الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ مَاتَ صَاحِبُ السَّفِينَةِ وَامْرَأَتُهُ فِي السَّفِينَةِ وَلَهَا مَسْكَنٌ فِي الْبَرِّ]
(6400)
فَصْلٌ فَإِنْ: مَاتَ صَاحِبُ السَّفِينَةِ وَامْرَأَتُهُ فِي السَّفِينَةِ، وَلَهَا مَسْكَنٌ فِي الْبَرِّ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُسَافِرَةِ فِي الْبَرِّ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَسْكَنٌ سِوَاهَا، وَكَانَ فِيهَا بَيْتٌ يُمْكِنُهَا السُّكْنَى فِيهِ، بِحَيْثُ لَا تَجْتَمِعُ مَعَ الرِّجَالِ، وَأَمْكَنَهَا الْمُقَامُ فِيهِ، بِحَيْثُ تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا وَمَعَهَا مَحْرَمُهَا، لَزِمَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِهِ، فَإِنْ كَانَتْ ضَيِّقَةً وَلَيْسَ مَعَهَا مَحْرَمُهَا، أَوْ لَا يُمْكِنُهَا الْإِقَامَةُ فِيهَا إلَّا بِحَيْثُ تَخْتَلِطُ بِالرِّجَالِ، لَزِمَهَا الِانْتِقَالُ مِنْهَا إلَى مَوْضِعٍ سِوَاهَا.
[مَسْأَلَةٌ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا تَتَوَقَّى الطِّيبَ وَالزِّينَةَ]
(6401)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، تَتَوَقَّى الطِّيبَ، وَالزِّينَةَ، وَالْكُحْلَ بِالْإِثْمِدِ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي وُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ؛ فَعَنْهُ، يَجِبُ عَلَيْهَا. وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَجِبُ عَلَيْهَا. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَرَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إلَّا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» . وَهَذِهِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِحْدَادَ إنَّمَا يَجِبُ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ؛ وَلِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ عَنْ غَيْرِ وَفَاةٍ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ، كَالرَّجْعِيَّةِ، وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، وَلِأَنَّ الْإِحْدَادَ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِإِظْهَارِ الْأَسَفِ عَلَى فِرَاقِ زَوْجِهَا وَمَوْتِهِ، فَأَمَّا الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ فَارَقَهَا بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ، وَقَطَعَ نِكَاحَهَا، فَلَا مَعْنَى لَتَكْلِيفِهَا الْحُزْنَ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَوْ أَتَتْ بِوَلَدِ، لَحِقَ الزَّوْجَ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَنْفِيه، فَاحْتِيطَ عَلَيْهَا بِالْإِحْدَادِ، لِئَلَّا يَلْحَقَ بِالْمَيِّتِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ، فَإِنَّ زَوْجَهَا بَاقٍ، فَهُوَ يُحْتَاطُ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ، وَيَنْفِي وَلَدَهَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ بَائِنٌ مِنْ نِكَاحٍ، فَلَزِمَهَا الْإِحْدَادُ، كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تُحَرِّمُ النِّكَاحَ، فَحَرَّمَتْ دَوَاعِيَهُ. وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الرَّجْعِيَّةُ، فَإِنَّهَا زَوْجَةٌ، وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ لَيْسَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ نِكَاحٍ، فَلَمْ تَكْمُلْ الْحُرْمَةُ. فَأَمَّا الْحَدِيثُ، فَإِنَّمَا مَدْلُولُهُ تَحْرِيمُ الْإِحْدَادِ عَلَى مَيِّتٍ غَيْرِ الزَّوْجِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ؛ وَلِهَذَا جَازَ الْإِحْدَادُ هَاهُنَا بِالْإِجْمَاعِ، فَإِذَا قُلْنَا يَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ، لَزِمَهَا شَيْئَانِ؛ تَوَقِّي الطِّيبِ، وَالزِّينَةِ فِي نَفْسِهَا، عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِيهَا، وَلَا تُمْنَعُ مِنْ النِّقَابِ، وَلَا مِنْ الِاعْتِدَادِ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا، وَلِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (6402)
فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَتْ الْمَبْتُوتَةُ حَامِلًا، وَجَبَ لَهَا السُّكْنَى، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَفِيهَا رِوَايَتَانِ؛
إحْدَاهُمَا، لَا يَجِبُ لَهَا ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُوسٌ، وَالْحَسَنُ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُد. وَالثَّانِيَةُ يَجِبُ لَهَا ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] .
وَقَالَ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] . فَأَوْجَبَ لَهُنَّ السُّكْنَى مُطْلَقًا، ثُمَّ خَصَّ الْحَامِلَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا. وَلَنَا مَا رَوَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، «أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنِ حَفْصٍ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ، فَتَسَخَّطَتْهُ، فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ. فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهَا: لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى. فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهَا عُمَرُ، وَقَالَ مَا كُنَّا لِنَدَعَ كِتَابَ رَبِّنَا، وَسُنَّةَ نَبِيَّنَا، لِقَوْلِ امْرَأَةٍ، لَا نَدْرِي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ.
وَقَالَ عُرْوَةُ: لَقَدْ عَابَتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ أَشَدَّ الْعَيْبِ،؟ وَقَالَ: إنَّهَا كَانَتْ فِي مَكَان وَحْشٍ، فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا.؟ وَقَالَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتْ النَّاسَ، إنَّهَا كَانَتْ لَسِنَةً، فَوُضِعَتْ عَلَى يَدَيْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى. قُلْنَا: أَمَّا مُخَالَفَةُ الْكِتَابِ، فَإِنَّ فَاطِمَةَ لَمَّا أَنْكَرُوا عَلَيْهَا، قَالَتْ: بَيْنِي وَبَيْنكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، قَالَ اللَّه تَعَالَى:{لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] . فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلَاثِ؟ فَكَيْفَ