الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: [العام يجب اعتقاد عمومه في الحال]
اللفظ العام يجب اعتقاد عمومه في الحال1، في قول أبي بكر2، والقاضي3.
وقال أبو الخطاب: لا يجب حتى يبحث فلا يجد ما يخصصه 4.
قال 5: وقد أومأ إليه6 في رواية صالح7 وأبي الحارث8.
= والأثر المذكور أخرجه عنه الإمام أحمد في المسند "1/ 360".
1 كما يجب العمل به قبل البحث عن المخصص.
2 هو: عبد العزيز بن جعفر، المعروف بـ"غلام الخلال" تقدمت ترجمته
3 أبو يعلى كما في العدة "2/ 525".
4 انظر: التمهيد "2/ 65، 66".
5 أي: أبو الخطاب
6 أي: الإمام أحمد.
7 هو: صالح بن أحمد بن حنبل الشيباني، أبو الفضل، أكبر أولاد الإمام أحمد، أخذ عن والده وعن كثير من علماء عصره، كان كريمًا فاضلًا، صدوقًا ثقة، تولى القضاء بطرسوس ثم بأصبهان. ولد سنة "203هـ" وتوفي بأصبهان سنة "266هـ".
انظر في ترجمته: طبقات الحنابلة "1/ 173-176" والإنصاف "12/ 286".
8 هو: إبراهيم بن الحارث بن مصعب بن الوليد بن عبادة بن الصامت، من أهل طرسوس، ومن كبار أصحاب الإمام أحمد، ومن المكرمين عنده، نقل عن الإمام أحمد كثيرًا من المسائل.
انظر في ترجمته: طبقات الحنابلة "1/ 94"، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال للخزرجي "1/ 42".
وقال القاضي: فيه روايتان1.
وعن الحنفية: كقول أبي بكر2
وعنهم: أنه إن سمع من النبي صلى الله عليه وسلم على طريق تعليم الحكم، فالواجب اعتقاد عمومه، وإن سمعه من غيره فلا3.
وعن الشافعية كالمذهبين4
قالوا5: لأن لفظ العموم يفيد الاستغراق مشروطًا بعدم المخصص، ونحن لا نعلم عدم إلا بعد أن نطلب فلا نجد، ومتى لم يوجد الشرط لا يوجد المشروط.
وكذلك كل دليل أمكن أن يعارضه دليل، فهو دليل بشرط سلامته عن المعارض، فلا بد من معرفة الشرط، والجمع بين الأصل والفرع بعلة مشروط بعدم الفرق، فلا بد من معرفة عدمه6.
ثم اختلفوا إلى متى يجب البحث؟
1 انظر: العدة "2/ 525".
2 أي: يجب اعتقاد عمومه والعمل به قبل البحث عن المخصص.
3 وهذه رواية أخرى عن الحنفية. يراجع: كشف الأسرار "1/ 291".
4 أي: أن البعض يرى اعتقاد العموم والعمل به قبل البحث عن المخصص، والبعض يرى وجوب البحث عن المخصص.
5 أي: القائلون بوجوب البحث قبل العمل بالعام. وقد استدلوا على ذلك بدليلين: أحدهما: أن شرط العمل بالعام عدم المخصص، وشرط العلم بالعدم الطلب، كما في طلب الماء لجواز التيمم، فلا يجوز العمل بالعام إلا بعد البحث عن المخصص.
ثانيهما: أن العمل بالدليل مشروط بعدم معارضته بدليل آخر، والعام مع المخصص متعارضان، فلا بد من معرفة عدمه أولًا حتى يعمل بالعام.
6 خلاصة ذلك: أن المصنف استدل لمذهب القائلين بعدم وجوب البحث بدليلين: =
فقال قومه: يكفيه أن يحصل غلبة الظن بالانتفاء، عند الاستقصاء في البحث، كالباحث عن المتاع في البيت، إذا لم يجده: غلب على ظنه انتفاؤه.
وقال آخرون: لا بد من اعتقاد جازم، وسكون نفس، بأنه لا مخصص، فيجوز الحكم حينئذ.
أما إذا كان تشعر نفسه بدليل شذ عنه، وتخيل في صدره إمكانه، فكيف يحكم بدليل يجوز أن يكون الحكم به حرامًا؟!
ولنا: أن اللفظ موضوع للعموم، فوجب اعتقاد موضوعه، كأسماء الحقائق، والأمر والنهي.
ولأن اللفظ عام في الأعيان والأزمان، ثم يجب اعتقاد عمومه في الزمان، ما لم يرد نسخ، كذلك في الأعيان.
وقولهم1: "إن دلالته مشروطة بعدم القرينة".
أحدهما: أن اللفظ موضوع للعموم، والأصل عدم المخصص، فيستصحب ذلك حتى يظهر ما يخالفه.
