الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثَوْبًا مَصْبُوغًا» . وَقَوْلُهُ: «لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ وَلَا الْمُمَشَّقَ» .
فَأَمَّا مَا لَا يُقْصَدُ بِصَبْغِهِ حُسْنُهُ، كَالْكُحْلِيِّ، وَالْأَسْوَدِ، وَالْأَخْضَرِ الْمُشْبَعِ، فَلَا تُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِينَةٍ. وَمَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ فِيهِ احْتِمَالَانِ؛ أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ لُبْسُهُ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَعُ وَأَحْسَنُ؛ وَلِأَنَّهُ مَصْبُوغٌ لِلْحُسْنِ، فَأَشْبَهَ مَا صُبِغَ بَعْدَ نَسْجِهِ. وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ:«إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ» . وَهُوَ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ قَبْلَ نَسْجِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُصْبَغْ وَهُوَ ثَوْبٌ، فَأَشْبَهَ مَا كَانَ حَسَنًا مِنْ الثِّيَابِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَأَمَّا الْعَصْبُ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نَبْتٌ تُصْبَغُ بِهِ الثِّيَابُ. قَالَ صَاحِبُ الرَّوْضِ الْأَنِفِ الْوَرْسُ وَالْعَصْبُ نَبَتَانِ بِالْيَمَنِ، لَا يَنْبُتَانِ إلَّا بِهِ. فَأَرْخَصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْحَادَّةِ فِي لُبْسِ مَا صُبِغَ بِالْعَصْبِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا صُبِغَ لِغَيْرِ التَّحْسِينِ، أَمَّا مَا صُبِغَ غَزْلُهُ لِلتَّحْسِينِ، كَالْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ، فَلَا مَعْنَى لِتَجْوِيزِ لُبْسِهِ، مَعَ حُصُولِ الزِّينَةِ بِصَبْغِهِ، كَحُصُولِهَا بِمَا صُبِغَ بَعْدَ نَسْجِهِ.
وَلَا تُمْنَعُ مِنْ حِسَانِ الثِّيَابِ غَيْرِ الْمَصْبُوغَةِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ إبْرَيْسَمٍ؛ لِأَنَّ حُسْنَهُ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ، فَلَا يَلْزَمُ تَغْيِيرُهُ، كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ حَسَنَةَ الْخِلْقَةِ، لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تُغَيِّرَ لَوْنَهَا، وَتُشَوِّهَ نَفْسَهَا. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْحُلِيُّ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا لُبْسُ الْحُلِيِّ كُلِّهِ، حَتَّى الْخَاتَمِ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«وَلَا الْحُلِيُّ» . وَقَالَ عَطَاءٌ: يُبَاحُ حُلِيُّ الْفِضَّةِ دُونَ الذَّهَبِ. وَلَيْسَ بِصَحِيحِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَامٌّ؛ وَلِأَنَّ الْحُلِيَّ يَزِيدُ حُسْنَهَا، وَيَدْعُو إلَى مُبَاشَرَتِهَا، قَالَتْ امْرَأَةٌ:
وَمَا الْحُلِيُّ إلَّا زِينَةٌ لِنَقِيصَةِ
…
تُتَمِّمُ مِنْ حُسْنٍ إذَا الْحُسْنُ قَصَّرَا
(6391)
فَصْلٌ: وَالثَّالِثُ مِمَّا تَجْتَنِبُهُ الْحَادَّةُ النِّقَابُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ، مِثْلُ الْبُرْقُعِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مُشَبَّهَةٌ بِالْمُحْرِمَةِ وَالْمُحْرِمَةُ تُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا احْتَاجَتْ إلَى سَتْرِ وَجْهِهَا أَسْدَلَتْ عَلَيْهِ كَمَا تَفْعَلُ الْمُحْرِمَةُ.
