الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُدَّةُ الْحَمْلِ، وَلَوْ أَمْكَنَ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ مُدَّةَ حَمْلٍ كَامِلٍ.
فَإِنْ نَفَى هَذَا الْوَلَدَ بِاللِّعَانِ انْتَفَى، وَلَا يَنْتَفِي بِغَيْرِ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ حَمْلٌ مُنْفَرِدٌ، وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ، أَوْ تَرَكَ نَفْيَهُ، لَحِقَهُ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَانَتْ بِاللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَطِئَهَا بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ لَاعَنَهَا قَبْلَ وَضْعِ الْأَوَّلِ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، لَمْ يَلْحَقْهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِاللِّعَانِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْأَوَّلِ، وَكَانَ حَمْلُهَا الثَّانِي بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فِي غَيْرِ نِكَاحٍ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى نَفْيِهِ.
[فَصْلٌ مَاتَ أَحَدُ التَّوْأَمَيْنِ أَوْ مَاتَا مَعًا فِي الْمُلَاعَنَة]
(6269)
فَصْلٌ: وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ التَّوْأَمَيْنِ، أَوْ مَاتَا مَعًا، فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِ نَسَبِهِمَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ نَسَبُ الْحَيِّ، وَلَا يُلَاعِنُ إلَّا لِنَفْيِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ، فَإِنَّ نَسَبَهُ قَدْ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى نَفْيِهِ بِاللِّعَانِ، كَمَا لَوْ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ، فَإِنَّهُ لَا يُلَاعِنُهَا بَعْدَ مَوْتِهَا، لِقَطْعِ النِّكَاحِ، لِكَوْنِهِ قَدْ انْقَطَعَ، وَإِذَا لَمْ يَنْتَفِ الْمَيِّتُ لَمْ يَنْتَفِ الْحَيُّ؛ لِأَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ.
وَلَنَا أَنَّ الْمَيِّتَ يُنْسَبُ إلَيْهِ، فَيُقَالُ: ابْنُ فُلَانٍ. وَيَلْزَمُهُ تَجْهِيزُهُ، وَتَكْفِينُهُ، فَكَانَ لَهُ نَفْيُ نَسَبِهِ، وَإِسْقَاطُ مُؤْنَتِهِ، كَالْحَيِّ، وَكَمَا لَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ.
[مَسْأَلَة أَكْذَبَ الزَّوْج نَفْسَهُ فِي اللِّعَانِ يَلْحَق الْوَلَدُ بِهِ]
(6270)
مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، لَحِقَهُ الْوَلَدُ) . وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ، وَنَفَى وَلَدَهَا، ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، لَحِقَهُ الْوَلَدُ إذَا كَانَ حَيًّا. بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا، لَحِقَهُ نَسَبُهُ أَيْضًا. فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَسَوَاءٌ خَلَّفَ مَالًا أَوْ لَمْ يُخَلِّفْ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقٌّ لِلْوَلَدِ، فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ، لَزِمَهُ، وَسَوَاءٌ تَقَدَّمَ إنْكَارُهُ لَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلِأَنَّ سَبَبَ نَفْيِهِ عَنْهُ نَفْيُهُ لَهُ، فَإِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ. فَقَدْ زَالَ سَبَبُ النَّفْيِ، وَبَطَلَ، فَوَجَبَ أَنْ يَلْحَقَهُ نَسَبُهُ بِحُكْمِ النِّكَاحِ الْمُوجِبِ لِلُحُوقِ نَسَبِهِ بِهِ.
[فَصْلٌ الْقَذْفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ]
(6271)
فَصْلٌ: وَالْقَذْفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: وَاجِبٌ، وَهُوَ أَنْ يَرَى امْرَأَتَهُ تَزْنِي فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ اعْتِزَالُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَإِذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الزِّنَا، وَأَمْكَنَهُ نَفْيُهُ عَنْهُ، لَزِمَهُ قَذْفُهَا، وَنَفْيُ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي
مَجْرَى الْيَقِينِ فِي أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي، فَإِذَا لَمْ يَنْفِهِ لَحِقَهُ الْوَلَدُ، وَوَرِثَهُ، وَوَرِثَ أَقَارِبَهُ، وَوَرِثُوا مِنْهُ، وَنَظَرَ إلَى بَنَاتِهِ وَأَخَوَاتِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَائِزٍ، فَيَجِبُ نَفْيُهُ لِإِزَالَةِ ذَلِكَ. وَلَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا، وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ رَآهَا.