ثانيهما: أن تخصيص العام تخصيص في الأعيان، أي: في الأفراد، والنسخ: تخصيص في الأزمان، واعتقاد عموم اللفظ في النسخ واجب حتى يظهر الناسخ، فكذلك يجب اعتقاد عمومه في الأعيان. حتى يظهر المخصص.
ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ....} [المائدة:3] فإنه يقتضي دوام التحريم في جميع زمن التكليف، وهو العموم الزمني، مع احتمال رفعه في بعض الأزمنه بالنسخ، كما يقتضي تعلق التحريم بكل فرد من أفراد العموم العيني، مع احتمال أنه يسقط عن بعض الأعيان، كالسمك والجراد. انظر توضيح ذلك في شرح الطوفي "2/ 544".
1 بدأ المصنف يناقش أدلة أصحاب المذهب الثاني، وهم القائلون بعدم اعتقاد العموم.
قلنا: لا نسلم، وإنما القرينة مانعة من حمل اللفظ على موضوعه، فهو كالنسخ، يمنع استمرار الحكم.
والتأويل يمنع حمل الكلام على حقيقته.
واحتمال وجوده لا يمنع من اعتقاد الحقيقة.
ولأن التوقف يفضي إلى ترك العمل بالدليل؛ فإن الأصول غير محصورة، ويجوز أن لا يجد اليوم، ويجده بعد اليوم، فيجب التوقف أبدًا، وذلك غير جائز، والله أعلم.
فصل
في الأدلة التي يخص بها العموم
لا نعلم اختلافًا في جواز تخصيص العموم1.
وكيف ينكر ذلك مع الاتفاق على تخصيص قول الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 2 و {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} 3 و {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} 4؟
1 التخصيص: بيان أن بعض مدلول اللفظ غير مراد بالحكم، ولذلك قال المصنف: لا نعلم اختلافًا في جواز تخصيص العموم، لأنه لا خلاف بين العلماء في أن البيان مطلوب.
2 سورة الزمر من الآية "62" فقد خص من العموم في هذه الآية، ذات الله تعالى، وصفاته، فليست مخلوقة.
3 سورة القصص من الآية "57" قال الفتوحي: "ونعلم أن ما في اقصى المشرق والمغرب لم تجب إليه ثمراته" شرح الكوكب المنير "3/ 278".
4 سورة الأحقاف من الآية "25" والعموم الذي في الآية الكريمة مخصوص بأشياء لم تدمرها الريح، كالسموات والأرض.
وقد اعترض الطوفي على الاستدلال بهذه الآية وبين أنها من قبيل الخاص الذي =
وقد ذكرنا أن أكثر العمومات مخصصة1.
وأدلة التخصيص تسعة2:
الأول: دليل الحس3.
وبه خصص قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} 4 خرج منه السماء والأرض وأمور كثيرة بالحس5.
= أريد به الخاص فقال: "هذه الآية يحتج بها الأصوليون على إطلاق العام وإرادة الخاص، ولا حجة فيها؛ لأنها جاءت في موضع آخر مقيدة بما يمنع الاستدلال بها على ذلك، وهو قوله، عز وجل: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ، مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: 41-42] ، والقصة واحدة، فدل على أن قوله: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْء} مقيد بما أتت عليه، كأنه -سبحانه- قال: تدمر كل شيء أتت عليه، وحينئذ يكون التدمير مختصًّا بذلك، فتكون الآية خاصة أريد بها الخاص، فلا يصح الاحتجاج بها على ما يذكرون" شرح الطوفي "2/ 551-552".
1 في فصل: العام إذا دخله التخصيص يبقى حجة فيما لم يخص.
2 المخصص ينقسم إلى قسمين: منفصل ومتصل.
فالمنفصل: هو ما يستقل بنفسه، ولم يكن مرتبطًا بكلام آخر ويشمل: الحس، والعقل، والإجماع، والقياس، والمفهوم، سواء أكان مفهوم موافقة أم مفهوم مخالفة، والعرف المقارن للخطاب، ولم يذكره المصنف، والنص من الكتاب أو السنة، وزاد المصنف -على ما ذكره جمهور الأصوليين- قول الصحابي، عند من يراه حجه.
والمخصص المتصل: ما لا يستقل بنفسه، ويشمل: الاستثناء، والشرط، والصفة، والغاية، وبدل البعض.
3 وهو الدليل المأخوذ من إحدى الحواس الخمسة المعروفة.
4 سورة الأحقاف من الآية "25" وسبق ما أورده الطوفي على الاستدلال بها.
5 كالجبال مثلًا
الثاني: دليل العقل.
وبه خصص قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} 1 لدلالة العقل على استحالة تكليف من لا يفهم.
فإن قيل: العقل سابق على أدلة السمع، والمخصص ينبغي أن يتأخر؛ لأن التخصيص: إخراج ما يمكن دخوله تحت اللفظ، وخلاف المعقول لا يمكن تناول اللفظ له.
