المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: الركن الرابع: العلة - روضة الناظر وجنة المناظر - ت شعبان - جـ ٢

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌باب: العموم

- ‌مدخل

- ‌فصل: [تعريف العام]

- ‌فصل: [أقسام العام والخاص]

- ‌فصل: [في ألفاظ العموم]

- ‌فصل: [في الخلاف في عموم بعض الصيغ]

- ‌فصل: [في حكم العام الوارد على سبب خاص]

- ‌فصل: [حكاية الفعل من الصحابي تقتضي العموم]

- ‌فصل: [الخطاب المضاف إلى الناس والمؤمنين يعم العبيد والنساء]

- ‌فصل: [العام بعد التخصيص حجة]

- ‌فصل: [العام بعد التخصيص حقيقة]

- ‌فصل: [فيما ينتهي إليه التخصيص]

- ‌فصل: [الخطاب العام يتناول من صدر منه]

- ‌فصل: [العام يجب اعتقاد عمومه في الحال]

- ‌فصل: [تعريف القياس الجلي والخفي]

- ‌فصل: في تعارض العمومين

- ‌فصل: في الاستثناء

- ‌فصل: [في شروط الاستثناء]

- ‌فصل: [في حكم الاستثناء بعد جمل متعددة]

- ‌فصل: في المطلق والمقيد

- ‌فصل: [في حمل المطلق على المقيد]

- ‌باب: في الفحوى والإشارة

- ‌فصل: فيما يقتبس من الألفاظ من فحوها وإشارتها لا من صيغها

- ‌باب: القياس

- ‌فصل: تعريف القياس

- ‌فصل: في العلة

- ‌فصل: [طرق الاجتهاد في إثبات العلة]

- ‌فصل: [الأدلة النقلية للمنكرين للقياس]

- ‌فصل: [الأدلة العقلية للمنكرين للقياس]

- ‌فصل: [في مذهب النظام في الإلحاق بالعلة المنصوصة]

- ‌فصل: [في أوجه تطرق الخطأ إلى القياس]

- ‌فصل: [في أقسام إلحاق المسكوت بالمنطوق]

- ‌فصل: تقسيم المناسب من حيث تأثيره في الحكم أو عدم تأثيره

- ‌فصل: [مراتب الجنسية]

- ‌فصل: [أمور لا تكفي لإفساد علة الخصم]

- ‌فصل: [هل تثبت العلة بشهادة الأصول]

- ‌فصل: [في المسالك الفاسدة]

- ‌فصل: [في حكم العلة إذا استلزمت مفسدة]

- ‌فصل: في قياس الشَّبه

- ‌فصل: في قياس الدلالة

- ‌باب: أركان القياس

- ‌مدخل

- ‌فصل: [الركن الأول: الأصل وشروطه]

- ‌فصل: الركن الثاني: الحكم. [وشروطه]

- ‌فصل: الركن الثالث: الفرع [وشروطه]

- ‌فصل: الركن الرابع: العلة

- ‌باب: [كتاب الاجتهاد]

- ‌فصل: في حكم المجتهد

- ‌فصل: [شروط المجتهد]

- ‌فصل: مسألة: [في جواز التعبد بالقياس والاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل: [في تعبد النبي صلى الله عليه وسلم-بالاجتهاد]

- ‌فصل: [في خطأ المجتهد وإصابته]

- ‌فصل: [في تعارض الأدلة]

- ‌فصل: [هل للمجتهد أن يقول قولين في مسألة واحدة]

- ‌فصل: [المجتهد لا يقلد غيره]

- ‌فصل: [إذا نصّ المجتهد على حكم لعلة في مسألة فهو مذهبه في كل ما توجد فيه هذه العلة]

- ‌فصل: في التقليد

- ‌فصل: [فيمن يستفتيه العامّي]

- ‌فصل: [إذا تعدد المجتهدون فللمقلد سؤال من شاء]

- ‌باب: في ترتيب الأدلة ومعرفة الترجيح

- ‌مدخل

- ‌فصل: [تعريف التعارض]

- ‌فصل: في ترجيح المعاني

- ‌الفهارس

- ‌موضوعات الجزء الثاني:

- ‌الفهارس العامة:أولًا: فهرس الآيات القرآنية

- ‌ثانيا: فهرس الأحاديث

- ‌ثالثا: فهرس الآثار

- ‌رابعا: فهرس الأبيات الشعرية

- ‌خامسًا: فهرس الأعلام

- ‌سادسًا: فهرس الفرق والطوائف والملل:

- ‌سابعًا: فهرس المراجع:

- ‌باب: بيان بالأخطاء المطبعية التي وقعت في كتاب

الفصل: ‌فصل: الركن الرابع: العلة

فإن كان لغويًّا: ففي إثباته بالقياس خلاف ذكرناه فيما مضى1.

1 في مسألة: هل تثبت اللغة بالقياس أو لا؟

ص: 259

‌فصل: الركن الثالث: الفرع [وشروطه]

الركن الثالث: الفرع [وشروطه]

ويشترط فيه:

أن تكون علة الأصل موجودة فيه، فإن تعدية الحكم فرع تعدي العلة.

واشترط قوم: تقدم الأصل على الفرع في الثبوت؛ لأن الحكم يحدث بحدوث العلة، فكيف تتأخر عنه؟!

والصحيح: أن ذلك يشترط لقياس العلة، ولا يشترط لقياس الدلالة.

بل يجوز قياس الوضوء على التيمم2 مع تأخره عنه؛ فإن الدليل يجوز تأخره عن المدلول؛ فإن حدوث العالم دليل على الصانع القديم، وأن الدخان دليل على النار، والأثر دليل على المؤثر3.

ولا يشترط أيضًا أن يكون وجود العلة مقطوعًا به في الفرع، بل يكفي فيه غلبة الظن، فإن الظن كالقطع في الشرعيات.

1 في مسألة: هل تثبت اللغة بالقياس أو لا؟

2 في اشتراط النية، فمن المعلوم أن مشروعية التيمم متأخرة عن الوضوء.

3 انظر: شرح المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني "2/ 188".

ص: 259

‌فصل: الركن الرابع: العلة

الركن الرابع: العلة:

ومعنى العلة الشرعية: العلامة1.

1 هذا هو تعريف الجمهور للعلة وهو: أنها مجرد أمارة على وجود الحكم إن وجدت وجد الحكم، وإن انتفت انتفى، وهذا معنى قولهم: الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا. =

ص: 259

ويجوز أن تكون حكمًا شرعيًّا، كقولنا:"يحرم بيع الخمر فلا يصح بيعه كالميتة".

وتكون وصفًا عارضًا، كالشدة في الخمر، ولازمًا كالصغر والنقدية1، أو من أفعال المكلفين2. كالقتل والسرقة، ووصفًا مجردًا، أو مركبًا من أوصاف كثيرة، ولا ينحصر ذلك في خمسة أوصاف.

وتكون نفيًا، وإثباتًا.

وتكون مناسبًا وغير مناسب.

ويجوز أن لا تكون العلة موجودة في محل الحكم، كتحريم نكاح الأمة، لعلة رق الولد.

وتفارق العلة الشرعية العقلية في هذه الأوصاف.

فصل: [من شرط العلة: أن تكون متعدية]

قال أصحابنا: من شرط صحة العلة: أن تكون متعدية3.

= وللعلماء في تعريف العلة اتجاهات مختلفة:

فعرفها الغزالي وغيره بأنها: المؤثر في الحكم بجعل الله تعالى:

بينما عرفها المعتزلة بأنها: المؤثر في الحكم بذاتها، لا بجعل الله تعالى، تمشيًا مع مذهبهم في الحسن والقبح والعقليين. تراجع هذه التعريفات في: الإبهاج مع الإسنوي "3/ 28"، المحلى على جمع الجوامع "2/ 243".

1 أي: كالولاية على الصغيرة وإجبارها على النكاح والتعدية في تحريم الربا في الذهب والفضة.

2 أي: تكون العلة فعلًا من أفعال المكلفين، كالقتل فإنه علة للقصاص، والسرقة فإنها علة للقطع وهكذا.

3 وهو مذهب جمهور العلماء. ومعناه: أن تكون العلة وصفًا يمكن أن يتحقق في =

ص: 260

فإن كانت قاصرة على محلها، كتعليل الربا في الأثمان بالثمنية لم يصح، وهو قول الحنفية1، لثلاثة أوجه:

= عدة أفراد في غير الأصل المقيس عليه؛ لأن الغرض من تعليل الحكم في الأصل تعديته إلى الفرع.

1 محل الخلاف في العلة القاصرة المستنبطة، أما العلة المنصوصة أو المجمع عليها فلا خلاف في صحتها. وللعلماء في العلة القاصرة المستنبطة مذهبان:

المذهب الأول: عدم صحة التعليل بالعلة القصارة، وهو مذهب أكثر الحنابلة، ورواية عن الإمام أحمد، كما أنه مذهب أكثر الحنفية وبعض أصحاب الشافعي، وبعض المعتزلة. وقد استدل المصنف لذلك بثلاثة أدلة سيأتي ذكرها.

المذهب الثاني: صحة التعليل بالعلة القاصرة المستنبطة، وهو مذهب الإمام الشافعي وأكثر أصحابه، والإمام أحمد وبعض أصحابه، كأبي الخطاب.

كما أنه مذهب المالكية وأكثر المعتزلة وبعض الحنفية.

وقد مثل المصنف للعلة القاصرة بالثمنية في الذهب والفضة، أي: كونها- في الأصل- أثمان الأشياء.

فمن رأى عدم التعليل بالعلة القاصرة لم يلحق بالذهب والفضة سائر الأوراق النقدية التي تقوم مقامها في العصر الحاضر؛ لأنها علة قاصرة لا تتعدى محلها.

ومن قال بصحة التعليل قاس عليهما ما يقوم مقامهما في تقويم الأشياء ووسيلة إلى التعامل بين الناس.

والأثر المترتب على اعتبار هذه العلة أو عدم اعتبارها: أن من اعتبرها أجرى على كل ما يقوم مقام الذهب والفضة ما يجري عليهما، من أحكام ربا الفضل والنسيئة وغير ذلك من الأحكام الفقهية، ومن لم يعتبرها حجة لم يقس على الذهب والفضة سائر العملات. ونظرًا لأهمية هذا الموضوع، فقد بحثه المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة المنعقدة عام 1402هـ وأصدر بشأنه القرار التالي:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وآله =

ص: 261

................................................................................

= وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:

فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع على البحث المقدم إليه في موضوع العلة الورقية، وأحكامها من الناحية الشرعية، وبعد المناقشة والمداولة بين أعضائه قرر ما يلي:

أولًا: أنه بناء على أن الأصل في النقد هو الذهب والفضة، وبناء على أن علة جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقول عند فقهاء الشريعة.

وبما أن الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة، وإن كان معدنهما هو الأصل.

وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمنًا، وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها، وبها تقوّم الأشياء في هذا العصر، لاختفاء التعامل بالذهب والفضة وتطمئن النفوس بتموّلها وادخارها، ويحصل الوفاء والإبراء العام بها، رغم أن قيمتها ليست في ذاتها، وإنما في أمر خارج عنها، وهو حصول الثقة بها، كوسيط في التداول والتبادل، وذلك هو سر مناطها بالثمنية.

وحيث أن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية، وهي متحققة في العملة الورقية، لذلك كله؛ فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي يقرر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته، له حكم النقدين من الذهب والفضة، فتجب الزكاة فيها، ويجري الربا عليها بنوعيه: فضلًا ونسيئًا، كما يجري ذلك في النقدين من الذهب والفضة تمامًا، باعتبار الثمنية في العملة الورقية، قياسًا عليهما.

وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها.

ثانيًا: يعتبر الورق النقدي قائمًا بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان، كما يعتبر الورق النقدي أجناسًا مختلفة، تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة، بمعنى أن الورق السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلًا ونسيئًا، كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب =

ص: 262

أحدها: أن علل الشرع أمارات، والقاصرة ليست أمارة على شيء1.

= والفضة وفي غيرها من الأثمان.

وهذا كله يقتضي ما يلي:

أ- لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما نسيئة مطلقًا، فلا يجوز مثلًا بيع ريال سعودي بعملة أخرى متفاضلًا نسيئة بدون تقابض.

ب- لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلًا، سواء كان ذلك نسيئه أو يدًا بيد، فلا يجوز مثلًا بيع عشرة ريالات سعودية ورقًا بأحد عشر ريالًا سعودية ورقا، نسيئة أو يدًا بيد.

جـ- يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقًا، إذا كان يدًا بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية، بريال سعودي ورقًا كان أو فضة، أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة ريالات سعودية أو أقل من ذلك أو أكثر إذا كان يدًا بيد، ومثل ذلك -في الجواز- بيع الريال السعودي الفضة، بثلاثة ريالات سعودية ورق، أو أقل من ذلك أو أكثر، يدًا بيد، لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة.

ثالثًا: وجوب زكاة الأوراق النقدية، إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة. [ومعلوم أن نصاب الذهب عشرون دينارًا، والفضة مائتا درهم] .

رابعًا: جواز جعل الأوراق النقدية رأس مال في بيع السلم، والشركات. والله أعلم، وبالله التوفيق.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وعلى ذلك يكون مجلس المجمع الفقهي قد رجح مذهب القائلين بصحة التعليل بالعلة القاصرة، كما هو واضح.

يراجع قرار المجمع في مجلة المجمع الفقهي السنة الأولى. العدد الأول 1408هـ-1987م ص117-119.

1 هذا هو الدليل الأول للقائلين بعدم التعليل بالعلة القاصر، خلاصته: أن علل =

ص: 263

الثاني: أن الأصل أن لا يعمل بالظن؛ لأنه جهل ورجم بالظن، وإنما جوز في العلة المتعدية، ضرورة العمل بها، والعلة القاصرة لا عمل بها، فتبقى على الأصل.

الثالث: أن القاصرة لا فائدة فيها1، وما لا فائدة فيه لا يرد الشرع به2.

دليل المقدمة الأولى: أن فائدة العلة: تعدية الحكم، والقاصرة لا تتعدى.

ودليل أن فائدتها التعدي: أن الحكم ثابت في محل النص بالنص، لكونه مقطوعًا به، والقياس مظنون، ولا يثبت المقطوع بالمظنون. إذا ثبت هذا: تعين اعتبارها في غير محل النص، والقاصرة لا يمكن فيها ذلك.

فإن قيل: فلو لم يكن الحكم مضافًا إلى العلة في محل النص، لما تعدى الحكم بتعديها.

ولا تنحصر الفائدة في التعدي، بل في التعليل فائدتان سواه.

إحداهما: معرفة حكمة الحكم، لاستمالة القلب إلى الطمأنينة، والقبول بالطبع، والمسارعة إلى التصديق.

والثانية: قصر الحكم على محلها، إذ معرفة خلو المحل عن الحكم يفيد ثبوت ضده، وذلك فائدة3.

= الشرع أمارات، أي: علامات على الحكم، والعلة القاصرة ليست أمارة على شيء؛ لأن الحكم في الأصل ثبت بالنص، فيكون التعليل بالعلة القاصرة خاليًا عن الفائدة.

1 لعدم تعديها، كما قلنا في الدليل الأول.

2 أي: وما دامت العلة القاصرة لا فائدة فيها، فلا يرد بها الشرع.

3 هذا اعتراض على الوجه الثالث أورده القائلون بجواز التعليل بالعلة القاصرة، =

ص: 264

قلنا: قولكم: "الحكم يتعدى" مجاز يتعارفه الفقهاء، فإن الحكم لو تعدى: لخلا عنه المحل الأول.

والتحقيق فيه: أنه لا يتعدى، وإنما معناه: أنه متى وجد في محل آخر مثل تلك العلة: ثبت مثل ذلك الحكم.

وظنُّنَا: أن باعث الشرع على الحكم كذا، لا يوجب إضافة الحكم في الثبوت إليه، إذ لو كان مضافًا إليه لكان على وفقه في القطع والظن؛ إذ لا يثبت بالظن شيء مقطوع به.

وامتناع إضافة الحكم إلى العلة في محل النص لا لقصورها، بل لأن ثمَّ دليلًا أقوى منها، ففي غير محل النص يضاف إليها؛ لصلاحيتها، وخلوها عن المعارض1.

وقولكم: "فائدة التعليل: الاطلاع على حكمة الحكم ومصلحته".

قلنا: نحن لا نسد هذا الباب، لكن ليس كل معنى استنبط من النص.

= وهو مكون من وجهين.

الأول: أنه لو لم يكن الحكم مضافًا إلى العلة في محل النص لما تعدى إلى الفرع بتعديها.

الثاني: عدم التسليم بأن فائدة العلة منحصرة فيما ذكر، بل لها فائدتان سوى ما ذكر، هما ما ذكرهما المصنف.

1 أجاب المصنف عن الوجه الأول من الاعتراض بأن لفظ "يتعدى" مجاز اصطلح عليه العلماء؛ لأنه إذا تعدى وانتقل حقيقة لخلا الأصل عن الحكم، وإنما معناه: أنه متى وجد الوصف في محل آخر أعطيناه حكمًا مماثلًا لما ثبت في الأصل وكوننا ظننا أن الباعث على الحكم كذا، لا يوجب ثبوت الحكم إليه؛ لأنه مجرد ظن، ولا يثبت بالظن شيء مقطوع به، وعدم إضافة الحكم إلى العلة في محل النص لا لقصورها؛ بل لأنه وجد ما هو أقوى منها وهو النص.

ص: 265

علة، إنما العلة: معنى تعلق الحكم به في موضع، والقاصرة ليست كذلك1.

وقولهم: "فائدته: قصر الحكم على محلها".

قلنا: هذا يحصل بدون هذه العلة إذا لم يكن الحكم معللًا، قصرناه على محله2.

وقال أصحاب الشافعي: يصح التعليل بها.

وهو قول بعض المتكلمين، واختاره أبو الخطاب3 لثلاثة أوجه:

أحدها: أن التعدية فرع صحة العلة، فلا يجوز أن تكون شرطًا، فإنه يفضي إلى اشتراط تقدم ما يشترط تأخره.

