المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: [في ألفاظ العموم] - روضة الناظر وجنة المناظر - ت شعبان - جـ ٢

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌باب: العموم

- ‌مدخل

- ‌فصل: [تعريف العام]

- ‌فصل: [أقسام العام والخاص]

- ‌فصل: [في ألفاظ العموم]

- ‌فصل: [في الخلاف في عموم بعض الصيغ]

- ‌فصل: [في حكم العام الوارد على سبب خاص]

- ‌فصل: [حكاية الفعل من الصحابي تقتضي العموم]

- ‌فصل: [الخطاب المضاف إلى الناس والمؤمنين يعم العبيد والنساء]

- ‌فصل: [العام بعد التخصيص حجة]

- ‌فصل: [العام بعد التخصيص حقيقة]

- ‌فصل: [فيما ينتهي إليه التخصيص]

- ‌فصل: [الخطاب العام يتناول من صدر منه]

- ‌فصل: [العام يجب اعتقاد عمومه في الحال]

- ‌فصل: [تعريف القياس الجلي والخفي]

- ‌فصل: في تعارض العمومين

- ‌فصل: في الاستثناء

- ‌فصل: [في شروط الاستثناء]

- ‌فصل: [في حكم الاستثناء بعد جمل متعددة]

- ‌فصل: في المطلق والمقيد

- ‌فصل: [في حمل المطلق على المقيد]

- ‌باب: في الفحوى والإشارة

- ‌فصل: فيما يقتبس من الألفاظ من فحوها وإشارتها لا من صيغها

- ‌باب: القياس

- ‌فصل: تعريف القياس

- ‌فصل: في العلة

- ‌فصل: [طرق الاجتهاد في إثبات العلة]

- ‌فصل: [الأدلة النقلية للمنكرين للقياس]

- ‌فصل: [الأدلة العقلية للمنكرين للقياس]

- ‌فصل: [في مذهب النظام في الإلحاق بالعلة المنصوصة]

- ‌فصل: [في أوجه تطرق الخطأ إلى القياس]

- ‌فصل: [في أقسام إلحاق المسكوت بالمنطوق]

- ‌فصل: تقسيم المناسب من حيث تأثيره في الحكم أو عدم تأثيره

- ‌فصل: [مراتب الجنسية]

- ‌فصل: [أمور لا تكفي لإفساد علة الخصم]

- ‌فصل: [هل تثبت العلة بشهادة الأصول]

- ‌فصل: [في المسالك الفاسدة]

- ‌فصل: [في حكم العلة إذا استلزمت مفسدة]

- ‌فصل: في قياس الشَّبه

- ‌فصل: في قياس الدلالة

- ‌باب: أركان القياس

- ‌مدخل

- ‌فصل: [الركن الأول: الأصل وشروطه]

- ‌فصل: الركن الثاني: الحكم. [وشروطه]

- ‌فصل: الركن الثالث: الفرع [وشروطه]

- ‌فصل: الركن الرابع: العلة

- ‌باب: [كتاب الاجتهاد]

- ‌فصل: في حكم المجتهد

- ‌فصل: [شروط المجتهد]

- ‌فصل: مسألة: [في جواز التعبد بالقياس والاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل: [في تعبد النبي صلى الله عليه وسلم-بالاجتهاد]

- ‌فصل: [في خطأ المجتهد وإصابته]

- ‌فصل: [في تعارض الأدلة]

- ‌فصل: [هل للمجتهد أن يقول قولين في مسألة واحدة]

- ‌فصل: [المجتهد لا يقلد غيره]

- ‌فصل: [إذا نصّ المجتهد على حكم لعلة في مسألة فهو مذهبه في كل ما توجد فيه هذه العلة]

- ‌فصل: في التقليد

- ‌فصل: [فيمن يستفتيه العامّي]

- ‌فصل: [إذا تعدد المجتهدون فللمقلد سؤال من شاء]

- ‌باب: في ترتيب الأدلة ومعرفة الترجيح

- ‌مدخل

- ‌فصل: [تعريف التعارض]

- ‌فصل: في ترجيح المعاني

- ‌الفهارس

- ‌موضوعات الجزء الثاني:

- ‌الفهارس العامة:أولًا: فهرس الآيات القرآنية

- ‌ثانيا: فهرس الأحاديث

- ‌ثالثا: فهرس الآثار

- ‌رابعا: فهرس الأبيات الشعرية

- ‌خامسًا: فهرس الأعلام

- ‌سادسًا: فهرس الفرق والطوائف والملل:

