الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمَا، فَوَجَبَ عِوَضُ مِلْكِهِ، أَمَّا الْجَانِي فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَ غَرِيمَهُ. فَعَلَى هَذَا، يَرْجِعُ وَرَثَةُ الْجَانِي عَلَى قَاتِلِهِ بِدِيَةِ مُوَرِّثِهِمْ إلَّا قَدْرَ حَقِّهِ مِنْهَا. فَعَلَى هَذَا، لَوْ كَانَ الْجَانِي أَقَلَّ دِيَةً مِنْ قَاتِلِهِ، مِثْلَ امْرَأَةٍ قَتَلَتْ رَجُلًا لَهُ ابْنَانِ، فَقَتَلَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ، فَلِلْآخَرِ نِصْفُ دِيَةِ أَبِيهِ فِي تَرِكَةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَتَلَتْهُ، وَيَرْجِعُ وَرَثَتُهَا بِنِصْفِ دِيَتِهَا عَلَى قَاتِلِهَا، وَهُوَ رُبْعُ دِيَةِ الرَّجُلِ.
وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، يَرْجِعُ الِابْنُ الَّذِي لَمْ يَقْتُلْ عَلَى أَخِيهِ بِنِصْفِ دِيَةِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى أَخِيهِ إلَّا نِصْفَ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى وَرَثَةِ الْمَرْأَةِ بِشَيْءِ؛ لِأَنَّ أَخَاهُ الَّذِي قَتَلَهَا أَتْلَفَ جَمِيعَ الْحَقِّ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَيْضًا، صِحَّةُ إبْرَاءِ مَنْ حَكَمْنَا بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِ، وَمِلْكُ مُطَالَبَتِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَرْجِعُ عَلَى وَرَثَةِ الْجَانِي. صَحَّ إبْرَاؤُهُمْ، وَمَلَكُوا الرُّجُوعَ عَلَى قَاتِلِ مَوْرُوثِهِمْ بِقِسْطِ أَخِيهِ الْعَافِي. وَإِنْ قُلْنَا: يَرْجِعُ عَلَى تَرِكَةِ الْجَانِي. وَلَهُ تَرِكَةٌ، فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا، سَوَاءٌ أَمْكَنَ وَرَثَتَهُ أَنْ يَسْتَوْفُوا مِنْ الشَّرِيكِ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ. وَإِنْ قُلْنَا: يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ. لَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَةُ وَرَثَةِ الْجَانِي، سَوَاءٌ كَانَ شَرِيكُهُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا.
[مَسْأَلَةٌ عَفَا بَعْضٌ مِنْ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقِصَاصِ]
(6750)
مَسْأَلَةٌ:؛ قَالَ: (وَمَنْ عَفَا مِنْ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقِصَاصِ، لَمْ يَكُنْ إلَى الْقِصَاصِ سَبِيلٌ، وَإِنْ كَانَ الْعَافِي زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إجَازَةِ الْعَفْو عَنْ الْقِصَاصِ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178]{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] وَقَالَ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] . إلَى قَوْله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] . قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: فَهُوَ كَفَّارَةٌ لِلْجَانِي، يَعْفُو صَاحِبُ الْحَقِّ عَنْهُ. وَقِيلَ: فَهُوَ كَفَّارَةٌ لِلْعَافِيَّ بِصَدَقَتِهِ وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَإِنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ:«مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُفِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ فِيهِ قِصَاصٌ، إلَّا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَفِي حَدِيثِهِ فِي قِصَّةِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ النَّضْرِ، حِينَ كَسَرَتْ سِنَّ جَارِيَةٍ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْقِصَاصِ، فَعَفَا الْقَوْمُ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْقِصَاصُ حَقٌّ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ مِنْ ذَوِي الْأَنْسَابِ وَالْأَسْبَابِ، وَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، فَمَنْ عَفَا مِنْهُمْ صَحَّ عَفْوُهُ، وَسَقَطَ الْقِصَاصُ، وَلَمْ يَبْقَ لَأَحَدٍ إلَيْهِ سَبِيلٌ. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ عَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَطَاوُسٍ، وَالشَّعْبِيِّ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ عَفْوٌ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ مَوْرُوثٌ لِلْعَصَبَاتِ خَاصَّةً. وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِدَفْعِ الْعَارِ، فَاخْتَصَّ بِهِ الْعَصَبَاتُ. كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ.
وَلَهُمْ وَجْهٌ ثَالِثٌ، أَنَّهُ لِذَوِي الْأَنْسَابِ دُونَ الزَّوْجَيْنِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ؛ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا أَوْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ» . وَأَهْلُهُ ذَوُو رَحِمِهِ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ غَيْرِ الْعَافِي لَا يَرْضَى بِإِسْقَاطِهِ، وَقَدْ تُؤْخَذُ النَّفْسُ بِبَعْضِ النَّفْسِ، بِدَلِيلِ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ. وَلَنَا، عُمُومُ قَوْلِهِ عليه السلام:" فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ ". وَهَذَا عَامٌ فِي جَمِيعِ أَهْلِهِ، وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ يَبْلُغُنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، وَمَا عَلِمْت عَلَى أَهْلِي إلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْت عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلَّا مَعِي. يُرِيدُ عَائِشَةَ. وَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهْلَك وَلَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا» .
وَرَوَى زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِرَجُلِ قَتَلَ قَتِيلًا، فَجَاءَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَتْ امْرَأَةُ الْمَقْتُولِ، وَهِيَ أُخْتُ الْقَاتِلِ: قَدْ عَفَوْت عَنْ حَقِّي. فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، عَتَقَ الْقَتِيلُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ زَيْدٍ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَوَجَدَ عِنْدَهَا رَجُلًا، فَقَتَلَهَا، فَاسْتَعْدَى إخْوَتُهَا عُمَرَ، فَقَالَ بَعْضُ إخْوَتِهَا: قَدْ تَصَدَّقْت. فَقَضَى لِسَائِرِهِمْ بِالدِّيَةِ. وَرَوَى قَتَادَةُ، أَنَّ عُمَرَ رُفِعَ إلَيْهِ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلًا، فَجَاءَ أَوْلَادُ الْمَقْتُولِ، وَقَدْ عَفَا بَعْضُهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ لِابْنِ مَسْعُودٍ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إنَّهُ قَدْ أُحْرِزَ مِنْ الْقَتْلِ. فَضَرَبَ عَلَى كَتِفِهِ، وَقَالَ: كَنِيفٌ مُلِئَ عِلْمًا.
وَالدَّلِيلُ