وذلك أن الناظر ينظر في استنباط العلة، وإقامة الدليل على صحتها بالإيماء والمناسبة، أو تضمن المصلحة المبهمة، ثم ينظر فيها:

فإن كانت أعم من النص عدّاها، وإلا اقتصر.

فالتعدية فرع الصحة، فكيف يجوز أن تكون من جملة المصحح4.

1 هذا رد على قولهم في الاعتراض السابق: "إن فائدة العلة القاصرة: بيان أن الحكم الشرعي مطابق وموافق لحكمة الحكم الشرعي.

فأجاب المصنف: بأن هذا مسلم به، لكن الذي لا نسلم به أنه ليس كل معنى يمكن استنباطه من النص يصلح أن يكون علة؛ لأن العلة هي معنى يتعلق به الحكم وجودًا وعدمًا، والقاصرة ليست كذلك.

2 هذا رد من المصنف على قولهم في الاعتراض السابق: إن العلة القاصرة تفيد قصر الحكم على محلها، ولا يتعداه إلى غيره. فأجاب المصنف: بأن هذا يحصل إذا لم يكن الحكم معللًا، أما إذا كان معللًا، فلا نقصره على محله.

3 راجع في ذلك: البرهان "2/ 1080"، التمهيد لأبي الخطاب "4/ 62".

4 خلاصة الدليل الأول لأصحاب هذا المذهب: أنه لو اشترط كونها متعدية لأدى =

ص: 266

الثاني: أن التعدية ليست شرطًا في العلة المنصوص عليها، ولا في العقلية، وهما آكد، فكذلك المستنبطة1.

= ذلك إلى الدور، لتوقف كونها علة على كونها متعدية، وكونها متعدية متوقف على كونها علة، والدور باطل، فالمفضي إليه باطل أيضًا، فلا يجوز تعليل عليتها بكونها متعدية، فيجوز اعتبارها مع كونها قاصرة. انظر: شرح مختصر الروضة "3/ 319".

وقول المصنف: "إن الناظر ينظر في استنباط العلة إلخ" معناه:

أن القائس يقيم الدليل على صحة العلة بطريق من طرق إثبات العلة: من الإيماء أو المناسبة أو تضمن مصلحة مبهمة من جنس المصالح، ثم ينظر في هذه المصلحة، فإن كانت أعم من النص عدّى الحكم إلى غير محل النص، وإلا قصرها على محل النص، فالتعدية فرع الصحة وتابعة لها، فكيف يكون تابع الشيء فرعًا له ومصححًا له؟

1 معنى ذلك: أنه ما دام لا يشترط التعدي في العلة المنصوصة أو العقلية، فكذلك المستنبطة لا يشترط فيها ذلك لضعفها عنهما.

وقد اعترض عليه الطوفي من وجهين.

أحدهما: أنه لا يلزم من عدم اشتراط التعدية للعقلية والمنصوصة أن لا يشترط للمستنبطة لقيام الفرق من جهة أن العقلية موجبة مؤثرة، وإنما يظهر تأثيرها في محلها لا يتجاوزه، بخلاف الشرعية، فإنها أمارة معرِّفة، والتعريف لا يختص بمحل المعرف.

وأيضًا: فالقياس بالتعدية يفيد الظن، ولا مدخل له في العقليات. وأما المنصوصة: فهي ثابتة بالنص، فثبتت قوتها به، واستغنت عن قوة التعدي، بخلاف المستنبطة.

الوجه الثاني: أن قولهم: إذا لم تشترط التعدية في العقلية والمنصوصة، ففي غيرهما أولى، كلام فاسد الوضع، والذي ينبغي هو العكس، لاستغناء العقلية. والمنصوصة عن التعدي لقوتها، وافتقار المستنبطة إلى التعدي لضعفها. انظر: شرح المختصر "3/ 319-320".

ص: 267

الثالث: أن الشارع لو نص على جمع القاتلين ظلمًا بوجوب القصاص: لا يمنعنا أن نظن أن الباعث حكمة الردع والزجر، وإن لم يتعد إلى غير قاتل: فإن الحكمة لا تختلف باستيعاب النص لجميع الحوادث أو اقتصاره على البعض1.

وقولهم: "لا فائدة في التعيل بالعلة القاصرة" عنه جوابان:

أحدهما: المنع، فإن فيها فائدتين ذكرناهما.

إحداهما: قصر الحكم على محلها.

وقولهم: "إن قصر الحكم مستفاد من عدم التعليل".

قلنا: بل يحصل هذا بالعلة القاصرة، فإن كل علة غير المؤثرة، إنما تثبت بشهادة الأصل، وتتم بالسبر، وشرطه الاتحاد.

فإن ظهرت علة أخرى: انقطع الحكم.

فإن أمكن التعليل بعلة متعدية: تعدى الحكم.

فإذا ظهرت علة قاصرة: عارضت المتعدية ودفعتها، وبقي الحكم مقصورًا على محلها، ولولاها لتعدى الحكم.

والثانية2: معرفة باعث الشرع وحكمته، ليكون أسرع في التصديق.

1 هذا هو الوجه الثالث من أدلة القائلين بصحة التعليل بالعلة القاصرة خلاصته: أن الشارع لو نص على وجوب القصاص على جميع القاتلين ظلمًا وعدوانًا، فإن ذلك لا يمنعنا أن نظن أن الباعث على ذلك هو الردع والزجر، حتى ولو لم يتعد ذلك القصاص إلى غير القاتل؛ لأن الحكمة الشرعية تستنبط من النص، حتى ولو كان مستوعبًا لجميع الحوادث، فلا فرق بين النص على الجميع، أو الاقتصار على البعض، والنتيجة عدم الفرق بين المنصوصة والمستنبطة.

2 أي: الفائدة الثانية من التعليل بالعلة القاصرة.

ص: 268

وأدعى إلى القبول، فإن النفوس إلى قبول الأحكام المعقولة أميل منها إلى قهر التحكم، ومرارة التعبد1.

ولمثل هذا الغرض استحب الوعظ والتذكير، وذكر محاسن الشريعة، ولطائف معانيها، وكون المصلحة مطابقة للنص على قدره تزيده حسنًا وتأكيدًا.

الثاني2: أننا لا نعني بالعلة إلا باعث الشرع على الحكم، وثبوته بالنص لا يمنعنا أن نظن أن الباعث عليه حكمته التي في ضمنه، كما أن تنصيصه على رخص السفر لا يمنعنا أن نظن أن حكمته: دفع مشقته.

وكذلك المسح على الخفين: معلل بدفع المشقة اللاحقة بنزع الخف، وإن لم يقس عليه غيره، ولا يسقط هذا الظن باستيعاب مجاري الحكم،

ولما نص على أن كل مسكر حرام، لم يمنعنا أن نظن أن باعث الشرع على التحريم: السكر.

ولا حجر علينا في أن نصدق فنقول: إنما ظننا كذا، مهما ظننا كذا، ولا مانع من هذا الظن.

1 قال الطوفي في شرحه "3/ 321": "والنفس إلى قبول الأحكام المعللة أميل، وإليها أسكن، وهي بتصديقها أجدر، لحصول الطمأنينة، إذ كل عاقل يجد من نفسه فرقًا بين قبولها نقض الوضوء بأكل لحم الجزور، وبين نقضه بمس الفرج؛ لأن فيه مخيلًا مناسبًا للحكم، وهو كونه محل خروج الخارج الناقض بالنص، ولهذا اشترط بعضهم في مسه أن يكون بشهوة، ليصير مظنة لوجود الخارج المناسب".

2 من الجوابين اللذين أشار إليهما المصنف في قوله: "عنه جوابان".

ص: 269

وأكثر المواعظ ظنية، وطباع الآدميين خلقت مطيعة للظنون.

وأكثر بواعث الناس على أعمالهم وعقائدهم الظنون.

قولهم: "لا نسمي هذا علة".

قلنا: متى سلمتم أن الباعث هذه الحكمة، وهي غير متعدية، وجب أن يقتصر الحكم على محلها، وهو فائدة الخلاف، ولا يضرنا أن لا تسموه علة، فإن النزاع في العبارات، بعد الاتفاق على المعنى لا يفيد.

وتلخيص ما ذكرناه:

أنه لا نزاع في أن القاصرة لا يتعدى بها الحكم، ولا ينبغي أن ينازع في أن يظن أن حكمة الحكم: المصلحة المظنونة في ضمن محل النص، وإن لم يتجاوز محلها.

ولا ينبغي أن ينازع في تسميته علة أيضًا؛ لأنه بحث لفظي لا يرجع إلى المعنى.

فيرجع حاصل النزاع إلى أن الحكم المنصوص عليه، إذا اشتمل على حكمتين: قاصرة ومتعدية، هل يجوز تعديته؟

فالصحيح أنه لا يتعدى؛ لأنه لا يمتنع أن يثبت الشارع الحكم في محل النص، رعاية للمصلحة المختصة به، أو رعاية للمصلحتين جميعًا.

فلا سبيل إلى إلغاء هذين الاحتمالين بالتحكم.

ومع بقائهما تمتنع التعدية1، والله أعلم.

1 خلاصة ذلك: أن الحكم إذا علل بعلتين: إحداهما قاصرة، والأخرى متعدية، فهل يعلل بالقاصرة ويمنع التعدي، أو يتعدى بالعلة المتعدية؟

رجح المصنف الأول وقال: إنه الصحيح، وعليه جمهور العلماء، لما قاله:

ص: 270

فصل: في اطّراد العلة

وهو: استمرار حكمها في جميع محالها1.

حكى أبو حفص البرمكي2 في كون ذلك شرطًا لصحتها وجهين:

أحدهما: هو شرط، فمتى تخلف الحكم عنها مع وجودها: استدللنا على أنها ليست بعلة إن كانت مستنبطة.

أو على أنها بعض العلة إن كانت منصوصًا عليها.

ونصره القاضي أبو يعلى، وبه قال بعض الشافعية3.

= المصنف: من أنه لا يمتنع أن يثبت الشارع حكمًا في محل النص رعاية للمصلحة المختصة به، أو رعاية للمصلحتين معًا.

أما الحنفية فقد ذهبوا إلى أنه لا يمتنع التعليل بالعلة المتعدية؛ لأنه لا اعتبار بغلبة الظن بغلبة الوصف القاصر، فإنها مجرد وهم، لا غلبة ظن، فلا يعارض غلبة الظن بغلبة الوصف المتعدي المؤثر. انظر: نزهة الخاطر العاطر "2/ 320".

1 ومعناه: وجود حكمها في كل محل وجدت فيه، مثل: وجود التحريم حيث وجد الإسكار.

2 هو: عمر بن أحمد بن إبراهيم، أبو حفص البرمكي.

كان من العبّاد الزهاد والفقهاء المشهورين في فقه الحنابلة، صحب الخلال وعمر بن بدر المغازلي وغيرهما، توفي ببغداد سنة 387هـ. انظر في ترجمته: طبقات الحنابلة "2/ 153".

3 هذا الفصل يطلق عليه بعض العلماء: "النقض" وهو: وجود العلة وتخلف الحكم، وهل هو قادح في العلة أو مخصص لعمومها؟

فمن اشترط اطراد العلة فالنقض قادح فيها، ومن لم يشترط الاطراد فيعتبر ذلك تخصيصًا لعمومها. وإنما سمي ذلك تخصيصًا؛ لأن العلة وإن كانت معنى، ولا عموم للمعاني حقيقة؛ لأنه في ذاته شيء واحد، ولكنه باعتبار حلوله في محال متعددة يوصف بالعموم، فإخراج بعض المحال التي توجد فيها العلة عن تأثير =

ص: 271

والوجه الآخر: تبقى حجة فيما عدا المحل المخصوص، كالعموم إذا خص. اختاره أبو الخطاب1.

وبه قال مالك، والحنفية، وبعض الشافعية، لوجهين:

أحدهما: أن علل الشرع أمارات2، والأمارة لا توجب وجود حكمها معها أبدًا، بل يكفي كونه معها في الأغلب الأكثر.

كالغيم الرطب في الشتاء، أمارة على المطر، وكون مركوب القاضي على باب الأمير، أمارة على أنه عنده، وقد يجوز أن لا يكون عنده، فلو لم يكن عنده في مرة، لم يمنع ذلك من رأي تلك الإمارة أن يظن وجود ما هو أمارة عليه.

= العلة فيه، وقصر عمل العلة على الباقي يكون بمنزلة التخصيص. انظر: كشف الأسرار للبخاري "4/ 32"، العدة "4/ 1386".

وقد حرر أبو الخطاب محل النزاع في المسألة، وفرق بين العلة المستنبطة والمنصوصة فقال: "اختلف أصحابنا رضي الله عنهم في العلة المستنبطة المخصوصة: هل هي حجة فيما عدا المخصوص أم لا؟

فقال بعضهم: هي حجة فيه، وبه قال مالك وأصحاب أبي حنيفة.

وقال بعضهم: تكون باطلة منتقضة فلا يحتج بها. وبه قال أصحاب الشافعي. وكلام أحمد رضي الله عنه يحتمل القولين معًا.

فأما العلة المنصوصة: فمن قال بتخصيص العلة المستنبطة يقول بتخصيصها، ومن منع من تخصيص العلة المستنبطة، اختلفوا في ذلك: فقال بعضهم: يجوز تخصيصها.

وقال بعضهم: لا يجوز. ومتى وجدناها مخصصة علمنا أنها بعض العلة".

التمهيد "4/ 69-71".

1 انظر: التمهيد "4/ 69 وما بعدها" وراجع تحريره لمحل النزاع الذي نقلناه آنفًا.

2 أي: علامات وليست مؤثرات.

ص: 272

الثاني: أن ثبوت الحكم على وفق المعنى المناسب في موضع دليل على أنه العلة، بدليل أنه يكتفى بذلك.

فإن لم يظهر أمر سواه، وتخلف الحكم، يحتمل أن يكون لمعارض من فوات شرط، أو وجود مانع.

ويحتمل: أن يكون لعدم العلة، فلا يترك الدليل المغلب على الظن لأمر محتمل متردد.

فإن قيل: نفي الحكم لمعارض نفي للحكم مع وجود سببه، وهو خلاف الأصل، ونفيه لعدم العلة موافق للأصل، إذ هو نفي الحكم؛ لانتفاء دليله، فيكون أولى.

قلنا: هو مخالف للأصل من جهة أخرى، وهو: أن فيه نفي العلة مع قيام دليلها، والأصل توفير المقتضى على المقتضي فيتساويان، ودليل العلة ظاهر، والظاهر لا يعارض بالمحتمل المتردد1.

1 هذا اعتراض من أصحاب المذهب الأول، وهم الذين يشترطون اطّراد العلة خلاصته: أن انتفاء الحكم لانتفاء علته موافق للأصل، وانتفاؤه مع وجود علته على خلاف الأصل، وحمل الكلام على وفق الأصل أولى من حمله على خلافه وهذا يقوي مذهبهم.

وأجاب عنه المصنف: بأنه مخالف للأصل من جهة أن نفي العلة مع قيام دليلها، والأصل توفير المقتضى وهو العلة على المقتضي وهو الدليل، فيتساوى المقتضى والمقتضي، وأيضًا: دليل العلة ظهر، ونفيها محتمل متردد، والظاهر لا يعارض بالمحتمل. انظر: شرح مختصر الطوفي "3/ 324"، نزهة الخاطر العاطر "2/ 322".

ومعنى عبارة "توفير المقتضي" اسم مفعول، وهو: العلة على المقتضى، اسم فاعل وهو: الدليل. فيتساوى المقتضي والمقتضى، أي: العلة والدليل.

ص: 273

وفرّق قوم بين العلة المنصوص عليها، وبين المستنبطة، وجعل نقض المستنبطة مبطلًا لها1.

وإن كانت ثابتة بنص أو إجماع فلا يقدح ذلك فيها؛ لأن كونها علة عرف بدليل متأكد قوي، وتخلف الحكم يحتمل أن يكون لفوات شرط، أو وجود مانع، فلا يترك الدليل القوي لمطلق الاحتمال.

ولأن ظن ثبوت العلة من النص، وظن انتفاء العلة من انتفاء الحكم مستفاد بالنظر، والظنون الحاصلة بالنصوص أقوى من الظنون الحاصلة بالاستنباط2.

وإن كان ثبوت العلة بالاستنباط بطلت بالنقض؛ لأن ثبوت الحكم على وفق المعنى، إن دل على اعتبار الشارع له في موضع، فتخلف الحكم عنه يدل على أن الشرع ألغاه.

وقول القائل: "إنني أعتبره إلا في موضع أعرض الشرع عنه" ليس بأولى ممن قال: "أعرض عنه إلا في موضع اعتبره الشرع بالتنصيص على الحكم".

ثم إن جُوِّز وجود العلة مع انتفاء الحكم من غير مانع، ولا تخلف شرط، فليجز ذلك في محل النزاع.

1 المراد بالنقض هنا: عدم الاطراد، وهو: أن يوجد الوصف الذي يدعى أنه علة في محل ما، مع عدم الحكم.

2 خلاصة ذلك: أن العلة إذا كانت منصوصة أو مجمعًا عليها تعين الانقياد لنص الشارع ولإجماع المعصومين، ولم يؤثر في ذلك تخلف الحكم عنها في صورة ما؛ لأن النص والإجماع يفيدان من ظن الصحة أكثر مما يفيد التخصيص من ظن البطلان، شرح مختصر الروضة "3/ 326".

ص: 274

قولهم1: "ثبوت الحكم على وفق المعنى في موضع دليل على أنه علة". قلنا: وتخلف الحكم مع وجوده2: دليل على أنه ليس بعلة، فإن انتفاء الحكم لانتفاء دليله موافق للأصل، وانتفاؤه لمعارض على خلاف الأصل.

قولهم: "إنه مخالف للأصل، إذ فيه نفي العلة مع قيام دليلها، فيتساوى الاحتمالان".

قلنا: متى سلمتم أن احتمال انتفاء الحكم لانتفاء السبب كاحتمال انتفائه لوجود المعارض على السواء، لم يبق ظن صحة العلة، إذ يلزم من الشك في دليل الفساد: الشك في الفساد لا محالة، إذ ظن صحة العلة مع الشك فيما يفسدها محال، فهو كما لو قال:"أشك في الغيم، وأظن الصحو" و"أشك في موت زيد، وأظن حياته".

قولهم: "دليل العلة ظاهر".

