِهِ وَلَا عَلِمَ قَدْرَهُ.

(قَوْلُهُ: عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ) وَمِنْهُ الصُّلْحُ عَلَى إخْرَاجِ مِيزَابٍ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ فِيهِمَا) أَيْ الْأَرْضِ وَالسَّطْحِ (قَوْلُهُ: إلَى أَرْضِهِ) قَالَ حَجّ: وَخَرَجَ مَاءُ نَحْوِ النَّهْرِ مِنْ سَطْحٍ إلَى سَطْحٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْجَهْلِ بِذَلِكَ مَعَ عَدَمِ مَسِّ الْحَاجَةِ إلَيْهِ اهـ.

وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ إجْرَاءِ مَاءِ النَّهْرِ مِنْ سَطْحٍ إلَى أَرْضٍ وَيَشْمَلُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ إلَى أَرْضِهِ

(قَوْلُهُ: عَلَى إجْرَائِهَا) أَيْ لَا فِي سَطْحٍ وَلَا أَرْضٍ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ

(قَوْلُهُ: عَلَى مَالٍ) أَفْهَمَ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ مَالٍ لَا يَمْتَنِعُ، وَيَكُونُ إعَارَةً لِلْأَرْضِ الَّتِي يَصِلُ إلَيْهَا الْمَاءُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ) أَيْ وَلِأَنَّهُ يَفْعَلُ عَنْ اخْتِيَارٍ بِخِلَافِ مَاءِ الْمَطَرِ.

[فَرْعٌ] قَالَ صَالَحْتُك عَلَى إجْرَاءِ الْمَطَرِ عَلَى سَطْحِ دَارِك كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا، قَالَ الْمُتَوَلِّي يَصِحُّ وَيُغْتَفَرُ الْغَرَرُ فِي الْأُجْرَةِ كَمَا اُغْتُفِرَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَيَصِيرُ كَالْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ، قَالَهُ برسم عَلَى مَنْهَجٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ مَطَرٌ فِي بَعْضِ السِّنِينَ لَمْ يَسْتَحِقَّ لَهُ أُجْرَةً [فَرْعٌ] مَاءُ الْمَطَرِ النَّازِلِ فِي الْمَسْجِدِ هَلْ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ فِيهِ مَكَانٌ عُدَّ لِجَمْعِهِ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ يَأْتِي الْمَسْجِدَ كَانَ مِلْكًا لَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ فَتَاوَى حَجّ مَا يُوَافِقُهُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

مَثَلًا، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: بِبَدَنِهِمَا أَوْ بِأُجْرَةٍ أَخْرَجَاهَا بِحَسَبِ مِلْكَيْهِمَا فَلْتُرَاجَعْ

. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ) أَيْ: وَمَاءُ الْمَطَرِ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا إلَّا أَنَّهُ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَهُوَ عَقْدٌ جُوِّزَ

لِلْحَاجَةِ

كَمَا قَالُوهُ. (قَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ) هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ تَقْيِيدٌ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ لَا اعْتِرَاضَ إذْ كَلَامُهُمَا مَفْرُوضٌ فِي أَنَّهُ مَجْهُولُ الَّذِي هُوَ الْغَالِبُ

ص: 413

وَهُوَ بِلَا شَكٍّ يَزِيدُ عَلَى حَاجَةِ الْبِنَاءِ، فَمَنْ بَنَى حَمَّامًا وَبِجَانِبِهِ أَرْضٌ لِغَيْرِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ حَقَّ مَمَرِّ الْمَاءِ فَلَا تَوَقُّفَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ بَلْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ، فَلَعَلَّ مُرَادَ الْمُتَوَلِّي مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ عَلَى السَّطْحِ، وَلَمْ يَحْصُلْ الْبَيَانُ فِي قَدْرِ مَا يُصَبُّ وَشَرْطُ الْمُصَالَحَةِ عَلَى إجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَصْرِفٌ إلَى الطَّرِيقِ إلَّا بِمُرُورِهِ عَلَى سَطْحِ جَارِهِ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا قَالَهُ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ وَغَيْرِهِ، قَالَ: لَكِنْ يُعْتَبَرُ هُنَا أَمْرَانِ: التَّأْقِيتُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَلَا يُمْكِنُهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، وَأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ سَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إحْدَاثُ سَاقِيَةٍ فِيهَا ابْتِدَاءً، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ نَاظِرًا مُصَالَحَةَ غَيْرِهِ عَلَى إجْرَاءِ مَاءٍ فِي سَاقِيَةٍ مَحْفُورَةٍ بِالْأَرْضِ الْمَحْفُورَةِ لَا لِيَحْفِرَ فِيهَا سَاقِيَةً، وَعَلَى إجْرَائِهِ عَلَى سَطْحِ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ إنْ قُدِّرَ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ لَا مُطْلَقًا لِحَقِّ الْبَطْنِ الثَّانِي، نَعَمْ إنْ صَالَحَ بِلَا مَالٍ جَازَ، وَكَانَ عَارِيَّةً قَالَ الْعَبَّادِيُّ: وَلَوْ أَذِنَ صَاحِبُ الدَّارِ لِإِنْسَانٍ فِي حَفْرِ بِئْرٍ تَحْتَ دَارِهِ ثُمَّ بَاعَهَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ كَالْبَائِعِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ حُقُوقِ الدَّارِ كَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا بِإِعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ انْقَضَتْ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي مَا ثَبَتَ لِلْبَائِعِ اهـ.