قلنا: نحن نريد بالتخصيص: الدليل المعرّف إرادة المتكلم، وأنه أراد باللفظ الموضوع للعموم معنى خاصًّا، والعقل يدل على ذلك، وإن كان متقدمًا2.
فإن قلتم: لا يسمى ذلك تخصيصًا، فهو نزاع في عبارة 3.
وقولهم: "لا يتناوله اللفظ".
1 سورة آل عمران من الآية "97" ومثل ذلك قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16 والزمر: 62] فإن العقل قاض بالضرورة أنه -سبحانه- لم يخلق نفسه. والعلماء يمثلون بالآيتين، ويجعلون الآية الأولى من قبيل دليل العقل النظري، والثاني من الضروري.
2 معناه: أن العقل ينظر إليه من جهتين: الأولى من حيث وجوده، وهذا لا خلاف فيه، والثانية من حيث كونه مبينًا للعام، وهذا هو المقصود، فالعقل متقدم من حيث الوجود، ومتأخر من حيث التخصيص. انظر: شرح الطوفي "2/ 554".
3 لأن تسمية الأدلة مخصصة تجوز، وقد علم أن تخصيص العام محال، لكن الدليل يعرف إرادة المتكلم، وأنه أراد باللفظ الموضوع للعموم، معنى خاصًّا، ودليل العقل يجوز أن يبين لنا أن الله -تعالى- ما أراد بقوله:{خَالِقُ كُلِّ شَيْء} نفسه وذاته، فإنه وإن تقدم دليل العقل، فهو موجود -أيضًا- عند نزول اللفظ، وإنما يسمى مخصصًا بعد نزول الآية لا قبلها. انظر: شرح الطوفي "2/ 554"، ونزهة الخاطر العاطر "2/ 160، 161".
قلنا: يتناوله من حيث اللسان لكن لما وجب الصدق في كلام الله -تعالى- تبين أنه يمتنع دخوله تحت الإرادة، مع شمول اللفظ له وضعًا1.
الثالث: الإجماع2.
فإن الإجماع قاطع، والعام يتطرق إليه الاحتمال.
وإجماعهم على الحكم في بعض صور العام على خلاف موجب العموم: لا يكون إلا عن دليل قاطع بلغهم في نسخ اللفظ، إن كان أريد به العموم، أو عدم دخوله تحت الإرادة عند ذكر العموم3.
1 معناه: أن قولهم: "لا يجوز دخوله تحت اللفظ" ممنوع، بل يدخل تحت اللفظ من حيث اللغة، ولكن يكون قائله كاذبًا، ولما وجب الصدق في كلام الله -تعالى- تبين أنه يمتنع دخوله تحت الإرادة، مع شمول اللفظ له من حيث الوضع اللغوي. انظر: المرجعين السابقين.
2 التخصيص بالإجماع: رأي جمهور العلماء، ومرادهم بذلك: دليل الإجماع، لا أن الإجماع نفسه مخصص؛ لأن الإجماع لا بد له من دليل يستند إليه، وإن لم نعرفه. وذهب بعض العلماء إلى عدم التخصيص بالإجماع. انظر: المحصول جـ1 ق3 ص124، العدة "2/ 578" شرح الكوكب المنير "3/ 369".
3 خلاصته: أن الإجماع دليل قطعي، ودلالة العام على أفراده ظنية، والقطعي مقدم على الظني.
فإذا أجمع المجتهدون على حكم شرعي يخالف موجب اللفظ العام، دل ذلك على أن هناك دليلًا استندوا إليه وإن لم نعرفه، كما يدل أن هناك ناسخًا، فالتخصيص والنسخ راجعان إلى ذلك المستند، فإذا رأينا الإجماع منعقدًا على العمل في بعض الصور على خلاف العام، علمنا أن هناك نصًّا دل على ذلك العمل.
ومن أمثلة ذلك: أن الدليل العام دل على أن المعارضات لا بد فيها من عوض معلوم، ثم رأينا الناس مجمعين على دخول الحمامات، وركوب السفن، =
الرابع: النص الخاص يخصص اللفظ العام:
فقول النبي، صلى الله عليه وسلم:"لَا قَطْعَ إِلَّا في رُبْعِ دِينَارٍ" 1 خصص عموم قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 2.
وقوله عليه السلام: "لَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ" 3 خصص عموم قوله: "فِيما سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ"4.
= والجلوس في النوادي بغير تعيين عوض، لأن الناس يختلفون في مقدار المدة التي يمكثونها، ومقدار الماء الذي يستخدمونه فاستدللنا بذلك الإجماع على أن هنالك دليلًا مخصصًا للعام. انظر: شرح الطوفي "2/ 556".
1 حديث صحيح: أخرجه البخاري -كتاب الحدود- باب قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا.
كما أخرجه مسلم: كتاب الحدود - باب: حد السرقة ونصابها، وأبو داود: كتاب الحدود - باب فيما يقطع فيه السارق.
