الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الترجيح بأمر خارج: فبأمور:
منها: أن يشهد القرآن أو السنة أو الإجماع بوجوب العمل على وفق الخبر، أو يعضده قياس، أو يعمل به الخلفاء، أو يوافقه قول صحابي، كموافقة خبر التغليس قوله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} .
الثاني: أن يختلف في وقف أحد الخبرين على الراوي، والآخر متفق على رفعه.
الثالث: أن يكون راوي أحدهما قد نُقل عنه خلافه، فتتعارض روايتاه، ويبقى الآخر سليمًا عن التعارض، فيكون أولى.
الرابع: أن يكون أحدهما مرسلًا والآخر متصلًا، فالمتصل أولى؛ لأنه متفق عليه، وذلك مختلف فيه1.
1 هذه الأمور الأربعة تقدمت بعينها في الترجيح لأمر يعود إلى المتن، فلعلها مكررة من النساخ.
فصل: في ترجيح المعاني
قال أصحابنا: ترجح العلة بما يرج به الخبر1:
من موافقتنا لدليل آخر من كتاب أو سنة، أو قول صحابي، أو خبر مرسل، أو بكون إحداهما ناقلة عن الأصل، كما قلنا في الخبر. فأما إن كانت إحداهما حاظرة والأخرى مبيحة، أو كانت إحداهما مسقطة للحد، أو موجبة للعتق، ففي الترجيح بذلك اختلاف2:
فرجح به قوم، احتياطًا للحظر ونفي الحد.
1 يريد: أن ما تقدم من وجه ترجيح الأخبار يجري مثله في ترجيح العلة.
2 وذلك أن العلل مستفادة من النصوص، فتتبعها في الخلاف.
ولأن الخطأ في نفي هذه الأحكام أسهل من الخطأ في إثباتها.
ومنع آخرون الترجيح بذلك، من حيث إنهما حكمان شرعيان فيستويان1.
ولأن سائر العلل لا ترجح بأحكامها، فكذا هاهنا.
ورجح قوم العلة بخفة حكمها؛ لأن الشريعة خفيفة. وآخرون بالعكس؛ لأن الحق ثقيل.
وهي ترجيحات ضعيفة.
فإن كانت إحدى العلتين حكمًا، والأخرى وصفًا حسيًّا، ككونه قوتًا أو مسكرًا2.
فاختار القاضي ترجيح الحسية3.
ومال أبو الخطاب إلى ترجيح الحكمية4؛ لأن الحسية كانت موجودة قبل الحكم، فلا يلازمها حكمها، والحكم أشد مطابقة للحكم.
ورجح القاضي: بأن الحسية كالعلة العقلية، والعقلية قطعية، فهي أولى مما يوجب الظن5.
ولأنها لا تفتقر إلى غيرها في الثبوت.
وقيل: هذا كله ترجيح ضعيف.
1 سبق للمصنف توضيح ذلك.
2 كونه "قوتًا" مثال للعلة الحسية، وكونه "مسكرًا" مثال للعلة الحكمية.
3 انظر: العدة "5/ 1531".
4 انظر: التمهيد "4/ 230".
5 هذا الدليل لمذهب القاضي أبي يعلى المتقدم؛ لأن حكاية مذهبه تقدمت قبل ذلك.
وذكر أبو الخطاب ترجيح العلة إذا كانت أقل أوصافًا، لمشابهتها العلة العقلية.
ولأنها أجرى على الأصول1.
وترجيحها بكثرة فروعها وعمومها2.
ثم اختار3 التسوية، وأن هذين لا يرجح بهما؛ لأن العلتين سواء في إفادتهما حكمهما، وسلامتهما من الفساد.
ومتى صحت لم يلتفت إلى كثرة فروعها، ولا كثرة أوصافها.
ورجح العلة المنتزعة من الأصول على ما انتزع من أصل واحد؛ لأن الأصول شواهد للصحة، وما كثرت شواهده كان أقوى في إثارة غلبة الظن.
ورجح العلة المطردة المنعكسة على ما لا ينعكس؛ لأن الطرد والعكس دليل على الصحة ابتداء، لما فيه من غلبة الظن، فلا أقل من أن يصلح للترجيح.
ورجح العلة المتعدية على القاصرة، لكثرة فائدتها.
ومنع ذلك قوم؛ لأن الفروع لا تبني على قوة في ذات العلة، بل القاصرة أوفق للنص.
والأول أولى، فإنها متفق عليها، وهذه مختلف فيها4.
1 انظر: التمهيد "4/ 235".
2 معناه: ترجيح العلة ذات الوصف الواحد على العلة ذات الوصفين فأكثر؛ لأن ذلك الوصف الواحد أكثر فروعًا؛ لأن ثبوت الحكم بها متوقف على وصف واحد، وهذا يجعلها أكثر فروعًا مما توقف على وصفين أو أكثر. انظر شرح الطوفي:"3/ 722".
3 أي: أبو الخطاب، وكذا كل ما بعده نقله المصنف عن أبي الخطاب.