قلنا: والمعارض ظاهر أيضًا فيتساويان، فلا يبقى الظن مع وجود المعارض.

قولهم: "العلة أمارة، والأمارة لا توجب وجود حكمها أبدًا".

قلنا: إنما يثبت كونها أمارة: إذا ثبت أنها علة.

والخلاف -ههنا- هل هذا الوصف علة وأمارة أو لا؟

وليس الاستدلال على أنه علة بثبوت الحكم مقرونًا به أولى من الاستدلال على أنه ليس بعلة بتخلف3 الحكم عنه، إذ الظاهر: أن الحكم لا يتخلف عن علته.

1 من هنا سيبدأ المصنف في مناقشة أدلة المخالفين.

2 أي: وجود الوصف المدعى أنه علة.

3 في جميع النسخ "يتخلف" وهو خطأ يغير المعنى.

ص: 275

أو احتمال انتفاء الحكم في محل النقض لمعارض كاحتمال ثبوت الحكم في الأصل بغير هذا الوصف، أو به وبغيره.

وكما أن وجود مناسب آخر في الأصل على خلاف الأصل: كذلك وجود المعارض في محل النقض على خلاف الأصل فيتساويان.

وبهذا يتبين الفرق بين العلة المنصوص عليها والمستنبطة، فإن المنصوص عليها يثبت كونها أمارة بغير اقتران الحكم بها، فلا يقدح فيها تخلفه عنها، كما لا يقدح في كون "الغيم أمارة على المطر" تخلفه عنه في بعض الأحوال.

والمستنبطة إنما يثبت كونها أمارة باقتران الحكم بها، فتخلفه عنها ينفي أنها أمارة. والله أعلم.

[طريق الخروج عن عهدة النقض] .

فإذًا طريق الخروج عن عهدة النقض أربعة أمور:

أحدها: منع العلة في صورة النقض.

والثاني: منع وجود الحكم.

والثالث: أن يبين أنه مستثنى عن القاعدة بكونه على خلاف الأصلين.

وإن أمكن المعترض إبراز قياس ما ينتفي بمسألة النقض: كانت علته المطردة أولى من المنقوضة، ولم يقبل دعوى المعلل: أنه خارج عن القياس.

والرابع: بيان ما يصلح معارضًا في محل النقض، أو تخلف ما يصلح شرطًا، ليُظن أن انتفاء الحكم كان لأجله، فيبقى الظن المستفاد من مناسبة الوصف وثبوت الحكم على وفقه كما كان، فإن الغالب من ذات

ص: 276

الشرع: اعتبار المصالح والمفاسد، فيظن: أن عدم الحكم للمعارض، فلا تكون العلة منتقضة.

فصل: [في أضرب تخلف الحكم عن العلة] 1

تخلف الحكم عن العلة على ثلاثة أضرب.

أحدها: ما يعلم أنه مستثنى عن قاعدة القياس.

كإيجاب الدية على العاقلة دون الجاني، مع أن جناية الشخص علة وجوب الضمان عليه.

وإيجاب صاع تمر من لبن المصرّاة2، مع أن علة إيجاب المثل في المثليات: تماثل الأجزاء.

1 وجه ارتباط هذا الفصل بما قبله: أنه لما أنهى الكلام على تخصيص العلة بتخلف حكمها عنها في بعض الصور، وكان للتخلف أحكام بعضها مؤثر في العلة وبعضها غير مؤثر، ذكر أنواع تخلف الحكم عن العلة، ليتميز بعضها من بعض.

2 التصرية: جمع اللبن في ضرع الحيوان لإيهام الناس أنها حلوب، وقد حرم الإسلام ذلك لما فيه من التدليس على المشتري. صحت في ذلك أحاديث كثيرة منه قوله، صلى الله عليه وسلم:"لَا تَصَرُّوا الإبلَ والغَنَمَ فَمنِ ابتاعَها بَعْدَ فَهُو بخير النَّظَرَين بَعْدَ أنْ يَحْلُبَها: إِنْ شاء أَمْسَكَ وإنْ شاء رَدَّها وصَاعًا مِنْ تَمرٍ" متفق عليه. زاد مسلم: "فهو بالخيار ثلاثة أيام". انظر: سبل السلام "3/ 26".

ومحل الشاهد: أن القياس يقتضي أن يضمن لبن المصراة بمثله، لا بالتمر، ولذلك ترك الحنفية العمل بهذا الحديث وجعلوه مما يخالف الأصول، فهذا لا تبطل به علة القياس قطعًا بنص الشارع ومناسبة العقل، ولا يلزم المستدل الاحتراز عنه في تعليله بأن يقول: كل امرئ مختص بضمان جناية نفسه في غير دية الخطأ، وتماثل الأجزاء علة إيجاب المثل في ضمان المثليات في المصراة، =

ص: 277

فهذه العلة معلومة قطعًا، فلا تنتقض بهذه الصورة، ولا يكلف المستدل الاحتراز عنها.

وكذلك لو كانت العلة مظنونة، كإباحة بيع العرايا1 نقضًا لعلة من يعلل الربا بالكيل، أو الطعم، فإن مستثنى أيضًا، بدليل: وروده على علة كل معلل، فلا يوجب نقضًا على القياس، ولا يفسد العلة، بل يخصصها بما وراء الاستثناء، فيكون علة في غير محل الاستثناء.

ولا يقبل قول المناظر: إنه مستثنى، إلا أن يبين ذلك للخصم بكونه على خلاف قياسه أيضًا، أو بدليل يصلح لذلك2.

= لأنه إنما يجب الاحتراز عما ورد نقضًا وهذا ليس كذلك. انظر: شرح مختصر الروضة "3/ 328".

1 روى البخاري ومسلم، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"نهى عن بيع التمر بالتمر، ورخص في العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبًا". رواه البخاري: كتاب البيوع، باب المزابنة، وباب بيع الثمر على رءوس النخل بالذهب والفضة، وباب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو نخل من كتاب المساقاة، ومسلم: كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا.

2 لأنها دعوى، فتحتاج إلى دليل يثبتها.

قال الشيخ الطوفي: "واعلم أن قول الفقهاء: هذا الحكم مستثنى عن قاعدة القياس، أو خارج عن القياس، أو ثبت على خلاف القياس، ليس المراد به بأنه تجرد عن مراعاة المصلحة حتى خالف القياس، وإنما المراد به: أنه عدل به عن نظائره لمصلحة أكمل وأخص من مصالح نظائره على جهة الاستحسان الشرعي. فمن ذلك: أن القياس عدم بيع المعدوم، وجاز ذلك في السلم، والإجارة توسعة وتيسيرًا على المكلفين.

ومنه: أن القياس أن كل واحد يضمن جناية نفسه، وخولف في دية الخطإ رفقًا بالجاني، وتخفيفًا عنه، لكثرة وقوع الخطإ من الجناة.

ص: 278

"والثاني: انتفاء الحكم لمعارضة علة أخرى"1

فإن قيل 2: فلم لا ينعطف قيد على العلة يكون وصفًا من أوصافها يندفع به النقض:

فنقول في مسألة "المصراة": العلة في وجوب المثل: تماثل الأجزاء مع قيد الإضافة إلى غير المصرّاة، ويكون التماثل المطلق بعض العلة.

وعلى هذا يكون تخلف الحكم في "المصراة" لعدم العلة، فلا يكون نقضًا، فليجب على المعلل ذلك.

قلنا: بل العلة: مطلق التماثل، فإن العلة إما أن تكون سميت علة استعارة من البواعث، فإن الباعث على الفعل يسمى علة الفعل.

فمن أعطى فقيرًا شيئًا لفقره، وعلل بأنه فقير، ثم منع فقيرًا آخر

= وكذلك الكلام في المصرّاة، لما كان اللبن المحتلب منها مجهولًا، فلو وجب ضمانه بمثله، لأفضى إلى النزاع؛ لجهالة القدر المضمون، فقطع الشارع النزاع بينهم بإيجاب صاع تمر باجتهاده؛ لأنه مضبوط معلوم، وكان ذلك من باب العدل العام؛ لأن الشخص تارة يكون آخذًا للصاع بتقدير كونه بائعًا للمصراة، وتارة مأخوذًا منه بتقدير كونه مشتريًا لها، فما يقع من التفاوت بين قيمة التمر وقيمة اللبن مغتفر في تحصيل هذا العدل العام"، انظر: شرح مختصر الروضة "3/ 329-330".

2 ما بين القوسين قال عنه الشيخ ابن بدران: "هذا ثابت في بعض النسخ ومشطوب عليه في بعض آخر، وشطبه هو الصواب؛ لأن الثاني قد يجيء بعد هذا. وقوله: فإن قيل إلخ، لا يلائمه". نزهة الخاطر العاطر "2/ 328".

2 هذا اعتراض وارد على قوله: "ولا يقبل قول المناظر إنه مستثنى

إلخ". خلاصته: إدعاء كون العلة مركبة من جزءين، فوجود جزء منها دون الآخر لا ينتج المطلوب. وحاصل الجواب: منع ذلك، وبيان أن العلة إنما هي التماثل فقط. انظر: نزهة الخاطر "2/ 328".

ص: 279

وقال: لأنه عدوِّي، ومنع آخر وقال: هو معتزلي، فإن الباقي على الاستقامة التي يقتضيها أصل الفطرة: لا يستبعد ذلك، ولا نعده متناقضًا.

ويجوز أن يقول: أعطيته لفقره، إذ الباعث هو الفقر، وقد لا تحضره عند الإعطاء العداوة والاعتزال وانتفاؤهما.

ولو كانا جزءين من الباعث لم ينبعث إلا عند حضورهما في ذهنه، وقد انبعث ولم يخطر بباله إلا مجرد الفقر.

كذلك مجرد التماثل علة؛ لأنه الذي يبعثنا على إيجاب المثل في ضمانه، ولا تحضرنا مسألة "المصراة" أصلًا، عن تلك الحالة.

ويقبح في مثل هذا أن يكلف الاحتراز عنه فيقول: تماثل في غير المصراة.

وإما1 أن تسمى العلة استعارة من علة المريض؛ لأنها اقتضت تغيير حاله، كذلك العلة الشرعية اقتضت تغيير الحكم.

فيجوز أن يسمى الوصف المقتضى علة بدون تخلف الشرط، ووجود المانع، فإن "البرودة" مثلًا، علة المرض في المريض؛ لأنه يظهر عقيبها، وإن كانت لا تحصل بمجرد البرودة، بل ربما ينضاف إليها في المزاج2 الأصلي أمور كالبياض -مثلًا- لكن يضاف المرض على البرودة الحادثة.

فيجوز أيضًا أن يسمى التماثل المطلق علة، وإن كان ينضاف.

1 معطوف على قوله: "إما أن تكون سميت علة استعارة

إلخ".

2 جاء في المصباح المنير مادة "مزج": "مزاج الجسد- بالكسر- طبائعه التي يتألف منها".

ص: 280

إليها [شيء آخر] : إما شرطًا، وإما انتفاء المانع. والله أعلم.

ومن سماها علة أخذًا من العلة العقلية، وهو عبارة عما يوجب الحكم لذاته: لم يسم التماثل المطلق علة، ولم يفرق بين المحل والعلة والشرط، بل العلة: المجموع، والأهل، والمحل وصف من أوصاف العلة.

ولا فرق بين الجميع؛ لأن العلة: العلامة، وإنما العلامة جملة الأوصاف.

والأولى أولى؛ لأن علل الشرع لا توجب الحكم لذاتها، بل هي أمارة معرفة للحكم، فاستعارتها عما ذكرنا أولًا1 أولى. والله أعلم.

الضرب الثاني: تخلف الحكم لمعارضة علة أخرى.

كقوله: "علة رق الولد: رق الأم"، ثم المغرور بحرية جارية ولده: حر، لعلة الغرور، ولولا أن الرق في حكم الحاصل المندفع: لما وجبت قيمة الولد.

فهذا لا يرد نقضًا أيضًا، ولا يفسد العلة؛ لأن الحكم ههنا كالحاصل تقديرًا2.

1 وهو قوله: "إما أن تكون سميت علة استعارة من البواعث؛ فإن الباعث على الفعل يسمى علة الفعل".

3 هذا الضرب سماه الشيخ الطوفي بالنقض التقديري فقال: "القسم الثاني من أقسام تخلف الحكم عن العلة، وإنما سميته "النقض التقديري" لمناسبته، وذلك بما ذكر في إثباته، وهو تخلف الحكم عن العلة لا لخلل فيها، بل لمعارضة علة أخرى أخص كقول القائل: "رق الأم علة رق الولد" فينتقض عليه "بولد المغرور بأمِّه".

وهو من تزوج امرأة على أنها حرة، فبانت أمه، فهذا الولد حر، مع أن أمه أمة، فقد تخلف حكم العلة عنها. فيقول المستدل: هذا الولد وإن كان حرًّا حكمًا، =

ص: 281

الضرب الثالث: أن يتخلف الحكم لا لخلل في ركن العلة1، لكن لعدم مصادفتها محلها، أو فوات شرطها.

كقولنا: "السرقة علة القطع" وقد وجدت في "النباش" فيقطع2".

فيقال: تبطل بسرقة ما دون النصاب، وبسرقة الصبي، أو بسرقة من غير الجرز

= فهو رقيق تقديرًا، أي: في التقدير؛ بدليل وجوب قيمته على أبيه لسيد أمه، ولولا أن الرق فيه حاصل تقديرًا، لما وجبت قيمته، إذ الحر لا يضمن بالقيمة. قلت: ومعنى قولنا: تخلف الحكم لمعارضة علة أخرى، هو أن هذا الولد تنازعه علتان: إحداهما: علة الرق تبعًا لأمه، والثانية: علة الحرية تبعًا لاعتقاد أبيه حريته، فثبت مقتضى هذه العلة، وهو الحرية تحقيقًا، تحصيلًا للحرية، تغليبًا لجانبها، لأنها الأصل، وثبت مقتضى علة الرق تقديرًا، جبرًا لما فات على السيد من إتلاف مالية الولد عليه، إذ سبب إتلافه اعتقاد الأب حريته، فضمن ما أتلف

" شرح مختصر الروضة "3/ 330-331".

1 أي: ولا لاستثناء على قاعدة القياس، ولا لمعارضة علة أخرى مما تقدم بيانه.

2 جاء في المغني لابن قدامة "2/ 455": "روي عن ابن الزبير أنه قطع نبّاشًا. وبه قال الحسن، وعمر بن عبد العزيز، وقتادة، والشعبي، والنخعي، وحماد، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر. وقال أبو حنيفة، والثوري: لا قطع عليه؛ لأن القبر ليس بحرز؛ لأن الحرز ما يوضع فيه المتاع للحفظ والكفن لا يوضع في القبر لذلك، ولأنه ليس بحرز لغيره، فلا يكون حرزًا له

ثم قال: ولنا قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا

} وهذا سارق، فإن عائشة رضي الله عنها قالت: سارق أمواتنا كسارق أحيائنا. وما ذكروه لا يصح، فإن الكفن يُحتاج إلى تركه في القبر دون غيره، ويكتفى به في حرزه، ألا ترى أنه لا يترك الميت من غير أن يحفظ كفنه، ويترك في القبر وينصرف عنه

".

وخلاصة ما يريده المصنف من هذه الأمثلة: أن العلة لم تصادف محلها وليس =

ص: 282

وكقولنا: البيع علة الملك، وقد جرى، فليثبت الملك في زمن الخيار، فيقال: يبطل ببيع الموقوف والمرهون. فهذا لا يفسد العلة.

لكن هل يكلف المناظر جمع هذه الشروط في دليله؛ كي لا يرد ذلك نقضًا؟ فهذا اختلف فيه الجدليون1.

والخطب فيه يسير، فإن الجدل موضوع، فكيف اصطلح عليه فإليهم ذلك.

والأليق: تكليفه ذلك؛ لأن الخطب فيه يسير، وفيه ضم نشر الكلام وجمعه.

فأما تخلف الحكم لغير أحد هذه الأضرب الثلاثة: فهو الذي تنتقض العلة به، وفيه من الاختلاف ما قد مضى.

= لكون السرقة ليست علة، كما في النباش-على رأي من لا يقول بقطعه- أو لفوات أهلية القطع كما في الصبي، أو لفوات شرطه، كما في سرقة ما دون النصاب

فهذا وأمثاله لا يفسد العلة؛ لأن تأثير العلة يتوقف على وجود شروطها، وانتفاء موانعها، وهذا منه. انظر: شرح مختصر الروضة "3/ 333".

1 معنى هذا: هل يكلف المعلل أو المستدل على ثبوت الحكم بوجود علية الاحتراز من هذا بذكر ما يحصله، كقوله: بيع صدر من أهله، وصادف محله، أو استجمع شروطه، فأفاد الملك، أو المكلف سرق نصابًا كاملًا من حرز مثله، لا شبهة فيه فوجب قطعه؟

قال المصنف: هذا موضوع اختلف فيه علماء الجدل، والخلاف فيه يسير، فإن كانوا قد اصطلحوا على ذلك وجب تكليف المعلل أو المستدل بذلك، وإلا فلا ثم رجح تكليفه بذلك؛ لأنه أجمع للكلام وأنفى لنشره؛ لأنه ربما أدى إلى تشعيب الكلام بما لا فائدة فيه.

ص: 283

فصل: [في أقسام المستثنى من قاعدة القياس] .

والمستثنى عن قاعدة القياس منقسم إلى:

ما عقل معناه.

وإلى ما لا يعقل.

فالأول: يصح أن يقاس عليه ما وجدت فيه العلة.

من ذلك: استثناء العرايا للحاجة، لا يبعد أن نقيس العنب على الرطب، إذا تبين أنه في معناه.

وكذا إيجاب صاع من تمر في لبن "المصرّاة" مستثنى من قاعدة الضمان بالمثل. نقيس عليه: ما لو ردّ "المصراة" بعيب آخر، وهو نوع إلحاق.

ومنه: إباحة أكل الميتة عند الضرور، صيانة للنفس، واستبقاء للمهجة1. يقاس عليه: بقية المحرمات، إذا اضطر إليها، ويقاس عليه2. المكره؛ لأنه في معناه3.

وأما ما لا يعقل: فكتخصيصه بعض الأشخاص بحكم، كتخصيصه.