وَلَوْ بَنَى عَلَى سَطْحِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ مَا يَمْنَعُ نُفُوذَ مَاءِ الْمَطَرِ نَقَبَهُ الْمُشْتَرِي، وَالْمُسْتَأْجِرُ لَا الْمُسْتَعِيرُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى مُسْتَحِقِّ إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ مُشَارَكَتُهُ فِي الْعِمَارَةِ لَهُ إذَا انْهَدَمَ وَلَوْ بِسَبَبِ الْمَاءِ، وَأَمَّا الْأَرْضُ فَلَا حَاجَةَ فِي الْعَارِيَّةِ لَهَا إلَى بَيَانٍ؛ لِأَنَّهَا يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ وَهِيَ تَحْمِلُ مَا تَحْمِلُ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِإِجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهَا وَجَبَ بَيَانُ مَوْضِعِ الْمُجْرَاةِ وَطُولِهَا وَعَرْضِهَا وَعُمْقِهَا وَقَدْرِ الْمُدَّةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إبْقَاءُ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِجَارَةُ مُقَدَّرَةً بِمُدَّةٍ أَمْ لَا،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فَرَاجِعْهُ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ هَذَا مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا أَنْ تُبْنَى الصَّهَارِيجُ بِجَانِبِ الْخَلِيجِ الْحَاكِمِيِّ، وَيُجْعَلَ لَهَا طَاقَاتٌ بِقَصْدِ أَنْ تُمْلَأَ مِنْهُ إذَا جَاءَ الْمَاءُ وَيُفْعَلَ كَذَلِكَ، فَبِدُخُولِ الْمَاءِ فِيهَا يَصِيرُ مِلْكًا لِمَنْ قَصَدَ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى إبَاحَتِهِ بَلْ يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا أَعَدَّهُ الْوَاقِفُ لَهُ

(قَوْلُهُ: فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ) أَيْ أَوْ السَّطْحِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَعَلَى إجْرَائِهِ عَلَى سَطْحِ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ

(قَوْلُهُ: الْمَحْفُورَةِ) صَوَابُهُ الْمَوْقُوفَةُ

(قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ صَالَحَ) مُحْتَرَزُ قَوْلُهُ أَوَّلًا: أَمَّا مَاءُ غُسَالَةِ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي فَلَا يَجُوزُ إلَخْ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَمَّا إنْ صَالَحَ بِلَا مَالٍ إلَخْ (قَوْلُهُ ثُمَّ بَاعَهَا) أَيْ الدَّارَ

(قَوْلُهُ: كَالْبَائِعِ) أَيْ حَيْثُ أَذِنَ لَهُ مَجَّانًا، فَلَوْ كَانَ أَذِنَ لَهُ بِبَيْعٍ أَوْ أُجْرَةٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ، وَإِذَا رَجَعَ تَخَيَّرَ بَيْنَ طَمِّهِ وَأَرْشِ نَقْصِهِ، وَهُوَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ كَوْنِهِ مَبْنِيًّا مُنْتَفَعًا بِهِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَطْمُومًا خَالِيًا مِنْ الْبِنَاءِ وَبَيْنَ إبْقَائِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَبَيْنَ تَمَلُّكِ مَا بَنَاهُ بِالْقِيمَةِ

(قَوْلُهُ: ثَبَتَ) أَيْ فَيُقَالُ ثَبَتَ إلَخْ

(قَوْلُهُ: بَعْدَ الْعَقْدِ) أَيْ لِلْبَيْعِ أَوْ الْأُجْرَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْأَرْضُ) اُنْظُرْ مَا الَّذِي خَرَجَ بِهِ هَذَا فِي كَلَامِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَيُقَابِلُهُ قَوْلُهُ الْآتِي وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِإِجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهَا إلَخْ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ أَعَارَ الْأَرْضَ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) يُتَأَمَّلُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ وَقَدَّرَ الْمُدَّةَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ فِي الْعُمْقِ وَالْعَرْضِ وَالطُّولِ بِقَطْعِ النَّظَرِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ تَعْلِيلُهُمَا الْمَارُّ فَهُمَا جَارِيَانِ عَلَى الْغَالِبِ (قَوْلُهُ: فَلَعَلَّ مُرَادَ الْمُتَوَلِّي) بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُهُ كَمَا قَدَّمْتُهُ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُعْتَبَرُ هُنَا أَمْرَانِ التَّأْقِيتُ) سَيَأْتِي أَنَّ التَّأْقِيتَ شَرْطٌ حَتَّى فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إحْدَاثُ سَاقِيَةٍ فِيهَا ابْتِدَاءً) كَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا أَذِنَ الْمَالِكُ فِي ذَلِكَ: أَيْ أَوْ كَانَ مَا اسْتَأْجَرَ لَهُ الْأَرْضَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحَفْرِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: جَازَ) أَيْ: بِلَا تَقْدِيرِ مُدَّةٍ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْأَرْضُ إلَخْ) هُوَ تَابِعٌ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِمَتْنِ الرَّوْضِ، وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ فَرْضَهُ الْكَلَامَ أَوَّلًا فِي الْأَرْضِ وَالسَّطْحِ مَعًا وَأَمَّا الرَّوْضُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ حُكْمَ الْإِجْرَاءِ عَلَى السَّطْحِ وَحْدَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ الْحُكْمَ فِي الْأَرْضِ فَقَالَ: وَأَمَّا الْأَرْضُ إلَخْ فَلْتُرَاجَعْ عِبَارَتُهُ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِجَارَةُ مُقَدَّرَةً بِمُدَّةٍ أَمْ لَا)