[فَصْلٌ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِهَا]
(6392)
فَصْلٌ: وَالرَّابِعُ الْمَبِيتُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا. وَمِمَّنْ أَوْجَبَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الِاعْتِدَادَ فِي مَنْزِلِهَا، عُمَرُ، وَعُثْمَانُ رضي الله عنهما وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَبِهِ يَقُولُ جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، بِالْحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَالْعِرَاقِ، وَمِصْرَ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهِ، وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ؛ لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى:
{فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 240] . قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ، فَنَسَخَ السُّكْنَى، تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد. وَلَنَا، مَا رَوَتْ فُرَيْعَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ، أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، «أَنَّهَا جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ، فَقَتَلُوهُ بِطَرَفِ الْقَدُومِ، فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَرْجِعَ إلَى أَهْلِي، فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ، وَلَا نَفَقَةٍ. قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ. قَالَتْ: فَخَرَجْت حَتَّى إذَا كُنْت فِي الْحُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، دَعَانِي، أَوْ أَمَرَ بِي فَدُعِيتُ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ قُلْتِ فَرَدَّدْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: اُمْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ. فَاعْتَدَدْت فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَرْسَلَ إلَيَّ، فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ، وَقَضَى بِهِ» . رَوَاهُ مَالِكٌ، فِي مُوَطَّئِهِ، وَالْأَثْرَمُ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، قَضَى بِهِ عُثْمَانُ فِي جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ الِاعْتِدَادُ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي مَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ سَاكِنَةٌ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا لِزَوْجِهَا، أَوْ بِإِجَارَةٍ، أَوْ عَارِيَّةٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «قَالَ لِفُرَيْعَةَ: اُمْكُثِي فِي بَيْتِك» . وَلَمْ تَكُنْ فِي بَيْتٍ يَمْلِكُهُ زَوْجُهَا. وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: «اعْتَدِّي فِي الْبَيْتِ الَّذِي أَتَاك فِيهِ نَعْيُ زَوْجِك» وَفِي لَفْظٍ: «اعْتَدِّي حَيْثُ أَتَاك الْخَبَرُ» فَإِنْ أَتَاهَا الْخَبَرُ فِي غَيْرِ مَسْكَنِهَا، رَجَعَتْ إلَى مَسْكَنِهَا فَاعْتَدَّتْ فِيهِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالنَّخَعِيُّ: لَا تَبْرَحُ مِنْ مَكَانِهَا الَّذِي أَتَاهَا فِيهِ نَعْيُ زَوْجِهَا، اتِّبَاعًا لِلَفْظِ الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ. وَلَنَا قَوْلُهُ عليه السلام:«اُمْكُثِي فِي بَيْتِك» وَاللَّفْظُ الْآخَرُ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ هَذَا، فَإِنَّ قَضَايَا الْأَعْيَانِ لَا عُمُومَ لَهَا، ثُمَّ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الِاعْتِدَادُ فِي السُّوقِ وَالطَّرِيقِ وَالْبَرِّيَّةِ، إذَا أَتَاهَا الْخَبَرُ وَهِيَ فِيهَا. (6393)
فَصْلٌ: فَإِنْ خَافَتْ هَدْمًا أَوْ غَرَقًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ حَوَّلَهَا صَاحِبُ الْمَنْزِلِ لِكَوْنِهِ عَارِيَّةً رَجَعَ فِيهَا، أَوْ بِإِجَارَةٍ انْقَضَتْ مُدَّتُهَا، أَوْ مَنَعَهَا السُّكْنَى تَعَدِّيًا، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ إجَارَتِهِ، أَوْ طَلَبَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، أَوْ لَمْ تَجِدْ مَا تَكْتَرِي بِهِ، أَوْ لَمْ تَجِدْ إلَّا مِنْ مَالِهَا، فَلَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ؛ لِأَنَّهَا حَالُ عُذْرٍ، وَلَا يَلْزَمُهَا بِذَلِكَ أَجْرِ الْمَسْكَنِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهَا فِعْلُ السُّكْنَى، لَا تَحْصِيلُ الْمَسْكَنِ، وَإِذَا تَعَذَّرَتْ السُّكْنَى، سَقَطَتْ، وَلَهَا أَنْ تَسْكُنَ حَيْثُ شَاءَتْ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ، أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى أَقْرَبِ مَا يُمْكِنُهَا النَّقْلَةُ