الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الرَّضَاعِ]
ِ الْأَصْلُ فِي التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ؛ وَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] . ذَكَرهمَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي جُمْلَةِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ:«يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بِنْتِ حَمْزَةَ: لَا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ، وَهِيَ ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فِي أَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ، نَذْكُرُ أَكْثَرَهَا إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِي تَضَاعِيفِ الْبَابِ.
وَأَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ تَحْرِيمَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ ثَبَتَ بِنَصِّ الْكِتَابِ، وَتَحْرِيمَ الْبِنْتِ ثَبَتَ بِالتَّنْبِيهِ، فَإِنَّهُ إذَا حُرِّمَتْ الْأُخْتُ فَالْبِنْتُ أُولَى، وَسَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ ثَبَتَ تَحْرِيمُهُنَّ بِالسُّنَّةِ. وَتَثْبُتُ الْمَحْرَمِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا فَرْعٌ عَلَى التَّحْرِيمِ إذَا كَانَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ، فَأَمَّا بَقِيَّةُ أَحْكَامِ النَّسَبِ؛ مِنْ النَّفَقَةِ، وَالْعِتْقِ، وَرَدِّ الشَّهَادَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنْهُ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ، وَإِنَّمَا يُشَبَّه بِهِ فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِيهِ.
[مَسْأَلَةُ الرَّضَاعِ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِي تَحْرِيمِهِ]
(6409)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ، رحمه الله:(وَالرَّضَاعُ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِي تَحْرِيمِهِ، أَنْ يَكُونَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَصَاعِدًا) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَسْأَلَتَانِ: (6410) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى، أَنَّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ خَمْسُ رَضَعَاتٍ فَصَاعِدًا. هَذَا الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَمَكْحُولٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَزَعَمَ اللَّيْثُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ فِي الْمَهْدِ مَا يُفْطِرُ بِهِ الصَّائِمُ. وَاحْتَجُّوا بُقُولِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] . وَقَوْلِهِ عليه السلام: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» .
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، «أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ، فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا. فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: كَيْفَ، وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّ ذَلِكَ فِعْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْعَدَدُ، كَتَحْرِيمِ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ. وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ إلَّا بِثَلَاثِ رَضَعَاتٍ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَدَاوُد، وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» . وَعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ، قَالَتْ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» . رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَدُ وَالتَّكْرَارُ، يَعْتَبِرُ فِيهِ الثَّلَاثُ.
وَرُوِيَ عَنْ حَفْصَةَ: لَا يُحَرِّمُ دُونَ عَشْرِ رَضَعَاتٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ رَوَى فِي حَدِيثِ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَلَغَنَا: «أَرْضِعِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ، فَيُحَرَّمُ بِلَبَنِهَا» . وَوَجْهُ الْأُولَى، مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ " عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ". فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسٌ، وَصَارَ إلَى خَمْسِ رَضَعَاتِ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ:«أَرْضِعِي سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ، فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا» وَالْآيَةُ فَسَّرَتْهَا السُّنَّةُ، وَبَيَّنَتْ الرَّضَاعَةَ الْمُحَرِّمَةَ، وَصَرِيحُ مَا رَوَيْنَاهُ يَخُصُّ مَفْهُومَ مَا رَوَوْهُ، فَنَجْمَعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ، وَنَحْمِلُهَا عَلَى الصَّرِيحِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ. (6411)
فَصْلٌ: وَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي وُجُودِ الرَّضَاعِ، أَوْ فِي عَدَدِ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ، هَلْ كَمُلَا أَوْ لَا؟ لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، فَلَا نُزُولَ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي وُجُودِ الطَّلَاقِ وَعَدَدِهِ.