الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} وقس عليه كل مسألة.
ألا ترى أن الصحابة- رضي الله عنهم والأئمة من بعدهم قد كانوا يتوقفون في مسائل.
وسئل مالك عن أربعين مسألة فقال في ست وثلاثين: "لا أدري"2. ولم يكن توَقُّفُه في تلك المسائل مخرجًا له عن درجة الاجتهاد. والله أعلم.
1 سورة المائدة [من الآية: 6] ومعنى ذلك: أن الباء ترد المعان كثيرة: منها الإلصاق، وقيل: إنها زائدة، وقيل: للتبعيض.
وقد نقل عن علماء اللغة إنكار مجيئها للتبعيض.
قال الطوفي: "والمأخذ الجيد في تبعيض مسح الرأس غير هذا، وهو من وجهين:
أحدهما: أن الباء استعملت في اللغة تارة بمعنى الإلصاق، نحو: أمسكت الجبل بيدي، أي: ألصقتها به، وتارة للتبعيض، وإن لم تكن موضوعة له، نحو: مسحت برأس اليتيم، ومسحت يدي بالمنديل، وأخذت بثبوت الرجل وبركابه. ولما استعملت في المعنيين بقيت في الآية مترددة بينهما، فكانت مجملة، فاقتصر في مسح الرأس على مطلق الاسم؛ لأنه المتيقن وما عداه مشكوك فيه، فلا يجب بالشك". شرح المختصر "2/ 635".
2 انظر الانتقاء لابن عبد البر ص38، وجامع بيان العلم وفضله ص356.
فصل: مسألة: [في جواز التعبد بالقياس والاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
-]
…
مسألة: [في جواز التعبد بالقياس والاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم]
ويجوز التعبد بالقياس والاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم-للغائب.
فأما الحاضر: فيجوز له ذلك بإذن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأكثر الشافعية يجوزون ذلك بغير اشتراط.
1 سورة المائدة [من الآية: 6] ومعنى ذلك: أن الباء ترد المعان كثيرة: منها الإلصاق، وقيل: إنها زائدة، وقيل: للتبعيض.
وقد نقل عن علماء اللغة إنكار مجيئها للتبعيض.
قال الطوفي: "والمأخذ الجيد في تبعيض مسح الرأس غير هذا، وهو من وجهين:
أحدهما: أن الباء استعملت في اللغة تارة بمعنى الإلصاق، نحو: أمسكت الجبل بيدي، أي: ألصقتها به، وتارة للتبعيض، وإن لم تكن موضوعة له، نحو: مسحت برأس اليتيم، ومسحت يدي بالمنديل، وأخذت بثبوت الرجل وبركابه. ولما استعملت في المعنيين بقيت في الآية مترددة بينهما، فكانت مجملة، فاقتصر في مسح الرأس على مطلق الاسم؛ لأنه المتيقن وما عداه مشكوك فيه، فلا يجب بالشك". شرح المختصر "2/ 635".
2 انظر الانتقاء لابن عبد البر ص38، وجامع بيان العلم وفضله ص356.
وأنكر قوم التعبد بالقياس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يمكن الحكم بالوحي الصريح، فكيف يردهم إلى الظن؟
وقال آخرون: يجوز للغائب، ولا يجوز للحاضر1.
ولنا:
قصة معاذ حين قال: "أجتهد رأيي": فصوّبه2.
وقال لعمرو بن العاص3: "احكم" في بعض القضايا، فقال:"أجتهد وأنت حاضر؟! " فقال: "نعم، إن أصبت فلك أجران، وإن أخطأت فلك أجر"4.
1 خلاصة المسألة: أن في الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم-عدة مذاهب:
أحدها: جواز ذلك للغائب أما الحاضر فلا بد فيه من إذن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيهما: جوازه للغائب وللحاضر بدون إذن منه صلى الله عليه وسلم.
ثالثها: منعه مطلقًا للغائب والحاضر، وهو منقول عن بعض الشافعية وبعض المعتزلة.
رابعًا: التوقف. ولم يذكره المصنف. انظر: شرح الطوفي "3/ 589".
2 تقدم تخريجه.
3 هو: عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم-أسلم عام خيبر سنة سبع من الهجرة، كان من دهاة العرب، وهو الذي فتح مصر في عهد عمر بن الخطاب. توفيى سنة 43هـ. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي "2/ 235-240"، الأعلام "5/ 248-249".
4 أخرجه أحمد في المسند "4/ 205"، والحاكم في المستدرك "4/ 88"، والدارقطني في سننه "4/ 203" ولفظه: أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم-فقال لعمرو: "اقض بينهما" فقال: أقضي بينهما وأنت حاضر يا رسول الله؟! قال: "نعم، إنك إن أصبت فلك عشرة أجور، وإن اجتهدت فاخطأت فلك أجر".
وقال لعقبة بن عامر1 ولرجل من الصحابة: "اجتهد فإن أصبتما فلكما عشر حسنات، وإن أخطأتما فلكما حسنة"3.
وفوض الحكم في بني قريظة إلى سعد بن معاذ4، فحكم، وصوّبه النبي صلى الله عليه وسلم.
1 هو: عقبة بن عامر بن عبس بن مالك الجهني، صحابي جليل روى الكثير من الأحاديث، وكان من القراء وأحد الذين جمعوا القرآن. توفيى سنة 58هـ الإصابة "4/ 520"، حلية الأولياء "2/ 8".
2 في الأصل "ولرجلين"، والمثبت من المستصفى، وهو الذي يتفق مع السياق.
3 أخرجه الدارقطني عن عقبة بن عامر، ولم يذكر معه رجلًا آخر، ولفظه في مجمع الزوائد "4/ 195" عن عقبة بن عامر الجهني- رضي الله عنه: قال: جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم-وعنده خصمان يختصمان، فقال:"اقض بينهما" فقلت: بأبي وأمي أنت أولى بذلك مني: فقال: "اقض بينهما" فقلت: على ماذا؟ فقال: "اجتهد فإن أصبت فلك عشر حسنات، وإن لم تصب فلك حسنة" ثم قال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه حفص بن سليمان الأسدي، وهو متروك.
4 هو: سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاري الأشهلي، سيد الأوس، أسلم على يد مصعب بن عمير قبل الهجرة، شهد بدرًا وأحدًا، وقريظة، والخندق، توفى – رضي الله عنه شهيدًا من جرح أصابه في غزوة الخندق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ" انظر: الإصابة "3/ 87"، أسد الغابة "2/ 373".
5 روى البخاري ومسلم وأحمد عن أبي سعيد الخدري: أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد، فأتاه على حمار، فلما دنا قريبًا من المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قوموا إلى سيدكم، أو خيركم" فقعد عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "إن هؤلاء نزلوا على حكمك" فقال: فإني أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم فقال: "لقد حكمت بما حكم به الملك".
وفي رواية "قضيت بحكم الله عز وجل". انظر: فتح الباري "6/ 165"، صحيح مسلم "3/ 1388، 1389"، مسند الإمام أحمد "3/ 22".