الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ) فِي تَغَيُّرِ حَالِ الْمَجْرُوحِ بِحُرِّيَّةٍ أَوْ عِصْمَةٍ أَوْ إهْدَارٍ أَوْ بِمِقْدَارٍ لِلْمَضْمُونِ بِهِ
وَقَاعِدَةُ ذَلِكَ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا أَكْثَرُ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ أَنَّ كُلَّ جُرْحٍ وَقَعَ أَوَّلُهُ غَيْرَ مَضْمُونٍ لَا يَنْقَلِبُ مَضْمُونًا بِتَغَيُّرِ الْحَالِ فِي الِانْتِهَاءِ، وَمَا ضُمِنَ فِيهِمَا يُعْتَبَرُ قَدْرُ الضَّمَانِ فِيهِ بِالِانْتِهَاءِ، وَأَمَّا الْقَوَدُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِصْمَةُ وَالْمُكَافَأَةُ مِنْ أَوَّلِ الْفِعْلِ إلَى الزَّهُوقِ.
إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا (جَرَحَ) إنْسَانٌ (حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا أَوْ عَبْدَ نَفْسِهِ فَأَسْلَمَ) الْكَافِرُ أَوْ أُمِّنَ الْحَرْبِيُّ (وَعَتَقَ) الْعَبْدُ بَعْدَ الْجُرْحِ (ثُمَّ مَاتَ) أَحَدُهُمْ (بِالْجُرْحِ)(فَلَا ضَمَانَ) فِيهِ بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْجِنَايَةِ، وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ قَاتِلَ الْمُرْتَدِّ قَدْ يُقْتَلُ بِهِ، وَمِمَّا يَأْتِي أَنَّ عَلَى قَاتِلِ عَبْدِهِ كَفَّارَةً دُونَ قَاتِلِ أَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ لِإِهْدَارِهِ عِنْدَ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ (وَقِيلَ تَجِبُ دِيَةٌ) لِحُرٍّ مُسْلِمٍ مُخَفَّفَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ اعْتِبَارًا بِالِانْتِهَاءِ (وَلَوْ رَمَاهُمَا) أَيْ الْحَرْبِيَّ وَالْمُرْتَدَّ وَجُعِلَا قِسْمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَحَدُهُمَا وَالْعَبْدُ (فَأَسْلَمَ) أَحَدُ الْأَوَّلَيْنِ (وَعَتَقَ) الثَّالِثُ قَبْلَ إصَابَةِ السَّهْمِ لَهُ ثُمَّ مَاتَا بِهَا (فَلَا قِصَاصَ) لِانْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ وَالْمُكَافَأَةِ أَوَّلَ أَجْزَاءِ الْجِنَايَةِ وَلِكَوْنِ الْأَوَّلَيْنِ مُهْدَرَيْنِ وَالثَّالِثِ مَعْصُومًا حَسُنَتْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَصْلٌ) فِي تَغَيُّرِ حَالِ الْمَجْرُوحِ
(قَوْلُهُ: فِي تَغَيُّرِ حَالِ الْمَجْرُوحِ) أَيْ أَوْ الْجَارِحِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ جَرَحَ حَرْبِيٌّ مَعْصُومًا وَالْأَوْلَى فِي تَغَيُّرِ حَالِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمَجْرُوحَ لَا يَشْمَلُ مَا لَوْ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ مَثَلًا فَأَسْلَمَ قَبْلَ وُصُولِ السَّهْمِ لَهُ
(قَوْلُهُ: أَوْ بِمِقْدَارٍ) صِلَةُ تَغَيُّرٍ
(قَوْلُهُ: أَوَّلُهُ غَيْرَ مَضْمُونٍ) لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ قَبْلَ وُصُولِ السَّهْمِ حَيْثُ ضَمِنَ بِالْمَالِ كَمَا يَأْتِي مَعَ أَنَّ أَوَّلَ الْفِعْلِ غَيْرُ مَضْمُونٍ.