- ‌سابعًا: فهرس المراجع:

- ‌باب: بيان بالأخطاء المطبعية التي وقعت في كتاب

الفصل: ‌فصل: [في ألفاظ العموم]

‌فصل: [في ألفاظ العموم]

1

وألفاظ العموم خمسة أقسام:

"واعلم أن اللفظ إما خاص في ذاته مطلقًا، نحو: زيد، وهذا الرجل. وإما عام بالإضافة، كلفظ "المؤمنين" فإنه عام بالإضافة إلى آحاد المؤمنين، خاص بالإضافة إلى جملتهم، إذ يتناولهم دون المشركين، فكأنه يسمى عامًّا من حيث شموله للآحاد، خاصًّا من حيث اقتصاره على ما شملهن وقصوره عما لم يشمله، ومن هذا الوجه يمكن أن يقال: ليس في الألفاظ عام مطلق؛ لأن لفظ المعلوم لا يتناول المجهول، والمذكور لا يتناول المسكوت عنه"

المستصفى "3/ 213" وانظر: شرح الطوفي "2/ 461" وما بعدها"

1 مذهب جمهور الأصوليين أن للعموم صيغ وألفاظ تخصه، حقيقة فيه، وذهب بعض العلماء إلى نفي ذلك. وقد وضحه الشوكاني فقال:"ذهب الجمهور إلى أن العموم له صيغة موضوعة له حقيقة، وهي: أسماء الشرط، والاستفهام، والموصولات، والجموع المعرفة تعريف الجنس، والمضافة، واسم الجنس، والنكرة المنفية، والمفرد المحلى باللام، ولفظ "كل" و"جميع" ونحوها. قال: لأن الحاجة ماسة إلى الألفاظ العامة؛ لتعذر جمع الآحاد على المتكلم فوجب أن يكون لها ألفاظ موضوعة حقيقة؛ لأن الغرض من وضع اللغة: الإعلام والإفهام".

ثم بعد أن استوفى أدلة الجمهور قال: "وقال محمد بن المنتاب، من المالكية، ومحمد بن شجاع الثلجي، من الحنفية: إنه ليس للعموم صيغة تخصه، وأن ما ذكروه من الصيغ موضوع في الخصوص، وهو أقل الجمع: إما اثنان، أو ثلاثة -على الخلاف في أقل الجمع- ولا يقتضي العموم إلا بقرينة.

قال القاضي في التقريب، والإمام في البرهان: يزعمون أن الصيغ الموضوعة للجمع نصوص في الجمع محتملات فيما عداه، إذا لم تثبت قرينة تقتضي تعديها عن أقل المراتب" إرشاد الفحول "1/ 425-426" وانظر: البرهان "1/ 322". =

ص: 10

الأول: كل اسم عرّف بالألف واللام لغير المعهود1.

وهو ثلاثة أنواع:

الأول: ألفاظ الجموع، كالمسلمين والمشركين، والذين.

والنوع الثاني: أسماء الأجناس، وهو ما لا واحد له من لفظه، كالناس، والحيوان، والماء، والتراب.

والنوع الثالث: لفظ الواحد2: كالسارق، والسارقة، والزاني، والزانية، و {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْر} 13.

القسم الثاني: من ألفاظ العموم: ما أضيف من هذه الأنواع الثلاثة4 إلى معرفة، كعبيد زيد، ومال عمرو5.

= قال الشوكاني: "ولا يخفاك أن قولهم: موضوع للخصوص. مجرد دعوى ليس عليها دليل، والحجة قائمة عليهم لغة وشرعًا وعرفًا، وكل من يفهم لغة العرب واستعمالات الشرع لا يخفى عليه هذا".

1 لأن المعرف بلام العهد ليس عامًّا، وإنما يدل على ذات معينة، مثل:"لقيت رجلًا، فقلت للرجل".

2 ويعبر عنه: بالمفرد المحلى باللام غير العهدية، وكونه من صيغ العموم هو مذهب الشافعي وأحمد وابن برهان وأبي الطيب والبويطي ونقله الآمدي عن أكثر العلماء، ونقله الفخر الرازي عن الفقهاء والمبرد، وهو الذي رجحه البيضاوي وابن الحاجب. انظر القواعد والفوائد الأصولية ص194، نهاية السول "2/ 80"، شرح الكوكب المنير "3/ 133-134".

