الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاطِلٌ. فَأَمَّا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ: إنَّهُ إنَّمَا يَدَّعِي مَالًا. قُلْنَا: إنَّمَا يَدَّعِي النَّسَبَ وَالْمِيرَاثَ، وَالْمَالُ تَبَعٌ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي أَنَّ غَرَضَهُ حُصُولُ الْمِيرَاثِ. قُلْنَا: إنَّ النَّسَبَ لَا تَمْنَعُ التُّهْمَةُ لُحُوقَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ يُعَادِيهِ، فَأَقَرَّ بِابْنٍ، لَزِمَهُ، وَسَقَطَ مِيرَاثُ أَخِيهِ، وَلَوْ كَانَ الِابْنُ حَيًّا وَهُوَ غَنِيٌّ، وَالْأَبُ فَقِيرٌ، فَاسْتَلْحَقَهُ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي إيجَابِ نَفَقَتِهِ عَلَى ابْنِهِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، ثُمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْوَلَدِ، وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ، وَلَا يَثْبُتُ الْمِيرَاثُ الْمُخْتَصُّ بِالتُّهْمَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْقِطَاعِ التَّبَعِ انْقِطَاعُ الْأَصْلِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَيَتَعَلَّقُ بِاللِّعَانِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ: حَقَّانِ عَلَيْهِ، وُجُوبُ الْحَدِّ، وَلُحُوقُ النَّسَبِ. وَحَقَّانِ لَهُ: الْفُرْقَةُ، وَالتَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ، فَإِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ، قُبِلَ قَوْلُهُ فِيمَا عَلَيْهِ، فَلَزِمَهُ الْحَدُّ وَالنَّسَبُ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِيمَا لَهُ، فَلَمْ تَزُلْ الْفُرْقَةُ، وَلَا التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ.
[فَصْلٌ لَمْ يَكْذِبْ الزَّوْج نَفْسَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَلَا لَاعَنَ]
(6266)
فَصْلٌ: فَإِنْ لَمْ يُكْذِبْ نَفْسَهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَلَا لَاعَنَ، أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ. فَإِنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضَهُ، فَبَذَلَ اللِّعَانَ، وَقَالَ: أَنَا أُلَاعِنُ. قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ يُسْقِطُ جَمِيعَ الْحَدِّ، فَيُسْقِطُ بَعْضَهُ، كَالْبَيِّنَةِ.
فَإِنْ ادَّعَتْ زَوْجَتُهُ أَنَّهُ قَذَفَهَا بِالزِّنَا، فَأَنْكَرَ، فَأَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهُ قَذَفَهَا بِالزِّنَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ الْبَيِّنَةُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ قَذْفًا؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ الرَّمْيُ بِالزِّنَا كَذِبًا، وَأَنَا صَادِقٌ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ. لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إكْذَابًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مُصِرٌّ عَلَى رَمْيِهَا بِالزِّنَا، وَلَهُ إسْقَاطُ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ كَمَذْهَبِنَا. فَإِنْ قَالَ: مَا زَنَتْ، وَلَا رَمَيْتهَا بِالزِّنَا. فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِقَذْفِهَا، لَزِمَهُ الْحَدُّ، وَلَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ وَلَا لِعَانُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مَا زَنَتْ. تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ وَاللِّعَانِ، فَلَا تَثْبُتُ لَهُ حُجَّةٌ قَدْ أَكْذَبَهَا. وَجَرَى هَذَا مَجْرَى قَوْلِهِ فِي الْوَدِيعَةِ إذَا اُدُّعِيَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَوْدَعْتَنِي. فَقَامَتْ: عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ الْوَدِيعَةِ، فَادَّعَى الرَّدَّ أَوْ التَّلَفَ، لَمْ يُقْبَلْ. وَلَوْ أَجَابَ بِأَنَّهُ مَا لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ. وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا. فَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَادَّعَى الرَّدّ أَوْ التَّلَفَ، قُبِلَ مِنْهُ.
