الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَنِصْفَ مَالِ أَبِيهِ الَّذِي قَتَلَهُ هُوَ، وَوَرِثَتْ الْبِنْتُ الَّتِي قُتِلَ أَبُوهَا نِصْفَ مَالِ أَبِيهَا وَنِصْفَ مَالِ جَدِّهَا الَّذِي قَتَلَهُ عَمُّهَا، وَلَهَا عَلَى عَمِّهَا نِصْفُ دِيَةِ قَتِيلِهِ.
[فَصْلٌ أَرْبَعَةُ إخْوَةٍ قَتَلَ الْأَوَّلُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ الرَّابِعَ]
(6630)
فَصْلٌ: أَرْبَعَةُ إخْوَةٍ، قَتَلَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ، وَالثَّالِثُ الرَّابِعَ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَتَلَ الرَّابِعَ، لَمْ يَرِثْهُ، وَوَرِثَهُ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ، وَقَدْ كَانَ لِلرَّابِعِ نِصْفُ قِصَاصِ الْأَوَّلِ، فَرَجَعَ نِصْفُ قِصَاصِهِ إلَيْهِ، فَسَقَطَ، وَوَجَبَ لِلثَّالِثِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَكَانَ لِلْأَوَّلِ قَتْلُ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِثْ مِنْ دَمِ نَفْسِهِ شَيْئًا، فَإِنْ قَتَلَهُ، وَرِثَهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَيَرِثُ مَا يَرِثُهُ عَنْ أَخِيهِ الثَّانِي، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ إلَى الدِّيَةِ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِكَمَالِهَا يُقَاصُّهُ بِنِصْفِهَا. وَإِنْ كَانَ لَهُمَا وَرَثَةٌ، كَانَ فِيهَا مِنْ التَّفْصِيلِ مِثْلُ الَّذِي فِي الَّتِي قَبْلَهَا.
[مَسْأَلَة يُقْتَلُ الْوَلَدُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَالِدَيْنِ]
(6631)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةً ثَانِيَةً، أَنَّ الِابْنَ لَا يُقْتَلُ بِأَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ بِحَقِّ النَّسَبِ، فَلَا يُقْتَلُ بِهِ كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ؛ لِلْآيَاتِ، وَالْأَخْبَارِ، وَمُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ، وَلِأَنَّ الْأَبَ أَعْظَمُ حُرْمَةً وَحَقًّا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِذَا قُتِلَ بِالْأَجْنَبِيِّ، فَبِالْأَبِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ يُحَدُّ بِقَذْفِهِ، فَيُقْتَلُ بِهِ، كَالْأَجْنَبِيِّ. وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ آكَدُ، وَالِابْنُ مُضَافٌ إلَى أَبِيهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ الْوَالِدِ مَعَ الْوَلَدِ.
وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا حَدِيثَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ عَنْ سُرَاقَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَحَدُهُمَا:
أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُقَادُ الْأَبُ مِنْ ابْنِهِ، وَلَا الِابْنُ مِنْ أَبِيهِ» .
وَالثَّانِي: أَنَّهُ «كَانَ يُقِيدُ الْأَبَ مِنْ ابْنِهِ، وَلَا يُقِيدُ الِابْنَ مِنْ أَبِيهِ.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ؛ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ لَا نَعْرِفُهُ، وَلَمْ نَجِدْهُ فِي كُتُبِ السُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَا أَظُنُّ لَهُ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ فَهُمَا مُتَعَارِضَانِ مُتَدَافِعَانِ، يَجِبُ اطِّرَاحُهُمَا، وَالْعَمَلُ بِالنُّصُوصِ الْوَاضِحَةِ الثَّابِتَةِ، وَالْإِجْمَاعِ الَّذِي لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ.
[مَسْأَلَةٌ يُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ]
(6632)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا قَتَلُوا وَاحِدًا، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْقِصَاصُ، إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ
بِفِعْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَعَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَا يُقْتَلُونَ بِهِ، وَتَجِبُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ، وَرَبِيعَةَ، وَدَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ يُقْتَلُ مِنْهُمْ وَاحِدٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْبَاقِينَ حِصَصُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُكَافِئٌ لَهُ، فَلَا تُسْتَوْفَى أَبْدَالٌ بِمُبَدِّلٍ وَاحِدٍ، كَمَا لَا تَجِبُ دِيَاتٌ لَمَقْتُولٍ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: 178] . وَقَالَ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] . فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِالنَّفْسِ أَكْثَرُ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْأَوْصَافِ يَمْنَعُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْحُرَّ لَا يُؤْخَذُ بِالْعَبْدِ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْعَدَدِ أَوْلَى. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا حُجَّةَ مَعَ مَنْ أَوْجَبَ قَتْلَ جَمَاعَةٍ بِوَاحِدٍ.
وَلَنَا، إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَتَلَ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلًا، وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا. وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَتَلَ ثَلَاثَةً قَتَلُوا رَجُلًا. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَتَلَ جَمَاعَةً بِوَاحِدٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ تَجِبُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ، فَوَجَبَتْ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، كَحَدِّ الْقَذْفِ. وَيُفَارِقُ الدِّيَةَ، فَإِنَّهَا تَتَبَعَّضُ، وَالْقِصَاصُ لَا يَتَبَعَّضُ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ لَوْ سَقَطَ بِالِاشْتِرَاكِ، أَدَّى إلَى التَّسَارُعِ إلَى الْقَتْلِ بِهِ، فَيُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ حِكْمَةِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ.
(6633)
فَصْلٌ: وَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُشْتَرِكِينَ التَّسَاوِي فِي سَبَبِهِ، فَلَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جُرْحًا وَالْآخَرُ مِائَةً، أَوْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا مُوضِحَةً وَالْآخَرُ آمَّةً، أَوْ أَحَدُهُمَا جَائِفَةً وَالْآخَرُ غَيْرَ جَائِفَةٍ، فَمَاتَ، كَانَا سَوَاءً فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ التَّسَاوِي يُفْضِي إلَى سُقُوطِ الْقِصَاصِ عَنْ الْمُشْتَرِكِينَ، إذْ لَا يَكَادُ جُرْحَانِ يَتَسَاوَيَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَوْ احْتَمَلَ التَّسَاوِي لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ، وَلَا يَكْتَفِي بِاحْتِمَالِ الْوُجُودِ، بَلْ الْجَهْلُ بِوُجُودِهِ كَالْعِلْمِ بِعَدَمِهِ فِي انْتِفَاءِ الْحُكْمِ، وَلِأَنَّ الْجُرْحَ الْوَاحِدَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَمُوتَ مِنْهُ دُونَ الْمِائَةِ، كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَمُوتَ مِنْ الْمُوضِحَةِ دُونَ الْآمَّةِ، وَمِنْ غَيْرِ الْجَائِفَةِ دُونَ الْجَائِفَةِ، وَلِأَنَّ الْجِرَاحَ إذَا صَارَتْ نَفْسًا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا، فَكَانَ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ كَحُكْمِ الْوَاحِدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ أَطْرَافَهُ كُلَّهَا فَمَاتَ، وَجَبَتْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، كَمَا لَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ فَمَاتَ.