الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَاب الدِّيَات]
ِ الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] الْآيَة. وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كِتَابًا إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ، وَقَالَ فِيهِ:«وَإِنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ، فِي سُنَنِهِ، وَمَالِكٌ، فِي " مُوَطَّئِهِ ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ كِتَابٌ مَشْهُورٌ عِنْد أَهْلِ السِّيَرِ، وَمَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةً يَسْتَغْنِي بِشُهْرَتِهَا عَنْ الْإِسْنَادِ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْمُتَوَاتِرَ، فِي مَجِيئِهِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ. تَأْتِي فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ الْبَابِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي الْجُمْلَةِ.
[مَسْأَلَةُ دِيَة الْحُرِّ الْمُسْلِمِ]
(6774)
مَسْأَلَةٌ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ رحمه الله: (وَدِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْإِبِلَ أَصْلٌ فِي الدِّيَةِ، وَأَنَّ دِيَةَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ؛ مِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي دِيَةِ خَطَأِ الْعَمْدِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ، وَسَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الدِّيَةِ الْإِبِلُ لَا غَيْرُ. وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ رحمه الله ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ. وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ أُصُولَ الدِّيَةِ الْإِبِلُ وَالذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، فَهَذِهِ خَمْسَةٌ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهَا.
وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَفُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ رَوَى فِي كِتَابِهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيُمْنِ:«وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَلْفُ دِينَارٍ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَدِيٍّ قُتِلَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ. وَرَوَى الشَّعْبِيُّ، أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عُمَرَ قَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: أَلَا إنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ.: فَقَوَّمَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاةِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتِي حُلَّةٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ عَمْدِ الْخَطَأِ، قَتِيلِ السَّوْطِ وَالْعَصَا، مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ» وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بَيْنَ دِيَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، فَغَلَّظَ بَعْضَهَا، وَخَفَّفَ بَعْضَهَا، وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا فِي غَيْرِ الْإِبِلِ، وَلِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ حَقًّا لِآدَمِيٍّ، فَكَانَ مُتَعَيِّنًا كَعِوَضِ الْأَمْوَالِ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ يَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْجَبَ الْوَرِقَ بَدَلًا عَنْ الْإِبِلِ، وَالْخِلَافُ فِي كَوْنِهَا أَصْلًا. وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْإِبِلُ، فَإِنَّ إيجَابَهُ لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عَلَى سَبِيلِ التَّقْوِيمِ، لِغَلَاءِ الْإِبِلِ، وَلَوْ كَانَتْ أُصُولًا بِنَفْسِهَا، لَمْ يَكُنْ إيجَابُهَا تَقْوِيمًا لِلْإِبِلِ، وَلَا كَانَ لِغَلَاءِ الْإِبِلِ أَثَرٌ فِي ذَلِكَ، وَلَا لِذِكْرِهِ مَعْنًى.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يُقَوِّمُ الْإِبِلَ قَبْلَ أَنْ تَغْلُوَ بِثَمَانِيَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: إنَّ دِيَةَ الذِّمِّيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَتُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ حِينَ كَانَتْ الدِّيَةُ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ. (6775) فَصْلٌ: فَإِذَا قُلْنَا هِيَ خَمْسَةُ أُصُولٍ، فَإِنَّ قَدْرَهَا مِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ مِثْقَالٍ، وَمِنْ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْحُلَلِ مِائَتَانِ، وَمِنْ الشَّاءِ أَلْفَانِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْقَائِلُونَ بِهَذِهِ الْأُصُولِ فِي قَدْرِهَا مِنْ الذَّهَبِ، وَلَا مِنْ سَائِرِهَا، إلَّا الْوَرِقِ، فَإِنَّ الثَّوْرِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ قَالُوا: قَدْرُهَا عَشَرَةُ آلَافٍ مِنْ الْوَرِقِ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ؛ لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ، أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشَرَةَ آلَافٍ. وَلِأَنَّ الدِّينَارَ مَعْدُولٌ فِي الشَّرْعِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، بِدَلِيلِ أَنَّ نِصَابَ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا، وَنِصَابَ الْفِضَّةِ مِائَتَانِ.
وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْحَسَنُ، وَعُرْوَةُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ وَابْنِ