1 المهجة: الدم، وقيل: دم القلب خاصة. وخرجت مهجته أي: روحه. مختار الصحاح "مهج".

2 أي: على المضطر.

3 صحة القياس على المستثنى هو مذهب الجمهور، وهو الذي رجحه المصنف، كما يظهر من تعليله.

وهناك مذاهب أخرى في المسألة تراجع في مظانها مثل: كشف الأسرار عن أصول البزدوي "3/ 311"، العدة "4/ 1397 وما بعدها"، التمهيد لأبي الخطاب "3/ 444".

ص: 284

أبا بردة بجذعة من المعز1، وتخصيصه خزيمة بشهادته وحده2. وكتفريقه في بول الصبيان بين الذكر والأنثى3.

فإنه لما لم ينقدح فيه معنى: لم يقس عليه الفرق في البهائم بين ذكورها وإناثها.

وفي الجملة: إن معرفة المعنى من شرط صحة القياس في المستثنى وغيره. والله أعلم.

1 تقدم التعريف بأبي بردة وتخريج حديثه.

2 هو: خزيمة بن ثابت الأنصاري الأوسي، أبو عمارة، من السابقين الأولين للإسلام، شهد بدرًا وما بعدها، استشهد بصفين، بعد عمار رضي الله عنهما سنة 37هـ انظر في ترجمته: الإصابة "2/ 278"، شذرات الذهب "1/ 48".

وقصة جعل شهادته رضي الله عنه تعدل شهادة اثنين، رواها أبو داود في سننه "3/ 418"، والنسائي في سننه "7/ 266"، والبيهقي في سننه "10/ 146" والطبراني وغيره. جاء في مجمع الزوائد "9/ 320" عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم-اشترى فرسًا من سوار بن الحارث، فجحده، فشهد له خزيمة بن ثابت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وما حملك على الشهادة ولم تكن معنا حاضرًا؟ " فقال: صدقتك بما جئت به، وعلمت أنك لا تقول إلا حقًّا، فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه". رواه الطبراني، ورجاله كلهم ثقات.

3 ورد في ذلك أحاديث كثيرة، منها ما رواه الإمام أحمد في مسنده "1/ 76، 97، 137"، والترمذي في أبواب الجمعة، باب ما ذكر في نضح بول الغلام الرضيع، وأبو داود: كتاب الطهارة، باب بول الصبي يصيب الثوب، عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال:"بول الغلام ينضح، وبول الجارية يغسل".

قال قتادة: هذا ما لم يطعما الطعام، فإن طعما غسل بولهما. المغني "2/ 496".

ص: 285

فصل: [في جواز التعليل بنفي صفة أو اسم أو حكم] 1

قال أبو الخطاب: يجوز أن تكون العلة: نفي صفة، أو اسم، أو حكم، على قول أصحابنا.

كقولهم: ليس بمكيل ولا موزون2، ليس بتراب3، لا يجوز بيعه فلا يجوز رهنه4.

وقال بعض الشافعية: لا يجوز أن يكون العدم سببًا لإثبات حكم؛ لأن السبب لا بد أن يكون مشتملًا على معنى يثبت الحكم، رعاية له.

والمعنى إما تحصيل مصلحة، أو نفي مفسدة، والعدم لا يحصل به شيء من ذلك5.

فلئن قلتم6: إنه تحصل به الحكمة، فإن ما كان نافعًا، فعدمه

1 خلاصة هذا الفصل: هل يجوز أن تكون العلة أمرًا عدميًّا، أو لا بد وأن تكون أمرًا ثبوتيًّا؟

2 أي: فلا يحرم فيه التفاضل.

3 أي: فلا يصح التيمم به.

4 نص عبارة التمهيد "4/ 48""ما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه" كالخمر مثلًا.

5 خلاصة دليل بعض الشافعية، في أن العدم لا يصلح أن يكون علة: أن قول القائل -عن الجص- ليس بصعيد فلا يجوز التيمم به قد حكم بالنفي على عدم التيمم بالجص، وجعله سببًا له مع أن السبب لا بد أن يكون مشتملًا على تحصيل مصلحة أو نفي مفسدة، إذا روعيت ثبت الحكم مراعاة لها، والعدم لا يحصل منه شيء وأجاب عنه ابن بدران: بأن هذا شأن الأعدام المطلقة، أما الأعدام المقيدة فليست كذلك. انظر: نزهة الخاطر "2/ 334".

6 هذا اعتراض توقعه أصحاب المذهب الثاني من أصحاب المذهب الأول ثم أجابوا عنه بعد ذلك.

ص: 286

مضر، وما كان مضرًا فعدمه يلزمه منه منفعة، ويكفي في مظنة الحكم أن يلزم منها الحكمة، ولا يشترط أن يكون منشأ لها.

قلنا: لا ننكر ذلك، لكن لا يناسب حكمًا في حق كل أحد، بل إعدام النافع يناسب عقوبة في حق من وجد منه الإعدام، زجرًا له، وإعدام المضر يناسب حكمًا نافعًا في حق من وجد منه إعدامه، حثًّا له على تعاطي مثله. فالمناسبة في الموضعين انتسبت إلى الإعدام، وهو أمر وجودي، لا إلى العدم1.

فلئن قلتم2: إن عدم الأمر النافع للشخص يناسب ثبوت حكم نافع له، جبرًا لحاله.

قلنا: عنه جوابان.

أحدهما: منع المناسبة؛ فإنه لا يلخو: إما أن تثبت المناسبة بالنسبة إلى الله عز وجل أو إلى غيره.

وفي الجملة: شرع الجائز إنما يكون معقولًا على من وجد منه الضرر. وأما شرعه في حق غيره. فإنه عدول على مذاق القياس، ومقتضى

1 لما اعترض أصحاب المذهب الأول بعدم التسليم بأن الأمر العدمي لا تحصل منه الحكمة أجاب أصحاب المذهب الثاني عن هذا الاعتراض: بأننا نسلم وجود الحكمة، لكننا ننازع في أمر آخر، وهو أن الحكمة لا تناسب كل أحد فإن إعدام النافع يعتبر عقوبة مناسبة في حق شخص معين، وهو من وجد منه الإعدام، زجرًا له.

كما أن إعدام المضر يعتبر حكمًا مناسبًا في حق شخص معين أيضًا فالمناسبة في هذين المثالين أضيفت إلى فعل الإعدام، وهو أمر وجودي، ولم تضف على العدم.

2 هذا اعتراض ثان.

ص: 287

الحكمة، كإيجان ضمان فرس زيد على عمرو، إذا تلف بآفة سماوية.

فإن قيل: يناسب الثواب بالنسبة إلى الله عز وجل فهو عود إلى الوجود1.

ثم إن وجوبه على واحد من الخلق يلزم منه من الضرر في حق من وجب عليه بقدر ما يحصل من المصلحة لمن وجب له، فلا يكون مناسبًا؛ فإن نفع زيد بضرر عمرو لا يكون مناسبًا، لكونهما في نظر الشرع على السواء.

الثاني2: أنه لا يمكن اعتباره؛ لقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} 3. وإثبات الحكم له لمنفعته من غير سعيه مخالف للعموم.

قلنا4:

بل يجوز التعليل بالعدم:

فإن5 علل الشرع أمارات على الحكم، ولا يشترط فيها أن تكون منشأ للحكمة، ولا مظنة لها.

وعند ذلك لا يمتنع أن ينصب الشارع العدم أمارة: إذا كان ظاهرة معلومًا.

ولو قال الشارع: اعلموا أن ما لا ينتفع به لا يجوز بيعه، وأن ما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه: فما المانع من هذا وأشباهه؟

1 إلى الأمر الوجودي لا إلى العدم.

2 من الجوابين اللذين ذكرهما أصحاب المذهب الثاني.

3 سورة النجم "39".

4 من هنا سيبدأ المصنف في إيراد أدلة المذهب الأول على جواز التعليل بالنفي والعدم.

5 هذا هو الدليل الأول.

ص: 288

وقد1 تقرر بين الفقهاء: أن انتفاء الشرط علامة على عدم المشروط، فإنه ينتفي بانتفائه.

وإذا جاز ذلك في النفي: ففي الإثبات مثله، فإنه لو قال الشارع "ما لا مضرة فيه من الحيوان فمباح لكم أكله" و"ما لم يذكر اسم الله عليه فحرام عليكم أكله" لم يمتنع ذلك.

وقد قال الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} 2 وهذا تعليق لتحريم الأكل على عدم اسم الله.

ولأن3 النفي صلح أن يكون علة للنفي، فيلزم منه أن يصلح التعليل به للإثبات؛ لأن كل حكم له ضد، فالحل ضده: الحرمة، والوجوب ضده: براءة الذمة، والصحة ضدها: الفساد، وكل ما نفي شيئًا أثبت ضده.

فما كان علة لانتفاء الحرمة: فهو علة الإباحة.

وما ذكروه4 من: "أن النفي لا يناسب إثبات الحكم في حق الآدمي؛ لأنه يلزم منه: ضرر في حق الآدمي الآخر".

قلنا: عنه جوابان:

أحدهما: أن جهات إثبات العلة لا تنحصر في المناسبة، بل طرقها كثيرة على ما علم، فلا يلزم من انتفاء طريق واحد انتفاؤها.

1 هذا هو الدليل الثاني.

2 سورة الأنعام من الآية "121".

3 هذا هو الدليل الثالث لأصحاب المذهب الأول.

4 من هنا سيبدأ المصنف في مناقشة أدلة أصحاب المذهب الثاني، وهم الذين منعوا التعليل بالنفي والعدم.

ص: 289

الثاني: أن المناسبة متحققة فيه، فإن ما كان وجوده نافعًا، لزم من عدمه الضرر، وما كان مضرًّا: لزم من عدمه النفع.

فللَّه -تعالى- فرائض وواجبات، كما أن له محظورات ومحرمات، فكما أن فعل المحرمات يناسب شرع عقوبات في حق من فعلها، زجرًا عنها، فعدم [فعل] الفرائض يناسب ترتيب العقوبات على تاركها، حثًّا عليها.

ولا بُعد في قول من قال: إن ترك الصلاة يناسب شرع القتل، أو الضرب، أو الحبس، وكذلك أشباهها من الواجبات.

وقولهم: "إن هذا إعدام".

غير صحيح، بل هو مجرد عدم؛ إذ الإعدام: إخراج الموجود إلى العدم، ولم يكن للصلاة من تاركها وجود فيعدمها.

ولا يلزم من ثبوت الحكم: أن يكون في حق آدمي آخر.

ثم لو لزم منه ضرر: فلا تنتفي المناسبة بوجود الضرر، على ما علم في موضع آخر.

ومثل هذا يوجد في الإثبات، فلا فرق إذًا.

وقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} يتناول ماله، دون ما عليه، فليست عامة، فلا يصح الاستدلال بها على عموم التعليل بالنفي.

على أن الآية إنما أريد بها الثواب في الآخرة، دون أحكام الدنيا، بدليل أن فقر القريب صلح علة لإيجاب النفقة له.

وعدم المال في حق المسكين جعله مصرفًا للزكاة. وأمثال هذا يكثر. والله أعلم.

ص: 290

فصل: [في جواز تعليل الحكم بعلتين]

يجوز تعليل الحكم بعلتين؛ لأن العلة الشرعية أمارة، فلا يمتنع نصب علامتين على شيء واحد.

ولذلك من لمس، وبال في وقت واحد: انتقض وضوؤه بهما.

من أرضعتها أختك، وزوجة أخيك، فجمع لبنهما وانتهى على حلقها دفعة واحدة: حرمت عليك؛ لأنك خالها وعمها. ولا يحال على أحدهما دون الآخر.

ولا يمكن أن يقال: تحريمان، وحكمان؛ لأن التحريم له حد واحد وحقيقة واحدة، ويستحيل اجتماع مثلين1.

فإن قيل: فإذا ذكر المعترض علة أخرى في الأصل، فلم يعارض علة المستدل، لم يقبل هذا الاعتراض، إذا أمكن الجمع بين علتين2.

1 وضح الطوفي مذاهب العلماء في المسألة فقال: "قال الآمدي: اتفقوا على جواز تعليل الحكم بعلل في كل صورة بعلة، واختلفوا في الحكم الواحد بالشخص في صورة واحدة، هل يعلل بعلتين معًا؟

فمنع من ذلك القاضي أبو بكر، وإمام الحرمين، وجوّزه آخرون.

وفصل الغزالي بجواز ذلك في العلل المنصوصة دون المستنبطة.

قال الآمدي: والمختار منعه.

قلت: وهذا التفصيل هو الذي ذكره القرافي، وهو مراد الشيخ أبي محمد من إطلاقه، بدليل سياق كلامه في أثناء المسألة". شرح مختصر الروضة "3/ 339-340" وانظر: الإحكام للآمدي "3/ 341".

2 قال ابن بدران: في الكلام حذف تقديره: فإن قيل: فإذا قاس المعلل على أصل بعلة فذكر المعترض على أخرى في الأصل: بطل قياس المعلل، وإن أمكن الجمع بين علتين فلم يقبل الاعتراض". نزهة الخاطر "2/ 338".

ص: 291

قلنا:

إن كانت علة المستدل مؤثرة: لم تبطل بذلك، كما ذكرناه من الأمثلة، وكاجتماع العدة والردة؛ إذ دل الشرع على أن كل واحدة علة على حيالها.

وإن كانت ثابتة بالاستنباط: فسدت بهذه المعارضة؛ لأن ظن كونها علة إنما يتم بالسبر، وهو أنه لا بد لهذا الحكم من علة، ولا يصلح علة إلا هذا.

فإذا ظهرت علة أخرى: بطلت إحدى المقدمتين، وهي:"أنه لا يصلح علة إلا كذا".

مثاله: من أعطى إنسانًا شيئًا فوجدناه فقيرًا: ظنناه أنه أعطاه لفقره، وعللنا به. فإن وجدناه قريبًا: عللناه بالقرابة. فإن وجدناه فقيرًا قريبًا: أمكن أن يكون الإعطاء لهما، أو لأحدهما، فلا يبقى الظن أنه أعطاه لواحد بعينه.

فإن قيل: فلم يلزم العكس، وهو وجود الحكم بدون العلة، فإن العلل الشرعية أمارات ودلالات، فإذا جاز اجتماع دلالات، لم يكن من ضرورة انتفاء البعض انتفاء الحكم.

قلنا: هذا صحيح، وإنما يلزم العكس إذا لم يكن للحكم إلا واحدة، فإن الحكم لا بد له من علة.

فإذا اتحدت وانتفت، فلو بقي1 الحكم: لكان ثابتًا بغير سبب.

1 في جميع النسخ: "فلو نفي" والمثبت من نسخة الدكتور عبد العزيز السعيد يحفظه الله.

ص: 292

وأما إذا تعددت العلة: فلا ينتفي عند انتفاء بعضها، بل عند انتفاء جميعها.

فصل: [في جريان القياس في الأسباب]

قال قوم: يجوز إجراء القياس في الأسباب1.

فنقول: إنما نصب الزنا سببًا لوجوب2 الرجم لعلة كذا، وهو موجود في اللواط، فيجعل سببًا، وإن كان لا يسمى زنا.

ومنع منه آخرون3.

قالوا: الحكم يتبع السبب دون حكمته؛ فإن الحكمة: ثمرة، وليست علة، فلا يجوز أن يوجب القصاص بمجرد الحاجة إلى الزجر4 بدون القتل، وإن علمنا أنه5 حكمة وجوب القصاص في القتل.

1 قال الطوفي: "وهو مذهبنا ومذهب أكثر الشافعية، ومنع منه أبو زيد الدبوسي والحنفية. قال الآمدي: وصورته: إثبات كون اللواط سببًا للحد قياسًا على الزنا قلت: وكذا الكلام في النباش والنبيذ"، شرح المختصر "3/ 448".

قال الإسنوي: "الصحيح، وهو مذهب الشافعي كما قاله الإمام، أن القياس يجري في الشرعيات كلها، أي: يجوز التمسك به في إثبات كل حكم، حتى الحدود، والكفارات، والرخص، والتقديرات، إذا وجدت شرائط القياس فيها" انظر: نهاية السول "3/ 36".

2 في كثير من النسخ المطبوعة "لوجود" وما أثبتناه من نسخة الدكتور عبد الكريم النملة. يحفظه الله.

3 وهم بعض الحنفية وبعض الشافعية، كما تقدم.

4 في الأصل "الرجم" والمثبت من نسخة الدكتور النملة.

5 في جميع النسخ "عنها" والمثبت من نسخة الدكتور عبد العزيز السعيد، فالضمير راجع إلى "الزجر".

ص: 293

ولأن القياس في الأسباب يعتبر فيه التساوي في الحكمة، وهذا أمر استأثر الله سبحانه وتعالى بعلمه.

ولنا:

أن نصب الأسباب حكم شرعي، فيمكن أن تعقل علته، ويتعدى إلى سبب آخر.

فإن اعترفوا بهذا ثم توقفوا عن التعدية: كانوا متحكمين بالفرق بين حكم وحكم، كمن يقول: يجري القياس في حكم الضمان لا في القصاص، وفي البيع دون النكاح.

وإن ادّعوا الإحالة فمن أين عرفوا ذلك، أبضرورة1 أو نظر؟ كيف2 ونحن نبين إمكانه بالأمثلة!

فإن قالوا: هو ممكن في العقل، لكنه غير واقع؛ لأنه لا يلغي3 للأسباب علة مستقيمة تتعدى.

قلنا: قد ارتفع النزاع الأصولي، إذ لا ذاهب على تجويز القياس، حيث لا تعقل العلة، ولا تتعدى

وهم قد ساعدوا على جواز القياس حيث أمكنت التعدية، فارتفع الخلاف.

ثم إننا نذكر إمكان القياس في الأسباب من منهجين4.

1 في جميع النسخ "بضرورة" والمثبت من المستصفى "3/ 695".

2 قبلها في المستصفى: "ولا بد من بيانه".

3 في جميع النسخ "لا يلفي" بالفاء، والمثبت من المستصفى "3/ 696".

4 في النسخ المطبوعة "وجهين" والمثبت من المستصفى "3/ 696" وهو الذي يتمشى مع قول المصنف -بعد ذلك- "المنهج الثاني".

ص: 294

أحدهما: تنقيح المناط.