ص: 414

وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي بَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ بِأَنَّهَا إنَّمَا حُمِلَتْ عَلَى التَّأْبِيدِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِنَاءِ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى دَوَامِهِ وَلِلتَّضَرُّرِ بِهَدْمِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ دُخُولُ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا إلَّا لِتَنْقِيَةِ نَهْرٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَرْضِهِ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ النَّهْرِ، وَلَيْسَ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ فِي إجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ عَلَى السَّطْحِ طَرْحُ الثَّلْجِ عَلَيْهِ وَلَا تَرْكُهُ إلَى أَنْ يَذُوبَ وَيَسِيلَ إلَيْهِ، وَمَنْ أُذِنَ لَهُ فِي إلْقَاءِ الثَّلْجِ لَا يُجْرِي الْمَطَرَ وَلَا غَيْرَهُ، وَلَوْ كَانَ يُجْرِي مَاءً فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهُ كَانَ عَارِيَّةً قَبْلَ قَوْلِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى قَضَاءِ حَاجَةِ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٌ أَوْ طَرْحِ قُمَامَةٍ وَلَوْ زِبْلًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ عَلَى مَالٍ فَهُوَ عَقْدٌ فِيهِ شَائِبَةُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، وَكَذَا عَنْ الْمَبِيتِ عَلَى سَقْفٍ وَلِمُشْتَرِي الدَّارِ مَا لِبَائِعِهَا مِنْ إجْرَاءِ الْمَاءِ لَا الْمَبِيتِ. .

، وَيَجُوزُ تَحْوِيلُ أَغْصَانِ شَجَرَةِ غَيْرِهِ وَقَدْ مَالَتْ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ، وَلَوْ مُشْتَرَكًا وَامْتَنَعَ مَالِكُهَا مِنْ تَحْوِيلِهَا عَنْ هَوَائِهِ، وَلَهُ قَطْعُهَا وَلَوْ بِلَا إذْنِ قَاضٍ إنْ لَمْ يُمْكِنُ تَحْوِيلُهَا، وَتَقْيِيدُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهَا بِالْقَطْعِ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى إذْنِهِ فِيهِ نَظَرٌ

قَالَ الْبَغَوِيّ: وَلَهُ إيقَادُ نَارٍ تَحْتَهَا، وَإِنْ أَدَّى إلَى حَرْقِهَا، وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى حَالَةِ عَدَمِ تَقْصِيرِهِ كَأَنْ عَرَضَتْ رِيحٌ أَوْصَلَتْهَا إلَيْهَا وَلَمْ يُمْكِنْهُ طَفْيُهَا.

وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: إنَّ مُسْتَحِقَّ مَنْفَعَةِ الْمَلِكِ بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ إجَارَةٍ كَمَالِكِ الْعَيْنِ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ يُخَاصِمُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ، وَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ إبْقَاءِ الْأَغْصَانِ بِمَالٍ؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ مُجَرَّدِ الْهَوَاءِ، وَلَا عَنْ اعْتِمَادِهَا عَلَى جِدَارِهِ مَادَامَتْ رَطْبَةً، وَانْتِشَارُ الْعُرُوقِ وَمَيْلُ الْجِدَارِ كَالْأَغْصَانِ فِيمَا تَقَرَّرَ، وَمَا يَنْبُتُ بِالْعُرُوقِ الْمُنْتَشِرَةِ لِمَالِكِهَا لَا لِمَالِكِ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ فِيهَا، وَحَيْثُ تَوَلَّى نَحْوَ الْقَطْعِ بِنَفْسِهِ لَمْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

عَنْ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ

(قَوْلُهُ: قَبْلَ قَوْلِهِ) أَيْ حَيْثُ عَلِمَ ابْتِدَاءَ حُدُوثِهِ فِي مِلْكِهِ وَإِلَّا صَدَّقَ خَصْمُهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَكَلَامُ الْبَغَوِيّ الْمُوهِمُ لِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ إطْلَاقِ تَصْدِيقِ الْمَالِكِ حَمَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ حُدُوثَهُ فِي زَمَنِ مِلْكِ هَذَا الْمَالِكِ اهـ حَجّ.

وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ مُطْلَقًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ وُجِدَتْ الْجُذُوعُ أَوْ نَحْوُهَا فِي أَرْضٍ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ وَضْعِهَا

(قَوْلُهُ: أَوْ طَرْحِ قُمَامَةٍ) وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ عَدَمِ صِحَّةِ الصُّلْحِ عَلَى مَاءِ الْغُسَالَةِ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى إلْقَاءِ الْقُمَامَاتِ أَشَدُّ مِنْهُ إلَى إخْرَاجِ مَاءِ الْغُسَالَةِ

(قَوْلُهُ: لَا الْمَبِيتِ) وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ شِدَّةُ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ، فَقَدْ لَا يَرْضَى صَاحِبُ السَّطْحِ بِنَوْمِ غَيْرِ الْبَائِعِ عَلَى مِلْكِهِ لِعَدَمِ صَلَاحِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِحَسَبِ مَا يَعْتَقِدُهُ صَاحِبُ الْمِلْكِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُشْتَرَكًا) أَيْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِ الشَّجَرَةِ اهـ حَجّ

(قَوْلُهُ: مِنْ تَحْوِيلِهَا) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَحْوِيلُهَا وَلَا قَطْعُهَا قَبْلَ امْتِنَاعِ الْمَالِكِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الِامْتِنَاعِ وَحَصَلَ نَقْصٌ فِي الْأَغْصَانِ بِالتَّحْوِيلِ أَوْ الْقَطْعِ ضَمِنَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَا إذْنِ قَاضٍ) مُعْتَمَدٌ

