الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«قَضَى بِدِيَةِ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ» ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً، وَهِيَ وَاجِبَةٌ، كَذَا هَاهُنَا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ أَغْنَتْ عَنْ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَاكْتُفِيَ بِهَا. وَإِنْ أَلْقَتْ الْمَضْرُوبَةُ أَجِنَّةً، فَفِي كُلِّ جَنِينٍ كَفَّارَةٌ، كَمَا أَنَّ فِي كُلِّ جَنِينٍ غُرَّةً أَوْ دِيَةً. وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي ضَرْبِ امْرَأَةٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا، فَدِيَتُهُ أَوْ الْغُرَّةُ عَلَيْهِمْ بِالْحِصَصِ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفَّارَةٌ، كَمَا إذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ رَجُلًا وَاحِدًا.
وَإِنْ أَلْقَتْ أَجِنَّةً، فَدِيَاتُهُمْ عَلَيْهِمْ بِالْحِصَصِ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ جَنِينٍ كَفَّارَةٌ، فَلَوْ ضَرَبَ ثَلَاثَةٌ بَطْنَ امْرَأَةٍ، فَأَلْقَتْ ثَلَاثَةَ أَجِنَّةً، فَعَلَيْهِمْ تِسْعُ كَفَّارَاتٍ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ.
[مَسْأَلَة شَرِبَتْ الْحَامِلُ دَوَاءً فَأَلْقَتْ بِهِ جَنِينًا]
(6864)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَإِذَا شَرِبَتْ الْحَامِلُ دَوَاءً، فَأَلْقَتْ بِهِ جَنِينًا، فَعَلَيْهَا غُرَّةٌ، لَا تَرِثُ مِنْهَا شَيْئًا، وَتُعْتِقُ رَقَبَةً لَيْسَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ نَعْلَمُهُ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ قَوْلِ مَنْ لَمْ يُوجِبْ عِتْقَ الرَّقَبَةِ، عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ الْجَنِينَ بِفِعْلِهَا وَجِنَايَتِهَا، فَلَزِمَهَا ضَمَانُهُ بِالْغُرَّةِ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهَا، وَلَا تَرِثُ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ الْمَقْتُولَ، وَتَكُونُ الْغُرَّةُ لِسَائِرِ وَرَثَتِهِ، وَعَلَيْهَا عِتْقُ رَقَبَةٍ؛ كَمَا قَدَّمْنَا. وَلَوْ كَانَ الْجَانِي الْمُسْقِطُ لِلْجَنِينِ أَبَاهُ، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ، فَعَلَيْهِ غُرَّةٌ، لَا يَرِثُ مِنْهَا شَيْئًا، وَيُعْتِقُ رَقَبَةً. وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِمَا.
(6865)
فَصْلٌ: وَإِنْ جَنَى عَلَى بَهِيمَةٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا، فَفِيهِ مَا نَقَصَهَا، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ فِيهِ عُشْرَ قِيمَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى حَيَوَانٍ يَمْلِك بَيْعَهُ أَسْقَطَتْ جَنِينَهُ، أَشْبَهَ جَنِينَ الْأَمَةِ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْأَمَةِ تُقَدَّرُ مِنْ قِيمَتِهَا، فَفِي يَدِهَا نِصْفُ قِيمَتِهَا، وَفِي مُوضِحَتِهَا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهَا، بِقَدْرِ جَنِينِهَا مِنْ قِيمَتِهَا، كَبَعْضِ أَعْضَائِهَا، وَالْبَهِيمَةُ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا قَدْرُ نَقْصِهَا، فَكَذَلِكَ فِي جَنِينِهَا، وَلِأَنَّ الْأَمَةَ آدَمِيَّةٌ، أُلْحِقَتْ بِالْأَحْرَارِ فِي تَقْدِيرِ أَعْضَائِهَا مِنْ دِيَتِهَا، وَالْبَهِيمَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
[مَسْأَلَة رَمَى ثَلَاثَةٌ بِالْمَنْجَنِيقِ فَرَجَعَ الْحَجَرُ فَقَتَلَ رَجُلًا]
(6866)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَإِذَا رَمَى ثَلَاثَةٌ بِالْمَنْجَنِيقِ، فَرَجَعَ الْحَجَرُ، فَقَتَلَ رَجُلًا، فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فِي مَالِهِ أَمَّا عِتْقُ رَقَبَةٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُشَارِكٌ فِي إتْلَافِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ، وَالْكَفَّارَةُ لَا تَتَبَعَّضُ، فَكَمُلَتْ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ لَا يَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ؛
أَحَدُهُمَا، أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمْ. وَالثَّانِي: أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْ غَيْرِهِمْ. فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عِتْقُ رَقَبَةٍ، كَمَا ذَكَرْنَا، وَالدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ الثُّلُثَ فَمَا زَادَ، سَوَاءٌ قَصَدُوا رَمْيَ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ رَمْيَ جَمَاعَةٍ، أَوْ لَمْ يَقْصِدُوا ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَقْصِدُوا قَتْلَ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ، فَهُوَ خَطَأٌ دِيَتُهُ دِيَةُ الْخَطَإِ، وَإِنْ قَصَدُوا رَمْيَ جَمَاعَةٍ أَوْ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ بِالْمَنْجَنِيقِ لَا يَكَادُ يُفْضِي إلَى إتْلَافِهِ، فَتَكُونُ دِيَتُهُ مُغَلَّظَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ، إلَّا أَنَّهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ، فَلَا تَحْمِلُهُ هَاهُنَا.