فنقول: قياس اللائط على الزاني، كقياس الأكل على الجماع في الكفارة، فإنا تعرفنا أن وصف كونه "زنا" لا يؤثر، بل المؤثر: كونه إيلاج فرج في فرج محرم قطعًا، مشتهى طبعًا.

فإن قالوا: ليس هذا بقياس1؛ فإن القياس أن يقال: علق الحكم بالزنا لعلة كذا، وهي موجودة في اللواط، فيلحق به، كما يقال: ثبت التحريم في الخمر لعلة الشدة، وهي موجودة في النبيذ، فيضم النبيذ إلى الخمر في التحريم، ولم نغير من الخمر شيئًا.

ونحن في "الكفارة" لم نبين أن الحكم ثبت للجماع، ولم نعلق به، وإنما علقنا الحكم بإفساد الصوم، فنتعرف الحكم الوارد شرعًا أين ورد، وكيف ورد؟

وكذا أنتم لم تعلّقوا الحكم بالزنا.

وبهذا يظهر الفرق -للمنصف- بين تعليل الحكم، وتعليل السببية، فإن تعليل الحكم تعدية له عن محله، مع تقريره في محله.

وفي السببية إذا قلنا: علق الشرع الرجم بالزنا لعلة كذا، فألحقنا به غير الزنا: تناقض آخر الكلام وأوله؛ لأن الزنا إن كان مناطًا من حيث إنه "زنا" فألحقنا به ما ليس بزنا: أخرجنا الزنا عن كونه علة ومناطًا، فإنا نتبيّن بالآخرة: أن الزنا لم يكن هو السبب، بل معنى أعم منه وهو: إيلاج فرج.

1 أي: فإن حاولوا الاعتذار عما وقعوا فيه فقالوا: إن هذا ليس بقياس، وإنما هو استدلال على موضع الحكم بحذف الفوارق الملغاة. أجيب عن ذلك: بأن هذا لا ينفعكم، فإنه قياس من حيث المعنى، لوجود شرائط القياس فيه، ولا عبرة بالتسمية: انظر نزهة الخاطر "2/ 341".

ص: 295

في فرج محرم، فكيف يعلل كونه مناطًا بما يخرج به عن كونه مناطًا، والتعليل تقرير لا تغيير1.

وإنما يكون تعليلًا أن لو بقي الزنا سببًا، وانضم إليه سبب آخر، كما بقي الخمر محلًّا للتحريم، وانضم إليه محل آخر، وذلك غير جار في الأسباب.

قلنا: هذا الطريق جار لنا في "اللائط" و"النباش" وهو نوع إلحاق لغير المنصوص بالمنصوص، بفهم العلة التي هي مناط الحكم، فيرجع2 النزاع إلى الاسم3، ولا فائدة فيه.

أو يقول4: هذا بعينه جار في الأحكام، فإن الخمر لما حرم لعلة الشدة: بينا أن وصف كونه خمرًا لا أثر له، والمؤثر إنما هو كونه مشتدًا مزيلًا للعقل.

كما تبينا أن المؤثر في الحد: إيلاج فرج في فرج محرم.

وكما جعلتم الموجب للكفارة في الجماع: كونه مفسدًا للصوم.

فالقياس في كل موضع: توسعة محل الحكم، بحذف الأوصاف غير المؤثرة.

وقولهم: "إنا نبين بهذا أن الزنا لم يكن سببًا".

قلنا: بل هو سبب؛ لاشتماله على المعنى المؤثر.

1 في جميع النسخ "يعتبر" والمثبت من ط الدكتور عبد العزيز السعيد، وهو الموافق لما في المستصفى.

2 في النسخة التي ننقل منها "فيرفع" والمثبت من المستصفى "3/ 697".

3 في الأصل الذي ننقل عنه "الحكم" والمثبت من المستصفى.

4 في الأصل: "أن" والمثبت من نسخة الدكتور النملة.

ص: 296

المنهج الثاني:

أنا نعلل الحكم بالحكمة، ونعدّي الحكم بتعديها، كما في قوله عليه السلام:"لَا يَقْضِي القَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وهُوَ غَضْبَان"1. إنما جعل الغضب سببًا؛ لأنه يدهش العقل، ويمنع من استيفاء الفكر، وهو موجود في "الجوع والعطش" المفرطين، فنقيسه عليه.

وكقولنا: الصبي يولّى عليه لحكمة، وهي: عجزه عن النظر لنفسه2، فينصب "الجنون" سببًا، قياسًا على "الصغر" لهذه الحكمة.

ولذلك: اتفق عمر وعلي رضي الله عنهما على قتل الجماعة بالواحد3، قياسًا على الواحد بالواحد، للاشتراك في الحاجة إلى الردع والزجر.

وقولهم: "الزجر: ثمرة، إنما تحصل بعد الحكم، فكيف تكون علة"؟

1 تقدم تخريج الحديث وبيان الخلاف في القياس عليه.

2 قال الغزالي بعدها: "فليس الصبا سبب الولاية لذاته بل لهذه الحكمة". المستصفى "3/ 698".

3 أثر قتل الجماعة بالواحد ورد عن عمر رضي الله عنه بروايات مختلفة: فرواه البخاري معلقًا في كتاب الديات، باب إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقب، أو يقتص منهم كلهم ولفظه:"وقال لي ابن بشار: حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن غلامًا قُتل غِيلة، فقال عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم". أما رواية موافقة علي لعمر رضي الله عنهما فقد أخرجها عبد الرزاق في مصنفه "9/ 477" وفيها: "أن عمر كان يشك فيها حتى قال علي: يا أمير المؤمنين: أرأيت لو أن نفرًا اشتركوا في سرقة جزور، فأخذ هذا عضوًا، وهذا عضوًا، أكنت قاطعهم؟ قال: نعم. قال: فذلك. حتى امتدح له الرأي". وانظر: التلخيص الحبير "4/ 20".

ص: 297

قلنا: الحاجة إلى الزجر هي العلة؛ لكون القتل سببًا، دون نفس الزجر، والحاجة سابقة وإن تأخر الزجر، كما يقال: خرج الأمير للقاء زيد، ولقاء زيد بعد خروجه، لكن الحاجة إلى اللقاء علة باعثة على الخروج سابقة عليه، وإنما المتأخر نفس اللقاء.

كذلك ههنا: الحاجة إلى العصمة هي الباعثة، وهي متقدمة1.

فصل: [في جريان القياس في الكفارات والحدود]

ويجري القياس في الكفارات والحدود2، وهو قول الشافعية. وأنكره الحنفية.

لأن الكفارات والحدود وضعت لتكفير المآثم، والزجر والردع عن المعاصي، والقدر الذي يحصل ذلك به من غير زيادة أمر استأثر الله بعلمه3.

1 عبارة المستصفى "3/ 699": "فكذلك الحاجة إلى عصمة الدماء هي الباعثة للشرع على جعل القتل سببًا للقصاص، والشريك في هذا المعنى يساوي المنفرد، والمثقل يساوي الجارح، فألحق به قياسًا". وهي أوضح من عبارة المصنف، وأتت بالنتيجة المقصودة من المثال.

2 الكفارات مثل: كفارة القتل الخطأ، والظهار، واليمين، والحدود مثل: حد الزنا، والقذف، والشرب. ومثلهما: المقدرات: كنصب الزكوات، وعدد الصلوات، والركعات، وأروش الجنايات ونحوها.

وهو مذهب الإمامين: الشافعي وأحمد، وإليه ذهب ابن القصار والباجي من المالكية، وأكثر العلماء. وخالف في ذلك الإمام أبو حنيفة وأصحابه، كما قال المصنف. انظر: شرح مختصر الروضة "3/ 451".

3 هذا هو الدليل الأول للحنفية.

ص: 298

وكذلك الحكم بمقدار معلوم في الصلاة و"الزكاة" و"المياه" لا يعلمه إلا الله -سبحانه- فلم يجز الإقدام عليه بالقياس1.

ولأن الحد يدرأ بالشبهة، والقياس لا يخلو من الشبهة2. ولنا:

ما تقدم في المسألة التي قبلها: من أنه يجري فيه قياس التنقيح3.

ولأنه حكم من أحكام الشرع عقلت علته، فجرى فيه القياس كبقية الأحكام4.

وما ذكروه5. يبطل بسائر الأحكام فإنها شرعت لمصالح العباد والقياس يجري فيها.

ولو ساغ ما ذكروه: لساغ لنفاة القياس في الجملة.

ولأننا إنما نقيس إذا علمنا الأصل، ويثبت ذلك عندنا بالقياس، فيصير كالتوقيف.

فأما ما لا نعلمه: كأعداد الركعات ونحوه: فلا يجري القياس فيه. وقولهم: "إن في القياس شبهة".

قلنا: يبطل بخبر الواحد، والشهادة، والظاهر، فإنه6 يثبت به الحد، مع وجود الاحتمال فيه.

1 هذا هول الدليل الثاني.

2 هذا هو الدليل الثالث.

3 بدأ المصنف يورد أدلة القائلين بجريان القياس في الكفارات والحدود، والدليل الأول هو ما تقدم في مسألة جريان القياس في الأسباب.

4 هذا هو الدليل الثاني.

5 بدأ المصنف يناقش أدلة المخالفين.

6 في جميع النسخ "أنه" والمثبت من ط د. السعيد. وهو الذي يتفق مع السياق؛ =

ص: 299

مسألة: [في جريان القياس في النفي]

والنفي على ضربين:

طارئ، كبراءة الذمة من الدَّين1.

فهو حكم شرعي يجري فيه قياس العلة، وقياس الدلالة، كالإثبات2.

ونفي أصلي:

وهو البقاء على ما كان قبل ورود الشرع، كانتفاء صلاة سادسة، فهو منفي باستصحاب موجب العقل.

فلا يجري فيه قياس العلة؛ لأنه لا موجب له قبل ورود السمع، فليس بحكم شرعي حتى تطلب له علة شرعية، بل هو نفي حكم الشرع ولا علة له، إنما العلة لما يتجدد3.

= فإنه عائد إلى كل من: خبر الواحد، والشهادة، وظواهر النصوص، فكل واحد منها يثبت به الحد مع وجود الاحتمال فيه.

1 أي: بعد ثبوته في الذمة. والفرق بين النفي الطارئ والأصلي: أن النفي الطارئ: ما تقدمه ثبوت، كالمثال الذي معنا، والنفي الأصلي: ما لم يتقدمه ثبوت، كالمثال الذي أورده المصنف.

2 أي: أنه كالإثبات الشرعي؛ لأن النفي الطارئ بالشرع له خواص يستدل بانتفائها على انتفائه، وآثار يستدل بوجودها على وجوده، كذلك له علل وأسباب يعلل بها وتلحق به ما يشاركه فيها.

ومن أمثلة ذلك: من خواص براءة الذمة من الدين: أن لا يطالب به بعد أدائه، ولا يرفع إلى الحاكم، ولا يحبس به، ولا يحال به عليه، وكل هذه الخواص موجودة، فدل على وجود براءة الذمة. انظر: شرح المختصر "3/ 453 وما بعدها".

3 هذا بيان للفرق بين قياس الدلالة وقياس العلة في النفي الأصلي.

ص: 300

لكن يجري فيه قياس الدلالة، وهو: أن يستدل بانتفاء حكم شيء على انتفائه عن مثله، ويكون ذلك ضم دليل إلى دليل، هو: استصحاب الحال1، والله أعلم.

فصل: [في قوادح العلة]

قال بعض أهل العلم: يتوجه على القياس اثنا عشر سؤالًا2:

1 معناه: أنه ضم دليلًا إلى دليل، والدليل الذي ضمه هو استصحاب الحال.

2 بعض العلماء يسميها: قوادح العلة، والبعض يسميها: أسئلة. ولا خلاف في المعنى، إلا أن تسميتها أسئلة يستدعي توضيح معنى السؤال وأنواع الأسئلة حتى يتضح المراد.

الأول: سؤال الفقير الغني، والعبد الرب، وهو: أن يطلب منه ما يصلحه من مال أو عفو.

الثاني: سؤال الاستفهام، نحو: زيد يسأل عن حال عمرو، أي: يطلب منه معرفة كيفية حاله.

الثالث: سؤال الاستفادة، كسؤال المتعلم للمعلم.

الرابع: سؤال العناد والتعجيز، كسؤال المعترض للمستدل: لم قلت كذا وكذا؟ وهو طلب الفائدة أو الدليل.

والمراد بالسؤال هنا: أحد هذين النوعين؛ لأن الأسئلة الواردة على القياس قد تكون من مستفيد يقصد معرفة الحكم، وقد تكون من معاند يقصد قطع خصمه ورده إليه.

وهذه الأسئلة لم يذكرها الغزالي في "المستصفى" الذي هو أصل هذا الكتاب، وادعى أنها كالعلاوة على أصول الفقه، وأن موضع ذكرها:"علم الجدل". وقد أوصلها بعض العلماء إلى خمسة وعشرين سؤالًا، كابن الحاجب، وابن مفلح، والفتوحي في مختصر التحرير، بينما أوصلها الشوكاني إلى ثمانية وعشرين، =

ص: 301

الاستفسار -وفساد الاعتبار -وفساد الوضع -والمنع -والتقسيم -والمطالبة -والنقض- والقول بالموجب- والقلب- وعدم التأثير -والمعارضة- والتركيب

[السؤال الأول: الاستفسار]

أما الاستفسار: فيتوجه على المجمل1.

وعلى المعترض إثبات الإجمال، ويكفيه في إثباته: بيان احتمالين في اللفظ، ولا يلزمه بيان المساواة بينهما؛ لأنه ليس في وسعه ذلك.

وجوابه: منع تعدد الاحتمال، أو بترجيح أحدهما2.

= وحصرها الإمام الرازي في أربعة: النقض، وعدم التأثير، والقول بالموجب، والقلب.

انظر: بيان المختصر "3/ 178"، شرح الكوكب المنير "4/ 229"، إرشاد الفحول "2/ 209"، المحصول "2/ 2/ 321"، شرح مختصر الروضة "3/ 458 وما بعدها".

1 معناه: طلب تفسير اللفظ وبيان المراد به، إذا كان لفظ المستدل مجملًا؛ لأن المجمل لا يفيد معنى معينًا، كما تقدم في تعريفه، وحينئذ: إما أن يعترض المعترض على كل واحد من معانيه، أو على أحدهما، أو لا على واحد منهما. انظر: شرح المختصر "3/ 459-460".

2 معناه: أنه يجب على المعترض إثبات الإجمال في لفظ المستدل، ولا يكفي أن يدعي أنه مجمل؛ لأن ذلك يؤدي إلى فتح باب العناد، إذ يصح لكل معترض أن يقول: هذا مجمل بدون بينة.

وطريق بيان الإجمال: أن يبين له أن لفظه يحتمل معنيين فصاعدًا احتمالًا مطلقًا، ولا يلزمه بيان التساوي بين هذين المعنيين.

معنى ذلك: أن من حق المستدل أن يجيب عن هذا السؤال بوجهين:

أحدهما: منع تعدد احتمالات اللفظ، إن أمكن ذلك.

ص: 302

السؤال الثاني: فساد الاعتبار

وهو أن يقول1: هذا قياس يخالف نصًّا، فيكون باطلًا، فإن

= الثاني: أن يبين رجحان أحد المعنيين في اللفظ المجمل بأمر من الأمور المرجحة، وبذلك يسلم الاستدلال.

ومن أمثلة هذا النوع من الأسئلة: لو قال المستدل: العدة بالأقراء. فيقول المعترض: لو كان بالأقراء، للزم خلاف الظاهر، إذ ظاهر القرآن أنها تعتد بثلاثة قروء كوامل، يعني بالقروء: الأطهار، وكمالها قد يتخلف فيما إذا طلقها في أثناء طهر، فإنها تعتد به قرءًا، فلا يحصل اعتدادها بثلاثة قروء كاملة.

فيقول المستدل: أنا أردت بالأقراء الحيض، والكمال لازم فيها؛ إذ بعض الحيضة لا يعتد به قرءًا، فيكون قد أعد الإجمال في أول كلامه، للحاجة إلى التفصيل في آخره، فلأجل هذه الأمور العارضة للإجمال، توجه سؤال الاستفسار، ليكون المعترض متكلمًا على بصيرة آمنًا من المغالطة والمخاتلة. انظر: شرح مختصر الروضة "3/ 461-462".

1 أي: يقول المعترض: هذا القياس باطل؛ لأنه يخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع.

مثال ما خالف الكتاب: قولنا: يشترط تبييت النية لرمضان؛ لأنه صوم مفروض فلا تصح نيته بالنهار. فيقول المعترض: هذا فاسد الاعتبار؛ لمخالفته نص الكتاب، فإن الله تعالى بين أن الصائم له أجر عظيم، فيكون صومه صحيحًا.

ومثال ما خالف السنة: قولنا: لا يصح السلم في الحيوان؛ لأنه عقد يشتمل على الغرر فلا يصح، كالسلم في المختلطات. فيقول المعترض: هذا فاسد الاعتبار؛ لمخالفته لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص في السلم.

ومثال ما خالف الإجماع: قول الحنفي: لا يجوز أن يغسِّل الرجل زوجته؛ لأنه يحرم النظر إليها، فحرم غسلها كالأجنبية. فيقول المعترض: هذا فاسد الاعتبار، لمخالفته الإجماع السكوتي، وهو أن عليًّا غسَّل فاطمة ولم ينكر عليه أحد، والقضية في مظنة الشهرة، فكان ذلك إجماعًا انظر: شرح مختصر الطوفي "3/ 467-468".

ص: 303

الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يصيرون إلى قياس مع ظفرهم بالخبر؛ فإنهم كانوا يجتمعون لطلب الأخبار، ثم بعد حصول اليأس: كانوا يعدلون إلى القياس.

وقد أخر معاذ رضي الله عنه العمل به عن السنة، فصوبه النبيُّ، صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم1.

والجواب2 من وجهين:

أحدهما: أن يبين عدم المعارضة.

والثاني: بيان أن القياس الذي استند إليه من قبيل ما يجب تقديمه على المعارض المذكور.

السؤال الثالث: فساد الوضع

وهو: أن يبين أن الحكم المعلق على العلة تقتضي العلة نقيضه3.

