الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي الْعِدَّةِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ، أَنَّ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ يَمْنَعُ كَمَالَ الصَّدَاقِ مَعَ الْخَلْوَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمَانِعُ مُتَأَكِّدًا، كَالْإِحْرَامِ وَشِبْهِهِ، مَنَعَ كَمَالَ الصَّدَاقِ، وَلَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ إنَّمَا أُقِيمَتْ مُقَامَ الْمَسِيسِ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةٌ لَهُ، وَمَعَ الْمَانِعِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمَظِنَّةُ. فَأَمَّا إنْ خَلَا بِهَا، وَهِيَ صَغِيرَةٌ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، أَوْ كَانَ أَعْمَى فَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَلَا يَكْمُلُ صَدَاقُهَا؛ لِأَنَّ الْمَظِنَّةَ لَا تَتَحَقَّقُ مَعَ ظُهُورِ اسْتِحَالَةِ الْمَسِيسِ.
[الْفَصْل الثَّانِي عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ إذَا كَانَتْ حُرَّةً وَهِيَ مِنْ ذَوَات الْقُرُوءِ]
(6306)
الْفَصْلُ الثَّانِي: إنَّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ، إذَا كَانَتْ حُرَّةً وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْقُرُوءِ، ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ. بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] . وَالْقُرْءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَقَعُ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ جَمِيعًا، فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ ثَعْلَبٍ: الْقُرُوءُ الْأَوْقَاتُ، الْوَاحِدُ قُرْءٌ، وَقَدْ يَكُونُ حَيْضًا وَقَدْ يَكُونُ طُهْرًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَأْتِي لِوَقْتٍ. قَالَ الشَّاعِرُ:
كَرِهْت الْعَقْرَ عَقْرَ بَنِي تَمِيمٍ
…
إذَا هَبَّتْ لِقَارِيهَا الرِّيَاحُ
يَعْنِي: لِوَقْتِهَا. وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ يُقَالُ: أَقْرَأَتْ الْمَرْأَةُ: إذَا دَنَا حَيْضُهَا وَأَقْرَأَتْ: إذَا دَنَا طُهْرُهَا، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِك. فَهَذَا الْحَيْضُ.» وَقَالَ الشَّاعِرُ:
مُوَرِّثَةً عِزًّا وَفِي الْحَيِّ رِفْعَةً
…
لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا
فَهَذَا الطُّهْرُ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] .
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ، فَرُوِيَ أَنَّهَا الْحَيْضُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالْعَنْبَرِيِّ، وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنهما وَأَبِي مُوسَى، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. قَالَ الْقَاضِي: الصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْحَيْضُ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُنَا، وَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ بِالْأَطْهَارِ، فَقَالَ: فِي رِوَايَةِ النَّيْسَابُورِيِّ: كُنْتُ أَقُولُ: إنَّهُ الْأَطْهَارُ، وَأَنَا أَذْهَبُ الْيَوْمَ إلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْحَيْضُ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: كُنْتُ أَقُولُ الْأَطْهَارَ، ثُمَّ وَقَفْتُ لِقَوْلِ الْأَكَابِرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الْقُرُوءَ الْأَطْهَارُ. وَهُوَ قَوْلُ زَيْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَا أَدْرَكْت أَحَدًا مِنْ فُقَهَائِنَا إلَّا وَهُوَ يَقُولُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَجَعَ أَحْمَدُ إلَى أَنَّ الْقُرُوءَ الْأَطْهَارُ، قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: رَأَيْت الْأَحَادِيثَ عَمَّنْ قَالَ: الْقُرُوءُ الْحَيْضُ.
تَخْتَلِفُ، وَالْأَحَادِيثُ عَمَّنْ قَالَ: إنَّهُ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَدْخُلَ فِي الْحَيْضَةَ الثَّالِثَةَ. أَحَادِيثُهَا صِحَاحٌ وَقَوِيَّةٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] . أَيْ فِي عِدَّتِهِنَّ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] /أَيْ: فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ لَا فِي الْحَيْضِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: مُرْهُ «فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ: (فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ) .
وَلِأَنَّهَا عِدَّةٌ عَنْ طَلَاقٍ مُجَرَّدٍ مُبَاحٍ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ عَقِيبَ الطَّلَاقِ، وَكَعِدَّةِ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] . فَنَقَلَهُنَّ عِنْدَ عَدَمِ الْحَيْضِ إلَى الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْحَيْضُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [المائدة: 6] . الْآيَةَ، وَلِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ اسْتِعْمَالُ الْقُرْءِ بِمَعْنَى الْحَيْضِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَقَالَ لَفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: «اُنْظُرِي، فَإِذَا أَتَى قُرْؤُكِ، فَلَا تُصَلِّي، وَإِذَا مَرَّ قُرْؤُك، فَتَطَهَّرِي، ثُمَّ صَلِّي مَا بَيْنَ الْقُرْءِ إلَى الْقُرْءِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَلَمْ يُعْهَدْ فِي لِسَانِهِ اسْتِعْمَالُهُ بِمَعْنَى الطُّهْرِ فِي مَوْضِعٍ، فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي لِسَانِهِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«طَلَاقُ الْأَمَةِ طَلْقَتَانِ، وَقُرْؤُهَا حَيْضَتَانِ» .