الثَّانِي: أَنْ يُصِيبَ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ أَيْضًا، وَلَا تَسْقُطُ عَمَّنْ أَصَابَهُ الْحَجَرُ؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ فِي قَتْلِ نَفْسٍ مُؤْمِنَةٍ، وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَجِبُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالْمُشَارَكَةِ فِي نَفْسِهِ، كَوُجُوبِهَا بِالْمُشَارَكَةِ فِي قَتْلِ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الدِّيَةُ، فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا، أَنَّ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَ دِيَتِهِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُشَارِكٌ فِي قَتْلِ نَفْسٍ مُؤْمِنَةٍ خَطَأً، فَلَزِمَتْهُ دِيَتُهَا، كَالْأَجَانِبِ. وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فِي أَنَّ جِنَايَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ خَطَأً يَحْمِل عَقْلَهَا عَاقِلَتُهُ الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مَا قَابَلَ فِعْلَ الْمَقْتُولِ سَاقِطٌ، لَا يَضْمَنُهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ فِي إتْلَافِ حَقِّهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا قَابَلَ فِعْلَهُ، كَمَا لَوْ شَارَكَ فِي قَتْلِ بَهِيمَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُلْغَى فِعْلُ الْمَقْتُولِ فِي نَفْسِهِ، وَتَجِبَ دِيَتُهُ بِكَمَالِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِينَ نِصْفَيْنِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُتَصَادِمَيْنِ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَحْسَنُ، وَأَصَحُّ فِي النَّظَرِ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي مَسْأَلَةِ الْقَارِضَةِ وَالْقَابِضَةِ وَالْوَاقِصَةِ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَذَلِكَ أَنَّ ثَلَاثَ جَوَارٍ اجْتَمَعْنَ فَأَرِنَّ، فَرَكِبَتْ إحْدَاهُنَّ عَلَى عُنُقِ أُخْرَى، وَقَرَصَتْ الثَّالِثَةُ الْمَرْكُوبَةَ، فَقَمَصَتْ، فَسَقَطَتْ الرَّاكِبَةُ، فَوُقِصَتْ عُنُقُهَا، فَمَاتَتْ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه فَقَضَى بِالدِّيَةِ أَثْلَاثًا عَلَى عَوَاقِلِهِنَّ، وَأَلْغَى الثُّلُثَ الَّذِي قَابَلَ فِعْلَ الْوَاقِصَةِ؛ لِأَنَّهَا أَعَانَتْ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهَا. وَهَذِهِ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَتِنَا، وَلِأَنَّ الْمَقْتُولَ مُشَارِكٌ فِي الْقَتْلِ، فَلَمْ تَكْمُلْ الدِّيَةُ عَلَى شَرِيكَيْهِ، كَمَا لَوْ قَتَلُوا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَإِنْ رَجَعَ الْحَجَرُ، فَقَتَلَ اثْنَيْنِ مِنْ الرُّمَاةِ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، تَجِبُ دِيَتُهُمَا عَلَى عَوَاقِلِهِمَا أَثْلَاثًا، وَعَلَى كُلّ وَاحِدٍ كَفَّارَتَانِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: تَجِبُ