كما أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد في المسند "6/ 36، 80، 81، 104" انظر: تلخيص الحبير "4/ 64"
2 سورة المائدة من الآية "38".
3 حديث صحيح: أخرجه البخاري -كتاب الزكاة- باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:"ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة"، كما أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك والشافعي. والخمسة أوسق: ستون صاعًا، والصاع: أربعة أمداد، والمد: رطل وثلث بغدادي، فالأوسق الخمس 1600 رطل بغدادي. انظر:"فيض القدير 5/ 376".
4 حديث صحيح: أخرجه البخاري -كتاب الزكاة- باب العشر فيما يسقى من ماء =
ولا فرق بين أن يكون العام كتابًا أو سنة1 أو متقدمًا أو متأخرًا2.
وبهذا قال أصحاب الشافعي.
= السماء وبالماء الجاري، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ "فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثريًا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر". والمراد بقوله: "عثريًا" بالثاء الساكنة والعين المفتوحة: ما يسقى بالسيل الجاري في حفر، وما يسقى من النهر بلا مؤونه، أو يشرب بعروقه.
كما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني، جميعهم في الزكاة: انظر: المنتقى ص317.
1 فتكون الصور أربعة:
الأولى، تخصيص الكتاب بالكتاب: مثل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] خصصت بقوله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] .
الصورة الثانية: تخصيص الكتاب بالسنة: كالمثال الذي ذكره المصنف في تخصيص آية السرقة
الصورة الثالثة: تخصيص السنة بالسنة، كالمثال الذي أورده المصنف.
الصورة الرابعة: تخصيص العام من السنة بالخاص من القرآن، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله
…
" فقد خصص بقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . وفي هذه الصورة خلاف سيذكره المصنف.
2 وهذا هو الصحيح من مذهب الإمام أحمد، قال أبو يعلى في العدة "2/ 615". "سواء تقدم العام على الخاص أو تأخر، أو جهل التاريخ.
وقد روي عن أحمد رحمه الله رواية أخرى: أن المتأخر يقدم، خاصًّا كان أو عامًّا.
وهو قول الحنفية1، لقول ابن عباس:"كنا نأخذ بالأحداث فالأحداث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم"2.
= وفي شرح الكوكب المنير "3/ 382": "سواء كانا مقترنين، أو كانا غير مقترنين" وقال: "وحكي عن بعضهم في صورة الاقتران تعارض الخاص لما قابله من العام، ولا يخصص به.
وعن الإمام أحمد رضي الله عنه رواية في غير المقترنين موافقة لقول الحنفية والمعتزلة وغيرهم: أنه إن تأخر العام نسخ، وإن تأخر الخاص نسخ من العام بقدره. فعلى هذا القول: إن جهل التاريخ وقف الأمر حتى يعلم". ا. هـ.
1 الحنفية وإن كانوا يوافقون الحنابلة، منها: أن لا يتأخر المخصص، وأن يكون مستقلًا بالكلام، وأن يكون متصلًا بالعام، إلا كان نسخًا. انظر: فواتح الرحموت "1/ 300، 345".
2 هذا الأثر أخرجه البخاري من قول الزهري حيث قال: "قال الزهري: وإنما يؤخذ من أمر النبي صلى الله عليه وسلم الآخر فالآخر" ووافقه على ذلك ابن حجر في فتح الباري "4/ 181".
أما رواية ابن عباس: فأخرجهما مسلم: كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر ولفظه:".....عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر، وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحداث فالأحداث من أمره".
كما أخرجه مسلم بسند آخر ثم قال: "قال يحيى: قال سفيان: لا أدري من قول من هو؟ وكان يؤخذ بالآخر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا يقوي رواية =
ولأن العام يتناول الصور التي تحتهن كتناول اللفظ لها بالتنصيص عليها، ولو نص على الصورة الخاصة: لكان نسخًا، فكذلك إذا عم.
وهذا فيما إذا علم المتأخر.
فإن جهل: فهذه الرواية تقتضي: أن يتعارض الخاص وما قابله من العام ولا يقضي بأحدهما على الآخر.
وهي قول طائفة.
لأنه يحتمل أن يكون العام ناسخًا، لكونه متأخرًا.
ويحتمل أن يكون مخصوصًا، فلا سبيل إلى التحكم1.
وقال بعض الشافعية: لا يخصص عموم السنة بالكتاب2.
= البخاري في أن الأثر من قول الزهري. وبمثل رواية مسلم -عن ابن عباس- رواه مالك في الموطأ، كتاب الصيام، باب الصوم في السفر رقم "1715".
1 وضح الطوفي -رحمه الله تعالى- هذه المسألة في شرحه "2/ 561" فقال: فإن جهال التاريخ، فكذلك عندنا، أي: يقدم الخاص على العام؛ لأن أكثرها في جهالة التاريخ: أن يقدر تأخر العام، ونحن لو تحققنا تأخره، قدمنا الخاص عليه، فلا فرق على قولنا بين تقدمه وتأخره، وجهالة التاريخ.