3 سورة العصر2. والدليل على أن اللام هنا للجنس: الاستثناء الوارد بعدها، وهو قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر} .

4 وهي: ألفاظ الجموع، وأسماء الأجناس، والمفرد المحلى بالألف واللام.

5 المثال الأول: جمع منكر، مضاف إلى معرفة، والثاني: اسم جنس مضاف لمعرفة أيضًا. =

ص: 11

القسم الثالث: أدوات الشرط: كـ"مَن" فيمن يعقل، و"ما" فيما لا يعقل، و"أي" في الجميع1، و"أين" و"أيان" في المكان2 و"متى" في الزمان، ونحوه.

كقوله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه} 3 و {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاق} 4 و {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْت} 5، وقوله عليه السلام:"أيُّما امرأةٍ نكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَليِّهَا...."6.

= ومثال المفرد المحلى بالألف واللام: السارق، والزانية. قال الطوفي:"وهو إذا أضيف إلى معرفة لا يقتضي العموم؛ لأنه لا جمع في لفظه، بخلاف عبيد، ومال؛ لأن فيهما جمعًا حقيقيًّا في نحو: عبيد زيد أو معنويًّا في نحو: مال زيد، والمال جنس يشمل أنواعًا، أما السارق والزاني ونحوهما، فلم يوضع لفظه ليدل على جمع لفظي ولا معنوي، بل ليدل على ذات متصفة بفعل صدر عنها، أو قام بها، وليس من لوازم ذلك: جمع ولا إفراد إلا بطريق الفرض". شرح الطوفي "2/ 467".

1 أي: تشمل من يعقل ومن لا يعقل.

2 هكذا في جميع النسخ، ولعل ذلك من تحريف النساخ، فإن "أيان" للزمان، دل على ذلك القرآن الكريم. قال الله تعالى:{يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [الأعراف: 187، والنازعات: 42] .

قال الشيخ الطوفي: "وجعل الشيخ أبو محمد أين وأيان جميعًا للمكان، وهو سهو، بل أين وحدها للمكان، وأيان للزمان؛ لأن أصلها: أيَّ أوَانٍ يكون كذا، ثم ركبت الكلمتان بعد الحذف تخفيفًا، وجعلا كلمة واحدة...." شرح مختصر الروضة "2/ 471 وما بعدها".

3 سورة الطلاق من الآية "3".

4 سورة النحل من الآية "96".

5 سورة النساء من الآية "78".

6 أخرجه أبو داود: كتاب النكاح -باب الولي- من حديث عائشة، رضي الله عنها =

ص: 12

= مرفوعًا بلفظ: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل". كما أخرجه عنها: الترمذي: كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي، وقال:"حديث حسن"، وابن ماجه: كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي، وأحمد في مسنده "6/ 47"، كما رواه الدارمي والدارقطني والحاكم وغيرهم. انظر: نصب الراية للزيلعي "3/ 184-185".

1 سورة آل عمران من الآية "185".

2 سورة الأعراف من الآية "34".

3 سورة الزمر من الآية "62".

4 سورة الأنعام من الآية "101"

5 سورة البقرة من الآية "255".

أما النكرة في سياق الأمر: ففيها خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: تفيد العموم مثل النكرة في سياق النفي، ومنهم من قال: لا تفيد العموم، وهو رأي الجمهور.

ومن أمثلته: "أعتق رقبة" فالجمهور يقولون: إنه لا يفيد العموم، لأنه مطلق، والمطلق ليس بعام، كما تقدم في تعريفه.

وقال البعض: إنه يعم؛ لأنه لو لم يكن عامًّا، لما خرج المأمور عن عهدة الأمر بعتق أي رقبة كانت.

قال الطوفي: "وفي هذا نظر؛ لأنه إنما خرج عن عهدة الأمر بذلك؛ لأنه مأمور برقبة مطلقة، والمطلق يكفي في امتثاله إيجاد فرد من أفراده؛ لأن الواجب فيه تحصيل الماهية، وهي حاصلة بفرد من أفراده، كما لو قال: صلِّ صلاةًَ، أو: صم يومًا. والله تعالى أعلم". شرح مختصر الروضة "2/ 473".

