الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَنَا أَنَّهُمَا حَقَّانِ مَقْصُودَانِ لِآدَمِيَّيْنِ، فَلَمْ يَتَدَاخَلَا، كَالْعِدَّتَيْنِ، وَلِأَنَّهُمَا اسْتِبْرَاءَانِ مِنْ رَجُلَيْنِ، فَأَشْبَهَا الْعِدَّتَيْنِ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِالْعِدَّتَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ.
[مَسْأَلَة مَلَكَ أَمَةً يَجِبُ اسْتِبْرَائِهَا أَوَّلًا]
(6379)
مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَمَنْ مَلَكَ أَمَةً، لَمْ يُصِبْهَا وَلَمْ يُقَبِّلْهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ تَمَامِ مِلْكِهِ لَهَا بِحَيْضَةٍ، إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ، أَوْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، إنْ كَانَتْ حَامِلًا، أَوْ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، إنْ كَانَتْ مِنْ الْآيِسَاتِ أَوْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) وَجُمْلَتُهُ، أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَمَةً بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ؛ كَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالْإِرْثِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً، مِمَّنْ تَحْمِلُ أَوْ مِمَّنْ لَا تَحْمِلُ. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ الْبِكْرِ. وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِالِاسْتِبْرَاءِ مَعْرِفَةُ بَرَاءَتِهَا مِنْ الْحَمْلِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ فِي الْبِكْرِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِبْرَاءِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَحْمِلُ مِثْلُهَا، لَمْ يَجِبْ اسْتِبْرَاؤُهَا لِذَلِكَ. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا، لَكَانَ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْمُزَوِّجِ دُونَ الزَّوْجِ، كَذَلِكَ هَاهُنَا وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَامَ أَوْطَاسٍ أَنْ تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ. وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: إنَّنِي لَا أَقُولُ إلَّا مَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ السَّبْيِ، حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَفِي لَفْظٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَسْقِي مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَطَأُ جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَلِأَنَّهُ مَلَكَ جَارِيَةً مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، فَلَمْ تَحِلَّ لَهُ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، كَالثَّيِّبِ الَّتِي تَحْمِلُ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلِاسْتِبْرَاءِ، فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ فِيهِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، وَاَلَّتِي تَحْمِلُ وَاَلَّتِي لَا تَحْمِلُ، كَالْعِدَّةِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الْعَذْرَاءَ تَحْمِلُ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ فِي جِيرَانِنَا. وَذَكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِمَا إذَا اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيِّ، أَوْ مِمَّنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِرَضَاعِ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْبَتِّيُّ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ يَكُونُ بِالسَّبْيِ وَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، فَلَوْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا الْمُشْتَرِي، أَفْضَى إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ، وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالتَّزْوِيجِ، أَنَّ النِّكَاحَ لَا يُرَادُ إلَّا لِلِاسْتِمْتَاعِ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي مِنْ تَحِلُّ لَهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ الِاسْتِبْرَاءُ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ مُعْتَدَّةٍ، وَلَا مُرْتَدَّةٍ، وَلَا مَجُوسِيَّةٍ،
وَلَا وَثَنِيَّةٍ، وَلَا مُحَرَّمَةٍ بِالرَّضَاعِ وَلَا الْمُصَاهَرَةِ، وَالْبَيْعُ يُرَادُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَصَحَّ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَلِهَذَا صَحَّ فِي هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَوَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. فَأَمَّا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ تَحْرِيمُ قُبْلَتِهَا وَمُبَاشَرَتِهَا لِشَهْوَةٍ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا.
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، قَالَ: تُسْتَبْرَأُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَهْدِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً بِأَيِّ شَيْءٍ تُسْتَبْرَأُ إذَا كَانَتْ رَضِيعَةً. وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ، وَإِلَّا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُوطَأُ وَتَحْبَلُ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا، وَلَا تَحْرُمُ مُبَاشَرَتُهَا. وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَقَوْلُ مَالِكٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِبَاحَةِ مُتَحَقِّقٌ. وَلَيْسَ عَلَى تَحْرِيمِهَا دَلِيلٌ، فَإِنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا مَعْنَى نَصٍّ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ مُبَاشَرَةِ الْكَبِيرَةِ إنَّمَا كَانَ لِكَوْنِهِ دَاعِيًا إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ، أَوْ خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ لِغَيْرِهِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ هَذَا فِي هَذِهِ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى الْإِبَاحَةِ. فَأَمَّا مَنْ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، فَلَا تَحِلُّ قُبْلَتُهَا، وَلَا الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهَا بِمَا دُونَ الْفَرْجِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، إلَّا الْمَسْبِيَّةَ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يَحْرُمُ مِنْ الْمُشْتَرَاةِ إلَّا فَرْجُهَا، وَلَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ، مَا لَمْ يَمَسَّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا نَهَى عَنْ الْوَطْءِ، وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْوَطْءِ مَعَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ، فَاخْتُصَّ بِالْفَرْجِ، كَالْحَيْضِ. وَلَنَا أَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ يُحَرِّمُ الْوَطْءَ، فَحَرَّمَ الِاسْتِمْتَاعَ، كَالْعِدَّةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ كَوْنِهَا حَامِلًا مِنْ بَائِعِهَا، فَتَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، فَيَكُونُ مُسْتَمْتِعًا بِأُمِّ وَلَدِ غَيْرِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ لِلْحَيْضِ. فَأَمَّا الْمَسْبِيَّةُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ تَحْرِيمُ مُبَاشَرَتِهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لِشَهْوَةٍ. وَهُوَ الظَّاهِرُ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ كُلَّ اسْتِبْرَاءٍ حَرَّمَ الْوَطْءَ حَرَّمَ دَوَاعِيَهُ، كَالْعِدَّةِ، وَلِأَنَّهُ دَاعِيَةٌ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ، لِأَجْلِ اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ، وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، فَأَشْبَهَتْ الْمَبِيعَةَ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: وَقَعَ فِي سَهْمِي يَوْمَ جَلُولَاءَ جَارِيَةٌ، كَأَنَّ عُنُقَهَا إبْرِيقُ فِضَّةٍ، فَمَا مَلَكْت نَفْسِي أَنْ قُمْت إلَيْهَا فَقَبَّلْتُهَا، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ. وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي الْمَسْبِيَّةِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى الْمَبِيعَةِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ لِلْبَائِعِ، فَيَكُونَ مُسْتَمْتِعًا بِأُمِّ وَلَدِ غَيْرِهِ، وَمُبَاشِرًا لِمَمْلُوكَةِ غَيْرِهِ، وَالْمَسْبِيَّةُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ وَطْؤُهَا لِئَلَّا يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ. وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ بَعْدَ تَمَامِ مِلْكِهِ لَهَا. يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِجَمِيعِهَا، وَلَوْ مَلَكَ بَعْضَهَا، ثُمَّ مَلَكَ بَاقِيَهَا، لَمْ يُحْتَسَب الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا مِنْ حِينِ مَلَكَ بَاقِيهَا. وَإِنْ مَلَكَهَا بِبَيْعِ فِيهِ الْخِيَارُ، انْبَنَى عَلَى نَقْلِ الْمِلْكِ فِي مُدَّتِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَنْتَقِلُ.
فَابْتِدَاءُ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْتَقِلُ. فَابْتِدَاؤُهُ مِنْ حِينِ انْقَطَعَ الْخِيَارُ. وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَعِيبًا، فَابْتِدَاء الْخِيَارَ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ؛