(قَوْلُهُ: فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مَبْنِيًّا) خَالَفَ فِيهِ حَجّ (قَوْلُهُ مَادَامَتْ رَطْبَةً) لَعَلَّ وَجْهَهُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِمُدَّةِ الرُّطُوبَةِ

(قَوْلُهُ: كَالْأَغْصَانِ فِيمَا تَقَرَّرَ) أَيْ فَيَجُوزُ لِمَنْ مَالَ الْجِدَارُ إلَى مِلْكِهِ، وَلَوْ مُشْتَرَكًا كَمَا مَرَّ هَدْمُهُ، وَمِنْهُ مَيْلُ جِدَارِ بَعْضِ أَهْلِ السِّكَّةِ الْمُنْسَدَّةِ إلَيْهَا فَلِغَيْرِ مَالِكِ الْجِدَارِ هَدْمُهُ، وَإِنْ كَانَتْ السِّكَّةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ مَالِكِ الْجِدَارِ وَبَيْنَ الْهَادِمِ

(قَوْلُهُ: الَّتِي هِيَ فِيهَا)

ــ

[حاشية الرشيدي]

الصَّوَابُ حَذْفُهُ وَهُوَ تَابِعٌ لِلرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فِي هَذَا التَّقْرِيرِ لَكِنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ الْمُضِرَّةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّوْضَ ذَكَرَ أَنَّهُ إذَا أَجَّرَ الْأَرْضَ لِإِجْرَاءِ الْمَاءِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَوْضِعِ السَّاقِيَةِ وَحَدِّ طُولِهَا وَعَرْضِهَا وَعُمْقِهَا وَقَدْرِ الْمُدَّةِ. قَالَ شَارِحُهُ عَقِبَهُ: إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُقَدَّرَةً بِهَا وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِهَا كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ فِي بَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ اهـ.

وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ إصْلَاحُ الْمَتْنِ وَأَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِ وَقَدْرَ الْمُدَّةِ إذَا أَرَادَ التَّقْدِيرَ بِهَا وَإِلَّا فَالتَّقْدِيرُ بِهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ بَقِيَ الْكَلَامُ عَلَى عُمُومِهِ: أَيْ مِنْ اشْتِرَاطِ بَيَانِ قَدْرِ الْمُدَّةِ مُطْلَقًا أَشْكَلَ بِذَلِكَ: أَيْ بِبَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ اهـ.

وَالشَّارِحُ هُنَا فَرَّقَ بِمَا يَأْتِي إلَّا أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي عِبَارَةِ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ بِمَا لَا يَصِحُّ، عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ السَّوَادَةِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فِي بَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ) الصَّوَابُ حَذْفُ لَفْظِ بَيْعِ.

(قَوْلُهُ: مَا دَامَتْ رَطْبَةً)

ص: 415

يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ إلَّا إنْ حَكَمَ عَلَى مَالِكِهَا بِالتَّفْرِيغِ، وَلَوْ دَخَلَ الْغُصْنُ الْمَائِلُ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ فِي بَرْنِيَّةِ وَنَبَتَ فِيهَا أُتْرُجَّةٌ وَكَبِرَتْ قَطَعَ الْغُصْنَ وَالْأُتْرُجَّةَ لِتَسْلَمَ الْبَرْنِيَّةُ لِاسْتِحْقَاقِ قَطْعِهِمَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُذْبَحْ حَيَوَانُ غَيْرِهِ إذَا بَلَعَ جَوْهَرَةً لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَلَوْ وَصَلَ غُصْنَهُ بِشَجَرَةِ غَيْرِهِ كَانَتْ ثَمَرَةُ الْغُصْنِ لِمَالِكِهِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا.

قَالَ الْبَغَوِيّ: وَيَقْلَعُ غُصْنَهُ مَجَّانًا بِخِلَافِ غُصْنِ الْمَأْذُونِ لَهُ لَا يَقْلَعُ مَجَّانًا بَلْ بِأَرْشِ نَقْصِهِ أَوْ يُبْقِيهِ بِأُجْرَةٍ، وَلَا مَنْعَ مِنْ غَرْسٍ أَوْ حَفْرٍ يُؤَدِّي فِي الْمَآلِ إلَى انْتِشَارِ الْعُرُوقِ أَوْ الْأَغْصَانِ وَسَرَيَانِ النَّدَاوَةِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَوْ اشْتَرَى الدَّارَ فِي أَوَّلِ انْتِشَارِهَا إلَيْهَا ثُمَّ عَظُمَتْ وَأَضَرَّتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَلَبُ إزَالَتِهَا لِعِلْمِهِ بِأَنَّهَا سَتَزِيدُ كَمَنْ اشْتَرَى مَجْرُوحًا عَالِمًا فَسَرَى الْجُرْحُ.