ص: 13

قال البستي1: الكامل في العموم: هو الجمع، لوجود صورته ومعناه، وما عداه قاصر في العموم؛ لأنه بصيغته إنما يتناول واحدًا، لكنه ينتظم جمعًا من المسميات معنى، فالعموم قائم بمعناها، لا بصيغتها.

[هل للعموم صيغة تخصه حقيقة] 2

واختلف الناس في هذه الأقسام الخمسة:

فقالت الواقفية: لا صيغة للعموم، بل أقل الجمع داخل فيه بحكم الوضع، وفيما زاد عليه، فيما بين الاستغراق وأقل الجمع: مشترك كاشتراط لفظ "النفر" بين الثلاثة والخمسة3.

وحكي مثل ذلك عن محمد بن شجاع الثلجي4.

1 هو: حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي، من أهل "بست" من بلاد "كابول" فقيه محدث، من نسل زيد بن الخطاب "أخي عمر بن الخطاب" ولد سنة "319هـ".

من مؤلفاته: معالم السنن في شرح سنن أبي داود، بيان إعجاز القرآن. توفي سنة "388هـ" انظر: وفيات الأعيان "1/ 166" والأعلام "2/ 304" وخلاصة رأيه: أن لفظ الجمع، كالمسلمين، والمشركين، أكمل في باب العموم من غيره من ألفاظ العموم الأخرى؛ لأن لفظ الجمع يفيد التعدد، كما أن معناه يفيد التعدد أيضًا، بخلاف غيره، فإن التعدد في مدلوله، لا في لفظه، انظر شرح ذلك بتوسع في شرح مختصر الروضة "2/ 474-475".

2 سبق أن أوضحنا مذاهب العلماء في هذه المسألة في أول فصل: ألفاظ العموم.

3 خلاصة رأي الواقفية: أن الصيغ المتقدمة لم توضع لعموم ولا لخصوص، بل موضوعة لأقل الجمع "على الخلاف في أقله كما سيأتي" وما زاد على أقل الجمع يكون مشتركًا بينه وبين الاستغراق. انظر: المستصفى "3/ 250"، وشرح مختصر الروضة "2/ 475" وما بعدها.

4 هو: محمد بن شجاع الثلجي البغدادي، أبو عبد الله، فقيه العراق في وقته، من =

ص: 14

قالوا1: لأن أقل الجمع مستيقن، وفيما زاد مشكوك، يحتمل أن يكون مرادًا، وأن لا يكون مرادًا، فيحمل على اليقين2.

ولأن3 وضع هذه الصيغ للعموم: إما أن يعلم بعقل، أو بنقل.

فالعقل لا مدخل له في اللغات.

والنقل: إما تواتر، وإما آحاد:

فالآحاد لا يحتج بها.

والتواتر لا يمكن دعواه.

ثم لو كان لأفاد علمًا ضروريًّا.

ولأنا4 لما رأينا العرب تستعمل الألفاظ المشتركة في جميع مسمياتها: قضينا بأنها مشتركة، وأن من ادعى أنها حقيقة في أحدهما، مجاز في الآخر: كان متحكمًا.

وهذه الصيغ تستعمل في العموم والخصوص، بل استعمالها في الخصوص أكثر في الكتاب والسنة، وليس أحدهما أولى من الآخرن فهما قولان متقابلان، فيجب تدافعهما، والقول والاعتراف بالاشتراك.

ولأنه5 يحسن الاستفهام، فلو قال:"من دخل داري فأعطه درهمًا"

= أصحاب أبي حنيفة، شرح فقه الإمام أبي حنيفة، واحتج له، كان يميل إلى الاعتزال، ولد سنة "181هـ" وتوفي سنة "266هـ" انظر: الوافي بالوفيات "3/ 148" والأعلام "6/ 157".

1 أي: الواقفية ومن معهم. وهو منسوب لأبي الحسن الأشعري، وأبي بكر الباقلاني، وبعض المتكلمين.

2 هذا هو الدليل الأول لهم.

3 هذا هو الدليل الثاني

4 هذا دليل ثالث لهم.

5 هذا دليل رابع.

ص: 15

حسن أن يقول: "وإن كان فاسقًا"؟ ولو عم اللفظ: لما حسن الاستفسار. ولنا دليلان1:

أحدهما: إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنهم مع أهل اللغة بأجمعهم، أجروا ألفاظ الكتاب والسنة على العموم، إلا ما دل على تخصيصه دليل؛ فإنهم كانوا يطلبون دليل الخصوص، لا دليل العموم: فعملوا بقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُم} 2 واستدلوا به على إرث فاطمة3 رضي الله عنها حتى نقل أبو بكر، رضي الله عنه:"نحنُ معاشِرَ الأنْبِيَاءِ لا نُورَثُ، ما تَرَكْنَاه صَدَقة"4.