وعند الحنفية يتعارضان، وهو قياس الرواية المذكورة عن أحمد، والتعارض بين الخاص وما قبله من العام؛ لأنه يحتمل أن يكون العام متأخرًا، فيكون ناسخًا للخاص، ويحتمل أن يكون العام متقدمًا، فيكون مخصوصًا بالخاص، ولا مرجح، فيجب التوقف، لئلا يكون ترجيح أحدهما تحكمًا".
2 هذا متصل بقول المصنف، قبل ذلك:"ولا فرق بين أن يكون العام كتابًا أو سنة...." وهذا كما قلنا: يشمل أربع صور، منها: تخصيص العام من السنة بالخاص من القرآن الكريم، فبين المصنف هنا أن في هذه الصورة خلافًا لبعض الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد، خرجها ابن حامد، كما سيأتي.
وخرّجه1 ابن حامد رواية لنا، لقوله تعالى:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 2، لأن المبيِّن تابع للمبيَّن، فلو خصصنا السنة بالقرآن صار تابعًا لها3.
وقالت طائفة من المتكلمين: لا يخصص عموم الكتاب بخبر الواحد.
وقال عيسى بن أبان: يخص العام المخصوص، دون غيره4.
وحكاه القاضي عن أصحاب5 أبي حنيفة، لأن الكتاب مقطوع به، والخبر مظنون، فلا يترك به المقطوع، كالإجماع لا يخص بخبر الواحد.
وقال بعض الواقفية: بالتوقف؛ لأن خبر الواحد مظنون الأصل، مقطوع المعنى.
1 التخريج: نقل حكم مسألة إلى ما يشبهها والتسوية بينهما فيه. انظر: المدخل لابن بدران ص55.
2 سورة النحل من الآية "44".
3 خلاصة وجه الدلالة: أن التخصيص بيان، فلو كان القرآن مبينًا للسنة للزم التناقض، إذ يصير كل واحد منهما مبينًا للآخر وتابعًا له؛ لأن المبيِّن، بالكسر، تابع للمبيَّن، بالفتح، وكون كل واحد من الشيئين تابعًا للآخر باطل.
4 أي: أن خبر الواحد يخصص العام إذا كان مخصوصًا قبل ذلك بغيره، أما إذا لم يخصص فلا يقوي خبر الواحد على تخصيصه؛ لأنه يرى أن العام إذا خصص صار مجازًا. انظر: العدة "2/ 552".
5 لفظ "أصحاب" من العدة "2/ 551" ولفظه: "وقال أصحاب أبي حنيفة" إن كان العموم قد دخله التخصيص بالاتفاق جاز تخصيصه بخبر الواحد، وإن لم يكن دخله التخصيص، لم يجز تخصيصه بخبر الواحد" وانظر في المسألة: فواتح الرحموت "1/ 349"، أصول السرخسي "1/ 133".
واللفظ العام من الكتاب مقطوع الأصل، مظنون الشمول، فهما متقابلان، ولا دليل على الترجيح1.
ولنا في تقديم الخاص مسلكان2:
أحدهما: أن الصحابة رضي الله عنهم ذهبت إليه:
فخصصوا قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 3 برواية أبي هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم:"لا تُنْكَحُ المرأةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِها"4.
وخصصوا آية الميراث بقوله: "لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَاَ الْكَافِرُ
1 خلاصة دليل الواقفية: أن العام من القرآن قطعي السند؛ لأنه نقل نقلًا متواترًا، ظني الدلالة على أفراد العام، وخبر الواحد قطعي الدلالة، لخصوصيته في مدلوله، ظني الثبوت من حيث السند فيتعادلان، لأن كل واحد منهما صار راجحًا من وجه، مرجوحًا من وجه آخر. انظر: شرح الطوفي "2/ 563".
وأقول: إن هذا الدليل يصلح أن يكون دليلًا لما رجحه المصنف والحنابلة بصفة عامة، من جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد، وهو الذي يتفق مع الأمثلة التي سيذكرها.
2 أي: دليلان، أو وجهان كما قال الطوفي.
3 سورة النساء من الآية "24".
4 حديث النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها، حديث صحيح أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب لا تنكح المرأة على عمتها، عن جابر وعن أبي هريرة، رضي الله عنهما.
كما أخرجه مسلم: كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح عن أبي هريرة، وأبو داود: كتاب النكاح، باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء، وكذلك الترمذي وابن ماجه والنسائي وغيرهم.
المُسْلِمَ" 1، " وَلَاَ يَرِثُ الْقَاتِلُ " 2، و "إنَّا مَعَاشِرَ الْْأَنْبِياءِ لَا نُورَثُ" 3.
وخصصوا عموم الوصية4 بقوله: "لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ"5.