(وَلَوْ تَنَازَعَا جِدَارًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا فَإِنْ اتَّصَلَ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا بُنِيَا مَعًا فَلَهُ الْيَدُ) ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَهُ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى يَدِهِ فَيَحْلِفُ وَيَحْكُمُ لَهُ مَا لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِخِلَافِهِ، وَيُتَصَوَّرُ بِأَنْ يُدْخِلَ نِصْفَ لَبِنَاتِ الْجِدَارِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فِي جِدَارِهِ الْخَاصِّ وَنِصْفَ اللَّبِنَاتِ مِنْ جِدَارِهِ الْخَاصِّ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الزَّوَايَا، وَلَا يَحْصُلُ الرُّجْحَانُ بِأَنْ يُوجَدَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مَعْدُودَةٍ مِنْ طَرَفِ الْجِدَارِ لِإِمْكَانِ إحْدَاثِهِ بَعْدَ بِنَاءِ الْجِدَارِ بِنَزْعِ لَبِنَةٍ وَنَحْوِهَا وَإِدْرَاجِ أُخْرَى، وَبِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ أَزَجٌ وَهُوَ الْعَقْدُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ تَمَامِ الْجِدَارِ بِأَنْ أُمِيلَ مِنْ مُبْتَدَإِ ارْتِفَاعِهِ مِنْ الْأَرْضِ كَذَا، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ إحْدَاثُهُ بِأَنْ يَكُونَ الْمَيْلُ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْجِدَارِ لَا يَكُونُ فِيهِ تَرْجِيحٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي وَالْإِمَامُ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ يُفِيدُ التَّرْجِيحَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الَّذِي بَنَى الْأَزَجَ بَنَاهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُمَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَزَعَمَ كَسْرَهَا؛ لِأَنَّ حَيْثُ لَا تُضَافُ إلَّا إلَى جُمْلَةٍ غَفْلَةٌ عَنْ كَوْنِهَا مَعْمُولَةً لِيَعْلَمَ لَا لِحَيْثُ وَبِفَرْضِ كَوْنِهَا مَعْمُولَةً لِحَيْثُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ فَإِنْ رَضِيَ الْمَالِكُ لِلْأَرْضِ بِبَقَائِهَا فِي مِلْكِهِ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَلَهُ قَطْعُهَا

(قَوْلُهُ: إلَّا إنْ حَكَمَ عَلَى مَالِكِهَا بِالتَّفْرِيغِ) أَيْ بِأَنْ رَفَعَ لِقَاضٍ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَلَوْ قَطَعَهَا مَنْ انْتَشَرَتْ إلَى مِلْكِهِ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَذْبَحْ) أَيْ فَيُقَالُ لَهُ: إنْ لَمْ تَذْبَحْ وَتُخْرِجْ الْجَوْهَرَةَ وَإِلَّا فَادْفَعْ قِيمَتَهَا إلَيَّ وَيُصَدَّقُ الدَّافِعُ فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ (قَوْلُهُ: وَلَا مَنْعَ مِنْ غَرْسٍ) هَذَا التَّفْصِيلُ يُخَالِفُ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَنْعِ حَيْثُ خِيفَ الضَّرَرُ بَيْنَ الْحَالِ وَالْمَآلِ، وَعِبَارَتُهُ ثَمَّ: وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِمَّا الْغَالِبُ فِيهِ الْإِخْلَالُ بِنَحْوِ حَائِطِ الْجِدَارِ كَدَقٍّ عَنِيفٍ يُزْعِجُهَا وَحَبْسِ مَاءٍ بِمِلْكِهِ تَسْرِي نَدَاوَتُهُ إلَيْهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مَفْرُوضٌ فِي تَصَرُّفٍ يُؤَدِّي إلَى خَلَلٍ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَمَا هُنَا فِي غَرْسٍ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ انْتِشَارُ الْعُرُوقِ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إخْلَالٍ فِي الْبِنَاءِ

(قَوْلُهُ: فِي أَوَّلِ انْتِشَارِهَا إلَيْهَا) الْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ أَصْلَ الشَّجَرَةِ بِغَيْرِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ، وَعَلَيْهِ فَيُشْكِلُ عَدَمُ طَلَبِ الْإِزَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي عُمُومِ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ، وَهَذَا صَحِيحٌ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ حُقُوقِ الدَّارِ إلَخْ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا مَفْرُوضٌ فِيمَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ لِلدَّارِ هُوَ مَالِكُ الشَّجَرَةِ وَاسْتَثْنَاهَا فَهُوَ قَبْلَ الْبَيْعِ يَسْتَحِقُّ مَا تَنْتَشِرُ إلَيْهِ عُرُوقُهَا، فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ مَا بَقِيَتْ الشَّجَرَةُ

(قَوْلُهُ: لِعِلْمِهِ بِأَنَّهَا سَتَزِيدُ) أَيْ بِحَسَبِ الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ وَإِلَّا فَقَدْ تَهْلَكُ.

(قَوْلُهُ: فَلَهُ الْيَدُ) مِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ مِنْ أَنَّ خَلْوَةَ بَابِهَا مِنْ دَاخِلِ مَسْجِدٍ يَعْلُوهَا بِنَاءٌ مُتَّصِلٌ بِبَيْتٍ مُجَاوِرٍ لِلْمَسْجِدِ فَادَّعَى صَاحِبُ الْبَيْتِ أَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ مَوْضُوعٌ بِحَقٍّ، وَهُوَ قَدِيمٌ وَبِهِ عَلَامَاتٌ تُشْعِرُ بِكَوْنِهِ مِنْ الْبَيْتِ وَادَّعَى نَاظِرُ الْمَسْجِدِ أَنَّ هَذَا بِأَعْلَى الْخَلْوَةِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَكَوْنُ بَابِ الْخَلْوَةِ مِنْ الْمَسْجِدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْهُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا قَالُوهُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَيْ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ وَالزِّيَادَةُ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ. (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ حَكَمَ عَلَى مَالِكِهَا بِالتَّفْرِيغِ) اسْتَشْكَلَهُ الشِّهَابُ سم بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْوُجُوبِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الشَّرْعَ حَاكِمٌ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ. قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت م ر اسْتَشْكَلَهُ بِذَلِكَ وَمَالَ إلَى حَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَرَى وُجُوبَ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّفْرِيغِ

. (قَوْلُهُ: وَيُتَصَوَّرُ) أَيْ الِاتِّصَالُ الْمُفِيدُ لِلْعِلْمِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُتَصَوَّرُ) الْوَاوُ فِيهِ لِلْحَالِ

ص: 416

لَا يَتَعَيَّنُ الْكَسْرُ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي يُضَافُ لَهَا حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ جُزْأَيْهَا (وَإِلَّا فَلَهُمَا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَحْصُلُ الِاتِّصَالُ الْمَذْكُورُ بِأَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا عَنْهُمَا أَوْ مُتَّصِلًا بِهِمَا مُطْلَقًا أَوْ بِأَحَدِهِمَا اتِّصَالًا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ، فَالْيَدُ لَهُمَا لِانْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّرْجِيحُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نَقْشٍ بِظَاهِرِ الْجِدَارِ كَصُوَرٍ وَكِتَابَاتٍ مُتَّخَذَةٍ مِنْ جِصٍّ أَوْ آجُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا طَاقَاتٍ وَمَحَارِيبَ بِبَاطِنِهِ وَتَوْجِيهِ بِنَاءٍ، كَأَنْ يَبْنِيَ بِلَبِنَاتٍ مُقَطَّعَةٍ وَيَجْعَلَ الْأَطْرَافَ الصِّحَاحَ إلَى جَانِبٍ وَمَوَاضِعَ الْكَسْرِ إلَى جَانِبٍ وَمَعَاقِدَ قُمُطٍ وَهُوَ حَبْلٌ رَقِيقٌ يُشَدُّ بِهِ الْجَرِيدُ وَنَحْوُهُ

وَإِنَّمَا لَمْ يُرَجَّحْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْجِدَارِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ عَلَامَةٌ قَوِيَّةٌ فِي الِاشْتِرَاكِ فَلَا يُغَيَّرُ بِأَسْبَابٍ ضَعِيفَةٍ مُعْظَمُ الْقَصْدِ بِهَا الزِّينَةُ كَالتَّجْصِيصِ وَالتَّزْوِيقِ (فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً) أَنَّهُ لَهُ (قُضِيَ لَهُ) بِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْيَدِ وَتَكُونُ الْعَرْصَةُ لَهُ تَبَعًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً بَلْ أَقَامَهَا كُلٌّ مِنْهُمَا (حَلَفَا) أَيْ حَلَفَ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ اسْتِحْقَاقِ صَاحِبِهِ لِلنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ الَّذِي بِيَدِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَيَدُهُ عَلَى النِّصْفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ كَالْعَيْنِ الْكَامِلَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُضَمِّنَ يَمِينَهُ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ كَمَا فَسَّرْنَا بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ (فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا) لِظَاهِرِ الْيَدِ (وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا) وَنَكَلَ الْآخَرُ (قُضِيَ لَهُ) بِالْجَمِيعِ سَوَاءٌ أَنَكَلَ عَنْ يَمِينِ الْإِثْبَاتِ أَمْ النَّفْيِ أَمْ عَنْهُمَا، وَإِنْ حَلَفَ مَنْ ابْتَدَى بِيَمِينِهِ وَنَكَلَ الْآخَرُ حَلَفَ الْأَوَّلُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ وَقُضِيَ لَهُ بِالْكُلِّ، وَإِنْ نَكَلَ الْأَوَّلُ وَرَغِبَ الثَّانِي فِي الْيَمِينِ فَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ يَمِينُ النَّفْيِ لِلنِّصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْأَوَّلُ، وَيَمِينُ الْإِثْبَاتِ لِلنِّصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ هُوَ فَيَكْفِيهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ يَجْمَعُ فِيهَا النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَقَوْلُ السُّبْكِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنَّ جَمِيعَهَا لَهُ كَفَاهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ فِي التَّحَالُفِ أَنَّ الْيَمِينَ لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِاللَّازِمِ. .

(وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ لَمْ يُزَجِّجْ) ؛ لِأَنَّ وَضْعَهَا قَدْ يَكُونُ بِإِعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ قَضَاءِ قَاضٍ يَرَى الْإِجْبَارَ عَلَى الْوَضْعِ فَلَا يُتْرَكُ الْمُحَقَّقُ بِالْمُحْتَمَلِ، وَلِأَنَّ الْجُذُوعَ كَالْأَمْتِعَةِ فِيمَا لَوْ تَنَازَعَا اثْنَانِ دَارًا بِيَدِهِمَا وَلِأَحَدِهِمَا أَمْتِعَةٌ، وَعَبَّرَ بِالْجُذُوعِ دُونَ الْجِذْعِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ لِيَنُصَّ عَلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ عِنْدَهُ التَّرْجِيحَ بِالْجَمْعِ دُونَ الْوَاحِدِ، وَفِي

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مِنْ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ بِهَا، وَحَيْثُ قَضَى بِأَنَّهَا لِلْمَسْجِدِ تَبِعَهَا الْهَوَاءُ فَلَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِيهِ، وَكَوْنُ الْوَاقِفِ وَقَفَ الْخَلْوَةَ دُونَ مَا يَعْلُوهَا الْأَصْلُ عَدَمُهُ حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّ بِأَعْلَاهَا بِنَاءً هُدِمَ

