الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الزَّوْجَ يُلَاعِنُ زَوْجَتَهُ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، فَرَدَّ ذَلِكَ إلَى اللِّعَانِ، لَا إلَى الْحَدِّ. الثَّانِي، أَنَّهُ أَرَادَ مَا إذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ، فَقَذَفَهَا فِي عِدَّتِهَا، ثُمَّ أَسْلَمْ الزَّوْجُ، فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ.
(6234)
فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الزَّوْجَةِ مَدْخُولًا بِهَا، أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، فِي أَنَّهُ يُلَاعِنُهَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ؛ مِنْهُمْ عَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وَالشَّافِعِيُّ، بِظَاهِرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] . فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ مِنْهُ. كَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَا صَدَاقَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ بِلِعَانِهِمَا جَمِيعًا، فَأَشْبَهَ الْفُرْقَةَ لَعَيْبٍ فِي أَحَدِهِمَا.
[فَصْلٌ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ فِي اللِّعَانِ]
(6235)
فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ تَحْصُلُ بِهِ الْفُرْقَةُ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ، كَالطَّلَاقِ، أَوْ يَمِينٌ، فَلَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ. وَلَا يَخْلُو غَيْرُ الْمُكَلَّفِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَ، أَوْ الزَّوْجَةَ، أَوْ هُمَا؛ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجَ فَلَهُ حَالَانِ: أَحَدِهِمَا، أَنْ يَكُونَ طِفْلًا. وَالثَّانِي، أَنْ يَكُونُ بَالِغًا زَائِلَ الْعَقْلِ. فَإِنْ كَانَ طِفْلًا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الْقَذْفُ، وَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ حَدٌّ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ، وَقَوْلَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَإِنْ أَتَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَ لِدُونِ عَشْرِ سِنِينَ، لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ، وَيَكُونُ مَنْفِيًّا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحِيطُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمْ يُجْرِ الْعَادَةَ بِأَنْ يُولَدَ لَهُ لِدُونِ ذَلِكَ، فَيَنْتَفِي عَنْهُ، كَمَا لَوْ أَتَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا. وَإِنْ كَانَ ابْنَ عَشْرٍ فَصَاعِدًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُلْحَقُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يُخْلَقُ إلَّا مِنْ مَاء الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَلَوْ أَنْزَلَ لَبَلَغَ.
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُلْحَقُ بِهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ، وَإِنْ خَالَفَ الظَّاهِرَ، وَلِهَذَا لَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، لَحِقَ بِالزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَكَذَلِكَ يُلْحَقُ بِهِ إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَرْبَعِ سِنِينَ، مَعَ نُدْرَتِهِ. وَلَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ فِي الْحَالِ، حَتَّى يَتَحَقَّقَ بُلُوغُهُ بِأَحَدِ أَسْبَابِ الْبُلُوغِ، فَلَهُ نَفْيُ الْوَلَدِ وَاسْتِلْحَاقُهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا أَلْحَقْتُمْ بِهِ الْوَلَدَ، فَقَدْ حَكَمْتُمْ بِبُلُوغِهِ، فَهَلَّا سَمِعْتُمْ نَفْيَهُ وَلِعَانَهُ؟ قُلْنَا: إلْحَاقُ الْوَلَدِ يَكْفِي فِيهِ الْإِمْكَانُ، وَالْبُلُوغُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ، وَلِأَنَّ إلْحَاقَ الْوَلَدِ بِهِ حَقٌّ عَلَيْهِ، وَاللِّعَانُ حَقٌّ لَهُ، فَلَمْ يَثْبُتْ
مَعَ الشَّكِّ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا انْتَفَى عَنْهُ الْوَلَدُ، وَإِنْ كَانَ بَالِغًا انْتَفَى عَنْهُ اللِّعَانُ.