مثاله: ما لو قال: في النكاح بلفظ الهبة: "لفظ الهبة ينعقد به غير النكاح، فلا ينعقد به النكاح كالإجارة".

فيقال له: هذا تعليق على العلة ضد ما تقتضيه؛ فإن انعقاد غير النكاح به يقتضي انعقاد النكاح به، لا عدم الانعقاد.

1 هذا الحديث دليل على أن رتبة القياس بعد النص.

2 أي: الجواب من المستدل على هذا الاعتراض من وجهين، كما ذكر المصنف.

3 قال الطوفي في شرحه "3/ 472": "وإنما سمي هذا فساد الوضع؛ لأن وضع الشيء: جعله في محل على هيئة أو كيفية ما، فإذا كان ذلك المحل، أو تلك الهيئة، لا تناسبه، كان وضعه على خلاف الحكمة، وما كان على خلاف الحكمة يكون فاسدًا.

فنقول ههنا: إن العلة إذا اقتضت نقيض الحكم المدعي أو خلافه، كان ذلك =

ص: 304

وجوابه1 من وجهين:

أحدهما: أن يدفع قول الخصم: "إنه يقتضي نقيض ذلك".

الثاني: أن يسلم ذلك، ويبين أنه يقتضي ما ذكره من وجه آخر، والحكم على وفقه فيجب تقديمه؛ لأن الأخذ بما ظهر اعتباره أولى من الأخذ بغيره.

فإن ذكر الخصم لما ذكره أصلًا يشهد له بالاعتبار فهو انتقال إلى سؤال المعارضة.

السؤال الرابع: المنع

ومواقعه أربعة:

منع حكم الأصل.

منع وجود ما يدّعيه علة الأصل.

ومنع كونه علة [في الأصل] .

ومنع وجوده في الفرع2.

وقد اختلف في انقطاع المستدل عند توجه منع الحكم في الأصل: والصحيح: أنه لا ينقطع، على التفصيل الذي ذكرناه3.

= مخالفًا للحكمة، إذ من شأن العلة أن تناسب معلولها، لا أنها تخالفه، فكان ذلك فاسد الوضع بهذا الاعتبار.

1 أي: من جهة المستدل.

2 مثال ذلك: إذا قيل: النبيد مسكر، فكان حرامًا، قياسًا على الخمر. فيقول المعترض: لا نسلم تحريم الخمر، إما جهلًا بالحكم، أو عنادًا فهذا منع حكم الأصل. ولو قال: لا أسلم وجود الإسكار في الخمر، لكان هذا منع وجود المدعى علة في الأصل. ولو قال: لا أسلم أن الإسكار علة التحريم لكان هذا مع علية الوصف في الأصل. ولو قال: لا أسلم وجود الإسكار في النبيذ، لكان هذا منع وجود العلة في الفرع.

3 أي: في أركان القياس.

ص: 305

الثاني: منع وجود ما يدعيه علة في الأصل. فعند ذلك يحتاج المستدل إلى إثباته.

إن كان عقليًّا: فبالاسترواح إلى أدلة العقل.

وإن كان محسوسًا. بالاستناد إلى شهادة الحس.

وإن كان شرعيًّا. فبدليل شرعي.

وقد يقدر على ذلك بإثبات أثر، أو أمر يلازمه.

الثالث: منع كونه علة [في الأصل] فيحتاج إلى إثباتها بأحد الطرق التي ذكرناها.

الرابع: منع وجود ما ادّعاه علة في الفرع.

ولا بد لبيان ذلك بطريقة.

السؤال الخامس: التقسيم 1

وحقه أن يقدم على المطالبة؛ إذ فيه منع، والمطالبة: تسليم محض. والمنع بعد التسليم غير مقبول، إذ هو رجوع عما اعترف به. والتسليم بعد المنع يقبل؛ لأنه اعتراف بما أنكر فيقبل؛ لأنه علته والإنكار بعد الاعتراف له فلا يقبل.

ويشترط لصحته شرطان.

أحدهما: أن يكون ما ذكره المستدل منقسمًا إلى: "ما يمنع ويسلّم".

1 وهو عبارة عن ترديد اللفظ بين احتمالين متساويين، واختصاص كل احتمال باعتراض مخالف للاعتراض على الآخر.

والتقسيم نوعان.

أحدهما: من الناظر في استخراج العلة بتخريج المناط.

والثاني: من المعترض المناظر على ما يقوله المستدل، وهذا هو المقصود هنا.

ص: 306

فلو أورد ذلك بذكر زيادة في الدليل على ما ذكره المستدل فلا يصح؛ لأنه يمهد لنفسه شيئًا، ثم يوجه الاعتراض، فحينئذ يكون مناظرًا مع نفسه، لا مع خصمه.

الثاني: أن يكون حاصرًا لجميع الأقسام، فإنه إذا لم يكن حاصرًا فللمستدل أن يبين أن مورده غير ما عينه المعترض1 بالذكر، فعند ذلك يندفع.

وطريق المعترض في صيانة تقسيمه عن هذا الدفع أن يقول عن التقسيم: إن عنيت به هذا المحتمل: فمسلم، والمطالبة متوجهة.

وإن عنيت به ما عداه: فممنوع.

وذكر قوم: أن من شرط صحته: أن يكون الاحتمال في الأقسام على السواء.

لكن يكفيه بيان الاحتمالات، ولا يلزمه بيان المساواة، لكونه غير مقدور عليه.

وأنه إذا بين المستدل ظهور اللفظ في مجمل. إما بحكم الوضع، وإما بحكم العرف، وإما بقرينة وجدت: فسد التقسيم.

قال: ولو لم يكن اللفظ مشهورًا في أحدهما، فللمستدل أن يبين ظهوره.

بأن يقول للمعترض: سلمت أن اللفظ غير ظاهر في غير هذا المحتمل.

ولا بد للمعترض من تسليم ذلك، ضرورة صحة تقسيمه، فإن شرطه: تساوي الاحتمالات، وأنا أسلم ذلك، أيضًا فيلزم أن يكون

1 في جميع النسخ "المستدل" والمثبت من أن الدكتور عبد العزيز السعيد.

ص: 307

ظاهرًا في الاحتمال الذي عينه، ضرورة نفي الاشتراك، فإنه على خلاف الأصل.

ويمكن أن يمنع أن تساوي الاحتمالات شرط1، إذ لا حجر على المستدل أن يفسر كلامه بما يحتمله، وإن كان الظاهر خلافه، فكذلك، لا حجر على المقسّم في تقسيمه إلى ما يمكن المستدل أن يفسر كلامه.

وجواب التقسيم من حيث الجدل.

بدفع انقسام الكلام

أو بيان ظهور أحد الاحتمالين.

أو بيان أن الكلام غير منحصر في الأقسام المذكورة.

وإن اختار الجواب الفقهي فأمكنه الدلالة على المنع، واختيار القسم المسلم، فالأحسن اختيار القسم المسلم؛ لأنه يستغنى عن الدلالة على المنع.

وإن اختار القسم الآخر: جاز، فإن فيه تكثيرًا للفقه.

وإن لم يقدر إلا على سلوك أحد الطريقين فليختره2.

القسم السادس، في السؤال، المطالبة.

وهي: طلب المستدل بذكر ما يدل على أن ما جعله جامعًا هو العلة3.

1 معناه: أنه يمكنه أن يمنع شرطية تساوي الاحتمالات في هذا النوع

2 وضح الطوفي هذا النوع من الأسئلة الفقهية على كل احتمال من هذه الاحتمالات، ونقل ذلك كله يخرجنا عن الهدف الذي قصدناه. فليرجع من شاء إلى شرح مختصر الروضة 3/ 489 وما بعدها".

3 معناه: أن يطلب المعترض من المستدل الدليل على أن الوصف الذي جعله جامعًا بين الأصل والفرع علة، كقوله، فيما إذا قال: مسكر، فكان حرامًا =

ص: 308

وهو المنع الثالث في المعنى1.

وفيه: تسليم وجود العلة في الفرع، وفي الأصل، وتسليم الحكم2.

وجواب ذلك.

بيان كونه علة بأحد الطرق التي ذكرناها3.

القسم السابع -في السؤال- النقض.

ومعناه: إبداء العلة بدون الحكم. أي: أن لا تكون العلة مطابقة للحكم4.

وقد ذكرنا الخلاف في كونه مفسدًا للعلة فيما مضى5.

ورجحنا قول من قال: بصحة النقض.

= كالخمر، أو مكيل، فحرم فيه التفاضل كالبر. فيقول المعترض: لِمَ قلت: إن الإسكار علة التحريم، وإن الكيل علة الربا؟

1 معناه: أن الجواب عنها هو عين الجواب المذكور في المنع الثالث من السؤال الرابع المتقدم، وليس المقصود أنها الثالث بعينه وإن كانت عبارته غير واضحة

2 أي أن المعترض مسلم بالأمور الثلاثة، ولكنه يطلب دليلًا على أن الوصف المذكور هو العلة، كما في المثال المتقدم.

3 في أدلة إثبات العلة، أو ما يسمى بمسالك العلة، وهي ثلاثة: النص، والإجماع، والاستنباط.

4 مثال ذلك: أن يقال في إقامة حد السرقة على النباش: سرق نصابًا كاملًا من حرز مثله، فيجب عليه القطع، كسارق مال الحي. فيقول المعترض: هذا ينتقض بالولد يسرق مال ولده، وصاحب الدَّين يسرق مال مدينه؛ فإن الوصف موجود فيهما، ولا يقطعان.

5 أي: في مسألة تخصيص العلة.

ص: 309

واختلف في وجوب الاحتراز في الدليل عن صورة النقض:

والأليق: وجوب الاحتراز؛ فإنه أقرب إلى الضبط، وأجمع لنشر الكلام، وهو هيِّن.

ثم للمستدل في دفع النقض طرق أربعة:

منها: منع وجود العلة.

أو الحكم في صورة النقض.

وليس للمعترض أن يدل عليه1؛ إذ فيه الكلام إلى مسألة أخرى، وتصدي المعترض لمنصب الاستدلال، وكل واحد منها على خلاف ما يقتضيه جمع الكلام.

فإن قال المستدل: لا أعرف الرواية فيها: كفى ذلك في دفع النقض؛ لأن كون هذه المسألة من مذهبه مشكوك فيها، فلا يترك ما قام الدليل على صحته لأمر مشكوك فيه.

الثالث: أن يبين في الموضع الذي تخلف الحكم فيه، ما يصلح مستندًا لذلك من:"فوات شرط" أو "وجود مانع"؛ ليظن استناد تخلف الحكم إليه، فيبقى الظن المستفاد من الدليل بحاله.

ويكفيه أن يبين -في صورة النقض- معنى يناسب انتفاء الحكم، أو فوات أمر يناسب الاشتراط، فإن الغالب: اعتبار المصالح والمفاسد.

ولا يعتبر قول من قال: لا بد أن يبين "وجود المانع" أو "فوات الشرط" في صورة النقض، ولا يثبت ذلك ما لم يوجد المقتضى، ولا يثبت كونه مقتضيًا ما لم يثبت المانع، فيفضي إلى الدور؛ لأنا نقول: كونه

1 أي: ليس من حق المعترض أن يستدل على وجود العلة في صورة النقض، حتى لا يصير المعترض مستدلًا، والمستدل معترضًا، فتنقلب قاعدة النظر وينتشر الكلام، وهذا على خلاف قواعد المناظرة.

ص: 310

مناسبًا معتبرًا يدل على كونه مقتضيًا

وإنما ترك لمعارضة تخلف الحكم، فإذا ظهر ما يصلح مستندًا له: وجب إحالة الحكم عليه، وبقي الظن الأول بحاله.

ولو أبدى النقض على أصل المستدل، فيلزمه الاعتذار عنه، ويكفيه في ذلك أمر يوافق أصله.

وإن أبداه على أصل نفسه وقال: هذا الوصف لم يطرد على أصلي، فكيف يلزمني اتباعه: لم يصح، فإن المستدل إذا أثبت أن ما ذكره مقتضى للحكم، نظرًا إلى الدليل: لزم خصمه الانقياد إليه، والعمل بمقتضاه في جميع الصور، وكان حجة عليه في صورة النقض، كما هو حجة في المسألة التي هما فيها؛ فإن ما ذكره في الدليل على كونه علة مغلب للظن، إنما يترك لمعارض، ولا تقبل معارضة الخصم بأصل نفسه.

الرابع، في دفع النقض:

أن يبين كونه مستثنى عن القاعدة بكونه على خلاف الأصلين، على ما مر1.

ولو قال المعترض: ما ذكرته من الدليل على كونه علة موجود في صورة النقض: فهذا نقض لدليل العلة، لا لنفس العلة، فيكون انتقالًا من سؤال إلى سؤال2.

ويكفي المستدل في ذلك أدنى دليل يليق بأصله.

1 وهي مسألة: هل يجوز القياس على المستثنى من القاعدة، مثل: عرية التمر، هل يقاس عليها العنب وغيره؟

2 معنى ذلك: أنه إذا نقض المعترض علة المستدل بصورة، فأجاب المستدل عن =

ص: 311

[السابع: الكسر- معناه وحكمه]

وأما الكسر:

وهو إبداء الحكمة بدون الحكم: فغير لازم؛ لأن الحكم مما لا ينضبط بالرأي والاجتهاد، فيتعين النظر إلى مراد الشارع في ضبط مقدارها1.

= ذلك بأحد الأجوبة المتقدمة وهي: إما منع العلة، أو الحكم في صورة النقض، أو ورود النقض على المذهبين، أو غير ذلك، فقال المعترض: الدليل الذي دل على أن وصفك الذي عللت به في محل النزاع، علة موجودة في صورة النقض، فيلزمك الإقرار بثبوت الحكم فيها، عملًا بوجود الوصف المقتضي له، لكنك لم تقل به، فيلزمك النقض.

مثال ذلك: أن يقول الحنفي، في قتل المسلم بالذمي: قتل عمد عدوان فأوجب القصاص، كقتل المسلم. فيقول الحنبلي: لا أسلم أن قتل الذمي عدوان فيقول الحنفي: الدليل على أن قتل الذمي عدوان: أنه معصوم بعد الإسلام، وكل من كان معصومًا بعصمة الإسلام فقتله عدوان.

فيقول المعترض: دليل العدوانية في قتل الذمي موجود في قتل المعاهد، فليكن عدوانًا يجب به القصاص على المسلم. فهذا نقض لدليل العلة، لا لنفس العلة، فلا يسمح؛ لأنه -كما قلنا سابقًا- انتقال من منصب المعترض إلى منصب المستدل، وهو غير جائز في عرف المناظرة. انظر: شرح مختصر الروضة "3/ 503"، ونزهة الخاطر العاطر "2/ 370-371".

1 أضاف المصنف إلى الأسئلة التي أوردها نوعًا آخر، ضمن النقض، وهو: الكسر. وكثير من العلماء يعدونه نوعًا مستقلًّا. وللكسر تعريفات مختلفة:

فعرفه الإمام الرازي وأتباعه بأنه: "عدم تأثير أحد جزأي العلة ونقض الجزء الآخر" بأن يكون الوصف المدعى عليته مركبًا من جزئين، فيبين المعترض: أن أحدهما لا تأثير له في الحكم، ولا يستلزمه، ثم ينقض الجزء الآخر، بأن يوجد الحكم بدون هذا الوصف. وبناء على ذلك لا يكون الكسر إلا في العلل المركبة، =

ص: 312

وإذا1 احترز عن النقض بذكر وصف في العلة لا أثر له في الحكم لو عدم في الأصل لم يعدم الحكم بعدمه: لم يندفع النقض به، نحو قولهم، في الاستجمار: حكم يتعلق بالأحجار يستوي فيه الثيب والأبكار، فاشترط فيه العدد، كرمي الجمار.

وقال قوم: يندفع به النقض؛ لأن العلة يشترط لها الطرد. فإذا لم يكن الوصف المؤثر مطردًا: ضممنا إليه وصف غير مؤثر، لتكون العلة مؤثرة مطردة.

= أما التعريف الذي اختاره جمهور العلماء ومنهم المصنف، فهو: إبداء الحكمة بدون الحكم. كما قال المصنف.

مثال ذلك قول الحنفي، في العاصي بسفره: يترخص؛ لأنه مسافر، فيترخص كالمسافر سفرًا مباحًا. فإذا قيل له: لم قلت: إنه يترخص؟ قال: لأنه يجد مشقة في سفره، فناسب الترخص، وقد شهد له الأصل المذكور بالاعتبار.

فيقول الحنبلي: هذا ينكسر بالمكاري والفيّج "وهو الذي يسرع في مشيه الذي يحمل الأخبار من بلد إلى بلد" ونحوهما ممن دأبه السفر، يجد المشقة ولا يترخص، وكذلك المريض الحاضر، يجد المشقة، ولا يجوز له قصر الصلاة. انظر: شرح المختصر "3/ 511".

والصحيح عن علماء الأصول أن الكسر لا يعتبر نقضًا للعلة؛ لأن الحِكَم ليست مضبوطة في نفسها؛ لأنها عبارة عن جلب مصالح، ودفع مفاسد، والمصالح والمفاسد تختلف وتتفاوت باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، وما كان كذلك وجب رده إلى تقدير الشارع وضبطه. انظر: المحصول "2/ 2/ 353"، شرح الطوفي "3/ 511 – 512".

1 هذا من تتمة الكلام على النقض. والمصنف أقحم موضوع "الكسر" في النقض، وكان الأولى أن يجعله مستقلًّا، أو ملحقًا بالنقض لشبهه به. ومعنى هذا الكلام: أن المعلل إذا احترز عن النقض بذكر وصف في العلة غير مؤثر في الحكم -وجودًا وعدمًا- بحيث لا يتوقف وجوده على وجوده، ولا عدمه على عدمه، لم يندفع النقض به، وهو رأي جمهور العلماء ورجحه المصنف، وخالف في ذلك =

ص: 313

ولنا:

أن الوصف الطردي بمفرده لا يصلح للتعليل به في موضع، فلا يجوز التعليل به مع غيره، كما لو كان خاليًا عن الطرد والتأثير.

وهذا صحيح؛ فإن ما ليس أثر إذا كان مفردًا لا يؤثر بغيره، كالفاسق في الشهادة1.

وإن احترز2 عن النقض بشرط ذكَرَه في الحكم، مثل أن يقول:

= بعض العلماء وقالوا: يندفع به النقض.