(قَوْلُهُ: فَالْيَدُ لَهُمَا) أَشَارَ بِذِكْرِ الْيَدِ إلَى أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِمِلْكِهِ لَهُمَا بَلْ يَبْقَى فِي يَدِهِمَا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، فَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً سَلِمَ لَهُ وَحُكِمَ بِهِ لَهُ أَوْ أَقَامَ غَيْرُهُمَا بِهِ بَيِّنَةً فَكَذَلِكَ

(قَوْلُهُ: وَلَا طَاقَاتٍ) وَمِنْهَا مَا يُعْرَفُ الْآنَ بِالنِّصْفِ، وَمِثْلُهَا الرُّفُوفُ الْمُسَمَّرَةُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِهِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ صَاحِبُ الْجِدَارِ الْمُخْتَصِّ بِهِ، أَوْ مَنْ لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ

(قَوْلُهُ: لِظَاهِرِ الْيَدِ) فِيهِ مَا قَدَّمْنَا (قَوْلُهُ: كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ) مُعْتَمَدٌ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يُزَجِّجْ) أَيْ لَمْ يُزَجِّجْ صَاحِبُ الْجُذُوعِ بِمُجَرَّدِ وَضْعِ الْجُذُوعِ، أَمَّا لَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ وَأَعَادَهُ أَحَدُهُمَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مَثَلًا أَوْ كَانَ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ ثُمَّ نَازَعَهُ الْآخَرُ فَقَالَ: هُوَ شَرِكَةٌ بَيْنَنَا أَوْ هُوَ لِي خَاصَّةً صُدِّقَ الْمُتَصَرِّفُ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ عَمَلًا بِيَدِهِ، وَمَعَ تَصْدِيقِهِ لَا تُرْفَعُ جُذُوعُ مُدَّعِي الشَّرِكَةِ أَوْ الِاخْتِصَاصِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ

(قَوْلُهُ: بِالْجَمْعِ) وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فَمَا فَوْقَ أَخْذًا

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَتَكُونُ الْعَرْصَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِهَا مَا يَحْمِلُ الْجِدَارَ مِنْ الْأَرْضِ وَهُوَ الْآسُ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: بَلْ أَقَامَهَا كُلٌّ مِنْهُمَا) الْأَصْوَبُ الْإِتْيَانُ بِأَوْ بَدَلَ بَلْ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي التُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَلَفَ مَنْ ابْتَدَأَ بِيَمِينِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَبْدُوءُ بِهِ هُوَ الْحَالِفُ حَلَفَ ثَانِيًا الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ لِيُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ أَوْ النَّاكِلُ فَقَدْ اجْتَمَعَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ يَمِينُ النَّفْيِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِمَا هُنَا وَالشِّهَابُ حَجّ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ يَكْفِي فِي حَلِفِ كُلٍّ مِنْهُمَا إذَا حَلَفَا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى

ص: 417

الْجِذْعَيْنِ اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ عَنْهُ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِذَا تَحَالَفَا أُقِرَّتْ الْجُذُوعُ بِحَالِهَا لِجَوَازِ وَضْعِهَا بِحَقٍّ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْحَائِطَ فَلِمَالِكِ الْجِدَارِ قَلْعُ الْجُذُوعِ بِالْأَرْشِ وَالْإِبْقَاءُ بِالْأُجْرَةِ، وَهَذَا مَفْرُوضٌ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ حَمْلًا لِذَلِكَ عَلَى أَضْعَفِ السَّبَبَيْنِ وَهُوَ الْعَارِيَّةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَذَلِكَ.

نَعَمْ قِيَاسُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّا إذَا حَكَمْنَا بِأَنَّ ذَلِكَ لَهُمَا تَعَيَّنَ إبْقَاؤُهَا بِالْأُجْرَةِ، قَالَهُ الْفُورَانِيُّ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا قَلْعَ وَلَا أُجْرَةَ أَخْذًا بِإِطْلَاقِهِمْ إبْقَاءَهَا بِحَالِهَا فِي تِلْكَ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الْعَارِيَّةِ عَنْ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ فِيمَا لَوْ جُهِلَ أَوْ وُضِعَتْ بِحَقٍّ لَازِمُ مَا يَدُلُّ لَهُ وَأَجْرَاهُ فِي الْأَجْنِحَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فِي الْقَنَوَاتِ الْمَدْفُونَةِ تَحْتَ الْأَمْلَاكِ.

قَالَ: وَبِهِ صَرَّحَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ وَالْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ.

قَالَ: وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِأُجْرَةٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَمْ يَذْكُرُوهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَاضِعُ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ مُؤَبَّدًا بِطَرِيقِ الْبَيْعِ، وَأَلْحَقَ بِذَلِكَ مَا لَوْ رَأَيْنَا سَاقِيَةً عَلَى فُوَّهَةِ بِئْرٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ أَقْوَامٍ، وَعَلَيْهَا بُسْتَانَانِ وَمَمَرُّ مَاءِ الثَّانِي فِي أَرْضِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ لِمُشْتَرِيهِ مَنْعُ الْإِجْرَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ بِحَقٍّ فَلَا يُزَالُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَفِي إحْيَاءِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مِنْ قَوْلِهِ وَفِي الْجِذْعَيْنِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْحَائِطَ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ لِأَحَدِهِمَا بِسَبَبِ التَّنَازُعِ، وَلَكِنَّهُ لَهُ بِهِ بِمُقْتَضَى الْيَدِ لِيَتَأَتَّى قَوْلُهُ فَلِمَالِكِ الْجِدَارِ إلَخْ، وَفِي سم عَلَى مَنْهَجٍ: وَقَوْلُهُ أَيْ شَرْحِ الرَّوْضِ: فَلِمَالِكِ الْجِدَارِ، اُنْظُرْ هَذَا مَعَ أَنَّهُ حُكِمَ بِأَنَّهُ بَيْنَهُمَا وَالشَّرِيكُ لَا يُقْطَعُ حَقُّهُ بِالْأَرْشِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِمَالِكِ الْجِدَارِ مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْجِدَارُ بَعْدَ ذَلِكَ بِطَرِيقِهِ فَلْيُحَرَّرْ، وَأَطَالَ فِي اسْتِشْكَالِ ذَلِكَ فِي حَوَاشِي حَجّ فَلْيُرَاجَعْ