1 بدأ المصنف يستدل لمذهب الجمهور على أن الصيغ المتقدمة موضوعة للعموم، فتحمل على عمومها، حتى يدل دليل على الخصوص.

2 سورة النساء من الآية "11".

3 هي: فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة رضي الله عنها ولدت قبل البعثة بستة أشهر، وهي أصغر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها علي بن أبي طالب- رضي الله عنه بعد واقعة أحد، وهي أم الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم، ولها مناقب عظيمة، فهي سيدة نساء المؤمنين. توفيت رضي الله عنها سنة "11هـ" بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر. انظر: الإصابة "4/ 377" والاستيعاب "4/ 373"، حلية الأولياء "2/ 39".

4 حديث صحيح: أخرجه البخاري: كتاب الخُمس- باب فرض الخُمس- حديث"2" وكتاب فضائل الصحابة - باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث "207" وكتاب المغازي - باب غزوة خيبر حديث "256"، وكتاب الفرائض- باب قول النبي، صلى الله عليه وسلم:"لا نورث ما تركنا صدقة".

كما أخرجه مسلم: كتاب الجهاد -باب قول النبي، صلى الله عليه وسلم:"لا نورث ما تركنا فهو صدقة"، حديث "52/ 1759" عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر رضي الله عنه تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما أفاء الله عليه بالمدينة وفَدَك ومما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم =

ص: 16

وأجروا {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَة} {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} 2، و {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا} 3، و {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم} 5 و {لا تَقْتُلُوا الصَّيْد} 6، و "لَا تُنْكَحُ المَرْأَة على عَمَّتِها""ومَنْ أَغْلَقَ عليه بابَهُ فهو آمِنٌ"8، و " لا يَرِثُ القَاتِلُ" 9، وغير ذلك مما لا يحصى على العموم

= قال: "لا نورث ما تركناه صدقة" وللحديث روايات أخرى صحيحة. يراجع فيها: المنتقى ص524.

1 سورة المائدة من الآية "38".

2 سورة النور من الآية "2".

3 سورة الإسراء من الآية "33".

4 سورة البقرة من الآية "278".

5 سورة النساء من الآية "29".

6 سورة المائدة من الآية "95".

7 حديث صحيح: أخرجه البخاري -كتاب النكاح- باب لا تنكح المرأة على عمتها- من حديث جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها، وفي رواية: نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها.

كما أخرجه مسلم: كتاب النكاح -باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح- من حديث أبي هريرة.

وأخرجه عنه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه وغيرهم. انظر: نصب الراية "3/ 169/ 170".

8 أخرجه مسلم: كتاب الجهاد والسير -باب فتح مكة، وأبو داود: كتاب الخراج والفيء والإمارة- باب ما جاء في خبر مكة -ولفظه: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن" كما أخرجه أحمد في المسند "2/ 292، 538".

9 أخرجه مالك في الموطأ: كتاب العقول -باب ما جاء في ميراث العقل والتغليظ =

ص: 17

ولما نزل قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 1 قال ابن أم مكتوم2: "إني ضرير البصر" فنزل: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَر} فعَقَل الضرير وغيره من عموم اللفظ3.

ولما نزل {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} 4 قال ابن الزبعري5: لأخصمن محمدًا، فقال له: قد عُبدت الملائكة

= فيه -عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس للقاتل شيء".

كما أخرجه أبو داود: كتاب الديات- باب ديات الأعضاء، وابن ماجه: كتاب الديات- باب القاتل لا يرث، وأحمد في المسند "1/ 49"، والبيهقي: كتاب الفرائض- باب لا يرث القاتل. السنن الكبرى "6/ 220".

قال المصنف في المغني "9/ 150": "أجمع أهل العلم على أن قاتل العمد لا يرث من المقتول شيئًا، إلا ما حكي عن سعيد بن المسيب وابن جبير، أنهما ورّثاه، وهو رأي الخوارج، لأن آية الميراث تتناوله بعمومها، فيجب العمل بها فيه. ولا تعويل على هذا القول؛ لشذوذه، وقيام الدليل على خلافه".