وعموم قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} 6، بقوله:"حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا"7.
1 حديث صحيح: أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب لا يرث المسلم الكافر، وفي كتاب الفرائض، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه والدارمي ومالك جميعهم في كتاب الفرائض، وأحمد في المسند "5/ 201، 202، 209".
2 أخرجه مالك في الموطأ: كتاب العقول، باب ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه، من حديث عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.
كما أخرجه أبو داود: كتاب الديات، باب ديات الأعضاء، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وابن ماجه: كتاب الفرائض، باب ميراث القاتل، عن أبي هريرة، رضي الله عنه.
3 حديث صحيح: أخرجه البخاري: كتاب الفرائض، باب قول النبي، صلى الله عليه وسلم:"لا نورث ما تركنا صدقة" من حديث عائشة رضي الله عنها.
كما أخرجه عنها مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي، صلى الله عليه وسلم:"لا نورث"، وأبو داود: كتاب الخراج، باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال، والترمذي: كتاب السير، باب ما جاء في تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
4 وذلك في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} . [البقرة:180] .
5 أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي والدارمي وأحمد والشافعي وغيرهم. وقد تقدم تخريجه والحكم عليه في باب النسخ.
6 سورة البقرة من الآية "230" وهي قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ....} .
7 أخرجه البخاري: كتاب الطلاق، باب من أجاز طلاق الثلاث، كتاب اللباس، =
إلى نظائر كثيرة لا تحصى، مما يدل على أن الصحابة والتابعين كانوا يسارعون إلى الحكم بالخاص، من غير اشتغال بطلب تاريخ، ولا نظر في تقديم ولا تأخير.
الثاني: أن إرادة الخاص بالعام غالبة معتادة، بل هي الأكثر1، واحتمال النسخ كالنادر البعيد2، وكذلك احتمال تكذيب الراوي، فإنه عدل جازم في الرواية.
= باب الإزار المهدب، وكتاب الأدب، باب التبسم والضحك، ومسلم: كتاب النكاح، باب: لا تحل المطلقة ثلاثًا لمطلقها حتى تنكح. ولفظة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة رفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة، فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك".
كما أخرجه الترمذي وابن ماجه والدارمي. انظر "شرح السنة للبغوي جـ9 ص233".
1 معناه: أنه إذا ورد لفظ عام ولفظ خاص، فالظاهر الغالب أن حكم الخاص مراد به، وأن المراد بالعام ما عدا الحكم الخاص، فإرادة أن الأنبياء لا يورثون من قوله-صلى الله عليه وسلم:"نحن معاشر الأنبياء لا نورث" أظهر من إرادة أن النبي صلى الله عليه وسلم يورث من قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:11] وإذا كانت إرادة الخاص أظهر وأغلب، قدم لظهوره وغلبته. انظر شرح الطوفي "2/ 564".
2 هذا جواب عن دليل الطائفة التي ذهبت إلى تعارض العام والخاص عند جهل التاريخ، لاحتمال النسخ أو التخصيص، ولا سبيل إلى الترجيح. فأجاب المصنف: بأن احتمال النسخ كالنادر البعيد. وكذلك احتمال كذب الراوي بعيد أيضًا، فإنه عدل، والنفس تطمئن إلى نقل العدل في العدل، كاطمئنانها إلى صدق الشاهدين العدلين.
وسكون النفس إلى العدل في الرواية فيما هو نص، كسكونها إلى عدلين في الشهادات.
ولا يخفى أن احتمال صدق أبي بكر رضي الله عنه في روايته عن النبي، صلى الله عليه وسلم:"نَحْنُ مَعَاشِرَ الأنبياء لا نورث" أرجح من احتمال أن تكون الآية سيقت لبيان حكم ميراث النبي صلى الله عليه وسلم-1.
فلذلك: عمل به الصحابة، والعمل بالراجح متعين.
فأما قول من قال بالتعارض والوقف: فهو مطالبة بالدليل لا غير2.
وقد ذكرنا الدليل من وجهين، وبينا أن احتمال إرادة الخصوص أرجح من احتمال النسخ؛ فإن أكثر العمومات مخصصة وأكثر الأحكام مقررة غير منسوخة.
وكون النبي صلى الله عليه وسلم مبينًا لا يمنع من حصوله البيان بغيره، فقد أخبر الله -تعالى- أنه أنزل الكتاب تبيانًا لكل شيء3.
وقولهم: "المبيِّن تابع" غير صحيح فإن الكتاب يبين بعضه بعضًا، والسنة يخص بعضها بعضًا، وليس المخصص تابعًا للمخصوص.
وقد بينا -فيما تقدم- جواز التخصيص بدليل سابق4، وبالإجماع ويجوز تخصيص الآحاد بالمتواتر، وليس فرعًا له.