لِأَنَّا نَقُولُ أَوَّلُ الْجُرْحِ فِي هَذِهِ مَضْمُونٌ، وَأَمَّا ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ الَّذِي لَا ضَمَانَ فِيهِ فَلَيْسَ بِجُرْحٍ وَهُوَ إنَّمَا عَبَّرَ بِالْجُرْحِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَدَمُ الضَّمَانِ لِنَقْصٍ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ جَرَحَ حَرْبِيًّا إلَخْ أَوْ فِي الْجَانِي كَمَا لَوْ جَنَى حَرْبِيٌّ عَلَى مُسْلِمٍ عَلَى مَا يَأْتِي
(قَوْلُهُ: إلَى الزَّهُوقِ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدٌ عَبْدًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَارِحُ أَوْ عَتَقَ وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ عَلَى رِقِّهِ أَوْ كُفْرِهِ وَجَبَ الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُكَافَأَةِ حَالَ الْجِنَايَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّعْلِيلُ بِهِ فِي كَلَامِهِ، فَلَوْ عَبَّرَ هُنَا بِقَوْلِهِ: مِنْ أَوَّلِ الْفِعْلِ إلَى انْتِهَائِهِ لَوَافَقَ مَا مَرَّ.
وَيُمْكِنُ رَدُّ مَا هُنَا إلَى مَا سَبَقَ بِأَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّ الْعِصْمَةَ تُشْتَرَطُ إلَى الزَّهُوقِ، وَأَنَّ الْمُكَافَأَةَ تُعْتَبَرُ حَالَ الْجِنَايَةِ، فَقَوْلُهُ إلَى الزَّهُوقِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَجْمُوعِ لَا بِكُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَالْمُرْتَدُّ فِي حَقِّ مَعْصُومٍ إلَخْ
(قَوْلُهُ: أَنَّ قَاتِلَ الْمُرْتَدِّ إلَخْ) وَلَا تَرُدُّ وَاحِدَةٌ مِنْ الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِنَفْيِ الضَّمَانِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الضَّمَانُ أَوْ الْقِصَاصُ، وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ عُفِيَ عَنْهُ عَلَى مَالٍ وَجَبَ، وَالْمُرْتَدُّ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِمَالٍ
(قَوْلُهُ: قَدْ يُقْتَلُ بِهِ) أَيْ إذَا كَانَ مُرْتَدًّا مِثْلَهُ لِوُجُودِ الْمُكَافَأَةِ
(قَوْلُهُ: الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ
(قَوْلُهُ: لِإِهْدَارِهِ) أَيْ الْأَحَدِ
(قَوْلُهُ: الْحَرْبِيَّ وَالْمُرْتَدَّ) ع:
ــ
[حاشية الرشيدي]
[فَصْلٌ فِي تَغَيُّرِ حَالِ الْمَجْرُوحِ بِحُرِّيَّةٍ أَوْ عِصْمَةٍ أَوْ إهْدَارٍ أَوْ بِمِقْدَارٍ لِلْمَضْمُونِ بِهِ]
فَصْلٌ) فِي تَغَيُّرِ حَالِ الْمَجْرُوحِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِمِقْدَارٍ لِلْمَضْمُونِ بِهِ) دَخَلَ فِيهِ التَّغْيِيرُ بِالْحُرِّيَّةِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: لَا يَنْقَلِبُ مَضْمُونًا) وَكَذَا عَكْسُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَلَوْ ارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ إلَخْ. فَيُزَادُ فِي الْقَاعِدَةِ، وَكُلُّ جُرْحٍ وَقَعَ مَضْمُونًا لَا يَنْقَلِبُ غَيْرَ مَضْمُونٍ (قَوْلُهُ: فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِصْمَةُ وَالْمُكَافَأَةُ مِنْ أَوَّلِ الْفِعْلِ إلَى الزُّهُوقِ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا، فَأَسْلَمَ الْجَارِحُ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ فَكَذَا: أَيْ لَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ
