الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبِخَبَرِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ النَّضِرِ بْنِ أَنَسٍ، وَيُشْتَرَطُ لِجَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِيهَا شُرُوطٌ خَمْسَةٌ؛ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عَمْدًا، عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُكَافِئًا لِلْجَانِي بِحَيْثُ يُقَادُ بِهِ لَوْ قَتَلَهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الطَّرَفُ مُسَاوِيًا لِلطَّرَفِ، فَلَا يُؤْخَذُ صَحِيحٌ بِأَشَلَّ، وَلَا كَامِلَةُ الْأَصَابِعِ بِنَاقِصَةِ، وَلَا أَصْلِيَّةٌ بِزَائِدَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي فِي الدِّقَّةِ وَالْغِلَظِ، وَالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى سُقُوطِ الْقِصَاصِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَالرَّابِعُ: الِاشْتِرَاكُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ، فَلَا تُؤْخَذُ يَمِينٌ بِيَسَارٍ، وَلَا يَسَارٌ بِيَمِينٍ، وَلَا إصْبَعٌ بِمُخَالِفَةٍ لَهَا، وَلَا جَفْنٌ أَوْ شَفَةٌ إلَّا بِمِثْلِهَا. وَالْخَامِسُ: إمْكَانُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ مَفْصِلٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مَفْصِلٍ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ مِنْ مَوْضِعِ الْقَطْعِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. وَقَدْ رَوَى نَمِرُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ «، أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ رَجُلًا عَلَى سَاعِدِهِ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعَهَا مِنْ غَيْر مَفْصِلٍ، فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ لَهُ بِالدِّيَةِ، فَقَالَ: إنِّي أُرِيدُ الْقِصَاصَ. قَالَ: خُذْ الدِّيَةَ، بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا» . وَلَمْ يَقْضِ لَهُ بِالْقِصَاصِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
[فَصْلٌ فِي قَطْعِ الْيَدِ ثَمَانِ مَسَائِلَ]
(6686)
فَصْلٌ: وَفِي قَطْعِ الْيَدِ ثَمَانِ مَسَائِلَ؛ أَحَدُهَا: قَطْعُ الْأَصَابِعِ مِنْ مَفَاصِلِهَا، فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ لَهَا مَفَاصِلَ، وَيُمْكِنُ الْقِصَاصُ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ، وَإِنْ اخْتَارَ الدِّيَةَ فَلَهُ نِصْفُهَا؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ إصْبَعٍ عُشْرَ الدِّيَةِ. الثَّانِيَةُ: قَطْعِهَا مِنْ نِصْفِ الْكَفِّ، فَلَيْسَ لَهُ الْقِصَاصُ مِنْ مَوْضِعِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَفْصِلٍ، فَلَا يُؤْمَنُ الْحَيْفُ فِيهِ. وَإِنْ أَرَادَ قَطْعَ الْأَصَابِع فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَصُّ مِنْ غَيْرِ مَوْضِعِ الْجِنَايَةِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ كَانَ الْقَطْعُ مِنْ الْكُوعِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ امْتِنَاعَ قَطْعِ الْأَصَابِعِ إذَا قَطَعَ مِنْ الْكُوعِ، إنَّمَا كَانَ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي، أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ، وَأَيُّهُمَا كَانَ فَهُوَ مُتَحَقِّقٌ إذَا كَانَ الْقَطْعُ مِنْ نِصْفِ الْكَفِّ. وَالثَّانِي: لَهُ قَطْعُ الْأَصَابِعِ. ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ دُونَ حَقِّهِ لِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَجَّهُ هَاشِمَةً، فَاسْتَوْفَى مُوضِحَةً.