1 هذا تابع لقول المصنف: "أن إرادة الخاص بالعام غالبة معتادة، بل هي الأكثر". كما سبق توضيحه في هامش "1".
2 أي: أنهم قالوا: إن عموم الكتاب وخبر الواحد متعادلان ولا دليل على الترجيح فيجب التوقف حتى يظهر الدليل، وقد ظهر لهم ما يزيل هذا التوقف.
3 قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} النحل من الآية "89" وهو رد على بعض الشافعية الذين خالفوا في تخصيص السنة بالكتاب.
4 كالعقل.
وقولهم: "إن الكتاب مقطوع به"1
قلنا: دخول المخصوص في العموم، وكونه مرادًا ليس بمقطوع، بل هو مظنون ظنًّا ليس بالقوى، بل ظن الصدق أقوى منه، لما ذكرنا.
ثم إن براءة الذمة قبل السمع مقطوع بها، بشرط أن لا يرد سمع، وتشتغل بخبر الواحد.
جواب آخر:
آن وجوب العمل بخبر الواحد مقطوع به بالإجماع، وإنما الاحتمال في صدق الراوي، ولا تكليف علينا في اعتقاد صدقه، فإن تحليل البضع2، وسفك الدم واجب3 بقول عدلين قطعًا، مع أنا لا نقطع بصدقهما، كذا الخبر.
الخامس: المفهوم بالفحوى ودليل الخطاب4.
فإن الفحوى قاطع كالنص، ودليل الخطاب حجة كالنص، فيخص عموم قوله، عليه السلام:"في أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ" 5 بمفهوم قوله: "في
1 هذا رد على ما ذهب إليه الحنفية، كما تقدم قريبًا.
2 كالنكاح، فإنه يثبت بشهادة عدلين.
3 كالحدود والقصاص، فإن ذلك يثبت بشهادة اثنين أيضًا
4 أي: أن اللفظ العام يخص بفحوى الخطاب، وهو ما يطلق عليه عند الجمهور مفهوم الموافقة، كما يخص بدليل الخطاب، وهو ما يطلق عليه مفهوم المخالفة والتخصيص بمفهوم الموافقة محل اتفاق بين العلماء، أما التخصيص بمفهوم المخالفة، فقد خالف فيه الحنفية وبعض الشافعية، كالغزالي، حيث لم يعتبروه حجة.
5 أخرجه أبو داود: كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، من حديث علي وابن عمر رضي الله عنهم والترمذي: كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم من حديث ابن عمر، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب صدقة الغنم.
سائِمةِ الغَنَمِ زَكَاةٌ" في إخراج المعلوفة2.
السادس: فعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
كتخصيص عموم قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} 3 بما روت عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض"4.
ولذلك: ذهب بعض الناس إلى تخصيص قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} 5 برجمه لماعز، وتركه جلده6.
1 هذا جزء من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا، الذي روى فيه كتاب أبي بكر رضي الله عنه وبين فيه أحكام الزكاة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حديث طويل جاء فيه:".... وفي صدقة الغنم في سائمتها زكاة....".
أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم، وأبو داود: كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، والنسائي: كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم، والدارقطني: كتاب الزكاة، باب زكاة الإبل والغنم، والشافعي: كتاب الزكاة، كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جمع فرائض الصدقة.
2 هذا مثال للتخصيص بمفهوم المخالفة. ومثال التخصيص بمفهوم الموافقة: قوله، صلى الله عليه وسلم:"لَيُّ الواجد يُحل عرضه وعقوبته" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم وغيرهم. خص منه الوالدان بمفهوم قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فمفهومه: حرمة إيذائها بحبس أو غيره. العدة "2/ 579".
3 سورة البقرة من الآية "222".
4 رواه البخاري: كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض، وفي كتاب الاعتكاف، باب في غسل المعتكف، ومسلم: كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض فوق الإزار، وأبو داود: كتاب الطهارة، باب في الرجل يصيب منها دون الجماع، كما رواه الترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد.
5 سورة النور من الآية2.
6 قال الشيخ الطوفي: "وبيانه: أن قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَة جَلْدَة}
السابع: تقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدًا من أمته بخلاف موجب العموم وسكوته عليه، فإن سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن الشيء يدل على جوازه، فإنه لا يحل له الإقرار على الخطأ، وهو معصوم1.
وقد بينا أن إثبات الحكم في حق واحد يعم الجميع2.
الثامن: قول الصحابي، عند من يراه حجة مقدمًا على القياس
= [النور:2] ، عام في الثيب والبكر، فلما رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزًا، وترك جلده، دل على أن الجلد مختص بالبكر دون الثيب، فكان هذا تخصيصًا للنص العام بفعله، عليه الصلاة والسلام، أو بمعنى فعلهن وهو ترك الجلد، وهذه من مسائل الخلاف، أعني: أن الزاني الثيب: هل يجلد مع الرجم أم لا؟ والصحيح من مذهبنا أنه يجلد خلافًا للشافعي" شرح مختصر الروضة "2/ 570".
