الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْحُكُومَةَ لِأَجْلِ جَبْرِ النَّقْصِ، وَلَا نَقْصَ هَاهُنَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَطَمَ وَجْهَهُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ، وَإِنْ زَادَتْهُ الْجِنَايَةُ حُسْنًا، فَالْجَانِي مُحْسِنٌ بِجِنَايَتِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ، كَمَا لَوْ قَطَعَ سِلْعَةً أَوْ ثُؤْلُولًا، وَبَطَّ خُرَّاجًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ.
قَالَ الْقَاضِي: نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا جُزْءٌ مِنْ مَضْمُونٍ، فَلَمْ يَعْرَ عَنْ ضَمَانٍ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مُقَدَّرَ الْأَرْشِ فَازْدَادَ بِهِ جَمَالًا، أَوْ لَمْ يَنْقُصْهُ شَيْئًا، فَعَلَى هَذَا يُقَوَّمُ فِي هَذَا أَقْرَبُ الْأَحْوَالِ إلَى الْبُرْءِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ بَعْدَ بُرْئِهِ، قُوِّمَ فِي أَقْرَبِ الْأَحْوَالِ إلَيْهِ، كَوَلَدِ الْمَغْرُورِ، لَمَّا تَعَذَّرَ تَقْوِيمُهُ فِي الْبَطْنِ، قُوِّمَ عِنْدَ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْأَحْوَالِ الَّتِي أَمْكَنَ تَقْوِيمُهُ إلَى كَوْنِهِ فِي الْبَطْنِ. وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ فِي تِلْكَ الْحَالِ، قُوِّمَ وَالدَّمُ جَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْصٍ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، كَمَا ذَكَرْنَا. وَتُقَوَّمُ لِحْيَةُ الْمَرْأَةِ كَأَنَّهَا لِحْيَةُ رَجُلٍ فِي حَالٍ يَنْقُصُهُ ذَهَابُ لِحْيَتِهِ. وَإِنْ أَتْلَفَ سِنًّا زَائِدَةً، قُوِّمَ وَلَيْسَ لَهُ سِنٌّ، وَلَا خَلْفَهَا أَصْلِيَّةٌ، ثُمَّ يُقَوَّمُ وَقَدْ ذَهَبَتْ الزَّائِدَةُ. فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا قَدَّرْنَاهَا ابْنَ عِشْرِينَ نَقَصَهَا ذَهَابُ لِحْيَتِهَا يَسِيرًا، وَإِنْ قَدَّرْنَاهَا ابْنَ أَرْبَعِينَ نَقَصَهَا كَثِيرًا، قَدَّرْنَاهَا ابْنَ عِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْأَحْوَالِ إلَى حَالِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ تَقْوِيمَ الْجُرْحِ الَّذِي لَا يَنْقُصُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ، فَإِنَّا نُقَوِّمُهُ فِي أَقْرَبِ أَحْوَالِ النَّقْصِ إلَى حَالِ الِانْدِمَالِ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّ هَذَا لَا مُقَدَّرَ فِيهِ، وَلَمْ يَنْقُصْ شَيْئًا، فَأَشْبَهَ الضَّرْبَ، وَتَضْمِينُ النَّقْصِ الْحَاصِلِ حَالَ جَرَيَانِ الدَّمِ، إنَّمَا هُوَ تَضْمِينُ الْخَوْفِ عَلَيْهِ، وَقَدْ زَالَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَطَمَهُ فَاصْفَرَّ لَوْنُهُ حَالَ اللَّطْمَةِ، أَوْ احْمَرَّ، ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ. وَتَقْدِيرُ الْمَرْأَةِ رَجُلًا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ زَيْنٌ لِلرَّجُلِ، وَعَيْبٌ فِيهَا، وَتَقْدِيرُ مَا يَعِيبُ بِمَا يَزِينُ لَا يَصِحُّ، وَكَذَلِكَ تَقْدِيرُ السِّنِّ فِي حَالَةِ إيرَادِ زَوَالِهَا، بِحَالَةٍ تُكْرَهُ، لَا يَجُوزُ؛ فَإِنَّ الشَّيْءَ يُقَدَّرُ بِنَظِيرِهِ، وَيُقَاسُ عَلَى مِثْلِهِ، لَا عَلَى ضِدِّهِ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا الْوَجْهِ، فَإِنَّمَا يُوجِبُ أَدْنَى مَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ، وَهُوَ أَقَلُّ نَقْصٍ يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ.
[فَصْلٌ لَطَمَهُ عَلَى وَجْهه فَلَمْ يُؤْثِرْ فِي وَجْهه]
(7002)
فَصْلٌ: وَإِنْ لَطَمَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي وَجْهِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ بِهِ جَمَالٌ وَلَا مَنْفَعَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَالٌ يَنْقُصُ فِيهَا، فَلَمْ يَضْمَنْهُ، كَمَا لَوْ شَتَمَهُ. وَإِنْ سَوَّدَ وَجْهَهُ أَوْ خَضَّرَهُ، ضَمِنَهُ بِدِيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ، فَضَمِنَهُ بِدِيَتِهِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَيْ الْأَصَمِّ، وَأَنْفَ الْأَخْشَمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ فِيهِ إلَّا حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مُقَدَّرَ فِيهِ، وَلَا هُوَ نَظِيرٌ لِمُقَدَّرٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ نَظِيرٌ لِقَطْعِ الْأُذُنَيْنِ فِي ذَهَابِ الْجَمَالِ، بَلْ هُوَ أَعْظَمُ فِي ذَلِكَ، فَيَكُونُ بِإِيجَابِ الدِّيَةِ أَوْلَى. وَإِنْ زَالَ السَّوَادُ، يَرُدُّ مَا أَخَذَهُ؛ لِزَوَالِ سَبَبِ الضَّمَانِ.