تَثْنِيَةُ الضَّمِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْعَطْفُ بِأَوْ؛ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ كَمَا فِي {فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135] (وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ دِيَةِ مُسْلِمٍ مُخَفَّفَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ) اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْإِصَابَةِ؛ لِأَنَّهَا حَالَةُ اتِّصَالِ الْجِنَايَةِ وَالرَّمْيُ كَالْمُقَدِّمَةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْجِنَايَةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا قَوَدَ بِذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْمُكَافَأَةِ أَوَّلَ أَجْزَاءِ الْجِنَايَةِ، وَقِيلَ يَجِبُ فِي الْمُرْتَدِّ دُونَ الْحَرْبِيِّ، وَلَوْ جَرَحَ حَرْبِيٌّ مَعْصُومًا ثُمَّ عُصِمَ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ عُصِمَ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ ضَمِنَهُ بِالْمَالِ لَا الْقَوَدِ
(وَلَوْ)(ارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ) مُرْتَدًّا (فَالنَّفْسُ) بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْجَارِحِ الْمُرْتَدِّ (هَدَرٌ) لَا شَيْءَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ حِينَئِذٍ مُبَاشَرَةً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فَالسِّرَايَةُ أَوْلَى (وَيَجِبُ قِصَاصُ الْجُرْحِ) الَّذِي فِيهِ قِصَاصٌ كَالْمُوضِحَةِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِاسْتِقْرَارِهِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِمَا حَدَثَ بَعْدُ، وَالثَّانِي لَا؛ إذْ الطَّرَفُ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ حَيْثُ صَارَتْ الْجِنَايَةُ قَتْلًا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ قِصَاصُ النَّفْسِ لَمْ يَجِبْ فِي الطَّرَفِ، ثُمَّ هَذَا الْقِصَاصُ (يَسْتَوْفِيهِ قَرِيبُهُ) أَيْ وَارِثُهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ وَلَوْ مُعْتَقًا (الْمُسْلِمُ) الْكَامِلُ وَإِلَّا فَبَعْدَ كَمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَهُوَ لَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِمَامَ يَسْتَوْفِيهِ عِنْدَ فَقْدِ مَنْ ذُكِرَ (وَقِيلَ) لَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا (الْإِمَامُ) إذْ لَا وَارِثَ لِلْمُرْتَدِّ (فَإِنْ اقْتَضَى الْجُرْحُ مَالًا) لَا قَوَدًا كَجَائِفَةٍ (وَجَبَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِهِ وَدِيَةٍ) لِلنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، فَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ قَطْعَ يَدٍ وَجَبَ نِصْفُ دِيَةٍ أَوْ يَدَيْهِ فَدِيَةٌ وَيَكُونُ الْوَاجِبُ فَيْئًا لَا شَيْءَ مِنْهُ لِلْوَارِثِ الْمَذْكُورِ (وَقِيلَ) الْوَاجِبُ (أَرْشُهُ) أَيْ الْجُرْحِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَإِنْ زَادَ عَلَى دِيَةِ نَفْسٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْدَرِجُ فِي نَفْسٍ تُضْمَنُ (وَقِيلَ هَدَرٌ) لَا شَيْءَ فِيهِ إذْ الْجُرْحُ مَتَى سَرَى تَبِعَ النَّفْسَ
(وَلَوْ)(ارْتَدَّ) الْمَجْرُوحُ (ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ)(فَلَا قِصَاصَ) لِتَخَلُّلِ الْمُهْدَرِ فَصَارَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقَوَدِ (وَقِيلَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَوْ كَانَ الرَّامِي الْإِمَامَ لِقَتْلِ الرِّدَّةِ فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الضَّمَانِ، كَذَا حَاوَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ غَايَةَ أَمْرِهِ أَنْ يَكُونَ كَالْحَرْبِيِّ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ:{فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135] أَيْ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ.