1 سورة النساء، من الآية "95".

2 هو: عمرو بن أم مكتوم بن قيس بن زائدة، صحابي جليل، وهو الذي نزل في حقه أول سورة "عبس وتولى"، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها يزيد في إكرامه، وكان يستخلفه على الصلاة في المدينة في أكثر غزواته، روى أنه شهد القادسية واستشهد بها، رضي الله عنه.

انظر: الإصابة "4/ 87، 4/ 600"، البداية والنهاية "7/ 49".

3 عبارة الغزالي في المستصفى "3/ 233": "فعَقل الضرير وغيره عموم لفظ المؤمنين" وهي أوضح من عبارة المصنف.

4 سورة الأنبياء من الآية "98".

5 هو: عبد الله بن الزبعري بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي، صحابي جليل، كان من شعراء قريش، ومن أشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم =

ص: 18

والمسيح، أفيدخلون النار؟ فنزل:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُون} 1.

فعقَل العموم، ولم ينكر عليه، حتى بين الله -تعالى- المراد من اللفظ. ولما أراد أبو بكر رضي الله عنه قتال مانعي الزكاة، قال له عمر: كيف تقاتلهم وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أنْ أقاتِلَ الناس حَتَّى

= وللمسلمين، ثم أسلم بعد فتح مكة، وحسن إسلامه، واعتذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل عذره، انظر في ترجمته "الإصابة 2/ 300-303"، أسد الغابة 3/ 239-240".

1 سورة الأنبياء الآية "101".

والقصة رواها الطبراني في الكبير "12739" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُون} قال عبد الله بن الزبعري: أنا أخصم لكم محمدًا، فقال: يا محمد، أليس فيما أنزل الله عليك:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُون} قال: "نعم" قال: فهذه النصارى تعبد عيسى، وهذه اليهود تعبد عزيرًا، وهذه بنو تميم تعبد الملائكة، فهؤلاء في النار؟ فأنزل الله، عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} كما أوردها السيوطي في الدر المنثور "5م 679"، والحاكم في المستدرك

2/ 384-385"، وابن جرير في تفسيره "17/ 97-98" وعوّل على أن "ما" في قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُون} عند العرب لغير العاقل

أما ابن كثير فقال: "وهذا الذي قاله ابن الزبعري خطأ كبير؛ لأن الآية إنما نزلت خطابًا لأهل مكة في عبادتهم الأصنام التي هي جماد لا تعقل، ليكون ذلك تقريعًا وتوبيخًا لعابديها، ولهذا قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّم} فكيف يورد على هذا المسيح والعزير ونحوهما ممن له عمل صالح ولم يرض بعبادة من عبده"؟!

ص: 19

يقولوا: يقولوا لا إِلَه إِلّا اللهُ

" 1 الحديث. فلم ينكر أبو بكر احتجاجه، بل قال: أليس قد قال: "إِلّا بِحَقِّهَا" والزكاة من حقها.

واختلف عثمان وعلي في الجمع بين الأختين2:

فاحتج عثمان بقوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم} 3.

واحتج علي بعموم قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْن} 4.

1 حديث صحيح: أخرجه البخاري: كتاب الزكاة- باب وجوب الزكاة، وفي كتاب الاعتصام- باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا ولفظه:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها".

كما أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وأبو داود: كتاب الجهاد، باب علام يقاتل المشركون؟

كما أخرجه ابن ماجه، والترمذي، والنسائي وغيرهم.

2 أي: بملك اليمين، أما الجمع بين الأختين في الزواج فمجمع على تحريمه، لقوله -تعالى- في آية المحرمات من النساء:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْن} .

3 سورة المؤمنون "6" والمعارج "30".

4 سورة النساء من الآية "23".

فآية سورة "المؤمنون" و"المعارج" تفيد إباحة الجمع، وآية سورة النساء تفيد التحريم، ولذلك روي عن عثمان رضي الله عنه لما سئل عن الجمع بين الأختين، بملك اليمين قال:"لا آمرك ولا أنهاك، أحلتهما آية وحرمتهما آية"، والتحريم أولى" انظر: تفسير القرطبي "5/ 117"، والموطأ "3/ 148".

ص: 20

ولما سمع عثمان بن مظعون1 قول لبيد2:

....................

وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحالَةَ زَائلُ

قال له: كذبت، إن نعيم الجنة لا يزول3.

وهذا وأمثاله مما لا ينحصر كثرة، يدل على اتفاقهم على فهم العموم من صيغته، والإجماع حجة.

ولو لم يكن إجماعهم حجة، لكان حجة من حيث إنهم أهل اللغة، وأعرف بصيغتها وموضوعاتها.

1 هو: عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب، القرشي الجمحي، أبو السائب، صحابي جليل، هاجر الهجرتين، وشهد بدرًا، توفي سنة "2هـ" ودفن بالبقيع. انظر: الإصابة "2/ 464" والاستيعاب "3/ 58".

2 هو: لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة، أبو عقيل الشاعر المعروف، صاحب المعلقة. قال النبي، صلى الله عليه وسلم: "أصدق كلمة قالها شاعر: كلمة لبيد:

أَلا كُلُّ شيءٍ ما خَلا اللهَ باَطِلُ".

مات بالكوفة سنة "41هـ" انظر الإصابة "5/ 675" والاستيعاب "3/ 1235". وقول لبيد هذا: عجز بيت صدره:

ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطل

................................

انظر: ديوان لبيد ص256، الشعر والشعراء لابن قتيبة "1/ 297".

3 انظر: الموشح للمرزباني ص100، وقد نسب هذا التكذيب إلى أبي بكر، رضي الله عنه.

والأدلة على أن نعيم الجنة دائم لا ينقطع كثيرة، منها قوله تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108] وجاء في الصحيحين "يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت". انظر: تفسير ابن كثير "2/ 442" طبعة دار زمزم.

ص: 21

المسلك الثاني1: أن صيغ العموم يحتاج إليها في كل لغة، ولا تختص بلغة العرب.

فيبعد جدًّا أن يغفل عنها جميع الخلق، فلا يضعونها مع الحاجة إليها.

ويدل على وضعه2: توجه الاعتراض على من عصى الأمر العام، وسقوطه عمن أطاع، ولزوم النقض والخلف على الخبر العام، وبناء الاستحلال3 والأحكام على الألفاظ العامة.

فهذه أربعة أمور تدل على الغرض.

وبيانها: أن السيد إذا قال لعبده: "من دخل داري فأعطه رغيفًا" فأعطى كل داخل: لم يكن للسيد أن يعترض عليه.

ولو قال: "لِمَ أعطيت هذا وهو قصير" وإنما أردت الطوال؟

فقال: "ما أمرتني بهذا، وإنما أمرتني بإعطاء كل داخل" فعرض هذا على العقلاء: رأوا اعتراض السيد ساقطًا، وعذر العبد متوجهًا.

ولو أن العبد حرَم واحدًا، فقال له السيد:"لِمَ لم تعطه"؟ فقال: "لأن هذا أسود، ولفظك ما اقتضى العموم، فيحتمل أنك أردت الأبيض" استوجب التأديب عند العقلاء، وقيل له:"ما لك وللنظر إلى اللون، وقد أمرت بإعطاء كل داخل"؟

1 أي: الدليل الثاني على أن هذه الصيغ موضوعة للعموم، وكان قد قال في بداية كلامه:"ولنا دليلان".

2 أي: مما يدل على أنها موضوعة للعموم: توجه الاعتراض على من يعصي أمر المتكلم بكلام عام، وسقوط هذا الاعتراض عمن أطاع.

3 أي: كونه حلالًا.

ص: 22

وأما النقض: فإنه لو قال: "ما رأيت أحدًا" وكان قد رأى جماعة: كان كلامه خلفًا1 ومنقوضًا وكذبًا.

ولذلك قال الله تعالى: {

قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} 2. وإنما أورد هذا نقضًا على كلامهم، فإن لم يكن هذا عامًّا: فلِمَ أورد النقض عليهم؟

فإن هم أرادوا3 غير موسى، فلِمَ لزم دخول موسى تحت اسم البشر؟

وأما إثبات الاستحلال والأحكام: فإذا قال: "أعتقت عبيدي وإمائي" ومات عقيبه، جاز لمن سمع أن يزوج عبيده، ويتزوج من إمائه بغير رضا الورثة.

ولو قال: "العبيد الذين في يدي ملك فلان": كان إقرارًا محكومًا "به"4 في الكل.

