الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَبَرُّعًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَجِيرُ عَبْدًا اسْتَأْجَرَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ صَبِيًّا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، فَيَضْمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِاسْتِعْمَالِهِ، مُتَسَبِّبٌ إلَى إتْلَافِ حَقِّ غَيْرِهِ.
[فَصْلٌ حَفَرَ إنْسَانٌ فِي مِلْكِهِ بِئْرًا فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ فَهَلَكَ بِهِ]
(6878)
فَصْلٌ: فَإِنْ حَفَرَ إنْسَانٌ فِي مِلْكِهِ بِئْرًا، فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ، فَهَلَكَ بِهِ، وَكَانَ الدَّاخِلُ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُدْوَانَ مِنْهُ. وَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِهِ، وَالْبِئْرُ بَيِّنَةٌ مَكْشُوفَةٌ، وَالدَّاخِلُ بَصِيرٌ يُبْصِرُهَا، فَلَا ضَمَانَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الَّذِي أَهْلَك نَفْسَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قُدِّمَ إلَيْهِ سَيْفٌ، فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ وَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ أَعْمَى، أَوْ كَانَتْ فِي ظُلْمَةٍ لَا يُبْصِرُهَا الدَّاخِلُ، أَوْ غَطَّى رَأْسَهَا، فَلَمْ يَعْلَمْ الدَّاخِلُ بِهَا حَتَّى وَقَعَ فِيهَا، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ. وَبِهَذَا قَالَ شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيّ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ فِي الْآخَرِ: لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبِهِ، فَضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ قَدَّمَ لَهُ طَعَامًا مَسْمُومًا فَأَكَلَهُ، وَبِهَذَا يَنْتَقِضُ مَا ذَكَرُوهُ. وَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ: مَا أَذِنْت لَك فِي الدُّخُولِ. وَادَّعَى وَلِيُّ الْهَالِكِ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. وَإِنْ قَالَ: كَانَتْ مَكْشُوفَةً. وَقَالَ الْآخَرُ: كَانَتْ مُغَطَّاةً. فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَلِيِّ الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً لَمْ يَسْقُطْ فِيهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، فَلَا تَشْتَغِلُ بِالشَّكِّ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَغْطِيَتِهَا.
[فَصْلٌ بَنَى فِي مِلْكِهِ حَائِطًا مَائِلًا إلَى الطَّرِيقِ أَوْ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ]
(6879)
فَصْلٌ: وَإِذَا بَنَى فِي مِلْكِهِ حَائِطًا مَائِلًا إلَى الطَّرِيقِ، أَوْ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ، أَوْ سَقَطَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْبِنَاءِ فِي هَوَاءِ مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ هَوَاءٍ مُشْتَرَكٍ، وَلِأَنَّهُ يُعَرِّضُهُ لِلْوُقُوعِ عَلَى غَيْرِهِ فِي مِلْكِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَصَبَ فِيهِ مِنْجَلًا يَصِيدُ بِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَإِنْ بَنَاهُ فِي مِلْكِهِ مُسْتَوِيًا، أَوْ مَائِلًا إلَى مِلْكِهِ، فَسَقَطَ مِنْ غَيْرِ اسْتِهْدَامٍ وَلَا مَيْلٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ فِيمَا تَلِفَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ بِبِنَائِهِ، وَلَا حَصَلَ مِنْهُ تَفْرِيطٌ بِإِبْقَائِهِ.