وَأُجِيبَ عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ يَكُنْ فَقِيرًا فَالضَّمِيرُ فِي بِهِمَا رَاجِعٌ لِمَعْمُولِ الْمُتَعَاطِفَيْنِ لَا لَهُمَا
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجِبُ) أَيْ الْقِصَاصُ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ جَرَحَ حَرْبِيٌّ) هَذِهِ لَا تَدْخُلُ فِي تَغَيُّرِ حَالِ الْمَجْرُوحِ؛ إذْ الْمُتَغَيِّرُ هُنَا حَالُ الْجَارِحِ لَكِنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ كُلُّ جُرْحٍ أَوَّلُهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ عُصِمَ) أَيْ الْحَرْبِيُّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عُصِمَ) هَذِهِ لَمْ تَشْمَلْهَا الْقَاعِدَةُ السَّابِقَةُ وَكَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ ارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ إلَخْ لَمْ تَشْمَلْهُ الْقَاعِدَةُ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى الشَّارِحِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ قَبْلُ: الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا أَكْثَرُ الْمَسَائِلِ إلَخْ.
وَقَاعِدَةُ هَذِهِ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ جُرْحٍ أَوَّلُهُ مَضْمُونٌ وَآخِرُهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَالنَّفْسُ هَدَرٌ وَيَجِبُ قِصَاصُ الْجُرْحِ، وَفِيمَا قَبْلَهَا كُلُّ فِعْلٍ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْجُرْحِ إلَى الزَّهُوقِ مَضْمُونٌ تَجِبُ فِيهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ مُخَفَّفَةٌ
(قَوْلُهُ: ضَمِنَهُ) أَيْ بِدِيَةِ مُسْلِمٍ مُخَفَّفَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُعْتَقًا) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرِيبِ الْوَارِثُ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا فَيَشْمَلُ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي) أَيْ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمَالُ كَالْقَتِيلِ الَّذِي عَلَيْهِ دُيُونٌ، وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَيُرِيدُ بِالتَّعْلِيلِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: كَالْقَتِيلِ إلَخْ، وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ وَارِثَ الْمَدْيُونِ يَقْتَصُّ مِنْ قَاتِلِهِ وَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ أَخَذَهَا الدَّائِنُ، وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ الْمَالَ يُقَدَّرُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِ الْقَتِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِرَبِّ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَهُ) أَيْ وَعَلَيْهِ فَلَوْ عَفَا وَارِثُهُ عَنْ قِصَاصِ الْجُرْحِ عَلَى مَالٍ صَحَّ وَكَانَ الْمَالُ الْوَاجِبُ فَيْئًا فِيمَا يَظْهَرُ وَتَرَدَّدَ فِيهِ سم عَلَى مَنْهَجٍ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْخَطِيبِ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ مَا قُلْته
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ) ع: إيضَاحُهُ أَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مُسَاوٍ لِنَظِيرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا إيجَابُ الْأَرْشِ إذَا كَانَ أَقَلَّ فَلِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ أَرْشٌ، وَالرِّدَّةُ مَنَعَتْ مِنْ وُجُوبِ شَيْءٍ بَعْدَهَا، وَلَا تُسْقِطُ مَا وَجَبَ قَبْلَهَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