وَيُفَارِقُ مَا إذَا قَطَعَ مِنْ الْكُوعِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ. وَهَلْ لَهُ حُكُومَةٌ فِي نِصْفِ الْكَفِّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ قَطَعَ مِنْ الْكُوعِ. وَالثَّانِي: لَهُ أَرْشُ نِصْفِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ، فَوَجَبَ أَرْشُهُ، كَسَائِرِ مَا هَذَا حَالُهُ. وَإِنْ اخْتَارَ الدِّيَةَ، فَلَهُ نِصْفُهَا، لِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ مِنْ الْكُوعِ لَا يُوجِبُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ، فَمَا دُونَهُ أَوْلَى. الثَّالِثَةُ: قَطَعَ مِنْ الْكُوعِ، فَلَهُ قَطْعُ يَدِهِ مِنْ الْكُوعِ، لِأَنَّهُ مَفْصِلٌ، وَلَيْسَ لَهُ قَطْعُ الْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، فَلَا يَسْتَوْفِي مِنْهُ مَعَ إمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مَحَلِّهَا. الرَّابِعَةُ: قَطَعَ مِنْ نِصْفِ الذِّرَاعِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَفْصِلٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخَبَرَ الْوَارِدَ فِيهِ، وَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَحُكُومَةٌ فِي الْمَقْطُوعِ مِنْ الذِّرَاعِ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ الْكُوعِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي مَنْ قَطَعَ مِنْ نِصْفِ الْكَفِّ.
وَمَنْ جَوَّزَ لَهُ الْقَطْعَ مِنْ الْكُوعِ، فَعِنْدَهُ فِي وُجُوبِ الْحُكُومَةِ لِمَا قُطِعَ مِنْ الذِّرَاعِ وَجْهَانِ. وَيُخَرَّج أَيْضًا فِي جَوَازِ قَطْعِ الْأَصَابِعِ وَجْهَانِ. فَإِنْ قَطَعَ مِنْهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكُومَةٌ فِي الْكَفِّ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَخْذُهُ قِصَاصًا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَلَبُ أَرْشِهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الْكُوعِ. الْخَامِسَةُ: قَطَعَ مِنْ الْمَرْفِقِ، فَلَهُ الْقِصَاصُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَفْصِلٌ، وَلَيْسَ لَهُ الْقَطْعُ مِنْ الْكُوعِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ بِكَمَالِهِ، وَالِاقْتِصَاصُ مِنْ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ. وَإِنْ عَفَا إلَى الدِّيَةِ، فَلَهُ دِيَةُ الْيَدِ، وَحُكُومَةٌ لِلسَّاعِدِ. السَّادِسَةُ: قَطَعَهَا مِنْ الْعَضُدِ، فَلَا قِصَاصَ فِيهَا، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَلَهُ دِيَةُ الْيَدِ، وَحُكُومَةٌ لِلسَّاعِدِ وَبَعْضِ الْعَضُدِ. وَالثَّانِي: لَهُ الْقِصَاصُ مِنْ الْمَرْفِقِ. وَهَلْ لَهُ حُكُومَةٌ فِي الزَّائِد؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: وَهَلْ لَهُ الْقَطْعُ مِنْ الْكُوعِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.
السَّابِعَةُ: قَطَعَ مِنْ الْمَنْكِبِ، فَالْوَاجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ مَفْصِلٌ، وَإِنْ اخْتَارَ الدِّيَةَ، فَلَهُ دِيَةُ الْيَدِ، وَحُكُومَةٌ لِمَا زَادَ. الثَّامِنَةُ: خَلَعَ عَظْمَ الْمَنْكِبِ، وَيُقَال لَهُ: مِشْطُ الْكَتِفِ، فَيَرْجِعُ فِيهِ إلَى اثْنَيْنِ مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالُوا: يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَصِيرَ جَائِفَةً. اُسْتُوْفِيَ، وَإِلَّا صَارَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ. وَفِي جَوَاز الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْمَرْفِقِ أَوْ مَا دُونَهُ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا فِي نَظَائِرِهِ. وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الرِّجْلِ، وَالسَّاقُ كَالذِّرَاعِ، وَالْفَخِذُ كَالْعَضُدِ، وَالْوَرِكُ كَعَظْمِ الْكَتِفِ، وَالْقَدَمُ كَالْكَفِّ.