الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدُّخُولِ، فَلَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ لِمَوْتِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهِنَّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ إذَا قُلْنَا: يَرِثْنَهُ. لِأَنَّهُنَّ يَرِثْنَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ، فَتَجِبُ عَلَيْهِنَّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ قَضَاءِ الْعِدَّةِ. وَرَوَاهُ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ، فِي الَّتِي انْقَضَتْ عِدَّتُهَا. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِيهَا رِوَايَتَيْنِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] . وَقَالَ {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] . وَقَالَ: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ هَذِهِ النُّصُوصِ بِالتَّحَكُّمِ، وَلِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ تَحِلّ لِلْأَزْوَاجِ، وَيَحِلُّ لِلْمُطَلِّقِ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ لِمَوْتِهِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ، وَتُخَالِفُ الَّتِي مَاتَ فِي عِدَّتِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تَرِثُهُ، فَإِنَّهَا لَوْ وَرِثَتْهُ لَأَفْضَى إلَى أَنْ يَرِثَ الرَّجُلَ ثَمَانِيَ زَوْجَاتٍ.
فَأَمَّا إنْ تَزَوَّجَتْ إحْدَى هَؤُلَاءِ، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَلَا تَرِثُهُ أَيْضًا. وَإِنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ الْبَائِنُ لَا تَرِثُ، كَالْأَمَةِ أَوْ الْحَرَّةِ يُطَلِّقُهَا الْعَبْدُ، أَوْ الذِّمِّيَّةُ يُطَلِّقُهَا الْمُسْلِمُ، وَالْمُخْتَلِعَةُ أَوْ فَاعِلَةُ مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا، لَمْ تَلْزَمْهَا عِدَّةٌ، سَوَاءٌ مَاتَ زَوْجُهَا فِي عِدَّتِهَا أَوْ بَعْدَهَا، عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، فَهُمْ عَلَّلُوا نَقْلَهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِإِرْثِهَا وَهَذِهِ لَيْسَتْ وَارِثَةً، فَأَشْبَهَتْ الْمُطَلَّقَةَ فِي الصِّحَّةِ، وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فِي الصِّحَّة إذَا كَانَتْ بَائِنًا، فَمَاتَ زَوْجُهَا، فَإِنَّهَا تَبْنِي عَلَى عِدَّةِ الطَّلَاقِ، وَلَا تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهَا أَطْوَلُ الْأَجَلَيْنِ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَلِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ فِي نِكَاحِهِ، وَمِيرَاثِهِ، وَالْحِلِّ لَهُ وَوُقُوعِ طَلَاقِهِ، وَظِهَارِهِ، وَتَحِلُّ لَهُ أُخْتُهَا وَأَرْبَعٌ سِوَاهَا، فَلَمْ تَعْتَدَّ لِوَفَاتِهِ كَمَا لَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا.
وَذَكَرَ الْقَاضِي، فِي الْمُطَلَّقَةِ فِي الْمَرَضِ، أَنَّهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا، تَعْتَدُّ أَطْوَلَ الْأَجَلَيْنِ. وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْحَمْلِ تَنْقَضِي بِهِ كُلُّ عِدَّةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهَا الِاعْتِدَادُ بِغَيْرِ الْحَمْلِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[مَسْأَلَة طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ حَامِلٌ]
(6333)
مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَلَوْ طَلَّقَهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ، لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا إلَّا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، أَمَةً كَانَتْ أَوْ حُرَّةً أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ، عَلَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْحَامِلَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ حَمْلِهَا. وَكَذَلِكَ كُلُّ
مُفَارِقَةٍ فِي الْحَيَاةِ. وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا، أَجَلُهَا وَضْعُ حَمْلِهَا، إلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وَجْهٍ مُنْقَطِعٍ، أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ. وَقَالَهُ أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ لَمَّا بَلَغَهُ حَدِيثُ سُبَيْعَةَ، وَكَرِهَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ أَنْ تَنْكِحَ فِي دَمِهَا. وَيُحْكَى عَنْ حَمَّادٍ وَإِسْحَاقَ أَنَّ عِدَّتَهَا لَا تَنْقَضِي حَتَّى تَطْهُرَ.
وَأَبَى سَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْقَوْلَ، وَقَالُوا: لَوْ وَضَعَتْ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْ وَفَاةِ زَوْجهَا، حَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَلَكِنْ، لَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ نِفَاسِهَا وَتَغْتَسِلَ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ:«قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا أَوْ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا؟ قَالَ هِيَ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَوْ لَاعَنْتُهُ: إنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ الْقُصْرَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] نَزَلَتْ بَعْدَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هِيَ الْأَخِيرَةُ، فَتُقَدَّمُ عَلَى مَا خَالَفَهَا مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَيُخَصُّ بِهَا عُمُومُهَا.
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ، «أَنَّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ، وَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ حَامِلٌ، فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا، تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاك مُتَجَمِّلَةً، لَعَلَّكِ تَرْجِينَ النِّكَاحَ؟ إنَّك وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْك أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ، جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ، فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَفْتَانِي، بِأَنِّي قَدْ حَلَلْت حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي، فَأَمَرَنِي بِالتَّزْوِيجِ إنْ بَدَا لِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، قَدْ جَاءَ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى، كُلُّهَا ثَابِتَةٌ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وَجْهٍ