فِي الْأَصَحِّ فَهَذَا لَا يُكَافِئُهُ إلَى الزُّهُوقِ (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ إلَخْ.) هَذَا لَا حَاجَة إلَيْهِ بَعْد تَصْرِيحِ الْمَتْنِ بِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي التُّحْفَةِ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ اقْتَضَى الْجُرْحُ مَالًا) أَيْ وَلَوْ بِالْعَفْوِ أَوْ كَانَ خَطَأً مَثَلًا حَتَّى يَتَأَتَّى قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي فَلَوْ كَانَ
إنْ قَصُرَتْ الرِّدَّةُ) أَيْ زَمَنُهَا بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لِلسِّرَايَةِ أَثَرٌ فِيهِ (وَجَبَ) الْقَوَدُ لِانْتِفَاءِ تَأْثِيرِ السِّرَايَةِ فِيهِ (وَتَجِبُ) عَلَى الْأَوَّلِ (الدِّيَةُ) كَامِلَةً مُغَلَّظَةً حَالَّةً فِي مَالِهِ لِوُقُوعِ الْجُرْحِ وَالْمَوْتِ حَالَ الْعِصْمَةِ (وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهَا) تَوْزِيعًا عَلَى الْعِصْمَةِ وَالْإِهْدَارِ، وَقَدْ أَفْتَيْتُ فِيمَا لَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّا مَعًا وَأَسْلَمَا مَعًا ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ بِالسِّرَايَةِ بِلُزُومِ الْقَوَدِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُكَافَأَةُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ إلَى الْفَوَاتِ، وَهُمَا مُتَكَافِئَانِ كَذَلِكَ
(وَلَوْ)(جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ) بَعْدَ الْإِصَابَةِ (أَوْ حُرٌّ عَبْدًا فَعَتَقَ) بَعْدَهَا (وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ)(فَلَا قِصَاصَ) لِانْتِفَاءِ الْمُكَافَأَةِ حَالَ الْجِنَايَةِ (وَتَجِبُ دِيَةُ مُسْلِمٍ) أَوْ حُرٍّ حَالَّةً مُغَلَّظَةً فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ أَوَّلًا وَانْتِهَاءً، فَاعْتُبِرَ الِانْتِهَاءُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي قَدْرِ الْمَضْمُونِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ التَّالِفِ فَيُنْظَرُ فِيهِ لِحَالَةِ التَّلَفِ.
وَيُفَارِقُ التَّغْلِيظُ هُنَا نَفْيَهُ فِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ هُنَا تَعَمَّدَ رَمْيَ مَعْصُومٍ وَثَمَّ تَعَمَّدَ رَمْيَ مُهْدَرٍ فَطَرَأَتْ عِصْمَتُهُ فَنَزَّلُوا طُرُوَّهَا مَنْزِلَةَ طُرُوُّ إصَابَةِ مَنْ لَمْ يَقْصِدْهُ (وَهِيَ) فِي الْأَخِيرَةِ (لِسَيِّدِ الْعَبْدِ) سَاوَتْ قِيمَتَهُ أَمْ نَقَصَتْ عَنْهَا لِاسْتِحْقَاقِهِ لَهَا بِالْجِنَايَةِ الْوَاقِعَةِ فِي مِلْكِهِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهُ فِيهَا بَلْ لِلْجَانِي الْعُدُولُ لِقِيمَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الدِّيَةُ مَوْجُودَةً فَإِذَا سَلَّمَ الدَّرَاهِمَ أُجْبِرَ السَّيِّدُ عَلَى قَبُولِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ إلَّا بِالدِّيَةِ (فَإِنْ زَادَتْ) أَيْ الدِّيَةُ (عَلَى قِيمَتِهِ فَالزِّيَادَةُ لِوَرَثَتِهِ) لِوُجُوبِهَا بِسَبَبِ الْحُرِّيَّةِ وَتَعَيَّنَ حَقُّهُمْ فِي الْإِبِلِ (وَ) مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْجُرْحِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ هُوَ، فَحِينَئِذٍ
(لَوْ)(قَطَعَ) الْحُرُّ (يَدَ عَبْدٍ) أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ (فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بِسِرَايَةٍ) وَأَوْجَبْنَا كَمَالَ الدِّيَةِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ (فَلِلسَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ) فِي نَفْسِهِ (وَنِصْفُ قِيمَتِهِ) الَّذِي هُوَ أَرْشُ الْجُرْحِ الْوَاقِعِ فِي مِلْكِهِ لَوْ انْدَمَلَ، وَالسِّرَايَةُ لَمْ تَحْصُلْ فِي الرِّقِّ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِهَا حَقٌّ لَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ الدِّيَةَ فَلَا وَاجِبَ غَيْرُهَا أَوْ أَرْشَ الْجُرْحِ فَلَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِي غَيْرِهِ، وَالزَّائِدُ لِلْوَرَثَةِ، وَذِكْرُهُ النِّصْفَ لِفَرْضِهِ أَنَّ الْمَقْطُوعَ يَدٌ وَإِلَّا فَكُلٌّ مِثَالٌ (وَفِي قَوْلٍ) الْوَاجِبُ لِلسَّيِّدِ (الْأَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ وَقِيمَتُهُ) كُلُّهَا؛ لِأَنَّا نَظَرْنَا لِلسِّرَايَةِ فِي دِيَةِ النَّفْسِ فَلْنَنْظُرْ إلَيْهَا فِي حَقِّ السَّيِّدِ حَتَّى يُقَدَّرَ مَوْتُهُ قِنًّا
(وَلَوْ)(قَطَعَ) الْحُرُّ (يَدَهُ فَعَتَقَ فَجَرَحَهُ آخَرَانِ) كَأَنْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَهُ الْأُخْرَى، وَالْآخَرُ رِجْلَهُ (وَمَاتَ بِسِرَايَتِهِمْ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَوَّلِ) وَ (إنْ كَانَ حُرًّا) لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ حَالَ الْجِنَايَةِ (وَيَجِبُ عَلَى الْآخَرَيْنِ) قِصَاصُ النَّفْسِ وَالطَّرَفِ؛ لِأَنَّهُمَا كُفُؤَانِ، وَمَتَى وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَانَتْ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ جِنَايَاتِهِمْ صَارَتْ بِالسِّرَايَةِ النَّاشِئَةِ عَنْهُمْ نَفْسًا، وَلَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِيمَا عَلَى الْآخَرَيْنِ بَلْ فِيمَا عَلَى الْأَوَّلِ؛ إذْ هُوَ الْجَانِي عَلَى مِلْكِهِ فَلَهُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كَمَا لَوْ قَتَلَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ نَفْسَهُ، وَقَوْلُهُ وَيَكُونُ الْوَاجِبُ فَيْئًا ع: وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ
(قَوْلُهُ: وَتَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلَا قِصَاصَ (قَوْلُهُ: وَهُمَا مُتَكَافِئَانِ) أَيْ وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ الرِّدَّةِ وَهِيَ مُزِيلَةٌ لِلْعِصْمَةِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ أَوَّلِ الْفِعْلِ إلَى الزَّهُوقِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مَعْصُومٌ عَلَى مِثْلِهِ
(قَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ رَمَاهُمَا فَأَسْلَمَ وَعَتَقَ فَلَا قِصَاصَ إلَخْ
(قَوْلُهُ: لَهَا) أَيْ الدِّيَةِ (قَوْلُهُ: وَتَعَيَّنَ حَقُّهُمْ فِي الْإِبِلِ) هُوَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَالزِّيَادَةُ لِوَرَثَتِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْإِبِلِ، وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَيَّنُ فِيهَا حَتَّى لَوْ دَفَعَ إلَيْهِمْ الدَّرَاهِمَ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهَا
(قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ) أَيْ مَحَلُّ كَوْنِ الدِّيَةِ لِلسَّيِّدِ إنْ سَاوَتْ قِيمَتَهُ أَوْ نَقَصَتْ
(قَوْلُهُ: نَفْسًا)
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْجُرْحُ قَطْعَ يَدٍ
(قَوْلُهُ: وَهُمَا مُتَكَافِئَانِ) أَيْ وَالْمَقْتُولُ مَعْصُومٌ عَلَيْهِ مِنْ ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ إلَى الِانْتِهَاءِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْقَوَدِ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ مُهْدِرٌ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِاشْتِرَاطِ الْعِصْمَةِ عِصْمَتُهُ عَلَى الْقَاتِلِ لَا عِصْمَتُهُ فِي نَفْسِهِ
(قَوْلُهُ: وَتَعَيَّنَ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَيَتَعَيَّنُ
(قَوْلُهُ: الْحُرُّ) الْمُنَاسِبُ إنْسَانٌ كَمَا صَنَعَ فِي التُّحْفَةِ لِيَنْسَجِمَ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي إنْ كَانَ حُرًّا.