ومثاله: ما ذكره المصنف.

وتوضيحه: أن قوله: الاستجمار حكم يتعلق بالأحجار وصف شبهي صحيح وقوله: يستوي فيه الثيب والأبكار. لا تأثير له في اشتراط العدد ولا عدمه، وإنما أتي به دفعًا لنقض القياس المذكور بحد الرجم؛ لأنه حكم يتعلق بالأحجار، فلو اقتصر على هذا الوصف في الاستجمار، لورد عليه حد الرجم؛ لأنه حكم يتعلق بالأحجار، ولم يشترط فيه العدد، فلما قيل: يستوي فيه الثيب والأبكار، خرج حد الرجم، وزال النقض به؛ لأنه وإن كان حكمًا يتعلق بالأحجار، لكنه فارق الاستجمار، بأنه يختلف فيه الثيب والأبكار، فالثيب إذا زنا يرجم، والبكر لا يرجم، بل يجلد ويغرّب، بخلاف الاستجمار، فإنه يستوي فيه الثيب والبكر؛ لأنه إزالة نجاسة، وهما مخاطبان بها. انظر: شرح مختصر الروضة "3/ 515".

1 أي: لا تقبل شهادته وحده، فيما تقبل فيه شهادة الواحد كالرضاع، عند بعض العلماء، فلا تقبل شهادته مع غيره فيما يعتبر فيه شهادة أكثر من واحد.

2 أي المستدل. ومعناه: أن المستدل لو احترز عن نقض العلة بذكر شرط في الحكم، بأن قيده بشرط أو وصف كالمثال الذي ذكره المصنف. فالعلة تقتضي أنه حيث وجد حرّان مكلفان محقونا الدم أن يجري بينهما القصاص، حتى في قتل الخطإ وشبه العمد، لكن ذلك باطل بالإجماع. فلما انتقضت العلة بذلك كان احترازه في الحكم بذكر العمد لاحقًا للعلة بعد فسادها فلم يؤثر في تصحيحها، كما ولغ كلب في قلتي ماء إلا رطلين، ثم وضع فيه رطل ماء، لم يكن مؤثرًا في زوال نجاسته بالولوغ السابق. انظر: شرح الطوفي "3/ 517".

ص: 314

"حرّان مكلفان محقونا الدم، فوجب أن يثبت بينهما القصاص في العمد كالمسلمين": فقيل: هذا اعتراف بالنقض؛ لأن علته: الأوصاف المذكورة أولًا، فيجب أن يثبت حكمها حيث وجدت: فإذا قال، في العمد: اعترف بتخلف حكمها في الخطإ، فتكون العلة قاصرة، ويجب أن يذكر العمد، إن كان وصفًا من العلة مع الأوصاف المتقدمة.

وقال آخرون: هو صحيح؛ لأن الوصف المذكور آخرًا وهو العمد متقدم في المعنى، وهذا جائز، كتقديم المفعول على الفاعل، وإن كان متأخرًا في اللفظ، فإن للعمد أثرًا في القصاص، فيجب أن يكون من جملة العلة، واختاره أبو الخطاب.

الوجه الثامن -في الاعتراض- القلب.

ومعناه: أن يذكر لدليل المستدل حكمًا ينافي حكم المستدل، مع تبقية الأصل والوصف بحالهما1.

وهو قسمان:

أحدهما: أن يبين أنه يدل على مذهبه.

مثاله: أن يعلل حنفي -في الاعتكاف بغير صوم- بأنه لبث محض، فلا يكون قربة بمفرده، كالوقوف بعرفة.

فيقول المعترض: لبث محض، فلا يعتبر الصوم في كونه قربة، كالوقوف بعرفة2.

1 أي: أن المعترض يقلب دليل المستدل، ويبين أنه عليه لا له.

2 أي: كما أن الوقوف بعرفة لا يشترط لصحته الصوم، فكذلك الاعتكاف لا يشترط لصحته الصوم، عملًا بالوصف المذكور، وهو كون الوقوف والاعتكاف لبثًا محضًا وإذا تبين أن وصف المستدل يناسب دعواه وعدمها، لم يكن إثبات أحد الأمرين أولى من الآخر.

ص: 315

القسم الثاني: أن يتعرض لبطلان مذهب خصمه.

كما لو قال حنفي، في مسح الرأس: ممسوح في الطهارة، فلا يجب استيعابه كالخف.

فيقول خصمه: ممسوح في الطهارة، فلا يتقدر بالربع كالخف.

أو يقول، في بيع الغائب: عقد معاوضة فينعقد مع جهل العوض كالنكاح.

فيقول خصمه: فلا يعتبر فيه خيار الرؤية كالنكاح1.

فيلزم من الوفاء بموجب ذلك: امتناع التصحيح؛ فإنه لازم لذلك في مذهب الخصم، ويلزم من انتفاء اللازم: انتفاء الملزوم لا محالة2.

1 في هذين المثالين إشارة إلى أن القسم الثاني تحته نوعان:

أحدهما: إبطال مذهب المستدل صراحة.

ثانيهما: إبطال مذهبه ضمنًا، أي: يدل على بطلان لازم من لوازمه، وسيأتي للمصنف أن يوضح ذلك.

2 توضيح ذلك أن الحنفي إذا قال -في بيع الغالب- هو: عقد معارضة، فينعقد مع جهل العوض كالنكاح، فإنه يصح مع جهل الزوج بصورة الزوجة وكونه لم يرها، فكذلك في البيع، بجامع كونهما عقد معاوضة.

فيقول المعترض: هذا الدليل ينقلب عليك بأن يقال: عقد معاوضة فلا يعتبر فيه خيار الرؤية كالنكاح، فإن الزوج إذا رأى الزوجة ولم تعجبه، لم يجز له فسخ النكاح، فكذلك المشتري لا يكون له خيار إذا رأى المبيع في بيع الغائب، بمقتضى الجامع المذكور.

فالخصم، هنا لم يصرح ببطلان مذهب المستدل، لكن دل على بطلانه ببطلان لازمه -عند الخصم- وهو خيار الرؤية، فإن أبا حنيفة يجيز بيع الغائب بشرط ثبوت الخيار للمشتري إذا رآه. وإذا بطل هذا الشرط -بموجب قياسه على النكاح- بطل مشروطه، وهو صحة البيع، فهو إبطال له بالملازمة لا بالتصريح. انظر: شرح مختصر الروضة "3/ 521-522".

ص: 316

[الفرق بين القلب والمعارضة]

والقلب نوع من المعارضة، لكنه يزيد على مطلق المعارضة بكونه يعارضه بعين1 المذكور، فيستغنى عن مؤن كثيرة يحتاج إليها في المعارضة: من الأصل، وبيان الجامع.

ويجيب عن هذا السؤال بما يجيب به عن المعارضة، إلا أنه يسقط منه: منع وجود الوصف2.

1 في الأصل الذي ننقل منه "بغير" والمثبت من ن الدكتور النملة.

2 جمهور العلماء على أن القلب نوع من المعارضة، وهو الذي رجحه المصنف، إلا أنه نوع خاص من المعارضة، يتميز عنها بما يأتي:

أولًا: أنه لا يحتاج إلى أصل؛ لأنه يعتمد على أصل المستدل.

ثانيًا: أنه لا يحتاج إلى إثبات الوصف.

فكل قلب معارضة، وليس كل معارضة قلبًا.

وجواب المعارضة -كما سيأتي- هو جواب القلب، إلا أنه يسقط منه: منع وجود الوصف؛ لأنه مقر بوصف المستدل.

ومن أمثلة ذلك: أن يقول، في مسألة مسح الرأس: لا نسلم أن الخف لا يتقدر بالربع، فيمنع حكم الأصل في قلب المعترض، إلا منع الوصف، فإنه يجوز في المعارضة، ولا يجوز في القلب، مثل أن يقول: لا نسلم أن الاعتكاف والوقوف لبث محض، أو لا نسلم أن مسح الرأس والخف مسح، أو لا نسلم أن البيع أو النكاح عقد معاوضة.

والفرق بين المعارضة والقلب في ذلك: أن المستدل في المعارضة لم يعلل بوصف المعترض، ولا التزمه واعتمد عليه في قياسه، فجاز له منعه، بخلاف القلب، فإن المستدل التزم في قياسه صحة ما علل به المعترض وهو: اللبث والمسح، وعقد المعاوضة، فليس له في جواب القلب منعه؛ لأنه هدم لما بنى، ورجوع عما التزمه، واعترف بصحته. انظر: شرح مختصر الروضة "3/ 522-523".

ص: 317

الوجه التاسع -من السؤال- المعارضة 1:

وهو قسمان:

معارضة في الأصل.

ومعارضة في الفرع.

وأحسنهما: المعارضة في الأصل؛ لأنه لا يحتاج إلى ذكر غير صلاحية ما يذكره، ولا يحتاج إلى أصل.

وفي المعارضة في الفرع يحتاج إلى ذكر صلاحية ما يذكره للتعليل، وأصل يشهد له، ثم ينقلب مستدلًا، والمستدل معترضًا عليه.

ومعنى المعارضة في الأصل:

أن يبين في الأصل الذي قاس عليه المستدل معنى يقتضي الحكم2.

1 قال الطوفي في شرحه "3/ 527": "المعارضة مفاعلة من "عرض له يعرض: إذا وقف بين يديه، أو عارضه في طريقه ليمنعه النفوذ فيه، فكأن المعترض يقف بين يدي المستدل، أو يوقف حجته بين يدي دليله؛ ليمنعه من النفوذ في إثبات الدعوى".

وقال في ص525 من نفس الجزء: "الفرق بين هذه المعارضة والاعتراض: أن المعارضة كدليل مستقل، فلا يتقدر بدليل المستدل، بخلاف الاعتراض، فإنه منع للدليل، فلا تجوز الزيادة عليه، إذ يكون كالكذب على المستدل، حيث يقوله ما لم يقل".

2 مثال ذلك: لو علل الشافعي تحريم ربا الفضل في البر بالطعم، فعارضه الحنفي بتعليل تحريمه بالكيل أو الجنس أو القوت.

ومعنى هذا: أن يبين المعترض أن في الأصل الذي قاس عليه المستدل معنى آخر يصلح للتعليل غير الذي ذكره المستدل، وحينئذ لا يتعين ما ذكره المستدل لأن يكون علة، بل يحتمل أن يكون هو، ويحتمل أن يكون علية الوصفين جميعًا، =

ص: 318

فقد قال قوم1: إنه لا يحتاج المستدل إلى حذفه؛ لأنه لو انفرد ما ذكره صح التعليل به.

وإنما صح، لصلاحيته، لا لعدم غيره، إذ العدم ليس من جملة العلة، وصلاحيته لا تختلف2.

ولأن معنى العلة: أنه إذا وجدت: ثبت الحكم عقبه، فعند ذلك لا تتحقق المعارضة بين الوصفين إذا أمكن الجمع، بأن قال: إذا وجد كل واحد منهما: ثبت الحكم.

فإن بين المعترض أن الوصف الذي ذكره يناسب إثبات الحكم عند وجود ما ذكره المستدل، فيكون من قبيل المانع في الفرع3.

والصحيح: أن المستدل يلزمه حذف ما ذكره المعترض، إذ المناسب العرى عن شهادة الأصل غير معمول به.

= الذي ذكره المستدل، والذي ذكره المعترض. كما في المثال المتقدم.

1 المراد بهم: جماعة من علماء الجدل.

وخلاصة المسألة: أنه هل يلزم المستدل الاحتراز في دليله عن الوصف الذي أبداه المعترض في الأصل، وذلك بحذف هذا الوصف أو لا يلزمه ذلك؟

قولان لعلماء الجدل سبق ذكر مثلهما في سؤال النقض.

فإن أهمل المستدل الاحتراز عما ذكره المعترض كان من حق المعترض أن يعارض به، فيرد على المستدل ويلزمه جوابه.

مثال ذلك: قول الحنفي -في رفع اليد في الركوع- ركن غير الإحرام فلا يشرع فيه رفع اليد كالسجود؛ فإنه إن لم يحترز عن -الإحرام- عارضه به الخصم بأن يقول: ركن فشرع فيه الرفع كالإحرام. انظر: شرح المختصر "3/ 530".

2 أي: وإنما صح التعليل به لكون ذلك الأصل صالحًا لأن يكون علة، وليس لعدم وجود غيره، إذ الأعدام لا تكون من جملة العلة.

3 معناه: إذا بين المعترض في أصل قياس المستدل وصفًا زائدًا على الفرع يصح =

ص: 319

فإذا استند إلى أصل ثبت الحكم على وقفه.

فالناظر المجتهد ليس له العمل به ما لم يبحث، بحيث يستفيد ظنًّا غالبًا أنه ليس ثم مناسب آخر.

وأما المناظر: فيكفيه مجرد تقرير المناسبة، وإثبات الحكم على وفقه، دفعًا لشغب الخصم، إلى أن يبين المعترض في الأصل مناسبًا آخر، فعند ذلك يتعارض احتمالات ثلاثة:

أحدها: أن يثبت الحكم؛ رعاية لما ذكره المستدل.

"واحتمال ثبوته، رعاية لما ذكره المعترض"1

واحتمال ثبوته، رعاية لهما جميعًا.

ولعل هذا الاحتمال أظهر، فإنه لو قدر ثبوت الحكم لأحدهما بعينه: كان إعراضًا عن اعتبار الآخر، وهو خلاف دأب الشارع؛ فإنه لا يزال يسعى في اعتبار المصالح، ويمتنع التعليل بكل واحد من المناسبين استقلالًا، فإن معنى تعليل الحكم بالمناسب: ثبوته لمصلحته لا غير، أي: هي كافية.

فعند ذلك: يمتنع مثل هذا القول بالنسبة إلى الآخر، لما بينهما من

= تعليق الحكم عليه، فألغاه المستدل ببيان ثبوت الحكم في أصل آخر بدون ذلك الوصف الذي أبداه المعترض، فبين المعترض أن في هذا الوصف الثاني وصفًا آخر مناسبًا يصح تعليق الحكم به لزم المستدل إبطال هذا الوصف، بحذفه أو منعه أو غير ذلك من وجوه الإبطال؛ لأنه إن لم يبطله كان الكلام فيه كالكلام في الأصل الأول، من حيث إن ما ذكره المستدل للتعليل. وهذا معنى قول المصنف:"فيكون من قبيل المانع في الفرع".

راجع توضيح ذلك بالأمثلة في شرح الطوفي "3/ 535 وما بعدها".

1 ما بين القوسين من ن الدكتور النملة.

ص: 320

التضاد، فإنا إذا قلنا: لهذا لا غير: فقد نفينا ما عداه. فإذا قلنا: ثبت لهذا الثاني لا غير: كان هذا القول على نقيض الأول.

ولا يمكن تعليل الحكم بواحد بعينه بدون ضميمة قولنا: لا غير، فإن هذا موجود بالنسبة إلى كل واحد من أجزاء العلة، والعلة: المجموع، لا كل جزء بمفرده.

وإن فسرت العلة بأنها أمارة، فمتى عرف ثبوت الحكم بشيء: استحال معرفة ثبوته، بغيره، إذ المعلوم لا يعلم ثانيًا.

وبيان أن الاحتمال الثالث أظهر:

أن لو رأينا إنسانًا أعطى فقيرًا ذا قربة له: غلب على الظن: أنه أعطاه لهما جميعا.

ثم لا حاجة للمعترض إلى ترجيح احتمال، بل يكفيه تعارض الاحتمالات، فيحتاج المستدل إلى دليل ترجيح ما يذكره، فإنه لا أقل من الدليل المظنون في إثبات الغرض.

ثم غرض المعترض يحصل بأحد الاحتمالين.

احتمال ثبوت الحكم بمجرد ما ذكره

واحتمال ثبوته بالمناسبين جميعًا.

وغرض المستدل لا يحصل إلا من احتمال ثبوت الحكم بمجرد ما ذكره، ووجود أحد الاحتمالين لا بعينه أقرب من احتمال واحد متعين في نفسه، إذا تساوت الاحتمالات.

ص: 321

[طرق الجواب في المعارضة]

وللمستدل -في الجواب- طرق أربعة:

أحدها: أن يبين أن مثل ذلك الحكم ثابت1 بدون ما ذكره المعترض، فيدل على استقلال ما ذكره المستدل بالحكم.

فإن بين المعترض في الأصل الآخر مناسبًا آخر: لزم المستدل أيضًا حذفه.

ولا يكفيه أن يقول: كل واحد من المناسبين ملغي بالأصل الآخر، لجواز أن يكون الحكم في كل أصل معللًا بعلة مختصة به، فإن العكس غير لازم في العلل الشرعية.

الطريق الثاني:

أن يبين إلغاء ما ذكره المعترض في جنس الحكم المختلف فيه، كظهور إلغاء صفة الذكورية في جنس أحكام العتق. ولذلك ألحقنا الأمة بالعبد في السراية2.

1 في جميع النسخ: "أن يبين مثل ذلك الحكم ثابتًا" والمثبت من ن الدكتور عبد العزيز السعيد "2/ 347".

ومعنى الجملة: أن أحد الأجوبة التي يجيب بها المستدل على المعارضة: أن يبين أن مثل الحكم المتنازع فيه ثبت بدون ما ذكره المعترض، فيظهر بذلك أن عدم التأثير غير معتبر في الحكم، فيستقل به ما ذكره المستدل. انظر: شرح مختصر الروضة "3/ 534".

2 روى البخاري: كتاب الشركة، باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل، ومسلم: كتاب العتق، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أعتق شركًا له في عبد، قوم عليه نصيب شريكه، ثم يعتق". فتقاس الأمة على العبد في سراية العتق، بناء على هذا الحديث.

ص: 322

الطريق الثالث:

أن يبين أن العلة ثابتة بنص، أو تنبيه من الشارع، على ما ذكرناه فيما تقدم1.

الطريق الرابع:

يختص ما يدعي المعترض فيه أن ما ذكره علة مستقلة بدون ضمه إلى ما ذكره المستدل.

وهو أن يبين رجحان ما ذكره على ما أبرزه المعترض.