الثَّانِي - أَنْ يَرَاهَا تَزْنِي، أَوْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ زِنَاهَا، وَلَيْسَ ثَمَّ وَلَدٌ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، أَوْ ثَمَّ وَلَدٌ لَكِنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا، أَوْ يُخْبِرَهُ بِزِنَاهَا ثِقَةٌ يُصَدِّقُهُ، أَوْ يَشِيعَ فِي النَّاسِ أَنَّ فُلَانًا يَفْجُرُ بِفُلَانَةَ، وَيُشَاهِدُهُ عِنْدَهَا، أَوْ دَاخِلًا إلَيْهَا أَوْ خَارِجًا مِنْ عِنْدِهَا، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ فُجُورُهَا، فَهَذَا لَهُ قَذْفُهَا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَتَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، أَوْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ. فَذَكَرَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ أَوْ يَسْكُتُ، وَلَمْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.» وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُنْكِرْ عَلَى هِلَالٍ وَالْعَجْلَانِيِّ قَذْفَهُمَا حِينَ رَأَيَا.
وَإِنْ سَكَتَ جَازَ، وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ فِرَاقُهَا بِطَلَاقِهَا، وَيَكُونُ فِيهِ سَتْرُهَا وَسَتْرُ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ ثَمَّ وَلَدٌ يَحْتَاجُ إلَى نَفْيِهِ. الْحَالُ الثَّالِثُ، مُحَرَّمٌ، وَهُوَ مَا عَدَا ذَلِكَ، مِنْ قَذْفِ أَزْوَاجِهِ وَالْأَجَانِبِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23] . وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ، احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَوْلُهُ: " وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ ". يَعْنِي يَرَاهُ مِنْهُ، فَكَمَا حَرَّمَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، حَرَّمَ عَلَى الرَّجُلِ جَحْدَ وَلَدِهِ. وَلَا يَجُوزُ قَذْفُهَا بِخَبَرِ مَنْ لَا يُوثَقُ بِخَبَرِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهَا، وَلَا بِرُؤْيَتِهِ رَجُلًا خَارِجًا مِنْ عِنْدِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَفِيضَ زِنَاهَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ سَارِقًا، أَوْ هَارِبًا، أَوْ لِحَاجَةٍ، أَوْ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ، وَلَا لِاسْتِفَاضَةِ ذَلِكَ فِي النَّاسِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِمْ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَعْدَاؤُهَا أَشَاعُوا ذَلِكَ عَنْهَا. وَفِيهِ وَجْهٌ آخِرُ، أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ
أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الثِّقَةِ. وَلَا بِمُخَالَفَةِ الْوَلَدِ لَوْنَ وَالِدَيْهِ أَوْ شَبَهِهِمَا، وَلَا لِشَبَهِهِ بِغَيْرِ وَالِدَيْهِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:«جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ امْرَأَتِي جَاءَتْ بِوَلَدٍ أَسْوَدَ. يُعَرِّضُ بِنَفْيِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ لَكَ مِنْ إبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا أَلْوَانُهَا؟ . قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ . قَالَ: إنَّ فِيهَا أَوْرَقَ. قَالَ: فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟ قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ. قَالَ: فَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ» . قَالَ: " وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَأَلْوَانُهُمْ وَخَلْقُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ، فَلَوْلَا مُخَالَفَتُهُمْ شَبَهَ وَالِدَيْهِمْ، لَكَانُوا عَلَى خِلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ دَلَالَةَ الشَّبَهِ ضَعِيفَةٌ، وَدَلَالَةَ وِلَادَتِهِ عَلَى الْفِرَاشِ قَوِيَّةٌ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقَوِيِّ لِمُعَارَضَةِ الضَّعِيفِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا تَنَازَعَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، وَرَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْفِرَاشِ، وَتَرَكَ الشَّبَهَ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ، جَوَازُ نَفْيِهِ. وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ اللِّعَانِ:«إنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمَالِيًّا خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ، فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ. فَأَتَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْلَا الْأَيْمَانُ، لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» . فَجَعَلَ الشَّبَهَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ، مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ لِعَانِهِ وَنَفْيِهِ إيَّاهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَجَعَلَ الشَّبَهَ مُرَجِّحًا لِقَوْلِهِ، وَدَلِيلًا عَلَى تَصْدِيقِهِ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اسْتِقْلَالِ الشَّبَهِ بِالنَّفْيِ، وَلِأَنَّ هَذَا كَانَ فِي