(قَوْلُهُ: أَنَّهُ كَذَلِكَ) أَيْ مُدَّةَ تَخْيِيرِ مَالِكِ الْجِدَارِ بَيْنَ قَلْعِ الْجُذُوعِ بِالْأَرْشِ وَالْإِبْقَاءِ بِالْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا أُجْرَةَ) أَيْ وَلَهُ إعَادَتُهَا إذَا سَقَطَتْ أَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ ثُمَّ أُعِيدَ (قَوْلُهُ: فِي تِلْكَ) هِيَ قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ

(قَوْلُهُ: فِي مِلْكِ الْغَيْرِ) قَالَ حَجّ: مَحَلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ ابْتِدَاءَ حُدُوثِهَا، وَإِلَّا فَيُصَدَّقُ الْخَصْمُ فِي أَنَّهُ عَارِيَّةٌ، وَأَنَّ الْإِذْنَ وَقَعَ مِنْهُ بِلَا عِوَضٍ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ التَّبْقِيَةِ بِأُجْرَةٍ وَقَلْعِهِ وَغُرْمِ أَرْشِ نَقْصِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ إطْلَاقَ الشَّارِحِ يُخَالِفُهُ.

ــ

[حاشية الرشيدي]

النَّفْيِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالنَّفْيِ هُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الشَّارِحُ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ مِنْ نَصِّهِ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ

. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْحَائِطَ) هُوَ آخِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ جَعَلَهُ غَايَةً فِي جَوَازِ وَضْعِ الْجُذُوعِ بِحَقٍّ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ الْقُوتِ، وَقَوْلُهُ: فَلِمَالِكِ الْجِدَارِ قَلْعُ الْجُذُوعِ إلَخْ تَفْرِيعُهُ عَلَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ لَا يَتَمَشَّى عَلَى الرَّاجِحِ الْآتِي، وَقَوْلُهُ: وَهَذَا مَفْرُوضٌ: يَعْنِي كَلَامَ الْمَاوَرْدِيِّ، وَهُوَ مَعْلُومٌ لَا حَاجَةَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ إذْ وَضْعُ كَلَامِهِ فِيمَا إذَا تَحَالَفَا، وَقَوْلُهُ: حَمْلًا لِذَلِكَ عَلَى أَضْعَفِ السَّبَبَيْنِ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَلِمَالِكِ الْجِدَارِ قَلْعُ الْجُذُوعِ إلَخْ عَلَى مَا فِيهِ، وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَهَذَا مَفْرُوضٌ إلَخْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: نَعَمْ قِيَاسُ مَا تَقَرَّرَ إلَخْ فَلَمْ أَفْهَمْ مَوْقِعَهُ وَلَا مَا أَرَادَ بِهِ، وَاَلَّذِي فِي الْقُوتِ عَنْ الْفُورَانِيِّ هُوَ قَوْلُهُ: فَإِنْ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا نُزِّلَ عَلَى الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ الْأَسْبَابِ فَيَجُوزُ الْقَلْعُ مَعَ الْأَرْشِ اهـ.

وَقَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا قَلْعَ: أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْجِدَارُ لِأَجْنَبِيٍّ إذْ هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ كَلَامِهِ، فَقَوْلُهُ: بَعْدُ فِي تِلْكَ: أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْجِدَارُ لِأَجْنَبِيٍّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ بِالْأَوْلَى، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ هُنَا الشِّهَابُ سم وَعِبَارَتُهُ بِهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ سَاقَهُ اعْتِرَاضًا عَلَى شَرْحِ الرَّوْضِ نَصُّهَا: وَحِينَئِذٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ جَهِلَ حَالَ الْجُذُوعِ قُضِيَ بِاسْتِحْقَاقِ وَضْعِهَا أَبَدًا وَامْتِنَاعِ الْقَلْعِ بِالْأَرْشِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ لِأَجْنَبِيٍّ أَمْ شَرِيكٍ وَإِنْ عَلِمَ كَيْفِيَّةَ وَضْعِهَا عَمِلَ بِمُقْتَضَاهَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَكَلَامُ الشَّارِحِ هُنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا يَكَادُ يَنْتَظِمُ وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَالْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ) هَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْجَلَالَ الْبُلْقِينِيَّ بَعْدَهُ بِكَثِيرٍ؛ لِأَنَّ وَالِدَهُ السِّرَاجَ الْبُلْقِينِيَّ تِلْمِيذُ التَّقِيِّ السُّبْكِيّ الَّذِي هُوَ تِلْمِيذُ ابْنِ الرِّفْعَةِ، فَلَعَلَّ قَوْلَ

ص: 418