4 قال الطوفي: "اعلم أن العلة القاصرة قد سبق الخلاف فيها هل هي علة صحيحة =
ورجح ما كانت علته وصفًا على ما كانت علته اسمًا؛ لأنه متفق على الوصف، مختلف في الاسم فالمتفق عليه أقوى1.
ورجح ما كانت علته إثباتًا على التعليل بالنفي، لهذا المعنى أيضًا.
ورجح العلة المردودة2 إلى أصل قاسَ الشارعُ عليه، كقياس الحج على الدَّين في أنه لا يسقط بالموت، أولى من قياسهم على الصلاة، لتشبيه النبي صلى الله عليه وسلم له بالدين في حديث الخثعمية3.
= في نفسها أم لا؟ فإن قلنا: ليست صحيحة لم تعارض المتعدية، فلا ترجيح، كغير المطردة مع المطردة، وإن قلنا: هي صحيحة، فاجتمعت مع المتعدية ففيه أقوال:
أحدها: أنهما سواء في الحكم لا رجحان لإحداهما على الأخرى؛ لقيام الدليل على صحتها، كما تقدم في موضعه.
الثاني: أن القاصرة أرجح، فتقدم لوجهين:
أحدهما: أنها مطابقة للنص في موردها -أي: لم يجاوز تأثيرها موضع النص- بخلاف المتعدية فإنها لم تطابق النص، بل زادت عليه، وما طابق النص كان أولى.
الوجه الثاني: أمَْنُ صاحبها -أي المعلل بها- من الخطأ؛ لأنه لا يحتاج إلى التعليل بها في غير محل النص كالمتعدية، فربما أخطأ بالوقوع في بعض مثارات الغلط في القياس، وما أُمِنَ فيه من الخطأ أولى مما كان عرضة له.
القول الثالث: أن المتعدية أرجح، فتقدم؛ لكثرة فوائدها، كالتعليل في الذهب الفضة بالوزن، فيتعدى الحكم إلى كل موزون، كالحديد والنحاس الصفر ونحوه، بخلاف التعليل بالثمنية أو النقدية، فلا تتعداهما، فكان التعليل بالوزن الذي هو وصف متعدٍّ لمحلِّ النقدين إلى غيرهما أكثر فائدة من الثمنية القاصرة عليهما لا تجاوزهما" شرح المختصر "3/ 720، 721".
1 لأن التعليل بالأوصاف متفق عليه، بخلاف التعليل بالأسماء، فإنه محل خلاف، ولأنه أكثر فائدة، كما تقدم في تقديم العلة المتعدية على العلة القاصرة.
2 في الأصل "المردودة" وهو خطأ مطبعي.
3 تقدم تخريجه.
ومتى كان أصل إحدى العلتين متفقًا عليه، والآخر مختلفًا فيه، كانت المتفق على أصلها أولى، فإن قوة الأصل تؤكد قوة العلة.
وكذلك ترجح كل علة قوى أصلها، مثل:
أن يكون أحدهما محتملًا للنسخ، والآخر لا يحتمل.
أو يثبت أحدهما بخبر متواتر، والآخر بآحاد.
أو أحدهما ثابتًا بروايات كثيرة، والآخر برواية واحدة.
أو أحدهما بنص صريح، والآخر بتقدير أو إضمار.
أو يكون أحدهما أصلًا بنفسه، والآخر أصلًا لآخر.
أو أحدهما اتفق على تعليله، والآخر اختلف فيه.
أو يكون دليل أحد الوصفين مكشوفًا1 معينًا، والآخر أجمعوا على أنه بدليل، ولم يكن معينًا.
أو يكون أحدهما مغيرًا للنفي الأصلي، والآخر مبقيًا عليه، فالمغير أولى؛ لأنه حكم شرعي، والآخر نفي للحكم على الحقيقة.
وترجح العلة المؤثرة على الملائمة.
والملائمة على الغريب.
والمناسبة على الشبهية؛ لأنه أقوى في تغليب الظن2. والله -سبحانه- أعلم.
1 أي: ظاهرًا.
2 سبق أن ذكر المصنف أن من اقسام العلة: ثبوتها بالاستنباط، ومنه: إثباتها =
تم الكتاب بحمد الله ومنّه وكرمه.
وصلَّى اللهُ على خير رسله: محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
= بالمناسبة، وأن المناسبة ثلاثة أنواع، أعلاها المؤثر، يليه الملائم، ثم الغريب، فذكر -هنا- أن العلة المؤثرة ترجح على الملائمة، والملائمة ترجح على الوصف الغريب، وأن المناسبة بأنواعها الثلاثة تقدم على الوصف الشبهي؛ لأنها أقوى في إفادة غلبة الظن.
وهذا آخر ما تيسر لنا كتابته من توضيحات على هذا الكتاب، قصدنا بها مساعدة طلبة العلم على فهم الكتاب. وكان الفراغ منها في عصر يوم الجمعة 17 من المحرم 1418هـ بتوقيت أم القرى.
أسال الله -تعالى- أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به كل مشتغل بالعلم إنه جواد كريم.
وصلَّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم.
شعبان بن محمد اسماعيل