وَإِنْ زَالَ بَعْضُهُ، وَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ، وَرَدَّ الْبَاقِيَ. وَإِنْ صَفَّرَ وَجْهَهُ أَوْ حَمَّرَهُ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّ الْجَمَالَ لَمْ يَذْهَبْ عَلَى الْكَمَالِ، وَهَذَا يُشْبِهُ مَا لَوْ سَوَّدَ سِنَّهُ، أَوْ غَيَّرَ لَوْنَهَا، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ فِيهَا.
[مَسْأَلَةٌ كَانَتْ الْجِنَايَة عَلَى الْعَبْدِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ شَيْء مُوَقَّتٌ فِي الْحَرّ]
(7003)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُوَقَّتٌ فِي الْحُرِّ، فَفِيهِ مَا نَقَصَهُ بَعْدَ الْتِئَامِ الْجُرْحِ،
وَإِنْ كَانَ فِيمَا جَنَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مُوَقَّتٌ فِي الْحُرِّ، فَهُوَ مُوَقَّتٌ فِي الْعَبْدِ مِنْ قِيمَتِهِ، فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، نَقَصَتْهُ الْجِنَايَةُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ، وَهَكَذَا الْأَمَةُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ يَجِبُ ضَمَانُهَا بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا وَجَبَ جَبْرًا لِمَا فَاتَ بِالْجِنَايَةِ، وَلَا يَنْجَبِرُ إلَّا بِإِيجَابِ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ، فَيَجِبُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَسَائِرِ الْمَالِ، وَلَا يَجِبُ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَدْ انْجَبَرَ، فَلَا يَجِبُ لَهُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فَوَّتَهُ الْجَانِي عَلَيْهِ. هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مُقَدَّرٌ شَرْعِيٌّ.
فَإِنْ كَانَ الْفَائِتُ بِالْجِنَايَةِ مُوَقَّتًا فِي الْحُرِّ، كَيَدِهِ، وَمُوضِحَتِهِ، فَفِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّ فِيهِ أَيْضًا مَا نَقَصَهُ، بَالِغًا مَا بَلَغَ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ هَذَا اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ. وَرَوَى الْمَيْمُونِيُّ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا يَأْخُذُ قِيمَةَ مَا نَقَصَ مِنْهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ، فِيمَا عَدَا مُوضِحَتَهُ، وَمُنَقِّلَتَهُ، وَهَاشِمَتَهُ، وَجَائِفَتَهُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ ضَمَانُ الْأَمْوَالِ، فَيَجِبُ فِيهِ مَا نَقَصَ كَالْبَهَائِمِ، وَلِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِالْقِيمَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، ضُمِنَ بَعْضُهُ بِمَا نَقَصَ، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ ضَمَانُ الْفَائِتِ بِمَا نَقَصَ، خَالَفْنَاهُ فِيمَا وُقِّتَ فِي الْحُرِّ، كَمَا خَالَفْنَاهُ فِي ضَمَانِ بَقِيَّتِهِ بِالدِّيَةِ الْمُؤَقَّتَةِ، فَفِي الْعَبْدِ يَبْقَى فِيهِمَا عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَا كَانَ مُوَقَّتًا فِي الْحُرِّ، فَهُوَ مُوَقَّتٌ فِي الْعَبْدِ؛ فَفِي يَدِهِ، أَوْ عَيْنِهِ، أَوْ أُذُنِهِ، أَوْ شَفَتِهِ، نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، وَمَا أَوْجَبَ الدِّيَةَ فِي الْحُرِّ، كَالْأَنْفِ، وَاللِّسَانِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَالْعَيْنَيْنِ، وَالْأُذُنَيْنِ، أَوْجَبَ قِيمَةَ الْعَبْدِ، مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ. رُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ؛ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَا أُصِيبَ بِهِ الْعَبْدُ فَهُوَ عَلَى مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ قَوْلَ عَلِيٍّ لَمَا احْتَجَّ أَحْمَدُ فِيهِ إلَّا بِهِ دُونَ غَيْرِهِ. إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيَّ قَالَا: مَا أَوْجَبَ الدِّيَةَ مِنْ الْحُرِّ، يَتَخَيَّرُ سَيِّدُ الْعَبْدِ فِيهِ، بَيْنَ أَنْ يُغَرِّمَهُ قِيمَتَهُ، وَيَصِيرَ مِلْكًا لِلْجَانِي وَبَيْنَ أَنْ لَا يُضَمِّنَهُ شَيْئًا، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، وَرُوِيَ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فِي مَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ عَمْدًا، أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ، هُوَ لَهُ، وَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ.
وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا، وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ يُضْمَنُ بِالْقِصَاصِ وَالْكَفَّارَةِ، فَكَانَ فِي أَطْرَافِهِ مُقَدَّرٌ كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّ أَطْرَافَهُ فِيهَا مُقَدَّرٌ مِنْ الْحُرِّ، فَكَانَ فِيهَا مُقَدَّرٌ مِنْ الْعَبْدِ، كَالشِّجَاجِ الْأَرْبَعِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَمَا وَجَبَ فِي شِجَاجِهِ مُقَدَّرٌ، وَجَبَ فِي أَطْرَافِهِ مُقَدَّرٌ كَالْحُرِّ. وَعَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، قَوْلُ عَلِيٍّ، وَلِأَنَّ