والخلاصة: أن التخصيص بفعل النبي صلى الله عليه وسلم محل خلاف بين العلماء فالجمهور يرون أنه يخصص العام، وخالف في ذلك بعض الشافعية، والكرخي من الحنفية. انظر العدة "2/ 575".
1 وهذا هو رأي جمهور العلماء، خلافًا للحنفية وبعض المتكلمين، حيث قالوا: إن التقرير لا صيغة له، فلا يقابل صيغة العام. ورد عليهم الجمهور بأن سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك مع علمه به دليل على جوازه، وإلا لوجب إنكاره.
جاء في شرح الكوكب المنير "3/ 375" "وحيث جاز التخصيص بالتقرير، فهل المخصص نفس تقريره صلى الله عليه وسلم أو المخصص ما تضمنه التقرير من سبق قوله به فيكون مستدلًا بتقريره على أنه قد خص بقول سابق، إذ لا يجوز لهم أن يفعلوا ما فيه مخالفة للعام إلا بإذن صريح، فتقريره دليل ذلك؟ فيه وجهان.
قال ابن فورك والطبري: الظاهر الأول".
2 وذلك في قول المصنف: "وكذلك إذا توجه الحكم إلى واحد من الصحابة داخل فيه غيره" من باب الأمر.
يخص به العموم، فإن القياس يخصص به، فقول الصحابي المقدم عليه أولى1.
فإن قيل: فالصحابي يترك مذهبه للعموم، كترك ابن عمر مذهبه لحديث رافع بن خديج في المخابرة2، فغيره يجب أن يتركه.
قلنا: إنما تركه لنص عارضه، لا للعموم.
التاسع: قياس نص خاص إذا عارض عموم نص آخر:
فيه وجهان:
أحدهما: يخص به العموم.
وهو قول أبي بكر3، والقاضي4، وقول الشافعي، وجماعة من الفقهاء والمتكلمين5.
والوجه الآخر: لا يخص به العموم.
وهو قول أبي إسحاق بن شاقلا وجماعة من الفقهاء، لحديث معاذ6.
1 وهو رأي الحنابلة والحنفية وبعض الشافعية، وخالف في ذلك المالكية وجمهور الشافعية. انظر: المحصول جـ1 ق3 ص191، الإحكام للآمدي "3/ 333" والعدة "2/ 579".
2 المخابرة: المزارعة على نصيب معين مما تخرجه الأرض، كالثلث والربع، وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال:"كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أربعين سنة، حتى روى لنا رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك". تقدم تخريج الحديث في فصل ألفاظ الرواية.
3 المراد به: عبد العزيز بن جعفر، المعروف بغلام الخلال.
4 كما في العدة "2/ 559".
5 وهو رأي جمهور العلماء كما في العدة "2/ 559".
6 تقدم تخريجه والكلام على سنده. ووجه الدلالة من الحديث لأصحاب هذا =
ولأن الظنون المستفادة من النصوص أقوى من الظنون المستفادة من المعاني المستنبطة.
ولأن العموم أصل، والقياس فرع، فلا يقدم على الأصل.
ولأن القياس إنما يراد لطلب حكم ما ليس منطوقًا به، فما هو منطوق به لا يثبت بالقياس.
وقال قوم: يقدم جلي القياس على العموم، دون خفية1، لأن الجلي أقوى من العموم، والخفي ضعيف.
والعموم -أيضًا- يضعف تارة بأن لا يظهر منه قصد التعميم، ويظهر ذلك بأن يكثر المخرج منه، ويتطرق إليه تخصيصات كثيرة، فإن دلالة قوله:"لَا تَبِيعُوا الْبُرَّ بالْبُرِّ" 2 على تحريم بيع الأرز، أظهر من دلالة قوله
= المذهب: أن معادًا رضي الله عنه قدم السنة على الاجتهاد الذي يشمل القياس، وهو عام فيما إذا كان القياس أخص أو أعم، وهذا يقتضي تقديم العام على قياس النص الخاص، فلا يخص به النص الخاص.
ومثاله: أن الله -تعالى- أحل البيع في قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وهو عام في كل بيع، ثم ورد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريم الربا في البر، والعلة في تحريمه عند بعض العلماء: الكيل، فقيس عليه تحريم الربا في الأرز، وخص به العموم المتقدم. انظر: شرح الطوفي "2/ 572".
1 نسبه الآمدي إلى جماعة من الشافعية. انظر: الإحكام "2/ 159".
2 هذا الحديث روي بألفاظ مختلفة، منها ما رواه البخاري في كتاب البيوع، باب بيع الفضة بالفضة عن أبي سعيد مرفوعًا، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مِثلًا بمثل، يدًا بيد، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء" وأخرجه عنه مسلم: كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، وأحمد في المسند "3/9".