وَإِنْ مَالَ وُقُوعُهُ إلَى مِلْكِهِ، وَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ بِنَائِهِ مَائِلًا فِي مِلْكِهِ. وَإِنْ مَال قَبْلَ وُقُوعِهِ إلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ، أَوْ إلَى مِلْكِ إنْسَانٍ، أَوْ مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، نَظَرْنَا؛ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ نَقْضُهُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ بِبِنَائِهِ، وَلَا فَرَّطَ فِي تَرْكِ نَقْضِهِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَقَطَ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ نَقْضُهُ فَلَمْ يَنْقُضْهُ، لَمْ يَخْلُ مِنْ حَالَيْنِ؛
أَحَدُهُمَا، أَنْ يُطَالَبَ بِنَقْضِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ لَا يُطَالَبَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُطَالَبْ بِهِ، لَمْ يَضْمَنْ، فِي الْمَنْصُوصِ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ، وَنَحْوَهُ قَالَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ فِي مِلْكِهِ، وَالْمَيْلُ حَادِثٌ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَعَ قَبْلَ مَيْلِهِ. وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِيهِ وَجْهًا آخَر، أَنَّ عَلَيْهِ الضَّمَانَ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِتَرْكِهِ مَائِلًا، فَضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ، كَمَا لَوْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَلِأَنَّهُ لَوْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ، ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ، لَمْ يَضْمَنْ بِالْمُطَالَبَةِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَائِلًا، أَوْ كَانَ مَائِلًا إلَى مِلْكِهِ.
وَأَمَّا إنْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْ الْجَوَابِ فِيهَا. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَضْمَنُ. وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَنَحْوَهُ قَالَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الِاسْتِحْسَانُ أَنْ يَضْمَنَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْجَوَازِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَيْلُ الْحَائِطِ يَمْنَعُهُمْ ذَلِكَ، فَلَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِإِزَالَتِهِ، فَإِذَا لَمْ يُزِلْهُ ضَمِنَ، كَمَا لَوْ وَضَعَ عِدْلًا عَلَى الْحَائِطِ نَفْسِهِ، فَوَقَعَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَطُولِبَ بِرَفْعِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى عَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ فِي مِلْكِهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ بِفِعْلِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ بِنَقْضِهِ، أَوْ سَقَطَ قَبْلَ مَيْلِهِ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ نَقْضُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الضَّمَانُ، لَمْ تُشْتَرَطْ الْمُطَالَبَةُ، كَمَا لَوْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى غَيْرِ مِلْكِهِ.
فَإِنْ قُلْنَا: عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا طُولِبَ؛ فَإِنَّ الْمُطَالَبَةَ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ تُوجِبُ الضَّمَانَ إذَا كَانَ مَيْلُهُ إلَى الطَّرِيقِ، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقَّ الْمُرُورِ، فَكَانَتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ، كَمَا لَوْ مَال الْحَائِطُ إلَى مِلْكِ جَمَاعَةٍ، كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْمُطَالَبَةُ، وَإِذَا طَالَبَ وَاحِدٌ، فَاسْتَأْجَلَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ، أَوْ أَجَّلَهُ لَهُ الْإِمَامُ، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَمْلِكُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إسْقَاطَهُ. وَإِنْ كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ لِمُسْتَأْجِرِ الدَّارِ، أَوْ مُرْتَهِنِهَا، أَوْ مُسْتَعِيرِهَا، أَوْ مُسْتَوْدَعِهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ النَّقْضَ، وَلَيْسَ الْحَائِطُ مِلْكًا لَهُمْ. وَإِنْ طُولِبَ الْمَالِكُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِرْجَاعُ الدَّارِ، وَنَقْضُ الْحَائِطِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ اسْتِرْجَاعُهَا، كَالْمُعِيرِ، وَالْمُودِعِ، وَالرَّاهِنِ إذَا أَمْكَنَهُ فِكَاكُ الرَّهْنِ، فَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ النَّقْضُ.
وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، لَسَفَهٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ، فَطُولِبَ هُوَ لَمْ يَلْزَمْهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمُطَالَبَةِ، وَإِنْ طُولِبَ وَلِيُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ، فَلَمْ يَنْقُضْهُ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ مَالُهُ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ دُونَ الْمُتَصَرِّفِ، كَالْوَكِيلِ مَعَ الْمُوَكِّلِ. وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ، فَطُولِبَ أَحَدُهُمْ بِنَقْضِهِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ نَقْضُهُ بِدُونِ إذْنِهِمْ، فَهُوَ كَالْعَاجِزِ عَنْ نَقْضِهِ.