الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالسَّبِّ وَنَحْوِهِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَالْحَسَنُ: هِيَ الزِّنَى لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] . وَإِخْرَاجُهُنَّ هُوَ الْإِخْرَاجُ لِإِقَامَةِ حَدِّ الزِّنَى، ثُمَّ تُرَدُّ إلَى مَكَانِهَا. وَلَنَا أَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي الْإِخْرَاجَ عَنْ السُّكْنَى، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا قَالَاهُ.
وَأَمَّا الْفَاحِشَةُ فَهِيَ اسْمٌ لِلزِّنَى وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْفَاحِشَةِ، يُقَال: أَفْحَشَ فُلَانٌ فِي مَقَالِهِ. وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ «قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْت لَفُلَانٍ: بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ. فَلَمَّا دَخَلَ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ. فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ» . إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْوَرَثَةَ يُخْرِجُونَهَا عَنْ ذَلِكَ الْمَسْكَنِ، إلَى مَسْكَنٍ آخَرَ مِنْ الدَّارِ إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً تَجْمَعُهُمْ، فَإِنْ كَانَتْ لَا تَجْمَعُهُمْ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْ نَقْلُهَا إلَى غَيْرِهِ فِي الدَّارِ، وَلَمْ يَتَخَلَّصُوا مِنْ أَذَاهَا بِذَلِكَ، فَلَهُمْ نَقْلُهَا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَنْتَقِلُونَ هُمْ عَنْهَا؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا وَاجِبٌ فِي الْمَكَانِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبِ عَلَيْهِمْ.
وَالنَّصُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُخْرَجُ، فَلَا يُعَرَّجُ عَلَى مَا خَالَفَهُ؛ وَلِأَنَّ الْفَاحِشَةَ مِنْهَا، فَكَانَ الْإِخْرَاجُ لَهَا. وَإِنْ كَانَ أَحْمَاؤُهَا هُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَهَا، وَيُفْحِشُونَ عَلَيْهَا، نُقِلُوا هُمْ دُونَهَا، فَإِنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِفَاحِشَةٍ، فَلَا تُخْرَجُ بِمُقْتَضَى النَّصِّ، وَلِأَنَّ الذَّنْبِ لَهُمْ فَيَخُصُّونَ بِالْإِخْرَاجِ. وَإِنْ كَانَ الْمَسْكَنُ لِغَيْرِ الْمَيِّتِ فَتَبَرَّعَ صَاحِبُهُ بِإِسْكَانِهَا فِيهِ، لَزِمَهَا الِاعْتِدَادُ بِهِ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يُسْكِنَهَا إلَّا بِأُجْرَةٍ، وَجَبَ بَذْلُهَا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِبَذْلِهَا، فَيَلْزَمُهَا الِاعْتِدَادُ بِهِ، فَإِنْ حَوَّلَهَا صَاحِبُ الْمَكَانِ، أَوْ طَلَبَ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَعَلَى الْوَرَثَةِ إسْكَانُهَا إنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ يُسْتَأْجَرُ لَهَا بِهِ مَسْكَنٌ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا يُقَدَّمُ عَلَى الْمِيرَاثِ، فَإِنْ اخْتَارَتْ النَّقْلَةَ عَنْ هَذَا الْمَسْكَنِ الَّذِي يَنْقُلُونَهَا إلَيْهِ، فَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا بِهِ حَقٌّ لَهَا، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْمَسْكَنَ الَّذِي كَانَ يَجِبُ عَلَيْهَا السُّكْنَى بِهِ، هُوَ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ حِينَ مَوْتِ زَوْجِهَا، وَقَدْ سَقَطَتْ عَنْهَا السُّكْنَى بِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَسْكَنُ الَّذِي كَانَتْ بِهِ لِأَبَوَيْهَا، أَوْ لَأَحَدِهِمَا، أَوْ لَغَيْرِهِمْ.
وَإِنْ كَانَتْ تَسْكُنُ فِي دَارِهَا فَاخْتَارَتْ الْإِقَامَةَ فِيهَا، وَالسُّكْنَى بِهَا مُتَبَرِّعَةً أَوْ بِأُجْرَةٍ تَأْخُذُهَا مِنْ التَّرِكَةِ، جَازَ، وَيَلْزَمُ الْوَرَثَةَ بَذْلُ الْأُجْرَةِ إذَا طَلَبَتْهَا، وَإِنْ طَلَبَتْ أَنْ تُسْكِنَهَا غَيْرَهَا، وَتَنْتَقِلَ عَنْهَا، فَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُؤْجِرَ دَارَهَا وَلَا تُعِيرَهَا، وَعَلَيْهِمْ إسْكَانُهَا.
[فَصْلٌ تَطَوَّعَ الْوَرَثَةُ بِإِسْكَانِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا]
(6395)
فَصْلٌ: فَأَمَّا إذَا قُلْنَا: لَيْسَ لَهَا السُّكْنَى. فَتَطَوَّعَ الْوَرَثَةُ بِإِسْكَانِهَا فِي مَسْكَنِ زَوْجِهَا، أَوْ السُّلْطَانِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، لَزِمَهَا الِاعْتِدَادُ بِهِ، وَإِنْ مُنِعَتْ السُّكْنَى بِهِ، أَوْ طَلَبُوا مِنْهَا الْأُجْرَةَ، فَلَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا إذَا
أَخْرَجَهَا الْمُؤَجِّرُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ، وَسَوَاءٌ قَدَرَتْ عَلَى الْأُجْرَةِ، أَوْ عَجَزَتْ عَنْهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا تَلْزَمُهَا السُّكْنَى لَا تَحْصِيلُ الْمَسْكَنِ.