[مَسْأَلَة قَذَفَهَا وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا وَتَمَّ اللِّعَان بَيْنَهُمَا بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ]
(6267)
مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِنْ قَذَفَهَا، وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا، وَتَمَّ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ، نُفِيَ عَنْهُ، إذَا ذَكَرَهُ فِي اللِّعَانِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا وَلَدْت امْرَأَتُهُ وَلَدًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ، فَهُوَ وَلَدُهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» . وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِاللِّعَانِ التَّامِّ، الَّذِي اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهُ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ:
أَحَدُهَا، أَنْ يُوجَدَ اللِّعَانُ مِنْهُمَا جَمِيعًا. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْتَفِي بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْوَلَدِ إنَّمَا كَانَ بِيَمِينِهِ وَالْتِعَانِهِ، لَا بِيَمِينِ الْمَرْأَةِ عَلَى تَكْذِيبِهِ، وَلَا مَعْنَى لِيَمِينِ الْمَرْأَةِ فِي نَفْيِ النَّسَبِ، وَهِيَ تُثْبِتُهُ وَتُكَذِّبُ قَوْلَ مَنْ يَنْفِيهِ، وَإِنَّمَا لِعَانُهَا لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 8] .
وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا نَفَى الْوَلَدَ عَنْهُ بَعْدَ تَلَاعُنِهِمَا، فَلَا يَجُوزُ النَّفْيُ بِبَعْضِهِ، كَبَعْضِ لِعَانِ الزَّوْجِ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكْمُلَ أَلْفَاظُ اللِّعَانِ مِنْهُمَا جَمِيعًا. الشَّرْطُ الثَّالِثُ، أَنْ يَبْدَأَ بِلِعَانِ الزَّوْجِ قَبْلَ الْمَرْأَةِ، فَإِنْ بَدَأَ بِلِعَانِ الْمَرْأَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنْ فَعَلَ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، وَالْفُرْقَةُ جَائِزَةٌ، وَيَنْتَفِي الْوَلَدُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ لِعَانِهَا عَلَى لِعَانِهِ بِالْوَاوِ، وَهِيَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ قَدْ وُجِدَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَتَّبَتْ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، لَا يَتِمُّ اللِّعَانُ إلَّا بِالتَّرْتِيبِ، إلَّا أَنَّهُ يَكْفِي عِنْدَهُ لِعَانُ الرَّجُلِ وَحْدَهُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ مَعَ إخْلَالِهِ بِالتَّرْتِيبِ، وَعَدَمِ كَمَالِ أَلْفَاظِ اللِّعَانِ مِنْ الْمَرْأَةِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ أَتَى بِاللِّعَانِ عَلَى غَيْرِ مَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ لِعَانَ الرَّجُلِ بَيِّنَتُهُ لِإِثْبَاتِ زِنَاهَا وَنَفْيِ وَلَدِهَا، وَلِعَانَ الْمَرْأَةِ لِلْإِنْكَارِ، فَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِثْبَاتِ، كَتَقْدِيمِ الشُّهُودِ عَلَى الْأَيْمَانِ، وَلِأَنَّ لِعَانِ الْمَرْأَةِ لِدَرْءِ الْعَذَابِ عَنْهَا، وَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا ذَلِكَ إلَّا بِلِعَانِ الرَّجُلِ، فَإِذَا قَدَّمَتْ لِعَانَهَا عَلَى لِعَانِهِ، فَقَدْ قَدَّمَتْهُ عَلَى وَقْتِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَدَّمَتْهُ عَلَى الْقَذْفِ. الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَذْكُرَ نَفْيَ الْوَلَدِ فِي اللِّعَانِ، فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ، لَمْ يَنْتَفِ، إلَّا أَنْ يُعِيدَ اللِّعَانَ وَيَذْكُرَ نَفْيَهُ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْوَلَدِ وَنَفْيِهِ، وَيَنْتَفِي بِزَوَالِ الْفِرَاشِ؛ وَلِأَنَّ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، الَّذِي وَصَفَ فِيهِ اللِّعَانَ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْوَلَدَ، وَقَالَ فِيهِ: فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا، وَقَضَى أَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ، وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ «رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَهْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَفَرَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ» . وَلَنَا، أَنَّ مَنْ سَقَطَ حَقُّهُ بِاللِّعَانِ، كَانَ ذِكْرُهُ شَرْطًا، كَالْمَرْأَةِ، وَلِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي اللِّعَانِ أَنْ يُثْبِتَ زِنَاهَا، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ نَفْيَ الْوَلَدِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ، أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، فَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، فَقَدْ رُوِيَ فِيهِ: وَكَانَتْ حَامِلًا، فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا. مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ. وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ «رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