قُلْنَا: إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْيَمِينَ مَعَ الشَّكِّ فِي صِحَّتِهَا، فَسَقَطَتْ لِلشَّكِّ فِيهَا. الثَّانِي، إذَا كَانَ زَائِلَ الْعَقْلِ لَجُنُونٍ، فَلَا حُكْمَ لِقَذْفِهِ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ عَنْهُ مَرْفُوعٌ أَيْضًا، وَإِنْ أَتَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ، فَنَسَبُهُ لَاحِقٌ بِهِ، لِإِمْكَانِهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى نَفْيِهِ مَعَ زَوَالِ عَقْلِهِ، فَإِذَا عَقَلَ، فَلَهُ نَفْيُ الْوَلَدِ حِينَئِذٍ وَاسْتِلْحَاقُهُ. وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ ذَاهِبَ الْعَقْلِ حِينَ قَذَفَهُ، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ، وَلِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ بِمَا قَالَ، ثَبَتَ قَوْلُهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَالَةٌ عُلِمَ فِيهَا زَوَالُ عَقْلِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ الصِّحَّةُ وَالسَّلَامَةُ. وَإِنْ عُرِفَتْ لَهُ حَالَةُ جُنُونٍ، وَلَمْ تُعْرَفْ لَهُ حَالَةُ إفَاقَةٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ عُرِفَتْ لَهُ حَالَةُ جُنُونٍ وَحَالَةُ إفَاقَةٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، الْقَوْلُ قَوْلُهَا.
قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي الْمَلْفُوفِ إذَا ضَرَبَهُ فَقَدَّهُ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا، وَقَالَ الْوَلِيُّ: كَانَ حَيًّا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الْحَدِّ، فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْمَلْفُوفَ، لِأَنَّ الْمَلْفُوفَ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ ضِدُّ ذَلِكَ، فَنَظِيرُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّهُ يُعْرَفُ لَهُ حَالَةُ إفَاقَةٍ، وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ ضِدُّهَا، وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ حَالَةُ جُنُونٍ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قَدْ اسْتَمَرَّتْ إلَى حِينِ قَذْفِهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ، فَقَذَفَهَا الزَّوْجُ؛ نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَتْ طِفْلَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا، فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهَا؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يُتَيَقَّنُ كَذِبُهُ فِيهِ، وَبَرَاءَةُ عِرْضِهَا مِنْهُ، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ حَدٌّ كَمَا لَوْ قَالَ: أَهْلُ الدُّنْيَا زُنَاةٌ. وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ لِلسَّبِّ، لَا لِلْقَذْفِ، وَلَا يُحْتَاجُ فِي التَّعْزِيرِ إلَى مُطَالَبَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لَتَأْدِيبِهِ، وَلِلْإِمَامِ فِعْلُهُ إذَا رَأَى ذَلِكَ.
فَإِنْ كَانَتْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا، كَابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا وَلَا لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ حَتَّى تَبْلُغَ، فَإِذَا بَلَغَتْ فَطَالَبَتْ، فَلَهَا الْحَدُّ، وَلَهُ إسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ، وَلَيْسَ لَهُ لِعَانُهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ يُرَادُ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ أَوْ نَفْي الْوَلَدِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ قَبْلَ بُلُوغِهَا، وَلَا وَلَدَ فَيَنْفِيَهُ، فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ حُكِمَ بِبُلُوغِهَا؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ أَحَدُ أَسْبَابِ الْبُلُوغِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ نُطْفَتِهَا، فَمِنْ ضَرُورَتِهِ إنْزَالُهَا، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ بُلُوغِهَا. وَإِنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ الْمَجْنُونَةَ بِزِنًا أَضَافَهُ إلَى حَالِ إفَاقَتِهَا، أَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ عَاقِلَةٌ، ثُمَّ حَنِثَ، لَمْ يَكُنْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ، وَلَا لِوَلِيِّهَا قَبْلَ إفَاقَتِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا طَرِيقُهُ التَّشَفِّي، فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ الْوَلِيُّ فِيهِ، كَالْقِصَاصِ، فَإِذَا أَفَاقَتْ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ، وَلِلزَّوْجِ إسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ، وَإِنْ أَرَادَ لِعَانَهَا فِي حَالِ جُنُونِهَا، وَلَا وَلَدَ يَنْفِيهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ حَدٌّ فَيُسْقِطَهُ، وَلَا نَسَبٌ فَيَنْفِيَهُ.
وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ، فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُلَاعِنُ، وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يَنْتَفِي بِاللِّعَانِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، وَهَذِهِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا لِعَانٌ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ، فِي الْخَرْسَاءِ، أَنَّ زَوْجَهَا لَا يُلَاعِنُ. فَهَذِهِ أَوْلَى.