وَإِنْ كَانَتْ فِي مَسْكَنٍ لِزَوْجِهَا، فَأَخْرَجَهَا الْوَرَثَةُ مِنْهُ، وَبَذَلُوا لَهَا مَسْكَنًا آخَرَ، لَمْ تَلْزَمْهَا السُّكْنَى. وَكَذَلِكَ إنْ أُخْرِجَتْ مِنْ الْمَسْكَنِ الَّذِي هِيَ بِهِ، أَوْ خَرَجَتْ لِأَيِّ عَارِضٍ كَانَ، لَمْ تَلْزَمْهَا السُّكْنَى فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ سِوَاهُ، سَوَاءٌ بَذَلَهُ الْوَرَثَةُ أَوْ غَيْرُهُمْ لِأَنَّهَا إنَّمَا يَلْزَمُهَا الِاعْتِدَادُ فِي بَيْتِهَا الَّذِي كَانَتْ فِيهِ، لَا فِي غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا لَهَا السُّكْنَى، فَتَعَذَّرَ سُكْنَاهَا فِي مَسْكَنِهَا وَبُذِلَ لَهَا سِوَاهُ. وَإِنْ طَلَبَتْ مَسْكَنًا سِوَاهُ، لَزِمَ الْوَرَثَةَ تَحْصِيلُهُ، بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، إنْ خَلَّفَ الْمَيِّتُ تَرِكَةً تَفِي بِذَلِكَ، وَيُقَدَّمُ ذَلِكَ عَلَى الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَى الْمَيِّتِ، فَأَشْبَهَ الدَّيْنَ؛ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ، ضَرَبَتْ بِأُجْرَةِ الْمَسْكَنِ مَعَ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا مُسَاوٍ لِحُقُوقِ الْغُرَمَاءِ، وَتَسْتَأْجِرُ بِمَا يُصِيبُهَا مَوْضِعًا تَسْكُنُهُ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُطَلَّقَةِ إذَا حُجِرَ عَلَى الزَّوْجِ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَإِنَّهَا تَضْرِبُ بِأُجْرَةِ الْمَسْكَنِ لِمُدَّةِ الْعِدَّةِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، إذَا كَانَتْ حَامِلًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا قَدَّمْتُمْ حَقَّ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ حَقَّهَا ثَبَتَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا، فَشَارَكْت الْغُرَمَاءَ فِيهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمُفْلِسُ مَالًا لَإِنْسَانٍ أَوْ جَنَى عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ، وَهِيَ فِي مَسْكَنِهِ، لَمْ يَجُزْ إخْرَاجُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْمَسْكَنِ، قَبْلَ تَعَلُّقِ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ بِعَيْنِهِ، فَكَانَ حَقُّهَا مُقَدَّمًا كَحَقِّ الْمُرْتَهِنِ. وَإِنْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ بَيْعَ هَذَا الْمَسْكَنِ، وَتُتْرَكُ السُّكْنَى لَهَا مُدَّةَ الْعِدَّةِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَسْتَحِقُّ السُّكْنَى إذَا كَانَتْ حَامِلًا، وَمُدَّةُ الْحَمْلِ مَجْهُولَةٌ، فَتَصِيرُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا وَاسْتَثْنَى نَفْعَهَا مُدَّةً مَجْهُولَةً. وَإِنْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ قِسْمَةَ مَسْكَنِهَا عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِهَا فِي السُّكْنَى، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ.
وَإِنْ أَرَادُوا التَّعْلِيمَ بِخُطُوطٍ، مِنْ غَيْرِ نَقْضٍ وَلَا بِنَاءٍ، جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِيهِ. (6396) فَصْلٌ: وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهَا تَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ مُدَّةِ عِدَّتِهَا. فَإِنَّهَا تَضْرِبُ بِمُدَّةِ عَادَتِهَا فِي وَضْعِ الْحَمْلِ، إنْ كَانَتْ حَامِلًا، وَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً مِنْ ذَوَاتِ الْقُرُوءِ، وَقُلْنَا: لَهَا السُّكْنَى. ضَرَبَتْ بِمُدَّةِ عَادَتِهَا فِي الْقُرُوءِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا عَادَةٌ، ضَرَبَتْ بِغَالِبِ عَادَاتِ النِّسَاءِ، وَهُوَ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لِلْحَمْلِ، وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، لِكُلِّ قُرْءٍ شَهْرٌ، أَوْ بِمَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ، إنْ كَانَ قَدْ مَضَى مِنْ مُدَّةِ حَمْلِهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ الْقِسْمَةِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، فَإِذَا ضَرَبَتْ بِذَلِكَ، فَوَافَقَ الصَّوَابَ، فَلَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَنْقُصْ، اسْتَقَرَّ الْحُكْمُ، وَتَسْتَأْجِرُ بِمَا يَحْصُلُ لَهَا مَكَانًا تَسْكُنُهُ.
وَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ، سَكَنَتْ حَيْثُ شَاءَتْ. وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ أَقَلَّ مِمَّا ضَرَبَتْ بِهِ، مِثْلَ إنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ تَرَبَّصَتْ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ فِي شَهْرَيْنِ، فَعَلَيْهَا رَدُّ الْفَضْلِ وَتَضْرِبُ فِيهِ بِحِصَّتِهَا مِنْهُ. وَإِنْ طَالَتْ الْعِدَّةُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، مِثْلَ ذَلِكَ مِثْلَ إنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا فِي عَامٍ، أَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ فِي نِصْفِ عَامٍ، رَجَعَتْ بِذَلِكَ عَلَى الْغُرَمَاءِ، كَمَا يَرْجِعُونَ عَلَيْهَا