ولو ادعى على رجل دينًا فقال5: "مالك عليّ شيء" كان إنكارًا لدعواه، ولو حلف على ذلك: بريء في الحكم

1 في المصباح المنير "1/ 179": "الخَلْف: وزان فلس: الرديء من القول، يقال: سكت ألفًا ونطق خلْفًا: أي: سكت عن ألف كلمة، ثم نطق بخطإ. وقال أبو عبيد في كتاب الأمثال: الخلف من القول: هو السقط الرديء، كالخلْف من الناس".

2 سورة الأنعام من الآية "91".

3 في جميع النسخ "فلعلهم أرادوا" وما أثبتناه من المستصفى لوضوحه.

4 ما بين القوسين من المستصفى.

5 أي: المدعى عليه، والسبب في ذلك: أن الأصل براءة ذمته، ولذلك اكتفى منه باليمين، بخلاف الصورة الآتية.

ص: 23

ولو كان له عليه دين، فحلف هذه اليمين، كان كاذبًا آثمًا1.

وبناء أمثال هذه الأحكام على العموم لا ينحصر.

فإن قيل: إنما ثبت هذا الذي ذكرتموه بالقرائن، لا بمجرد اللفظ.

قلنا: هذا باطل؛ فإنه لو قدر انتفاء القرائن: لفهم العموم: فإنه لو قدر أن سيدًا أمر عبدًا له لم يعرف له عادة، ولا عاشره زمانًا بأمر عام، ولا يعلم له غرضًا في إثباته وانتفائه، لتمهد عذره في العمل بعمومه، وتوجه إليه اللوم بترك الامتثال.

ولو قال: "كل عبد لي حرٌّ" ولم تعلم منه قرينة أصلًا: حكمنا بحرية الكل.

وتقدير قرينة -ههنا- كتقدير قرينة في سائر أنواع أدلة الكتاب والسنة، وهذا يبطلها بأسرها.

ولأن اللفظ لو لم يكن للعموم: لخلا عن الفائدة، واختلت أوامر الشرع العامة كلها؛ لأن كل واحد يمكنه أن يقول:"لم أعلم أنني مراد بهذا الأمر، ولا في اللفظ دلالة على أنني مراد به، ولا يلزمني الامتثال". وكذلك النواهي، يقول:"لست مخاطبًا بالنهي لعدم دلالته على العموم في حقي" فتختل الشريعة، وتبطل دلالة الكتاب والسنة.

ولا يصح من أحد الاحتجاج بلفظ عام في صورة خاصة، لعدم دلالته عليها. ولا يقدر أحد أن يأمر جماعة، ولا ينهاهم، ولا يذكر لهم شيئًا يعمهم بلفظ واحد.

1 لأنه أقر له بالحق، فالحق ثابت في ذمته، فلو حلف على أنه أداه لم يقبل منه، فلا بد من البينة على أنه قد أداه، حتى تبرأ ذمته. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى -وهي محل الشاهد- أن الأول خاص والثاني عام.

ص: 24

وهذا باطل يقينًا، وفاسد قطعًا، فوجب اطّراحه.

وأما حجة الواقفية: فحاصلها: مطالبة بالدليل، وليس بدليل1.

ثم قد ذكرنا وجه الدليل على التعميم، وأنها إنما تستعمل على الخصوص مع قرينة.

وإنما حسن الاستفسار عن الفاسق؛ لأنه يفهم من الإعطاء: الإكرام، ويفهم من عادة الناس أنهم لا يكرمونهم.

فلتوهم القرينة المخصصة: حسن السؤال.

ولذلك: لم يحسن في بقية الصفات، ولأنه لو لم يراجع، وأعطى الفاسق: لكان عذره متمهدًا.

ثم إنه إنما حسن الاستفهام لظهور التجوز به عن الخصوص، فلذلك كان للمستفهم الاحتياط في طلبه.

ولهذا دخل التوكيد في الكلام، لرفع اللبس، وإزالة الاتساع.

ولهذا يحسن الاستفهام في الخاص، فإذا قال:"رأيت الخليفة" قيل له: "أنت رأيته"؟!

1 أي: أن حجة الواقفية: هي مطالبة الجمهور بدليل يدل على العموم، والمطالبة بالدليل لا تعتبر دليلًا، ومع ذلك أقام المصنف الأدلة على أنها تفيد العموم، ولا تدل على الخصوص إلا مع قرينة.

ص: 25