فإن ظهر ذلك، إما بدليل، وإما بتسليم المعترض: لزم أن يكون هو العلة، إذا توافقنا على كون الحكم معللًا بأحدهما، كالكيل مع الطعم، لامتناع اعتبار المرجوح وإلغاء الراجح؛ فإن تحصيل المصلحة على وجه يفوت مصلحة أعظم منها: ليس من شأن العقلاء، فلا يمكن نسبته إلى الشارع.

إذا ثبت هذا: فإذا كان ما ذكره المستدل مناسبًا فلا يكفي المعترض أن يذكر وصفًا شبيهًا؛ لأن المناسب أقوى، على ما لا يخفى.

القسم الثاني: في المعارضة: المعارضة في الفرع.

وهو: أن يذكر في الفرع ما يمتنع معه ثبوت الحكم وهو ضربان:

أحدهما: أن يعارضه بدليل آكد منه، من نص أو إجماع2.

1 أي: في مسالك العلة.

2 من أمثلة ذلك: ما لو قال الحنفي، في رفع اليدين في الركوع وفي الرفع منه: ركن من أركان الصلاة فلا يشرع فيه رفع اليدين كالسجود. فيقول له الخصم:

هذا خلاف الحديث الصحيح الذي رواه ابن عمر وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان =

ص: 323

وقد ذكرناه في فساد الاعتبار.

الثاني: أن يعارضه بإبداء وصف في الفرع.

وقد يذكر في معرض كونه مانعًا للحكم في الفرعللسببية.

فإن ذكر مانعًا للحكم: احتاج في إثبات كونه مانعًا إلى مثل طريق المستدل في إثبات حكمه، من العلة والأصل.

ويفتقر إلى أن تكون علة المعترض في القوة كعلة المستدل، إن كان طريق المستدل النص أو التنبيه، فلا يكفي المعترض: المعارضة بوصف مخيل1.

وإن كان طريقه المناسبة: فلا يكفي المعترض المعارضة بوصف شبهي. وإن ادّعى كونه مانعًا للسببية: فقد قيل: لا يحتاج إلى أصل، فإن الحكم ثبت للحكمة، وقد علمنا انتفاءها.

وإن بقي احتمال الحكمة، -ولو على بعد: لم يضر المستدل، لما عرف من دأب الشارع الاكتفاء -بعد المظنة- باحتمال الحكمة، وإن بعد، فيحتاج إلى أصل يشهد له بالاعتبار، ليبين به أن الشارع لا يكتفي بما وجد من احتمال الحكمة معه.

وفي المعارضة في الفرع ينقلب المستدل معترضًا فيعترض على دليل المعترض بما أمكنه من الأسئلة التي ذكرناها.

= يرفع يديه في ثلاثة مواطن: عند الإحرام والركوع والرفع منه" فيكون قياسك فاسدًا؛ لمخالفته للنص.

1 الإخالة: من "خال" بمعنى "ظن"، وسميت بذلك؛ لأنه بالنظر إلى ذاته يظن عليه الوصف للحكم. والمقصود هنا: أن يكون الوصف صالحًا لإثبات دعواه، ولا يكفي أي وصف.

ص: 324

وقال قوم: لا تقبل المعارضة؛ لأن حق المعترض هدم ما بناه المستدل، وذكر المعارضة بناء، فلا يليق بحاله1.

والصحيح: أنها تقبل؛ إذ فيه هدم ما بناه؛ فإن دليل المستدل إذا صار معارضًا: لم تبق دلالته؛ إذ المعارض له حكم العدم في إثبات الحكم.

الوجه العاشر في السؤال: عدم التأثير2.

ومعناه: أن يذكر في الدليل ما يستغنى عنه في إثبات الحكم في الأصل:

إما لأن الحكم يثبت بدونه.

وإما لكونه وصفًا طرديًّا3.

مثال الأول: ما لو قال، في بيع الغائب:"مبيع لم يره فلا يصح بيعه، كالطير في الهواء".

فذكر عدم الرؤية ضائع4؛ فإن الحكم يثبت في الأصل بدونه، فإنه

1 معناه: أن بعض العلماء ادّعوا أن المعارضة لا تقبل؛ لأنها بناءٌ من المعترض، إذ هي دليل في حكم المستأنف، ووظيفة المعترض أن يكون هادمًا لما يذكره المستدل، فلا يصح منه خلاف وظيفته. قال المصنف: "والصحيح أنها تقبل

إلخ" فإنها وإن كانت بناءً، فهي بناءٌ بالعَرض وهدم بالذات لما بناه المستدل، فأشبهت المنع فتقبل. انظر: شرح الطوفي"3/ 546".

2 التأثير: إفادة الوصف أثره، فإذا لم يفده فهو عدم التأثير.

فمعنى تأثير العلة في الحكم: انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف، وعدم التأثير معناه: وجود الحكم وبقاؤه في محله بعد زوال الوصف المدعى علته.

3 الوصف الطردي: هو الذي لم يلتفت إليه الشرع في معهود تصرفه، كالطول والقصر، والبياض والسواد، والذكورية والأنوثية.

4 أي: لم يؤثر؛ لأن بيع الطير في الهواء غير جائز وإن كان مرئيًّا.

ص: 325

لا يصح بيع الطير في الهواء، ولو كان مرئيًّا، فيعلم: أن العلة فيه غير ما ذكره المستدل.

ومثال الثاني: قولهم، في الصبح: صلاة لا يجوز قصرها، فلا يجوز تقديمها على الوقت كالمغرب1.

فإن هذا وصف طردي، على ما لا يخفى.

وإن ذكر الوصف لدفع النقض، لكونه يشير إلى خلو الفرع عن المانع، أو إلى اشتماله على شرط الحكم، فلا يكون من هذا القسم.

وهكذا لو كان الوصف المذكور يشير إلى اختصاص الدليل ببعض صور الخلاف، فيكون مفيدًا للغرض في بعض الصور، فيكون مقبولًا، إذا لم تكن الفتيا عامة.

وإن عمم الفتيا: فليس له أن يخص الدليل ببعض الصور؛ لأنه لا يفي بالدليل على ما أفتى به2. والله أعلم.

1 ومثل له الطوفي بقول: "قول القائل في أن الفجر لا يقدم أذانها على الوقت، صلاة لا تقصر، فلا يقدم أذانها على الوقت كالمغرب". انظر: شرح المختصر "3/ 547".

2 معناه: أن الوصف الذي يورده المستدل إذا أشار إلى اختصاص الحكم ببعض الصور، فلا يخلو إما أن تكون فتياه -أي: جوابه- عامًّا أو خاصًّا.

فإن كان عامًّا لم يجز؛ لأن الدليل الخاص لا يفي بثبوت الحكم العام. مثل ما إذا قيل للمالكي: هل يجوز أن تزوج المرأة نفسها؟ فيقول: نعم. فإذا قيل له: لِمَ؟ قال: لأن عامة الناس أكفاء لها، فلا يفضي ذلك إلى لحوق النقص والعار بها غالبًا، كما لو زوجها وليها، فإن العلة هنا تشير إلى اختصاص جواز ذلك بالدنية من النساء، فلا يجوز ذلك؛ لأن جوابه بجواز تزويجها نفسها خرج عامًّا، فلا يفرق بين الدنية والشريفة، وتعليله خاص بالدنية.

وإن لم تكن فتياه، عامة كما لو قال المالكي في المثال المتقدم: يجوز ذلك في =

ص: 326

الوجه الحادي عشر -في السؤال- التركيب:

وهو: القياس المركب من اختلاف مذهب الخصم1:

كما لو قيل، في المرأة البالغة:"إنها أنثى فلا تزوج نفسها كابنة خمس عشرة" فالخصم يعتقد أنها لا تزوج نفسها؛ لصِغرها. فقد قيل: هذا قياس فاسد؛ لأنه فرار عن فقه المسألة برد الكلام إلى مقدار سن البلوغ، وهي مسألة أخرى، وليس ذلك بأولى من عكسه.

وقيل: يصح التمسك به؛ لأن حاصل السؤال راجع إلى المنازعة في

= بعض النساء، أو يجوز في الجملة، وعلل بالتعليل المذكور، جاز وأفاد جواز فرض الكلام في بعض صور السؤال، وهو: جواز تزويج الدنية نفسها دون الشريفة-فرقًا بينهما- كما هو مذهب الإمام مالك. انظر: شرح الطوفي "3/ 550-551".

1 معناه: أن يتفق الخصمان على حكم الأصل، ويختلفان في علته فإذا ألحق أحدهما بذلك الأصل فرعًا بغير علة صاحبه، فالقياس منتظم، لكن بناء على تركيب حكم الأصل من علتين. ومن الأمثلة على ذلك: أن الإمامين: الشافعي وأحمد – رضي الله عنهما يعتقدان أن بنت خمس عشرة لا تزوج نفسها لأنوثتها، وأبو حنيفة رضي الله عنه يعتقد أنها لا تزوج نفسها لصِغرها؛ إذ الجارية إنما تبلغ -عنده- لتسع عشرة، وفي رواية لثمان عشرة كالغلام. فالعلتان موجودتان فيها، والحكم متفق عليه بناء على ذلك.

فإذا قال الشافعي أو الحنبلي- في البالغة: "أنثى فلا تزوج نفسها كبنت خمس عشرة" انتظم القياس بناء على ما ذكرناه من تركيب حكم الأصل بين الخصمين من العلتين، واستناده عند كل منهما إلى علته، ولهذا جاز لأحدهما منع صحة القياس، لاختلاف العلة في الفرع والأصل، مثل أن يقول الحنفي هاهنا للمستدل: أنت عللت المنع في البالغة بالأنوثة، والمنع في بنت خمس عشرة عندي معلل بالصِغر، فلما اتفقت علة الأصل والفرع، فلا يصح الإلحاق. انظر: شرح الطوفي "3/ 553".

ص: 327

الأصل، وإبطال ما يدعى المعترض تعليل الحكم به، ليسلم ما يدعيه من الجامع في الأصل.

ولا يلزم من ذلك: فساد القياس، كما في سائر المواضع.

الوجه الثاني عشر- في السؤال: القول بالموجَب 1.

وحقيقته: تسليم ما جعله المستدل موجبًا لدليله، مع بقاء الخلاف وإذا توجه: انقطع المستدل.

وهو آخر الأسئلة، إذ بعد تسليم الحكم والعلة لا تجوز له المنازعة في واحد منهما.

بل: إما أن يصح، فينقطع المستدل.

وإما أن يفسد، فينقطع المعترض.

ومورد ذلك موضعان2:

أحدهما: أن ينصب الدليل فيما يعتقده مأخذًا للخصم.

كما لو قال- في القتل بالمثقل: "التفاوت في الوسيلة لا يمنع وجوب القصاص، كالتفاوت في المتوسل إليه"3.

1 يفتح الجيم ومعناه: القول بموجب دليل المستدل مع بقاء الخلاف بينهما.

مثال ذلك: ما إذا قال الشافعي- فيمن أتى حدًّا خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم: يستوفي منه الحد؛ لأنه وجد سبب جواز الاستيفاء منه فكان جائزًا.

فيقول الحنبلي أو الحنفي: أنا قائل بموجب دليلك، وأن استيفاء الحد جائز، وإنما أنازع في هتك حرمة الحرم، وليس في دليلك ما يقتضي جوازه. فهذا قد سلم للمستدل مقتضى دليله، وهو جواز استيفاء الحد، وادعى بقاء الخلاف في شيء آخر وهو: هتك حرمة الحرم. انظر: شرح الطوفي "3/ 555".

2 أراد بالمورد: المحل الذي يرد فيه من الأحكام أو الدعاوى.

3 أي: أن التفاوت في الآلة التي حصل بها القتل لا يمنع من القصاص، مثل =

ص: 328

فيقول المعترض: أنا قائل بموجب الدليل، والتفاوت في الوسيلة لا يمنع وجوب القتل، ولا يلزم القصاص؛ فإنه لا يلزم من عدم المانع ثبوت الحكم.

وهذا النوع يتفق كثيرًا.

وطريق المستدل في دفعه:

أن يبين لزوم محل النزاع منه إن قدر عليه1.

أو يبين أن الخلاف مقصود فيما يعرض له في الدليل.

كما في مسألة "المدين"2 لو ذكر في الدليل حكمًا: أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة.

أو في مسألة "وطء الثيب": أن الوطء لا يمنع الرد.

ونحو ذلك مما اشتهرت المسألة به، فإن اشتهار المسألة به يدل على وقوع الخلاف فيه3.

= التفاوت في المتوسل إليه وهو القتل، فإنه لو ذبحه، أو ضرب عنقه، أو طعنه برمح، أو رماه بسهم أو رصاص أو غير ذلك لا يمنع القصاص.

1 أي: أن المستدل له في دفع القول بالموجب طريقان: أحدهما هذا، والثاني: أن يبين المستدل أن النزاع إنما هو فيما يعرض له، إما بإقرار أو اعتراف من المعترض بذلك، مثل أن يقول: إنما الكلام في صحة بيع الغائب لا في ثبوت خيار الرؤية.

2 في الأصل "المديون" ولعلها من تحريف النساخ.

3 معنى ذلك: أنه إذا قال المستدل: الدين لا يمنع الزكاة، ووطء الثيب لا يمنع الرد بالعيب. فيقول المعترض: أسلم أنه لا يمنع، لكن لِمَ قلت: إن الزكاة والرد يثبتان؟

فيقال له: هذا القول بالموجب لا يسمع؛ لأن محل النزاع في هذه المسائل =

ص: 329

أو يقول: عن هذا الحكم سئلت، وبه أفتيت، وعن دليله سئلت، فالقول بموجبه تسليم لما وقع التنازع بيننا فيه.

[هل يكلف المعترض إبداء مستند القول بالموجب] .

واختلف في تكليف المعترض إبداء مستند القول بالموجب.

فقيل: يلزمه ذلك؛ كيلا يأتي به نكرًا وعنادًا.

ومنهم من قال: لا يلزمه ذلك؛ فإنه إذا سلم ما ذكره المستدل، وعرف أنه لا يلزم منه الحكم: فقد وفّى بما هو حقيقة القول بالموجب، وبقي الخلاف بحاله، فيتبين أن ما ذكره ليس بدليل1.

المورد الثاني:

أن يتعرض [المستدل] لحكم يمكن المعترض تسليمه مع بقاء الخلاف. مثاله: لو قال- في وجوب زكاة الخيل: "حيوان تجوز المسابقة عليه، فتجب الزكاة فيه كالإبل".

= ونحوها مشهور، وهو أن النزاع في الزكاة هل تجب مع الدين؟ ووطء الثيب هل يجوز معه الرد؟ ومع الشهرة لا يقبل العدول عن المشهور، ولا دعوى خفائه. انظر: شرح المختصر "3/ 560 – 561".

1 أورد الطوفي دليلًا آخر للمذهب الثاني فقال: ".... لأن المعترض عدل، وهو أعرف بمذهبه ومأخذه، فوجب تقليده في ذلك، وإلا كان مطالبته بالمستند تكذيبًا له".

ثم قال: "إن محل القولين إنما هو في المعترض العدل، أما إذا لم يكن عدلًا، أو كان معروفًا بحب الانتصار على الخصم حتى بالاسترسال في الكلام فلا بد من مطالبته بالمستند، لئلا يفضي إلى إفحام المستدل بغير حق، وتضييع فائدة النظر ونشر الكلام. ثم إذا ذكر مستند القول بالموجب، لا يجوز للمستدل الاعتراض عليه فيه

" شرح مختصر الروضة "3/ 562-563".

ص: 330

فيقول المعترض: "أنا قائل بموجبه"، وعندي:"أنه تجب فيه زكاة التجارة، والنزاع في زكاة العين".

وطرق المستدل في الدفع أن يقول: النزاع في زكاة العين، وقد عرّفنا الزكاة بالألف واللام في سياق الكلام، فينصرف إلى موضع الخلاف ومحل الفتيا.

ولو أورد "القول بالموجب" على وجه بغير الكلام عن ظاهره: فلا يتوجه، فيكون منقطعًا1.

مثاله: ما لو قال المستدل- في إزالة النجاسة: "مائع لا يرفع الحدث، فلا يزيل النجس كالمرق".

فيقول المعترض: "أقول به، فإن الخل النجس عندي لا يزيل النجاسة ولا الحدث" فلا يصح ذلك، فإنه يعلم من حال المستدل: أنه يعني بقوله: "مائع": الخل الطاهر؛ إذ هو محل النزاع، واللفظ يتناوله 2، والله سبحانه أعلم.

1 معنى ذلك: أن المعترض إذا أورد القول بالموجب على وجه بغير كلام المستدل عن ظاهره، فلا يقبل منه، ويكون منقطعًا؛ لأن وجوده كعدمه، ولو عدم القول بالموجب لانقطع، فكذا إذا أتى به في حكم المعدوم؛ لأنه بتغير الكلام عن ظاهره، صار كالمناظر لنفسه.

2 وضحه الطوفي فقال: لأن محل النزع عقلًا وعرفًا وشرعًا: إنما هو الخل الطاهر، أما النجس: فمتفق علي أنه لا يزيل النجاسة، فصار كالنقض العام على العلة؛ لأن النجس لما لم يكن بإزالته للنجاسة قائل، صار مرفوضًا لا يفرض فيه نزاع، ولا يوجه إليه نظر". انظر: شرح المختصر"3/ 563".

ص: 331

[أسئلة أخرى ترد على القياس]

وقد يعترض على القياس بغير ما ذكرناه:

كقول نفاة القياس: هذا استعمال للقياس في الدين، ولا نسلم أنه حجة1.

وقول الحنفية: هذا استعمال للقياس في الحدود والكفارات أو في "المظانّ"2، ونحو ذلك مما بينا مسائله فيما مضى، وذكرنا حجة خصومنا، والجواب عنها، فلا حاجة إلى إعادته3.

وقد اختلف في وجوب ترتيب الأسئلة.

ولا خلاف في أنه أحسن وأولى. والله سبحانه وتعالى أعلم.

1 كما يقول الظاهرية

2 يعنى: الأسباب.

3 قال: الطوفي في شرحه "3/ 565": "جميع الأسئلة المذكورة- على تعددها- راجعة عند التحقيق إلى منع حال الدليل ليسلم مذهب المعترض من إفساده له، أو إلى معارضة الدليل بما يقاومه أو يترجح عليه، لتضعف قوته عن إفساد مذهب المعترض".

ص: 332